المقالات

18 فبراير 2020

إحتياجات الصوم الكبير

1- التوبة القلبية:- إن الصوم الكبير هو موسم التوبة وتجديد العهود هو موسم العودة إلى أحضان المسيح نرتمي فيه ونبكي علي الزمان الردئ الذى مضي (1 بط 3:4).وتظل الكنيسة طول الصوم تبرز لنا نماذج رائعة للتوبة: الابن الضال، السامرية، المخلّع، المولود أعمى...إلخ وتوضح أيضاً كيف أن لمسة الرب يسوع شافية للنفس والجسد والروح ومجددة للحواس وباعثة للحياة. 2- الهدوء والصمت:- إن ايقاع الحياة الصاخب وعنف متطلبات المعيشة وكثرة الانشغال والهموم جعلوا الانسان يفقد معناه وانسانيته، وحوّلوه لمجرّد ترس في ماكينة ضخمة يتحرك بتحركها ويقف بوقوفها والانسان اليوم يعيش في تشتت مرعب يبدد قوي الجسم والعقل والنفس فكم بالحري قوي الروح، فنحن في أكثر الاحتياج إلي الهدوء والصمت حتى نغوص ونبحث فى أعماق نفوسنا بعيداً عن تأثير المشتتات الخارجية ونعتبرها رحلة لضبط الاتجاهات ونختزل كل شئ غير ضروري في برنامجنا اليومي مثل: الأحاديث الباطلة، الثرثرة، والمكالمات التليفونية الطويلة. وغيرها، وبذلك نجد وقت للتمتع بالهدوء والصمت وخشوع العبادة والتأمل ومعرفة ضعفاتنا وإيجاد نفوسنا مع الله. 3- العطاء:- " لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يُسرّ الله " (عب 16:13). إن الرحمة وروح العطاء إنما هما دليل علي القلب الزاهد المحب لله إنه القلب الذى يسعد بالعطاء يفرح لفرح الآخرين. والعطاء هو وسيلة لتقديسنا وكذلك الصدقة هي طريق الكمال، فالصوم هنا فرصة للتعبير العملي عن إيماننا الحقيقي. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
17 فبراير 2020

بين القوة والعنف

كثرت أحداث العنف في هذه الأيام في مجتمعنا المصري الهادئ بطبعه، والمُعبَّق بالمحبة كطبيعته. ويظن البعض أو القِلّة التي تستخدم العنف والقتل، أنه لون من القوة. بينما العنف ضعف، فالقوة تساعد لكن العنف يُسيء للآخرين، ويدل على تعصب ديني أو أفكار خاطئة أو خضوع لأعصاب ملتهبة تُترجَم إلى شتائم أو سباب بعبارات لا تليق، وكلها خطايا لا تليق تَنُمّ عن رغبة في الانتقام أو التسيُّد على المجتمع، ورغبة في التخلُّص من الآخر بدلًا من الوحدة معه كنسيج قوي يحمل فضائل المحبة والاحتمال والاتضاع والوداعة ونبذ العنف، كمجتمع قوي يؤمن بالله القوي، وليس مجتمعًا يتخذ أسلوب العنف الذي هو الضعف، بل والشر في صور عديدة بغيضة يُقَسَّم المجتمع، وينتج عن هذا عواقب وخيمة وشريرة.. لذلك ينصح معلمنا بولس الرسول في مواجهة الصعوبات: «بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كخُدّامِ اللهِ، في صَبرٍ كثيرٍ: في شَدائدَ، في ضَروراتٍ، في ضيقاتٍ، في ضَرَباتٍ، في سُجونٍ، في اضطِراباتٍ، في أتعابٍ، في أسهارٍ، في أصوامٍ، في طَهارَةٍ، في عِلمٍ، في أناةٍ، في لُطفٍ، في الرّوحِ القُدُسِ، في مَحَبَّةٍ بلا رياءٍ» (2كو6: 4-6).+ مصادر العنف: الرغبة في التسلّط، والتباهي بالجريمة، وإرهاب الناس الآمنين وترويعهم كمظهر من مظاهر الرفض، وصنع القلاقل والتوتر المؤذي للأمن وللحياة وللسلام، والذي يُصًدّر الموت ويهدّد الحياة الآمنة المستقرة. ونحن كمصريين نرفض هذا بشدة، والتاريخ يُظهر حقيقة هامة وهي أن مَنْ يستخدم العنف ينتهي مثل الوثنيين وغيرهم، بينما مَنْ يتحمل الإساءة وينشر السلام والوئام في المجتمع يقوى وينتشر ويجذب الجميع ويغفر للآخرين زلّاتهم ويقدم القدوة للفضيلة التي تفوق القانون الوضعي وتسمو عنه.فالقوة تتفوق على العنف وتغلبه، وتحول الموت المدمّر إلى سلام بإبادة صانعي العنف ومُصَدّري الموت للأبرياء. فقوة التعاليم الدينية السمحة، وقوة القانون، وقوة الوحدة المجتمعية، تتحد ضد العنف، وتخلص المجتمع من هؤلاء العنفاء الأشرار. لذلك فإن الشهيد أسطفانوس وهو يُحاكَم أمام المجمع كان حكيمًا قويًا، ولم يستطيعوا أن يقاوموا قوته، فيقول سفر الأعمال: «ولَمْ يَقدِروا أنْ يُقاوِموا الحِكمَةَ والرّوحَ الّذي كانَ يتَكلَّمُ بهِ» (أع6: 10).وفي هذا نستنجد بقوة الله وعمله المعجزي، وقوة الدولة بجيشها وشرطتها ورجال القانون فيها، وقوة القانون نفسه الذي يحكم على مَنْ يؤذي غيره ويخلص المجتمع منه ومن أمثاله. وسبيلنا في هذا بنشر روح الحب والوحدة، ونبذ الكراهية، وتقديم الأمثولة الصالحة في الحوار المجتمعي الهادئ، والتأثير الروحي القوي بالصبر وطول الأناة، والقناعة الداخلية بأن الحياة أقوى من الموت، والبعد عن الرغبة في الانتقام الشخصي الذي يحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف، والبعد أيضًا عن التكتلات الشريرة التي تؤدّي إلى إشعال الغضب بين الأطراف فتشتعل البلاد بطريقة تهدم السلام والهدوء والتنمية والبناء.+ الفكر المستنير: يؤمن بأن نعمة الله تكفي لتحوِّل الضعف إلى قوة أكثر من أي سلاح حاد، فالله يكره إزهاق الروح، ويرفض القتل والعنف، ونعمته تقوّي الضعيف لينتصر على العنيف، وأقصد أن نعمة الله عملت في النبي موسى فانتصر على فرعون صاحب القوة الغاشمة، وفتح الله للشعب بقيادة النبي موسى البحر ليعبروا في سلامٍ وأمان بينما غرق فرعون وكل قوته في البحر الأحمر، وهذا هو مصير العنفاء القتلة، مثلما حدث مع جليات الذي أراد قتل الناس فأعطى الله داود النبي قوة ليقتله بوسائل بسيطة من يد الله وفوق قدرة داود. وببركة الشهداء ضحايا العنف ينتصر المجتمع على العنف ومَنْ يتبعه، بوحدة الجميع ضده، ندعو الله مخلصين أن يحرّر مجتمعنا من العنف لتبقى القوة من الله أقوى بكثير جدًا من العنف. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
16 فبراير 2020

عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل

عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل هو أحد الأعياد السيدية الصغرى التي قد تمر على الكثيرين من المؤمنين دون أن يشتركوا في أفراحها الروحية أو ينالوا شيئا من بركاتها الإلهية. ولذلك فما أجمل هذه المناسبة المباركة للمؤمنين ليتلوها المؤمنون فيتأملون بركات هذا العيد المجيد المتنوعة والشخصيات المقدسة المتعددة التي اشتركت فيه ومنها والدة الإله القديسة مريم وخطيبها يوسف النجار البار و سمعان الشيخ و حنه النبية وغيرهم. حقا إن تقديم السيد المسيح إلى الهيكل كأحد الأبكار القديسين كان فرصة ليكمل الرب عنا كل مطالب الناموس، كما كان فرصة لإعلان فرح سمعان الشيخ. ذلك الرجل الوقور المتقدم الأيام إذ رأى بعينيه تحقيق نبوة إشعياء النبي بولادة المسيح من عذراء، وهي تلك النبوة التي وقف أمامها مندهشا حائرا عندما ترجمها من العبرية إلى اليونانية فكان أن وعده الرب أنه لن يعاين الموت حتى يرى تحقيقها! فرأى وفرح وتنبأ. كما شاركته الفرح والتسبيح حنه النبية التي عاشت في الهيكل عابدة الرب أكثر من ثمانين سنة. وهكذا تتهلل نفوسنا معهم في هذه المناسبة المباركة فنشترك معهم في الفرح والتسبيح قائلين مع المرنم: "عظم الرب العمل معنا وصرنا فرحين" (مز 126: 3). الاحتفال الكنسي بالعيد تحتفل الكنيسة في يوم 8 أمشير بتذكار دخول السيد المسيح إلى الهيكل و نياحة سمعان الشيخ. وهذا اليوم هو المرة الأولى التي دخل فيها السيد المسيح إلى الهيكل، فبعد ختانه في اليوم الثامن من بعد ثلاثة وثلاثين يوما حسب شريعة موسى، أي بعد أربعين يوما من ولادته، صعد يوسف البار و مريم العذراء إلى أورشليم وقدماه إلى الهيكل، حيث كان ينتظره الشيخان المباركان اللذان ظلا ينتظران لأكثر من قرن من الزمان بشيخوخة مباركة " ولما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا عنه كما يجب في الناموس حمله سمعان الكاهن على يديه ". وعوضا عن أن يباركه مثل بقية الأطفال انحنى له ليتبارك منه "لأن الأصغر يبارك من الأكبر" (عب 7: 7). وسأله أن يحله من رباط الجسد، فرقد بشيخوخته المباركة. و تحيا الكنيسة هذه الحادثة المباركة في أكثر من مناسبة ففي دورة الحمل في القداس الإلهي يلف الكاهن الحمل في لفائف من كتان ويرفعه فوق رأسه مع الصليب ويدور حول المذبح دورة واحدة كأنه يشارك سمعان الشيخ حمل المسيح والدوران به مسبحا وممجدا. وكذلك في كل دورة حول المذبح وقبل أن يقرأ الإنجيل، كما تذكر الكنيسة هذه الحادثة في إنجيل صلاة النوم وكأنها تحث أولادها أن يحملوا المسيح في قلوبهم في نهاية اليوم مرنمين مع سمعان الشيخ: "أطلق يا سيدي عبدك بسلام ". كما تذكر الكنيسة حادثة دخول المسيح إلى الهيكل في صلاة سر المعمودية و التسبحة و التماجيد. أما عن قراءات هذا العيد المقدس فقد ترتبت بحكمة روحية عالية: المزامير: مزمور العشية (115: 3-4) : "قطعت قيودي فلك أذبح ذبيحة التسبيح، أوفي للرب نذوري في ديار بيت الرب. قدام كل شعبه في وسط أورشليم". مزمور باكر (65: 12-13) : "أدخل إلى بيتك بالمحرقات. وأوفيك النذور التي نطقت بها شفتاي". مزمور القداس (49: 12، 18): " اذبحوا لله ذبيحة التسبيح. و أوف العلي نذورك. ذبيحة التسبيح تمجدني وهناك الطريق حيث أريك خلاص الله". وتتحدث هذه المزامير بعذوبة فائقة عن الذبيحة والخلاص والنبوة عن دخول السيد المسيح مع أبويه إلى الهيكل ليقدما الذبيحة فداء وتطهيرا، فيأخذ سمعان الشيخ المسيح على ذراعيه معلنا هذا هو الذبيحة الحقيقية والذي يطهر العالم. كما نتحدث عن التسبيح مشيرة إلى صلاة سمعان الشيخ و تسبحة حنه النبية في هذا اليوم. الرسائل: البولس (في 3: 1-12) : يتحدث بولس الرسول عن ناموس موسى وكيف صار لنا بسبب مجيء المسيح الخلاص، فأصبحنا نعبده لا عن طريق الممارسات الطقسية والشرائع كالختان. ولكن نعبده بالروح فلا نتكل بعد على الجسد. الكاثوليكون (2 بط 1: 12-21) : يشير معلمنا بطرس الرسول إلى نبوات الأنبياء التي تمت بمجيء المسيح وميلاده المجيد، فقد أشرق لنا نحن الجالسين في الظلمة نور الخلاص. الإبركسيس (أع 15: 13-21) : يتحدث سفر الأعمال عن مجيء المسيح وكيف أنه بمجيئه سوف تنال جميع الأمم الخلاص لأنه سوف يعيد خيمة داود الساقطة ويقيمها ثانية. الأناجيل: إنجيل العشية (لو 2: 15-20) : يذكر فصل هذا الإنجيل حوادث ميلاد المسيح الابن البكر، ويوسف البار و مريم العذراء التي كانت تحفظ الأسرار في قلبها، فيقدم لنا الإنجيل أبوي المسيح يوسف البار و مريم العذراء اللذين باركهما سمعان الشيخ واللذين كانا يتعجبان بما يقال فيه من شهود الميلاد من أقوال الملائكة و اليصابات و زكريا والرعاة والمجوس و سمعان و حنه. إنجيل باكر (لو 2: 40-52): يوضح لنا هذا الفصل علاقة السيد المسيح بالهيكل كإله الهيكل، ومجيئه إلى هيكله فكيف كان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح، ويخبرنا أيضا عن حادثة وجوده بين المعلمين وله من العمر اثنتا عشرة سنة "وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته" ويذكر قول المسيح لأمه: لماذا كنتما تطلباني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي" وبذلك يشير الإنجيل إلى خدمته التي بدأها وهو في سن الثلاثين كشريعة تكريس اللاويين (عد 4: 22). إنجيل القداس (لو 2: 21-39) : يقص لنا حوادث هذا العيد المجيد فيذكر دخول السيد المسيح إلى الهيكل بعد أربعين يوما من ولادته حيث قدمه يوسف البار وأمه القديسة الطاهرة مريم إلى الهيكل باعتباره الابن البكر مع تقديم ذبيحة التطهير التي تنص عليها الشريعة وكيف استقبله سمعان الشيخ وحديثه عن الطفل ونبوته عن الأم العذراء، وعن القديسة حنه النبية التي ابتهجت بالطفل وأخذت تكرز بمجيئه وتسبح الله. شريعة التطهير وتقديم البكر "ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام" (لو 2: 22-24). شريعة التطهير: قضت شريعة موسى أن المرأة التي تلد تكون نجسة طقسيا أربعين يوما إذا ولدت ذكرا، وثمانين يوما إذا ولدت أنثى (تضاعفت المدة في حالة الأنثى لأن حواء هي التي أخطأت أولا) ولا تمس أي شيء مقدس ولا تجئ إلى القدس حتى تكمل أيام تطهيرها. وبعد انتهاء هذه المدة تأتي إلى الهيكل وتقدم خروفا ذبيحة محرقة أو فرخي يمام أو حمام ذبيحة خطية، تقدمهما للكاهن الذي يقدمهما أمام الرب فيكفر عنها لتطهيرها وإذا لم تستطع الأم أن تحضر خروفا بسبب الفقر فتقدم فرخي حمام أو زوج يمام (لا 12). وكانت شريعة التطهير في العهد القديم رمزا لذبيحة المسيح الذي قدم نفس "وصنع بنفسه تطهيرا لخطايانا (عب 1: 3) لأن كل شيء يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22) "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عب 9: 14). لذلك فبالرغم من أن يسوع لم يكن محتاجا للختان لكنه اختتن في اليوم الثامن حسب الشريعة، ولم يكن فيه خطية فلا يحتاج للتطهير أو تقدمة ذبيحة لكنه صار "تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس" (غل 4: 4-5). ومع أن العذراء مريم الطاهرة ولدت المسيح وهي عذراء وبتوليتها مختومة إذ صار حبلها بالروح القدس، لكنها خضعت لشريعة التطهير كإحدى النساء اللواتي يعتبرون بالولادة نجسات وقدمت تقدمتها فرخي حمام أو زوج يمام لقد خضعت السيدة العذراء بتواضع عجيب لتنفيذ الشريعة فلم ترد أن تكسرها وفوق ذلك فأنها كانت تخفي سر التدبير الإلهي في قلبها فأتت إلى الهيكل كإحدى النساء لتقدم الذبيحة عن تطهيرها وهي التي كانت في سمو طهارتها وبتوليتها كالملائكة
المزيد
15 فبراير 2020

الإِهتمام بِالزِينة الدَّاخِلِيَّة

نرى إِشعياء النَّبِى يتحدَّث عَنْ الجمال الجَسَدِى فِى قوله [ كُلُّ جَسَدٍ عُشبٌ وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهرِ الحقلِ0يَبِسَ العُشْبُ ذَبُلَ الزَّهرُ لأِنَّ نفخةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ ] ( اش 40 : 6 – 7 )00وَيتفِق سُليمان الحكِيم مَعْ إِشعياء النَّبِى وَيقُول [ الحُسنُ غِشٌّ وَالجمالُ باطِل ] ( أم 31 : 30 ) حقاً جمال الجسد كزهر الحقل ييبس وَيذبُل كُنت دائِماً أذهب إِلَى سيِّدة عجوز بِمنزِلها لِتتناول مِنْ الأسرار المُقدَّسة وَكُنت دائِماً أرى صورة لِشابة جمِيلة فِى صورة مُلَّونة بِألوان زاهِية فَإِعتقدت مِنْ شكل الصورة وَجاذِبِيتها أنَّها صورة لإِحدى المُمثِلات المشهُورات أوْ غُلاف إِحدى المجلات الأجنبِيَّة وَمَعْ مرُور الوقت عرَّفتنِى هذِهِ السيِّدة العجوز أنَّ هذِهِ هِىَ صورتها فِى شبابها إِلتقطها لها إِبنها بِكامِيرا أحضرها مِنْ أمرِيكا فِى بِدايات إِستخدام التصوِير بِالألوان فَتَعجبتُ جِدّاً يا إِلهِى أهذِهِ السيِّدة العجوز المُنحنِية كثِيرة التجاعِيد الَّتِى لاَ تستطِيع الحركة كانت كذلِك فقُلت حقاً صَدَقَ الحكِيم حِينَ قَالَ أنَّ " الحُسنُ غِشٌّ وَالجمالُ باطِل "وَبدأت أصطحِب معِى فتيات إِلَى منزِلها لِيتعرَّفوا عَلَى هذِهِ السيِّدة بَلْ عَلَى نظرة جدِيدة لِلجمال وَيُدرِكوا زوال الجمال الخارِجِى وَأنَّ الَّذِى سيبقىَ هُوَ الجمال الدَّاخِلِى فِى هذِهِ الحياة كَخطوة مبدئِيَّة إِلَى حِين التمتُّع بِجمال الأبدِيَّة الَّذِى لاَ يزول وَمِنْ هُنا نرى أنَّ هُناكَ جمالاً آخر دائِم يجِب الإِعتناء بِهِ كَنَصِيحة مُعَلِّمنا بُطرُس الرَّسُول[ وَلاَ تَكُنْ زِينتُكُنَّ الزِّينة الخارِجِيَّة مِنْ ضَفرِ الشَّعرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهبِ وَلُبسِ الثِّيابِ بَلْ إِنسانَ القلبِ الخَفِيَّ فِي العدِيمةِ الفسادِ زِينةَ الرُّوحِ الودِيعِ الهادِئ الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ0فَإِنَّهُ هكذا كانت قدِيماً النِّساءُ القِدِّيساتُ أيضاً المُتوكِّلاَتُ عَلَى الله يُزَيِّنَّ أنْفُسَهُنَّ خَاضِعاتٍ لِرِجَالِهِنَّ ] ( 1بط 3 : 3 – 5 ) مِنْ هُنا نرى أنَّ الحِشمة لها ينبُوع داخِلِى وَالزِينة الخارِجِيَّة مُرتَبِطة بِالدَّاخِل00فَكُلَّما كانت الفضائِل ساكِنة وَمُستقِرة داخِلِياً تكُون مُثمِرة خارِجِياً وَكُلَّما إِزدادَ الإِهتمام بِالدَّاخِل يقِل الإِهتمام بِالخارِج وَمِنْ هُنا نرى ضرورة الحدِيث عَنْ خطورة الإِهتمام بِالزِينة الخارِجِيَّة وَكيف يستمِد الجسد جماله مِنْ جمال النَّفْسَ وَالرُّوح قَالَ شاب فِى مدى إِعجابه بِالشَّابَّة الَّتِى ترتدِى ثِياب حِشمة إِنَّ ملابِس الحِشمة تلفِت نظرِى إِلَى وداعتِها لاَ إِلَى تبجُحِها إِلَى إِتضاعها لاَ إِلَى تشامُخِها إِلَى إِكتفائها لاَ إِلَى طمعها إِلَى إِرضائها لِلرَّبِّ لاَ إِرضائها لِلنَّاس إِلَى إِهتمامها بِجمال رُوحها لاَ بِجمال جَسَدها إِلَى أنَّها سماوِيَّة لاَ أرضِيَّة بِنت لله وَليسَ لِلشيطان غالِبة لِلعالم وَتياراته لاَ سائِره معهُ فِى طرِيق الملكُوت وَليسَ الجحِيم هذا بعض مَا تلفِت الحِشمة نظرِى إِليه وَهذا مَا أُرِيده فِى الشخصِيَّة الَّتِى أرغب أنْ أحيا معها بقِية أيام حياتِى وَتُرَبِّى أولادِى وَتُساعِدنِى عَلَى خَلاَص نَفْسِى وَنربح الملكُوت معاً0 الإِهتمام بِالزِينة الدَّاخِلِيَّة:- هُنا نَتَسَاءل وَنُوَضِح ماذا يعنِى الإِهتمام بِالزِينة الدَّاخِلِيَّة ؟ الزِينة الدَّاخِلِيَّة علامة على الإمتلاء الداخلى:- الهيكل إِذا كَانَ فارِغاً مِنْ الدَّاخِل فَهُوَ يلجأ إِلَى الزِينة الخارِجِيَّة كَطِلاء خارِجِى يسعىَ نحو تغطِية الفساد الدَّاخِلِى فَيَكُون هذا الهيكل شبِيه بِالقبُور المُبَيَضة مِنْ الخارِج وَمِنْ داخِل عِظام نَتِنة أوْ كَصنم مطلِى بِالذَّهب وَالفِضَّة وَلاَ رُوح البتَّة فِى داخِله ( حبقوق 2 : 19 ) إِنَّ داوُد النَّبِى الَّذِى كَانَ بارِع الجمال إِذْ كَانَ أشقر مَعْ حلاوة العينين ( 1صم 16 : 12 ) حِينما تكلَّم عَنْ الجمال وَالزِينة الحقِيقِيَّة قَالَ إِنَّ كُلَّ مجد إِبنة المَلِك مِنْ داخِل مُشتمِلة بِأطراف موشاة بِالذَّهب مُتَزيِنة بِأشكال كثِيرة ( مز 45 ) وَالكِتاب المُقدَّس يُحَفِزنا فِى كُلَّ موضِع إِلَى الإِهتمام بِالزِينة الدَّاخِلِيّة حيث يلبِس مُختارو الله القِدِيسُون المحبُوبُون أحشاء رأفات وَلُطفاً وَتواضُعاً وَوَداعة وَطول أناة إِنَّهُمْ يلبِسُون الرَّبَّ يَسُوع وَلاَ يصنعُونَ تدبِيراً لِلجسد لأِجل الشهوات ( رو 13 : 14 ) فلننظُر إِلَى ثِياب الرَّاهِبات وَالعذارى وَالأتقياء نَجِد بساطة مُتناهية لأِنَّهُمْ لاَ يلتمِسُونَ جمالاً مِنْ الخارِج وَلاَ يُفَكِّرُونَ أوْ ينشغِلُونَ بِهِ كثِيراً يكفِى مَا يستُر الجسد وَيحفظ وقاره وَكرامته لِنعلم أنَّ إِرتداء الثِياب الغالية وَالمُزَيَّنة لاَ تُضِيف إِلَى مَنْ يلبِسها شيئاً وَلاَ تجعله مُمجداً فِى أعيُن النَّاس وَلَكِن مَا يصنع الإِنسان هُوَ مَا فِى داخِل قلبه وَعقله وَجمال نَفْسه الدَّاخِلِى وَزِينتها هِىَ الكَثِيرة الثمن هل ذهبت إِلَى مزار المُتنيِح القِدِيس الأنبا أبرآم أُسقف الفيُوم هل رأيت ثِيابه البسِيطة المُمزقة هل رأيت ثوب أبونا عبد المسِيح المناهرِى كم هُوَ بالٍ وَرخِيص وَلَكِنِّنا نتبارك بِهِ لأِنَّهُ تلامس مَعْ جسد رجُل تقِى قدِيس فَجَعَلَ الثوب الرخِيص موضِع إِلتفاف الجمِيع إِنَّها درُوس رائِعة مِنْ رِجال أتقياء قِدِيسِين0 الزِينة الدَّاخِلِيَّة تعطى إتضاع ووداعة:- وَهُنا لابُد أنْ نتوقف لِنقرأ مَا قالهُ إِشعياء النَّبِى وَليتنا نتمهل فِى القِراءة حِينَ كَانَ ينتقِد بِرُوح النُبُّوة جمِيع البنات اللواتِى يتشامخن بِجمالِهِنَّ الجسدِى فَيقُول مِنْ أجل بنات صِهيونَ يتشامخنَ وَيمشِينَ ممدُوداتِ الأعناقِ وَغامِزاتٍ بِعُيُونِهِنَّ وَخَاطِراتٍ فِي مشيِهِنَّ وَيُخَشخِشنَ بِأرجُلِهِنَّ يُصلِعُ السَّيِّدُ هامة بنات صِهيونَ ( اش 3 : 16 – 17 ) وَكُلُّنا يعلم أنَّ الصلع بِالنِسبة لِلشَّابَّة علامة للقُبح الشدِيد فَقد وَهَبَ الله الشعر تاج مجد لها وَلَكِنْ إِنْ خرجت عَنْ الناموس الطبِيعِى بِرُوح اللهو وَالكِبرياء تفقِد حَتَّى جمالها الطبِيعِى وَكرامتها فَتصِير كمن أُصِيب بِصلع فِى رأسِها تعبِيراً عَنْ كشف فساد طبِيعتها أوْ إِشارة إِلَى عُريها فليسَ من يبسِط ذيله عليها وَيستُر حياتها وَيهِبها إِسمه لِتحتمِى فِيهِ وَترتبِط بِهِ وَينزع مِنْها كُلَّ مظاهِر الغِنى وَالزِينة هذا مَا حذَّرَ مِنْهُ إِشعياء النَّبِى لِكى تجِد بنات صِهيون( اللواتِى يرمُزنَ إِلَى بنات كنِيسة العهد الجدِيد ) فِى المُخلِّص وَالعرِيس الحقِيقِى سِر جمالها وَزِينِتها فَتنجو مِنْ الغضب وَالتأدِيب حقاً إِنَّ الإِهتمام بِالزِينة يُعَبِّر عَنْ غرُور وَتفاخُروَهُوَ كشف لِرُوح كِبرياء خَفِيَّة فِى أعماق الإِنسان لِذلِك رُبما تستطِيع أنْ تتعرَّف عَلَى الشخصِيَّة مِنْ ملابِسها إِذْ أنَّها تكشِف مَا فِى الدَّاخِل وَبِحسب نصِيحة أرميا النَّبِى لِلذِينَ يتفاخرُون بِمظهَرِهِم لاَ بِما فِى قُلُوبِهِم لِمُجرَّد إِرضاء النَّاس إِذا لَبِستِ قِرمِزاً ( وَهُوَ ثِياباً فاخِرة يرتدِيها الملُوك )00إِذا تزيَّنتِ بِزِينةٍ مِنْ ذهبٍ إِذا كحَّلتِ بِالأُثمِدُ عينيكِ فَبَاطِلاً تُحسِّنِينَ ذاتَكِ ( ار 4 : 30 ) وَهُنا لابُد أنْ نستمِع إِلَى نصِيحة غالية قِى بُستان الرُهبان حيث ينصح بِمُحاربة الزِينة إِذْ يقُول إِنْ كُنتَ مُحِباً لِلتواضُع فَلاَ تكُنْ مُحِباً لِلزِينة لأِنَّ الإِنسان الَّذِى يُحِب الزِينة لاَ يقدِر أنْ يحتمِل الإِهانة وَأعمال الإِتضاع وَلاَ يُسرِع إِلَى مُمارسة الأعمال البسِيطة وَيصعُب عليه جِدّاً أنْ يخضع لِمن هُوَ دونه وَيخجل مِنْ ذلِك أمَّا المُتَعَبِد لله فَإِنَّهُ لاَ يُزَيِن جَسَدَهُ وَاعلم أنَّ كُلَّ مَنْ يُحِب زِينة الجسد فَهُوَ ضعِيف بِفِكرَتِهِ وَلاَ ترى لَهُ حَسَنات وَالَّذِى يُحِب الزِينة يُحِب الكرامة فَلاَ تسأله عَنْ حقِيقة الإِتضاع وَالعِفة وَمِنْ المعرُوف أنَّ الشَّاب يلحظ الشَّابَّة المُعجبة بِجَمالها فيعرِف كيف يتملقها وَيُكثِر مِنْ عِبارات الإِعجاب وَلَكِنَّهُ يُرِيد أنْ يصطادها مِنْ نُقطة ضعفها مِمَّا يتسبَّب لها فِى الكثِير مِنْ الأتعاب وَالضِيقات0 الزِينة الدَّاخِلِيَّة علامة فهم الجمال الحقيقى:- إِنَّ المفهُوم الحقِيقِى لِلجمال هُوَ جمال الرُّوح لأِنَّهُ متى تزيَّنت النَّفْسَ بِالرُّوح القُدس وَفَهَمت المفاتِن الساطِعة المُنبعِثة مِنْ البِر وَالحِكمة وَالإِحتمال وَالإِتزان وَحُب الخِير وَالإِحتشام متى تزيَّنت بِهذِهِ وجدت أنَّ هذِهِ المفاتِن تفوق بِكَثِير كُلَّ جمال تعالوا نتذكر مَا حَدَثَ مَعْ صَمُوئِيل النَّبِى وَهُوَ يمسح داوُد النَّبِى مَلِكاً ذهبَ صَمُوئِيل بِأمر مِنْ الله لِيمسح أحد أولاد يَسَّى مَلِكاً وَوَجَدَ إِبنه الأكبر طوِيلاً حَسِن المنظر سُرَّ بِهِ وَبادر بِإِخراج قنِينة الدُهن لِيمسَحَهُ مَلِكاً وَلَكِنْ الله قَالَ لَهُ لاَ تنظُر إِلَى منظرِهِ وَطول قامته لأِنِّى قَدْ رفضتهُ لأِنَّهُ ليسَ كما ينظُر الإِنسان لأِنَّ الإِنسان ينظُر إِلَى العينين وَأمَّا الرَّبَّ فَإِنَّهُ ينظُرُ إِلَى القلبِ ( 1صم 16 : 7 ) وَالنَّفْسَ الَّتِى تنشغِل بِالزِينة الخارِجِيَّة غير مُقتنِعة بِجمالها الدَّاخِلِى وَتُرِيد أنْ تنشغِل عَنْ القُبح الدَّاخِلِى بِمُجرَّد مظاهِر مُتغيِّره خادِعة وَتُحاوِل أنْ تحيا فِى جمال مُصطنع تُضَيِّع فِى سبِيله قوى الإِنسان وَمواهِبه وَأمواله لأِنَّنا يجِب أنْ نسلُك بِالإِيمان لاَ بِالعيان طوبى لِمن عرفوا الجمال الحقِيقِى وَتلامسوا مَعْ من هُوَ أبرع جمالاً مِنْ بنِى البشر الَّذِى إِنسكبت النِعمة مِنْ شفتيهِ وَأدركوا أنَّ يَسُوع قَدْ خطبهُمْ لِنَفْسه عروساً بِلاَ عِيب فَسَعُوا وراء البِر وَالتقوى وَالتعفُّف وَيُزَيِّنُونَ الدَّاخِل عالِمِينَ أنَّ النُّور الدَّاخِلِى سوف يُستعلن يوماً عِندما يُظهِر الرَّبَّ مجد كنِيسته وَجمالها الحقِيقِى فيراها كُلَّ أحد جمِيلة كالقمر طاهِرة كالشمس مُرهبة كجيش بِألوِية حقاً إِنَّ الحِشمة وَالوداعة لِلشَّابَّة المسِيحِيَّة مِنْ أهم سِماتها وَقادِره بِمظهرها أنْ تشهد لِمَسِيحها وَتكرِز بِهِ وَتربح نِفُوساً لِلمسِيح وَهُنا نتذكر قِصة توبة شاب كَانَ سببها شابَّة مَسِيحِيَّة مُحتشِمة يقُول كُنتُ أحيا غارِقاً فِى خطايا كثِيرة وَلَكِنَّنِى كُنتُ مُعجباً جِدّاً بِشابَّة ترتدِى ثِياب مُحتشِمة وَتسِير فِى الشَّارِع بِكُلَّ وقار وَرغم كُلَّ شرورِى كُنتُ أفتخِر بِها لأِنَّ كثِيراً مِنْ الشَّابَّات المَسِيحِيات الغِير مُلتَزِمات فِى ملابِسَهُنَّ كُنَّ يُسَبِبنَ لِى حرجاً شدِيداً وسط أصدقائِى غير المَسِيحِيين أمَّا هذِهِ الشَّابَّة فَكُنتُ أُفَكِّر فِيها كَثِيراً وَأُحِب رؤيتها وَمِنْ شِدَّة إِعجابِى بِها سِرتُ وراءها حَتَّى دَخَلَت إِلَى الكنِيسة وَترددت فِى الدُخُول لأِنِّى غارِق فِى خطايا كَثِيرة وَغير مُستحِق لِدِخُول الكنِيسة وَلَكِنْ بِسبب تعلُّقِى بِهذِهِ الشَّابَّة قُلت أدخُل وراءها وَأُراقِبها وَأسمع مَا تسمعه وَأرى الأمور الَّتِى تتبعها هذِهِ الشَّابَّة وَإِذْ بِى أسمع مَا جَذَبَ قلبِى وَرأيتُ سماءً عَلَى الأرض فَتَحرَّك إِشتياقِى لِمعرِفة الله وَالتوبة وَصَارَ إِنساناً آخروَكَانَ السبب ملابِس هذِهِ الشَّابَّة0 أيَّتُها الشَّابَّة المَسِيحِيَّة إِبنة المَلِك السَّمائِى هل تهتمِين بِزِينة الرُّوح الودِيع الهادِئ فليكُنْ النُطق بِإِسمِهِ القُدُّوس هُوَ بهجة شفتيكِ وَالنظر إِلَى وجه يَسُوع هُوَ جمال عينيكِ وَسَمع تسابِيحه هُوَ زِينة أُذُنيكِ وَلِيكُنْ صلِيبه هُوَ زِينة عُنُقِك وَرائِحة سيِّدِك يَسُوع وَصفُوف قِدِيسيه اللذِينَ أرضوهُ مُنذُ البدء هُوَ أجمل مَا تستنشِقِينَ وَليكُنْ هُوَ رائِحتِك الَّتِى يستنشِقها الآخرِين لِيكُنْ كُلَّ من يراكِ يرى صورة مجد أولاد الله وَسَتَظل الحِشمة محكاً مِنْ أهم المحكات الَّتِى بِها يُختبِر أولاد الله لِيُظهِرُوا النُّور الَّذِى فِيهُمْ وَيشهدوا لِلحقٌّ الَّذِى عَرَفوه أحِبَّائِى إِنْ لَمْ نستطِع أنْ نُنادِى أمام الجمِيع بِتَعالِيم المسِيح فلنُظهِر رائِحته وَنُعلِن سِيرَتهُ إِنْ مُجرَّد مظهر الشَّابَّة المَسِيحِيَّة فِى مُجتمعنا الَّذِى نحياهُ الآن رائِعة لإِظهار رائِحة المسِيح الذكِيَّة فَأصبح مُجرَّد مظهر الشَّابَّة المَسِيحِيَّة أعظم مجال لِلكِرازة بِتَعالِيم المسِيح المملؤة عِفة وَقداسة0 صَلاَة هذِهِ صَلاَة لِلمُتَنَيِّح الأنبا بِيمن أُسقف ملَّوِى وُرِدت فِى كِتاب " العفاف المسِيحِى " يَا إِلهِى يَا من إِشتريتنا مِنْ كُلَّ شعُوب الأرض لِنَكُون لَكَ خاصة وَأبناء نُعلِن إِسمك وَمجدك وَنُظهِر رائِحتك أشكو إِليكَ بعض بناتك لأنهُنَّ شابهن العالم فِى شكلهُنَّ وَلَمْ يستحسِنَّ وصاياك وَسِرنَ مُتشامِخات ممدُودات الأعناق فلتوبِخَهُنَّ بِروحك القُدُّوس الساكِن فِيهُمْ لِيلبِسنَ القداسة وَالبِريَا من تعرِّيت مِنْ أجلِنا لِتكسونا بِثوب بِرَّكَ إِبسِط ذِيلك علينا وَاستُر خِزى عُرينا فَلاَ تسمح يَا إِلهِى أنْ تكُون واحِدة مِنْ بناتك سبب عثرة لأحد كيلاَ تُعلِّق فِى عُنُقها حجر وَتُلقى فِى البحر0 القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب ثياب الحشمة
المزيد
14 فبراير 2020

من أجلك نُمات كل النهار

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد” نحتفل بهذا الصباح المبارك بعيد دخول السيد المسيح الى الهيكل وهو في تمام الاربعون يوماً أي اننا في هذا اليوم بعد 40 يوما من عيد الميلاد المجيد وحسب الطقس اليهودي الذي كان معمولا به حيث ذهبت امنا العذراء والقديس يوسف النجار لكي ما يقدموا قربان شكر على هذا الابن الوليد، ونحتفل أيضا في هذا الصباح المبارك بتذكار الشهداء الجدد في السنوات الأخيرة والمجمع المقدس لكنيستنا الارثوذكسية القبطية في جلسته الأخيرة في شهر يونيه قرر ان يكون هناك احتفال لهؤلاء الشهداء كما اننا نحتفل بدخول السيد المسيح للهيكل نحتفل بدخول شهدائنا الى السماء وهو تذكار لكل الشهداء في السنوات الأخيرة وسنحتفل به سنويا الى جوار عيد الشهداء المعروف في كنيستنا بعيد النيروز اللي نحتفل به في اول السنه القبطية في شهر توت من كل عام ونحتفل أيضا في هذا اليوم 18 فبراير 8 أمشير بإقامة 15 شماسا من ابنائكم لكى ما يصيروا كهنة للخدمة في مدينة الإسكندرية وكنائسها وعندما تجتمع كل هذه المناسبات مع بعضها نتذكر عبارة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم ” الشهيد يموت مرة واحدة من اجل سيدة فأما الراعي يموت كل يوم من أجل قطيع سيده “ وهذه الكلمات التي قالها القديس يوحنا ذهبي الفم في القرن الرابع الميلادي هي صدى لكلمات بولس الرسول “من أجلك نُمات كل النهار” إذا عمل الراعي هو عمل اماته ونجاح الراعي ان انه نجح في هذه الإماتة من اجلك نموت كل نهار. والمقصود بهذه الكلمة أيها الأحباء كلمة “البذل والتعب والتضحية “التي يقدمها الراعي في خدمته فالراعي الذي لا يبذل ولا يتعب ولا يضحى لا يستحق ان يكون راعيا للقطيع، وحسب هذه الكلمات التي نتعلمها من الاباء ولكن كيف يكون الراعي في عمل الاماته أزاي كيف تكون حياته؟؟ وهذا الكلام الموجه للأخوة الشمامسة المتقدمين للكهنوت ولكل الإباء الحضور معنا ولكل الشعب فتوجد خمسة مجالات يستطيع الراعي ان يمارس فيها عمل الاماته والتعب + المجال الأول :مجال الصلاة +المجال الثاني :مجال الدراسة والقراءة والتعليم +المجال الثالث: مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان +المجال الرابع : مجال المصالحة وصنع السلام + المجال الخامس : مجال الوقت المجال الأول مجال الصلاة فالكاهن يقام مصليا ومعروف عن كنيستنا انها كنيسة مصلية والصلوات فيها كثيرة وطويلة وعميقة وتمتلئ بالروحانيات سواء كانت كلمات او الحان او ممارسات نقدمها لله بحيث يصير كيان الانسان كيان صلاة والكاهن يقام كي ما يتحفظ بالصلاة، ليست الصلاة التي يؤديها من شفتيه ولكن الصلاة التي يرفعها من قلبه يقدم هذه الصلاة سواء في القداسات او العشيات او الصلاة بصفة عامة وهذه الصلوات التي يقدمها هي تعبير حب وده اللي خلى الإباء يقولوا ان “عرق تعب الصلاة اذكى من كل البخور ” الوقوف امام المذبح والوقوف امام الله والصلوات العامة وصلوات المناسبات يجب ان تؤدى من القلب ومن الروح ولا تكون بالشفاه فقط بل يجب ان تكون نابعه من القلب كقول معلمنا داود النبي من الأعماق صرخت اليك يارب …تعب في ان يصحى بدرى و يلتزم بالمواعيد ويلتزم بوقت ممارسة الاسرار بلا شك هو مجال تعب ولكن في تعزية وهذا هو المجال الاول من اجلك نمات كل النهار فلا يترك نفسه للكسل او الراحة بل صار مثل ذبيحه من اجلك نمات كل نهار. والمجال الثاني : “مجال الدراسة والقراءة والتعليم” وهو مجال مهم لكل كاهن يجب ان يقرأ ويدرس ويعيش ما يقرأه ولكن اذا توقف عن القراءة والدراسة والمعرفة وتأمل يجمد وكأنه لا يقدم طعام وقد تجد اطعمة بائته ونتذكر كلمة الله الحي الفعالة شيء مهم ان كانت توجد دراسات تقدم سواء من الأماكن المسيحية مثل معهد الرعاية ودراسته في الإكليريكية وشيء مهم انه يدرس ويتقدم دائما من كلمة الله، ومع الدراسة والخدمة يحتاج الى الفكر الكنسي والأرثوذكسي ليعيش داخله ويفهم تماما عقيدته وتراث كنيسته وهذا التقليد الذى يحياه وليس بصورة التزمت وبما يتناسب مع الزمن الذى نحن نعيش فيه لابد يقرأ ويعرف ويذاكر ويحضر لذلك، ولا يصح ان تقف وتتكلم دون ان تكون محضراً ودارساً لا تقول أي كلام هذا إلتزام داخلي لا يأتي إلا من خلال الدراسة ولقراءة ولذلك نقول من أجلك نموت كل النهار . +المجال الثالث : مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان وهو من اهم المجالات فالكاهن يقوم لكى ما يذهب الى الناس، عمل الافتقاد له بركة كبيرة وكل الإخوة المتقدمين للكهنوت شباب ربنا يديم عليهم الصحة وعمل الافتقاد عمل أساسي في حياة الخادم فما احلى دخول الكاهن الى البيت وسؤاله عن الاسرة وكل أفراد البيت واحساسه بهم وأيضا احساهم به. وعمل الافتقاد عمل أساسي وهو الذى يحفظ الرعية وتمارس فيه الابوة انت لما بتصلى في القداس ابونا بيصلى وعندما تقف تتعلم من أبونا الوعظ لكن في الافتقاد نشعر بك كأب والابوة هى الصورة الجميلة التي يريدها كل المؤمنين. شعب الكنيسة لا يريد من الكاهن الا صورة واحدة ممكن يكون شاطر في شيء لكن الشعب يريدوا ان يروه اباً والابوة الحقيقة والأبوة هي التي تستر وتحب وتستر وهى التي تعلم وتربى وهكذا فعمل الافتقاد بلا شك فيه تعب واسال على الجميع واساعدهم ولكن التعزية في هذا التعب ان يراك كل احد كأب له ولكن اذا قرأنا في تاريخ كنيستنا كل القديسين حتى المعاصرين كما في مدينة الإسكندرية القمص بيشوى كامل واباء مباركين أخريين كانت الصورة المحفورة في ذاكرتهم هي الابوة لكن عمل الافتقاد عمل أساسي وضروري وعمل معزى لانك تطمئن بنفسك على أحوال الرعية “من اجلك يارب نموت كل النهار “ +المجال الرابع هو مجال المصالحة وصنع السلام الكاهن هو مسؤول عن سلام المجتمع والرعية لكن عدو الخير لا يتركنا دائما يقسم الاسرة الاخوات يختلفوا والأزواج تكون بينهم عكارة ونحتاج ابونا يدخل بحكمه وصلواته ومحبته وصنع السلام ويعقد جلسات طويلة ربما بالساعات علشان يصالح اثنين ويقربهم لبعض او يساعدهم يفهموا بعض ولكن مجهود طيب لانه يصنع سلام “وطوبى لصانعي السلام لانهم أبناء الله يدعون” هو الكاهن الوحيد الذي ممكن يساعدني ويقف معي ويبقى دائما، ولدينا امل ان يد الله تتدخل وتقرب النفوس الغضبانة من بعضها والزعلانة ويكون الكاهن ناشراً للسلام وموجداً للسلام وقبل ان يصنع سلام بافراد الرعية يصنع سلام بين الخدام والشمامسة ومابين الإباء الكهنة لو الكنيسة فيها عدد من الإباء كيف يكون حمامة سلام؟ الحمامة دائماً رمز للسلام والسمو ويكون الكاهن بهذه الصورة ولا يميل لطرف ضد طرف لأن الاثنين أبناءه. عمل السلام عمل المحبة عمل المصالحة كل هذه تكون تحت من مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَار،انا يارب بقدملك كل الساعات بتاعتى والنهار علشان بحبك وبقدمها لك يارب من أجل كل ابنائك يكونوا عايشين بسلام وممكن كلمة من الكاهن تطمئن انسان ده ممكن كلمة حكمة من كاهن تريح انسان ويتصالح مع الاخر ولذلك عمل المصالحة وصنع السلام احد الاعمال الرئيسية اللي بيقوم بها الكاهن فى خدمة الرعية ورعاية كل اسرة هذه الخدمة كلها تحتاج وقت تحت جهد وتحتاج زمن وكل هذا يندرج تحت ومن اجلك نمات كل النهار قلت المجال الأول مجال الصلاة والمجال الثاني مجال الدراسة والقراءة والتعليم والمجال الثالث مجال الافتقاد افتقاد كل أنسان والمجال الرابع هو مجال المصالحة وصنع السلام +اما المجال الخامس والأخير فهو مجال الوقت الكاهن انسان مثل كل البشر لديه كل يوم 24 ساعه لكن مسؤولياته ليست مثل كل الناس ويحتاج لعمل التوازن في الوقت الخاص له خاصة التوازن بين الخدمة وبين الأسرة الخطأ ان ينسى اسرته “زوجة واولاد وبنات “ومن الخطأ ان يهمل ان لا يعطى الوقت الكافي لهذه الأسرة خاصة لو أبناءه كانوا صغيرين ومحتاجين يشوفوا بابهم ومامتهم ويشعروا بمجال الاسرة لذلك المجال الخامس هو نوع من التوازن انت أيها الاب الكاهن انت مدير وقتك ولأنك مدبر حسناً في اسرتك لذلك اختاروكم وزكوك علشان تصير كاهناً وتخدم مذبح الرب وعلشان كده يجب ان يراعى الكاهن تماماً احتياجات اسرته وعندما تكون أسرته ناجحة يكون هو أيضا انساناً ناجحاً وخادماً ناجحاً فالتوازن بين الخدمة لا يصح ان تأخذ الخدمة كل وقته ولا يتبقى شيء للبيت لا يصح لان ده معناه ان البيت ينشف ويجف لأنه دخل في دائرة الإهمال لذلك يجب ان تكون متوازناً في الوقت بين خدمتك ومسؤولياتك في الخدمة واحتياجات الخدمة التي لا تنتهى وفى نفس الوقت بين مسليات اسرتك واحتياجاتها واهتمامك بزوجتك وبأولادك هذه المجالات الخمسة يمكن ان نراها في كلمات القديس بولس الرسول ” من أجلك نُمات كل النهار” وهذا المقياس اقدمه للإباء والأخوة الجدد وهذا مقياس يقيس خدمتك ويرى كيفيتها في مراعاة خدمتك كل يوم، يمكن الواحد في البداية نشيط ويعمل ويجتهد وكل شيئ جميل ودائماً يقولوا في الامثال المصرية الغربال الجديد له شده ” الكاهن يجب ان يكون جديداً كل يوم لذلك نصلي فى مزمور التوبة روحا مستقيما جدده في أحشائي بمعنى أن الكاهن يكون له سنه او اثنين او عشره يجب ان يكون جديداً كل يوم، وهذه الحكاية حتى لا يشعر في داخله ان صلاحيته ككاهن انتهت له اب اعتراف له قانون روحي وله خلواته وممارساته الروحية كل هذه يااخواتى تجعل من الكاهن انسانا ناجحا وخدمته مشهود له ليست على الأرض فقط بل في السماء أيضا لذلك الأسبوع الماضي رسمنا مجموعه كهنة وبعض البلاد اليوم في اسكندرية نأخذ 3 أيام من الأربعين يوم اللى هيقضوها في الدير يوم 8والحق(8،9،10) مارس ونكون منهم حلقة دراسية خاصة عن التدبير الكنسي والتنمية ودى للجداد فقط في المقر البابوى الملحق بدير الانبا بيشوى هنا إقامة كاملة في الدير ولن يخرجوا خلال ال3 أيام الاولى ستكون خاصة بالدراسة لانها دراسة مكثفة ليكونوا متخصصين سيحضروا معاهم من يوم ال8 مارس حتى 10 مارس وممنوع الزيارات تماما 3 أيام لانه سيكوت هناك حلقة دراسية عن التدبير الكنسة والتنمية وهذه اول مرة يتم تنفيذها ليكون الكاهن ناجح خلال خدمته خاصة فنره الأربعين يوم التي يقضيها وهى فتره مقدسة يعطينا المسيح أيها الأحباء ان يفرح هؤلاء اللى رشحتهم وزكتهم بعد اختبارات طويلة وفى الاخر انا قعدت مع كل واحد فيهم ومع زوجاتهم واولادهم وتطمئنا لهذا الامرلذلك بعد كل هذا المشوار الكهنوت يعتبر بداية لذلك ابوه صحيحه لكى يكون كهنوتك صحيحا ايضاً ومبارك باسم كل الأباء الأحباء الإباء الأساقفة الحضور معنا وكل الكهنة نشكر نيافه الأنبا صرابامون مطران ورئيس دير الأنبا بيشوي، وادي النطرون، البحيرة،وكل الاباء الرهبان في هذا الدير العامر الذين استضيفونا نقيم فيها هذه السيامات المفرحة ونصلى ان يعطى الله نعمه خاصة لهؤلاء الجدد ربنا يبارك في حياتهم وفى خدمتك وخدمة كل الاباء الكهنة ودائما نقول مع المسيح «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ. “لإلهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الابد امين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 فبراير 2020

فصح يونان النبي

تسمي الكنيسة فطر صوم يونان بالفصح ، لأنه رمز لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث ، فالمسيح استعلن نفسه علي فم الأنبياء قبل مجيئه بأجيال كثيرة ، لان الله تعهدنا بأنبيائه القديسين ، وهو صاحب المبادرة في أستعلان حقيقة نفسه ، علي أساس انه يعلن ذاته علي قدر مستوي نمو وترقي الوعي البشري وإدراكه علي مدي الزمن. فيبلغ بنا من الطفولة حتى نبلغ النضج التدريجي ، وفقآ للاستعلان المتدرج ، إنه إله أستعلان ينتظرنا مهما كنا ،وعلي أي وضع نحن ليعلن لنا سره ، وليعطينا ملء الحياة مشخصه في عشرة شخصه الإلهي الحبيب ، ودعوته لنا في كرازة يونان النبي الكارز تكتسب أبعاد ووعي جديد لكل من يقبل كلمه كرازته الأبدية ، عندما أتي إلينا علي الأرض وعاش بيننا صائرآ في شبه الناس ونادي ببشارة الملكوت والمصالحة بفصحه الجليل . إن الغلاف الذي ظهرت فيه الكرازة والصورة التي نقبل بها بشارة الخلاص ، تلزمنا أن لا نؤجل أو ننشغل بالحقائق وأستقراء النتائج والاستكشاف ، بقدر ما تستلزم المخافة والطاعة وأستعداد التوبة .... لان مسيحنا حاضر علي الدوام وبغتة وأيضاً في كل أوان . يأتي إلينا وينادينا ويقرع الباب بعد نهار الشقاء وأتعاب الزمن المضني ، فهو تنازل إلي أعماق الأرض وما تحت الأرض حتي الي الجحيم ، ليطلب كل غنمه ضاله ويرفعها من الحضيض ويستردها الي بيت الآب ... آخلي نفسه وأفتقر وتنازل من علو مجده وتذلل للغاية ، من أجل حبه ومن أجل أن يكون في متناول أدراكنا ، فشابهنا لنتشبه به وأخذ طبيعتنا ليخدم لنا الخلاص ، ونتسم بسماته ونأتي اليه ، بعد أن أتي هو إلينا ، ليبتلع الخالد والباقي والدائم كل فاني وزائل وفاسد ، وليغلب بحياته الموت الذي فينا ، ويفتدي العالم كله بدم نفسه الشافي المحيي الماحق الموت : فصحنا الذي ذبح لاجلنا. وهو الذي مكث في باطن الارض ثلاثة أيام وثلاثة ليال ، والذي هاجت عليه أمواج بحر هذا العالم حتي الصليب ، وهبط إلي مغاليق الارض وسلب الجحيم وبشر الأرواح الموجودة في السجن ، وفتح الأبواب الموصدة ، وعاد إلي الحياة مرة آخري ، ليخرج الحق إلي الامم ، ويمنحنا كنز ومعجزة خلاصنا التي أتمها لاجلنا ... فكان الحوت ليونان بمثابه القبر للمسيح ، وكما خرج يونان حيآ هكذا خرج المسيح من القبر حيآ ، بعد أن ذاق الموت بالجسد .فلننظر كيف يعلمنا الله بالتدريج ويمهد لنا كي نؤمن وكأننا نصعد علي سلم نكون فيه في درجه تقودنا إلي الثانيه لنبلغ إلي الاخيرة. . أنها رسالة الله لنا وها قول الرب صار لجميعنا ، حتي نقوم ونذهب ونبشر في مناداة الكرازة باسمه ، ولنحترس كي لا نهرب إلي ترشيش ، لان في الهروب ريحآ شديدة ونوء عظيم وانكسار لسفينة الحياة ، ولنفحص أنفسنا كل واحد أمام الله ، ولنطرح عنا الأمتعة التي تثقلنا بها للغاية والتي أغرقتنا ، ولنرجع من هروبنا الذي أنزلنا الي حضيض الجوف في الاسافل ، فجعل غفلتنا ثقيلة ، بينما القرعة قد وقعت علينا ضمن خطة الله لخلاصنا ، وسنكتشف أنه لا يمكننا الهروب أبدآ من حضرته ، عندما نقر أننا السبب في الأنواء العاتية المحيطة بنا ، صارخين لله حتي لا نهلك وحتي لا نعثر أخوتنا ، وتكون علينا دماء برئيه ( نجني من الدماء يا الله اله خلاصي. ) . خائفين الله مقدمين له نفوسنا ذبيحة علي مذبحة المقدس الناطق السماوي ، مع نذور الطاعة والتكريس والاتكال ... لان كل شئ قد أخضعه الرب لنا ، وهو قد أعد الحوت العظيم واللجج والطرق واليقطينه والظل والدودة والرياح والافلاك والازمنه والمناخ وكل شئ من أجل أن يخلصنا ، وتدابيره التي تحوطنا لا يمكن أن يدركها أحد بسهوله . إن العالم كله المحاط بالصخب والغرق وقوي الشر ، جاء إليه مسيحنا ليكون له فصحآ : يكرز ويشفي ويقدس إلي التمام ، فصحآ شريفآ فصحآ برئيآ من العيب ... يهدأ العواصف وتطيعه الريح ، فصحآ قام لينقذنا فصحآ محررآ إيانا من الجحيم كافة ، نصلي إليه وندعوه ونصرخ نحوه وننظر هيكل قدسه ، من بعد إعياء مراعاة الأباطيل الكاذبة ، فنحمده ونعترف له ونمجده وننذر له النذور من أجل نعمه الجزيله . فصحنا حي وقائم كأنه مذبوح ، لا يري فسادآ ويجعلنا نصير ما صاره هو لاجلنا ، وقد أفتدي ربوات الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم ، فصحنا يزيل غمنا فنراه ونفرح فرحآ لا ينتزع منا، فصحنا لا يشاء هلاكنا وقد أعد كل شئ من أجل العرس، وقد أبعد عنا معاصينا كبعد المشرق عن المغرب ، وهدم حصون وأعطانا السلطان وأطفأ السهام وبه وحده نغلب . إن نبوءة يونان هي أشارة مبدعة إلي المصالحة التي كان الله مزمعآ أن يصنعها بين جميع أمم الأرض بدم صليبه ، الذي به صالح الشعب مع الشعوب والنفس مع الجسد ، وما يونان النبي إلا رمز وآيه لهذه المصالحة التي تمت بالآلام الفصيحة ، التي تثبتت عندنا بالكلمة النبوية ، والتي نفعل حسنآ إذ انتبهنا إليها كما إلي سراج منير في موضع مظلم إلي أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا القمص اثناسيوس فهمى جورج
المزيد
12 فبراير 2020

صوم نينوى تاريخيا

ورد في مقدمة قطماروس الصوم الكبير أن هذا الصوم دخل للكنيسة القبطية في عهد البابا أبرآم بن زرعة السرياني (976-979م) الـ62 من بابوات الكرازة المرقسية(1)، وذلك بعد أن أتم الله في عهده معجزة نقل الجبل المقطم سنة 978م تقريبًا. وذكر العلامة جرجس ابن العميد الملقب بابن المكين (+1273م) في كتابه مختصر البيان في تحقيق الإيمان الشهير باسم الحاوي أن البابا ابرآم "أراد بذلك اتفاق كنيسة القبط مع كنيسة السريان في هذا الصوم لائتلاف المحبة، كما يوجد بينهما الائتلاف في الأمانة الارثوذكسية"(2)، كما أوضح ابن المكين السبب الذي من أجله وُضِع هذا الصوم في فترة ما بعد عيد الغطاس المجيد وفي غضون أيام رفاع الصوم الكبير، تنبيهًا للنفس بالتوبة وضبط الشهوات تمهيدًا لاستقبال الصوم الأربعيني(3). ومن المعروف أن هذا الصوم قديم جدًا في كنيسة المشرق السريانية التي كان ينتمى لها هذا البابا القديس، إلا أن الآراء تباينت في أصله وتاريخه، وفيما سوف نستعرض ملخص لهذا التاريخ. ففي بادئ الأمر كان ستة أيام تُفرَض على المؤمنين في وقت الشدة، ويُستدلّ على ذلك من ميامر القديس مار آفرام السرياني (+373م)، حيث ورد عنوان الميامر ما ترجمته عن السريانية: "مقالات مار آفرام في الطلبات التي تقام في زمن الغضب"، ولكن هذا الصوم أُهمِل عبر الأجيال(4). وفي القرن السادس الميلادي أصبح ثلاثة أيام فقط تُصام سنويًا، وذلك بعد أن أصاب الناس في بلاد فارس والعراق وخاصة منطقة نينوى مرض يُسمّى (الشرعوط)، وهي لفظة سريانية معناها (الطاعون أو الوباء)، وعلامته ظهور ثلاث نقط سوداء في كفّ الإنسان حالما ينظر إليها يموت. فخلت مدن وقرى كثيرة من الناس، حتى اضطر الملك كسرى أنوشروان أن يستأجر رجالاً لدفن الموتى من كثرتهم. فقرّر رعاة الكنائس المشرقية في تلك البلدان أن يصوم المؤمنون لمدة ثلاثة أيام ونادوا باعتكاف، وتوبة قوية نسجًا على منوال أهل نينوى وسُمِّي "صوم نينوى" لأن المؤمنين الذين صاموه أولاً كانوا يقطنون في أطراف نينوى(5). بينما يذكر المطران مار ديونيسيوس ابن الصليبي (+1171م) في كتابه المجادلات (بالسريانية) أن واضع صوم نينوى هو مار ماروثا مفريان(6) تكريت (+649م)، وهو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً(7). ولكن مؤرِّخو الكنيسة الشرقية يذكرون أن سبب هذا الصوم شدّة طرأت على الكنيسة في الحيرة فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتمامًا لوصية أسقفهم يوحنا أزرق فنجاهم الله من تلك التجربة(8)، وهذا ما أكّده المفريان مار غريغوريوس أبو الفرج ابن العبري (+1286م) في كتابه "الكنيسة الشرقية"(9). ومما هو جدير بالذكر أن المصادر القبطية القديمة تذكره دائمًا باسم "صوم نينوى"، ولم يُعرَف باسم "صوم يونان" إلاّ حديثاً(10)، ومدته عندنا ثلاثة أيام فقط. بينما دخل هذا الصوم في الكنيسة الأرمنية عن طريق الكنيسة السريانية أيضًا، ولكن يُعرَف عندهم باسم "صوم مسروب"، ومدته عندهم ستة أيام. بينما لم يُعرَف أبدًا في الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية. (1) قطماروس الصوم الكبير، عني بطبعه الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا والقمص برنابا البرموسي، ط.2، سنة 1669ش/ 1953م، ص4. (2) ابن المكين، الموسوعة اللاهوتية الشهيرة بالحاوي، ج4، طبعة دير المحرق، 2001م، ص242. (3) ابن المكين، المرجع السابق، ص243-244. (4) الراهب حنا دولباني، "صوم نينوى"، مجلة الحكمة، القدس، المجلد الرابع سنة 1930م، ص 62 (5) المطران إسحق ساكا النائب البطريركي العام، السريان ايمان وحضارة، ج5، دمشق 1986م، ص 304. (6) المفريان: كلمة سريانية تعني "المُثمر"، وهي رتبة كهنوتية تُعطَى لكبير الأساقفة في منطقة جغرافية بعيدة عن مقر الكرسي البطريركي، فهى أعلى من المطران ودون البطريرك. (7) مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بحوث لاهوتية عقيدية تاريخية روحية، ج2، ط.1، العطشانة – لبنان 1998م، ص 263. (8) المخطوط 159 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، بخط عبد يشوع جثاليق المشرق سنة 1567م، راجع: الراهب حنا دولباني، مرجع سابق، ص63. (9) المخطوط 211 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، راجع: المطران إسحق ساكا، مرجع سابق، ص305. (10) لم نستدل على كاتب عندنا استخدم هذا التعبير قبل الأنبا إيسيذوروس في كتابه الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، ج.2، ط.1، 1923م، ص 236 القس باسيليوس صبحى
المزيد
11 فبراير 2020

يونان ونينوى ونحن

ليس عبثاً وضعت الكنيسة هذا الصوم المبارك في هذا الوقت بالذات، فترتيب الكنيسة دائماً مُلهَم. تعلمون أننا قادمون على الصوم الأربعيني المقدَّس. والكلام هنا مركَّز وموجَّه. فكلمة "الأربعيني" ذات أهمية خاصة. ذلك لأننا قادمون على موت يجوزه المسيح عن البشرية كلها، أو هو استبدال موت بهلاك، ذلك لأن البشرية كلها كانت في حالة هلاك أو مشرفة على هلاك وإبادة لا تقل عن إبادة الطوفان(2)، وذلك بسبب تعاظم سلطان الخطية وهذا ما حدا بالابن المبارك أن يترك مجده ويلبس بشريتنا ويتألَّم لكي ينقذ البشرية. لقد قدَّم نفسه للموت عوضاً عن هلاك البشرية ثم قام، فصار موته وقيامته مصدر خلاص وتوبة لا تنتهي. صار آية لكل مَنْ يريد أن يرث - لا أن يرى الإنسان بعد آية - بل يرث السماء نفسها. فهذا هو موت المسيح وقيامته. وهذا هو الصوم الأربعيني الذي صامه الرب عن البشرية كلها، ليوفِّي عنها كل نقص في نسك أو في صوم والكنسيون منكم يتذكَّرون أننا لازلنا نردِّد ألحان عيد الظهور الإلهي، أي التعميد الذي لا يتم حسب الطقس إلا بالتغطيس الكامل تحت سطح الماء(3)، أي في عمق المياه - أو بتعبير قصة يونان - نزل إلى بطن الماء. لذلك لما خرج المسيح من الماء اعتُبر ذلك مسحة خَدَم بها، تلك التي تقدَّم بها للدخول في صوم الأربعين يوماً، ثم إذا تجاوزنا الزمان أو التـزمنا بالطقس الكنسي ندخل مباشرة في أسبوع الآلام ثم الموت فالقيامة وهكذا يأتي صوم يونان قبل الأربعين المقدَّسة حاملاً معاني ورموزاً كثيرة ما بين الغطاس والموت على الصليب!! نعود إلى يونان. ونسأل: مَنْ هذا المدعو يونان؟ إنسان نبي، من العبرانيين، أتاه صوت الرب هكذا «وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة » (يون 1: 1 و2)فقام يونان، يقول الكتاب إنه "قام وهرب" إلى ترشيش من وجه الرب، وذهب وهاج البحر السفر لم يوضِّح أكثر من هذا، وطبعاً إن أي عدم توضيح في الأسفار أو الإنجيل ليس معناه قصوراً أو خللاً في التدوين ولا حتى سهواً، ولكنه فسحة للفكر العمق وللنفس المتأمِّلة، لتستوعب الأشياء التي لا يمكن أن تُكتب في سطور. وأتمنَّى أن يكون هذا الكلام له صدى عند السامع، لأن كثيرين يشتكون من غموض بعض المواضع في العهد القديم؛ بل وفي الإنجيل أيضاً. صوت الرب يقول ليونان: اذهب وبشِّرها لأن شرَّها صعد أمامي. فهرب ونزل في بطن الماء وبقي فيه ثلاثة أيام، وبالتعبير الكتابي، المسيح نـزل إلى الهاوية ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. ويونان نـزل إلى العمق، في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبتعبيره هو قال: «صرختُ من جوف الهاوية» (يون 2: 2)، وهكذا يبدو سفر يونان تطبيقاً ورؤيويًّا، وكل سطر وكلمة فيه تشير إلى المسيح بصورة قويَّة جداً. وهنا يمكن اعتبار يونان بمثابة يوحنا المعمدان في العهد الجديد الصارخ ليعد طريق الرب يونان رمز حيٌّ بشخصه، يمثِّل المسيح. عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدَّسة، والأربعين إلى الصليب ثم القيامة. تماماً كما نـزل يونان الماء ثم ذهب لنينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً لها: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله - وكأنها وفاء أقصى مدة محدَّدة للهلاك(4). لكن الرب وفَّاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها أما هروب يونان، فكأنه يستصعب الدعوة، لكنه بعد أن نـزل في الماء وظلَّ فيها ثلاثة أيام حدث له شيء ما. لأنه بعد ما ألقاه الحوت على الشاطئ، قال له الرب مرَّة ثانية بنفس الألفاظ الأُولى: «قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ لها بالمناداة التي أنا مُكلِّمُكَ بها» (يون 3: 2)، فانصاع يونان وكأنما تجدَّد فكره بعد أن اعتمد لنينوى ثلاثة أيام في العُمق!! هنا شيء سرِّي حدث. وكأنما النـزول في الماء - معمودية يونان - هو اجتياز الموت والقيامة لنينوى. يا للعجب على الإشارات البليغة، يا للكنيسة التي تستطيع باللمسات الخفيفة أن تحدِّد صوماً محدَّداً أو عيداً معيناً. تحديدات كلها إلهام ورؤيا لمَنْ يريد أن يسمع أو أن يرى، وليس كالكتبة والفريسيين الذين قالوا له: «نريد أن نرى آية»، متغاضين عمَّا حدث من قبل وضعت الكنيسة هذا السفر أمام أعيننا في هذه الأيام لنستطيع أن نستوعبه لأنفسنا: أولاً في يونان، وثانياً في نينوى. لأن ليونان ونينوى رسالتين لنا في حياتنا. فيونان يضع لمسات صورة المسيح القادم من بعيد. ونينوى تبكِّتنا بشدَّة: «رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلاَّ آية يونان النبي.» (مت 12: 41 و39)«هذا الجيل»، لا يقصد به الوحي زمن جيل المسيح فحسب - كما يقول أغلبية الشرَّاح - ولكنه هو هذا الجيل أي كل جيل شرير وفاسق. كل جيل فيه الشرير والفاسق، فهو «هذا الجيل». أما جيل المسيح الذي هو جيل الرسل فهو جيل مستمر فينا وبنا حتى الآن. وأنتم تسمعون الكاهن يقول: "اذكر يا رب كنيستك الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية"، ثم تسمع في المجمع أسماء البطاركة حتى آخر بطريرك. فالكنيسة ممتدَّة من المسيح والرسل إلى هذا اليوم. فهو جيل واحد، هو جيل المسيح، وهذا اسمه. الجيل الشاهد للمسيح حتى آخر يوم في تاريخ البشرية، جيل ممتد، الجيل الطيب القديس الطاهر أما الجيل الآخر فهو جيل قايين، وجيل يهوذا، الجيل الصالب، هو أيضاً ممتد حتى هذا اليوم، فيه يهوذا وفيه الصالب أيضاً «جيل فاسق وشرير»، قد تبدو هنا قسوة في كلام المسيح، ولكن ليس الأمر كذلك. هو جيل فاسق وشرير لأنه زاغ عن الله. وإذا سمعت عن "الفسق والشر" في الإنجيل فلتفهم أنه يقصد الوضع الروحي وليس الجسدي (لأن الوضع الجسدي يمكنه بطعنة في الضمير الحي من سيف كلمة الله أن يحوِّل أشر الناس إلى القداسة). الشر الروحي، هو أن نعبد غير الله، أن نرتمي في أحضان الشيطان، هذه هي الخيانة الزوجية. لأن المسيح اتخذ الكنيسة لنفسه عروساً، حسب نفسه عريساً للكنيسة: «لأني خطبتكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح.» (1كو 11: 2)«جيل فاسق وشرير يطلب آية»، هل يريد من الله أن يرسل له ناراً من السماء؟ أو يرسل له منًّا من السماء يأكله ويشبع؟ ألم يقدِّم لهم الطعام في معجزة إكثار الخمس خبزات والسمكتين (إنجيل اليوم الثالث من صوم يونان)؟ ولكن لننتبه لأنفسنا جداً لأن الآية لا تزيد الإيمان، ولكن الإيمان بحد ذاته آية!! تذكرون قول الإنجيل إن المسيح «لم يصنع هناك (في الناصرة) قوات كثيرة لعدم إيمانهم» (مت 13: 58). لن يستطيع المسيح أن يعمل لك آية في حياتك إن لم يسبقها إيمان «ولا تُعطَى له آية إلا آية يونان النبي»، جيل فاسق شرير، وخطيته شنيعة جداً. لن تنفعه الآيات من السماء. ولكن آيته الوحيدة هي التي تقيمه من موت الضمير، وآيته هي آية يونان النبي، آية الموت لأن يونان في عُرف المنطق والعلم أنه كان يتحتَّم أن يموت في بطن الحوت، يونان مات، نعم مات، والرب أقامه، ولكن لمَنْ كان الموت؟ ما أجمله موتاً ذلك الذي نموته كل يوم من أجل الآخرين! ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتكفِّر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة!! الشرَّاح الغربيون يقولون عن سفر يونان أنه سفر خرافي، أما المتساهلون منهم فيقولون عن يونان إنه يمثِّل الابن الأكبر (في مَثَل الابن الضال)، لأن نينوى لما خلصت حزن يونان وصار مثل الابن الأكبر لم يُرِدْ أن يدخل البيت لا، لم يحدث هذا، الحقيقة العميقة هي أن يونان تمنَّع من الذهاب لنينوى لئلاً يبِّشرها بالخراب!! ولأنه يعلم يقين العلم أن الله طويل الأناة بطيء الغضب، وسيصفح حتماً في النهاية. لذلك هرب يونان لئلا يواجه محنتين: محنة التبشير بالخراب، وهو عسير كل العسر على النفس الوديعة؛ ومحنة رجوع الله عن غضبه، فيظهر يونان وكأنه يسخر من شعب غريب. ولكن أين يهرب يونان من وجه الله؟ فالله دائماً يطارد الخادم الهربان. فكل إنسان يمكن أن يهرب من وجه الله، إلاَّ من سمع صوته وحمل نيِّره وقَبـِلَ اسمه القدوس في الفكر القبطي يونان ليس هو الابن الأكبر الذي حزن على خاص نينوى، ولكنه مثال المسيح. هو نبي الفداء المبدع، لا يقلُّ بل ربما يزيد عن كل الأنبياء في العهد القديم، رقة ورهافة، لا يماثله في هذه الرهافة والرقة إلاَّ نبي واحد مظلوم مثله، هو أيوب.يونان لم يحتمل أن يكون كارزاً بالخراب. وفي إنجيل لوقا إشارة لطيفة جداً ولكنها سرية للغاية، تكشف عن حدوث صلة توبيخ لأهل نينوى بسبب المخاطرة العظمى والموت المحقَّق الذي تعرَّض له يونان من أجلهم: «وكما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل.» (لو 11: 30)إذاً، فقد بلغ أهل نينوى أن يونان عبر محنة الموت في داخل بطن الحوت ثلاثة أيام، ثم قام من أجل خلاصهم!!هنا يقصد إنجيل لوقا أنه كما كان يونان بنفسه (وليس بكرازته فقط) آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان بنفسه آية لهذا الجيل، أي بموته وقيامته من الصعب جداً، يا إخوة، أن نتكلَّم كثيراً عن ضغطة الموت على مدى ثلاثة أيام بلياليها التي جازها يونان، ولكننا نعرفها أكيداً في تطبيقها على المسيح لما مكث ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في الهاوية ثم قام: «سبى سبياً وأعطى الناس عطايا (أي كرامات)» (أف 4: 8)، قام «ونفخ (في وجه تلاميذه) وقال لهم ... مَنْ غفرتم خطاياه غُفرت له» (يو 20: 22 و23). أعطى الحِلَّ والبركة على الأرض لتدوم إلى أبد الآبدين، إذ نسمع الكاهن يقول: «كما أعطيت الحلّ للتلاميذ ليغفروا الخطايا ...»، هكذا دام هذا الحلُّ الذي يفك كل الخطايا هكذا قام يونان وكَرَزَ لنينوى، ليحل عنهم بضيقة موته ثم بكرازته غضب الله!! ويبدو أنه قال لهم ما حدث له وأما من جهة نينوى المدينة العظيمة، فنحن آتون هنا لمنظر من المناظر الرهيبة، إذ بمجرَّد أن سمع الملك بما حدث ليونان، وبما نادى به، قام عن كرسيه الملكي وخلع ثيابه وفخفخته وجماله وفخره الكاذب، ولبس المسوح، والشعب كله لبس المسوح - والمسوح ثوب من شعر المعزى خشن الملمس جداً - وأعطى الملك أمراً أن يُرفع الطعام عن كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً حتى الرضيع على صدر أمه - يا للهول - وعن البهائم كلها، وهنا وكأنما الخليقة كلها تتمثَّل في قصة توبة نينوى.وكان ذلك إلى ثلاثة أيام. مدينة فيها "واحد على ثمانية" مليون نسمة تتوب كلها ويعفو الرب عنها من أجل توبة جماعية ناشطة وتدبير متقن لهذا الملك النصوح الواعي الذي استطاع بحكمته أن يرفع حكم الموت عن شعبه؛ يا للرعاية ويا لحكمة الراعي!! ثم ما هذا الحضن المتسع يا الله؟ إن هذا عجب كبير حقاً! مدينة وثنية تؤمن بالله بكرازة واحدة؟ نعم، ليس بآية من السماء ولا من الأرض تتوب البشرية أو يُعفَى عن إثمها، بل بالاتضاع والصوم والصلاة وتذلُّل القلب لدى الله القدير!آه لو علم كل خاطئ هذا، ما استكثر خطاياه أبداً عن عفو الله. لو علمت الكنيسة ما ينبغي أن تكون عليها من توبة جماعية، لجلست مع أبنائها في هذه المسوح وفي تراب المذلة إلى أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء، ولكانت أزمنة الفرج تأتي من السماء سريعاً!! كما قال بطرس الرسول (أع 3: 19)يا أحبائي، إن تعطَّلت أزمنة الفرج فالعيب هو منا، نينوى كانت تسير إلى الهاوية والهلاك أكيداً وسريعاً، ولكن بوقفة شريفة شُجاعة أمينة على قدر الدعوة وقدر التهديد استطاعت أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء. ماذا يعوزك أيها الخاطئ؟ أيعوزك المسوح؟ أيعوزك التراب؟ ماذا يعوزك؟ لو كانت التوبة بذهب وفضة، لو كانت تستلزم سلماً عالياً نطلع به إلى السماء، لو كانت تستلزم منا جهداً نفسانياً أو عقلياً أو جسمانياً أو حكمة فائقة أو علماً زاهراً، لكي نحدر المسيح من السماء أو نصعده من الهاوية؛ لقلنا إن التوبة صعبة وشاقة. ولكن ملك وشعب ونساء وأطفال وبهائم نينوى عرفت طريقها سريعاً إلى النجاة. فما بالنا نتعطَّل نحن، وما بالنا نذهب يميناً ويساراً ونستشير الكبير والصغير، والخلاص أمامنا وبابه مفتوح، والذين دخلوا منه كثيرون، ومن كل شعب ولسان وأُمة!!وها هي نينوى تضع لنا نموذجاً لتوبة بسيطة قادرة بعنفها أن تفتح أبواب السماء وتحدر عفواً شاملاً بلا أي استثناء للمدينة بأسرها، قيل عنها في الكتاب إنها لا تعرف شمالها من يمينها!يا إخوة، نحن قادمون على الأربعين المقدسة، يعوزنا قلب كقلب ملك نينوى وشعب نينوى. أما مجرَّد ذكر البهائم الصائمة وهي خائرة على مذاودها ففيه توبيخ لنفسي، لأني أرى في نفسي وحوشاً ضارية تتعالى على غيرها كما يعلو الأسد على الغزال. كم فيكِ يا نفسي من غرائز تحتاج أن تُذلَّل بالجوع والمسوح؟ منظر نينوى وبهائمها واقفة على المذاود تئن، مرعب لشهواتي وملذاتي. الثيران وقعت من الجوع خائرة. وكم فيكِ من هذا يا نفسي يا مدينة الله! ما أجملكِ يا نفسي وأنتِ جالسة في المسوح والتراب متشبِّهة بنينوى!! جيد لكِ يا نفسي في هذه الأربعين المقدسة أن تَرْبُطي حواسكِ كلها، البهيمي منها والوحشي، ولا تفتكري أنكِ بنت المدينة العظمى التي تعرف شمالها من يمينها، لأن الخطية لا يتعالى عليها إلا مَنْ ذاق ما ذاقته نينوى!اليوم يا أحبائي، أكشف أمامكم سر السماء بلا ستار، بلا حجاب؛ ملك يترك عرشه، وينتـزع الخلاص، وينتـزع العفو السمائي، بتوبة جميلة رائعة استطاع أن يحصل عليها وهو في التراب والرماد ثقوا، إن ساعات الخلاص وأيام الرجاء لا تأتي جزافاً أبداً. إن كنت تريد خلاصاً سريعاً، إن كنت تريد أزمنة فرج، فاليوم تعلَّم من درس نينوى، وهو درس للأجيال كلها جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلا آية نينوى آية نينوى لا تقل إطلاقاً عن تفتيح عيني الأعمى، وعن إطعام الجائعين بخمس خبزات وسمكتين، وتحويل الماء إلى خمرآية نينوى فاقت كل آية إلا موت المسيح وقيامته، ولكن الجديد في آية نينوى أنها تابت بمناداة نبي، والآن الصوت الذي ينادينا أعظم من كل نبي لأن يونان نادى بالموت أو التوبة، ولكن المسيح يقدِّم لنا موته قوَّة حية محيية قادرة أن تُقيم من الخطية والموت!!اليوم يا أحبائي يوم نينوى ونبيها الرقيق المشاعر، النبي الفادي القائل: "هذه خطيتي" حينما هاج البحر ولم يقل "هذه خطية نينوى"يونان هنا ينادي كل خادم، كل واعظ، كل كاهن، كيف يرى خطية شعبه ومدينته، ويرى في آلامه وحزنه وضيقه، بل وموته فدية لأولاده وصلَّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال«دعوت مِنْ ضيقي الرب فاستجابني. صَرَختُ مِنْ جوف الهاوية فَسَمِعتَ صوتي. لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار. فأحاط بي نهرٌ (نهر الموت). جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت: قَدْ طُردتُ مِنْ أمام عينيك (إلهي إلهي لماذا تركتني؟). ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك (وفي اليوم الثالث أقوم). قد اكتنفتني مياهٌ إلى النفسِ (هذا المزمور يُقال في يوم جمعة الصلبوت). أحاط بي غَمْرٌ. التفَّ عشبُ البحرِ بِرَأْسِي. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض عليَّ إلى الأبد. ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي. حين أعيت فيَّ نفسي ذكرتُ الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك. الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لكَ. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص.» (يون 2: 2 - 9) هكذا تكون صلواتنا في ضيقاتنا. اشْتَكِ للرب فقط، شكوى الممنونين "جازت عليَّ آلامك يا رب. أجزتني المحنة وأمررتني تحت العصا. المرُّ في حلقي. دخلت المرارة إلى قلبي وإلى نفسي". وكما يقول النبي: «توجعني جدران قلبي» (إر 4: 19)، بتعبير عجيب، كلها أنين الشكر وشكوى الحمد إن صلاة يونان هي المزامير الجديدة للسائرين في طريق الجلجثة والتي حتماً تردِّد قرارها في السماء كل الأرواح المبرَّرة المكمَّلة في المجد. إنها السلم الجديد الذي نرتفع عليه لكي نطل خلسة إطلالة سريعة على المجد المعد!نعم، هكذا يُغتصب ملكوت السموات! بصلاة كصلاة يونان وهو في عمق الهاوية. اليوم يا أحبائي، هو يوم التوبة الغاصبة لحقوق القديسين وميراث ابن الله. اليوم، مفهوم جديد لمعنى الكرازة بالبذل حتى الدم. اليوم، دعوة للكارز ليسلك طريق النجاة لنفسه وشعبه، للراعي والرعية. هذه نينوى تعطينا صورة حاسمة لكل دقائق ومعنى استرضاء وجه الله!! يا رعية الله، صغيرها وكبيرها، شيخها وطفلها، مريضها وسليمها، هذه نينوى أمامنا آية ويا كارزي المسكونة، ويا واعظي الكنيسة، هوذا يونان لكم اليوم مثلٌ يُحتَذى، كيف كان وماذا صار. فيونان قَبـِلَ أن يدخل محنة الموت والثلاثة الأيام بلياليها ما كان نافعاً لا لنينوى ولا لنفسه، حيث كان سيذهب إلى ترشيش ليأكل الخرنوب مع الخنازير وها هو يونان بعد أن صلَّى من عمق التجربة وأهوال الموت يرينا كيف جاز التجربة حتى النهاية، وصار يونان كارزاً بشبه المسيح، وحُسب له موته بشبه فداء. وهكذا تكرَّم يونان بهذه التجربة فصار هو النبي الوحيد الذي أخذه المسيح ليضعه نموذجاً لموته وقيامته! وآية للتائبين!! صلاة يا رب الفداء الحقيقي الذي منك نستمد كل معنى وكل قوَّة للفداء، أعطِ يا رب روح الفداء لرعاة شعبك، الكبير منهم والصغير، العجوز والحَدَث، المطران والكاهن، أعطهم روح يونان يا رب، وأما رعيتك فأعطها طاعة كطاعة نينوى لمليكها لقبول مرارة التوبة لتنجو ولا تُدان مع العالم، وليؤمن شعبك بالحق أن الرب قادر أن يميت ويُحيي فيا شعب الله اطلبوا الحياة بسيرة التوبة ولا تسعوا بسيرة أهل العالم في طريق الموت يا رب أعطِ رعيتك جميعاً روحاً كروح نينوى في هذا اليوم ليتوب شعبك، وتتوب كل مدن ممالك الأرض إليك، ولتأتِ أزمنة الفرج سريعاً من عندك على العالم. آمين. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
10 فبراير 2020

ماذا تعرف عن صوم "يونان النبي"؟

يبدأ اليوم، الإثنين، الأقباط في صوم يونان، والمعروف بصوم نينوي أيضا، والذي يستمر لمدة 3 أيام، لينتهي بفصح يونان يوم الخميس المقبل ويونان هو نبي عاش مع بني إسرائيل أرسله الله لأهل نينوي الذين أخطأوا أمام الله ليطلب منهم التوبة، إلا أن يونان خاف جدا من أهل نينوى فهرب إلى مدينة ترشيش، إلا أن الله أرسل ريحا عظيما وكادت أن تهلك المركب بمن فيها، وقام البحارة بعمل قرعة ليعلموا من هو سبب هذا الغضب العظيم بعد أن شكوا في الأمر فاستقرت القرعة على يونان 3 مرات.وفي النهاية اعترف يونان بأنه خالف قول الله، فما كان منهم إلا أنهم ألقوه في البحر، إلا أن الله كان أعد حوتا عظيما فابتلعه وظل في جوفه 3 أيام قدم فيها توبة حقيقية إلى أن لفظه على الشاطئ قرب نينوي، وقام يونان بمهمته وتابت بلده نينوي كلها على يديه. ويقع صوم نينوي قبل بدء الصوم الكبير بأسبوعين، ومدة هذا الصوم حسب طقس الكنيستين السريانية والقبطية هو ثلاثة أيام، أما الأرمن الأرثوذكس فيصومونه خمسة أيام، ولا تعرفه الكنيسة اليونانية. هذا الصوم إلى الكنيسة القبطية في أيام البابا إبرآم ابن زرعة السرياني (976- 979م) البطريرك الـ62 في القرن العاشر، حيث كان البابا ابرآم سرياني الأصل، وكان السريان يصومونه قبل القرن الرابع الميلادي.وكان عدد أيام هذا الصوم قديما ستة، أما الآن فهو ثلاثة أيام فقط، تبدأ صباح الاثنين الثالث قبل الصوم الكبير، وكان قد أهمل عبر الأجيال.ويذكر مار ديونيسيوس ابن الصليبي (1171+) أن مار ماروثا التكريتي (649+) هو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولا، ويقول ابن العبري نقلا عن الآخرين إن تثبيت هذا الصوم جرى بسبب شدة طرأت على الكنيسة في الحيرة (وباء خطير فتك بالأهالي) فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتماما لوصية أسقفهم (مار سوريشو مطران)، الذي أراد تقليد أهل نينوي لعل الله يستجيب ويخلصهم من الوباء، فنجاهم اللّه من تلك التجربة.وظل هذا الصوم يتأرجح، حتى نجده صار صومًا مستقرًا في الكنيسة في قوانين ابن العسال في القرن الثالث عشر، كما ذكره ابن كبر +1324م كصوم مستقر في الكنيسة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل