المقالات

25 يونيو 2022

الخادم والتعب

مثلنا الأعلى في الخدمة هو شخص ربنـا يسوع المسيح المبارك الذي ذكر عنه أنه كان يجول يصنع خيراً ... وليس له أين يسند رأسه ... « وكان يسـوع يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعهـا ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب » ( مت ٣٥:٩ ) لا يعرف الراحـة لأنـه أتى ليصنع تدبير الخلاص ... وأخبرنا أنه لهـذا ولد ولهذا أتى إلى العالم ... وهو عالم بكل ما يأتى عليه .. فمعاناة الصليـب والإهانات والمرارة والآلام لم تكن أحداث مفاجئة بل هو يعلمها وينتظرها ويسر بها ... هـذا منهج مخلصنا الصالح في خدمتـه ... يطوف .. يسهر .. يعلم .. يتعـب .. يصلى ... . يصلب .. يسعـى ليكرز ويرد النفوس مـن الظلمة إلى النـور ومن الضلال إلى معرفة الله الحقيقي ... وجدناه يسافر ويجعل مـن السامرة مساراً إجبارياً ليقابـل نفساً واحدة وهي المرأة السامرية .. فيذكر الكتاب « وكان لابد له أن يجتاز السامرة ويمشى ستة ساعات وقد تعب من السفر جلس هكذا على البئر وكان نحو الساعة السادسة .. حيث شدة حرارة الشمس » .. كثيراً ما يعتـذر الخدام عن خدمات كثيرة بسبب ضيق الوقت وكثرة المشغوليـات ... لكن لو وضعنا في قلبنا أنه لابد من التعب في الخدمة ... لأن عمـل الله لا يعمل برخـاوة ... ولا يتفق مـع روح الكسل التي تعبر عن اللامبالاة ... يذكر عن أبونـا المتنيح القمص بيشوى كامل أنه كان لا يميل إلى الراحة ولو طلب منه أن يستريح كان يقول كيـف أستريح ولابد أن يكون خدامه لهيب نار .. فتجده في أيام قليلة قام بأعمال كثيرة .. يذكر معلمنا بولس الرسول عن خدمته في تعب وكد ، في أشهار مـرارا كثيرة ، في جوع وعطش ، في أصـوام مـرارا كثيرة ، في برد وعري . ( ۲ کو ٢٧:١١ ) ومـن أكثر الأسباب التي تدعونا للتعب أن نعلم أن المكافأة مرتبطة بالتعب . « لأن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه ( اکو ٨:٣ ) « ونثق أن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه » ( عب ١٠:٦ ) كان المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث يوجه لأمر هام أنه إن تعب: الخادم إستراح المخدومين .. وإن إستراح الخادم تعب المخدومين أخى الخادم كم شخص يحتاج إلى إفتقادك .. كم خدمة تحتاج إلى تعبك ... كم محتاج يحتاج إلى مساعدتك ... تعلـم التعـب في الخدمة لأنه تعب مريح ... لأن مـن يحب لا يتعب لأن المحبـة تجعله لا يشعر بالتعب فما أجمل ما قيل عن تعب أبونا يعقوب من أجل الحصول على راحيل محبوبته أنه حسبهـا كأيام قليلة بسبب كثرة محبته لها .. يصلـى الكاهن في سر الإبراكسيس سـراً متضرعاً إلى الله أن نتمثل بخدمـة أبائنـا الرسـل وأن نشترك معهم في الأعراق ( الأتعـاب ) التي قبلوها لحفظ التقوى ... فطوبى لمن يعملون الآن بكل قوتهم فإن لحظة واحدة في مجد السماء سـوف تنسيهـم كل أتعابهـم ويالخـزى من تكاسل وأهمل وبـدد قطيع سیده .. القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد
24 يونيو 2022

غسل الأرجل ومفهوم الخدمة

إن سيدنا ومخلصنا له المجد جعل نفسه خادماً ، وقال : " أنا بينكم كالذي يخدم " ( لو ٢٢ : ٢٧ ) ، " أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لي لأني أنا كذلك ، فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فيجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو ١٣ : ١٣ ، ١٤ ) . والحقيقة عندما نتأمل ما معنى غسل الأرجل ؟ ولماذا كان غسل الأرجل في يوم خميس العهد ؟ وما حكمة المسيح في أنه يقوم ويغسل أرجل تلاميذه ؟ هل هو مجرد ممارسة عمل من أعمال الضيافة التي كانت تقتضيها ظروف ذلك الزمان ؟ لم يكن هناك أحد يوم خميس العهد جاء من مكان بعيد حتى أنه يغسل أرجلهم بإعتباره المضيف ، إنما كان هناك لاشك معانى واسعة في أنه وهو المعلم وهو السيد يأخذ وضع الخادم . فهنا قلب المسيح مفهوم الخدمة . الخادم ليس هو الإنسان الذي يتكلم من فوق والناس من تحت ، لا .. ، الخادم هو الذي ينحنى ويأخذ الوضع الأدنى ، والمخدوم يكون هو في الوضع الأعلى ، هذا الكلام ليس معناه التواضع ، ولكن هذا هو مفهوم لمعنى الخدمة . ما معنى الخدمة ؟ الخدمة أن يسدى الإنسان الخير لإنسان في حاجة إليه ، وإحتياجات النفس البشرية كثيرة ، ليست نوع واحد ، إذن كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى آخـر في حاجة إليه ، هذه خدمة بكل معنى كلمة الخدمة ، فالخدمة ليست فقط أن يلقى الإنسان درساً أو أن يلقى عظة أو أن يقف على منبر ليكلم غيره من الناس ، ينقل إليهم خبرا أو ينقل إليهم تعليما ، ليس هذا هو المفهوم الكامل للخدمة ، هذا جزء من عمل الخدمة ، إنما هناك مفهوم أعم وأشمل للخدمة . فإذا وجد الإنسان أعمى في الطريق وأمسكه بيده وقاده فهذه خدمة ، حتى لو كانت خدمة ليس فيها نوع من الكلام ، في بعض الأحيان يكون هناك إنسان مجرب أو متألم أو حزين ، لمناسبة أو لأنه فقد قزيبه أو عزيزاً عليه ، في بعض الأحيان عندما تكون التجربة صعبة الإنسان لايجد كلام يقوله لهذا الإنسان المكلوم ، مثل هذا الإنسان ذو التجربة القاسية عندما تعزيه ، تكون حالته النفسية متعبة ، لدرجة أنه يشعر أن أي نوع من الكلام كأنه رجم الطوب بالنسبة له ، خصوصا بأن يوجد بعض الناس عندما تعزى ، يكون عزاؤها فيه نوع من اللوم والتقريع لهذا الإنسان ، إذا صدر منه أي مظهر من مظاهر الحزن غير المرغوب فيه ، ففي بعض الأحيان لايفيد الكلام ، أو يكون مؤلم بالنسبة لهذا الظرف المعين رغم أنه يحتاج إلى من يكلمه كلاماً يعزيه أو يصبره أو يجعله يحتمل ، لكن في بعض الأحيان مجرد الوجود مع الشخص حتى لو لم يكن هناك كلام ، يكون له فائدة ويكون نوع من الخدمة . عندما الإنسان يحس أن من هم حوله يحملون معه التجربة أو الألم ، هذه بمفردها وبدون كلام تعمل على التخفيف وعلى الترطيب وعلى التهدئة ، وأقول في بعض الأحيان ، يكون الصمت أفضل من الكلام أمام بعض التجارب المؤلمة . فمجرد وجودك مع إنسان متعب ، كونك تجلس معه حتى لو لم تكلمه كلاما ، وجودك بجواره خدمة ، إذن ليست الخدمة فقط في مفهومنا هي الدرس الذي يلقيه الإنسان ، أو العظة أو التعليم ، لا شك أننا محتاجين لهذا ، لكن هذا ليس كل شيء ، نريد أن نوسع مفهوم الخدمة ، فلا تكون الخدمة فقط الدرس الذي هي نلقيه أو العظة أو المحاضرة أو الحديث ، وإن كان لا غنى لنا عن هذا ، إنما أيضا هناك أنواع أخرى من الخدمات ، يمكن أنها تسدى خيرا لأشخاص في حاجة إليها ولا يكونون في حاجة إلى وعظ أو إلى درس أو إلى محاضرة . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
23 يونيو 2022

شخصيات الكتاب المقدس شمشون

"دعا شمشون الرب وقال يا سيدي الرب اذكرني" قض 16: 28 مقدمة لست أظن أن هناك قصصاً كثيرة، يمكن أن تتحدث عن بطش الخطية وقسوتها وطغيانها، كم تتحدث قصة شمشون الجبار،.. هل لك أن تحدثني عن الشاب الذي التقى في كروم تمنة بشبل أسد يزمجر، ورفض الاثنان أن يفسح أحدهما الطريق للآخر، وانقض الشاب على الأسد ومزقه كشق الجدي وليس في يديه شيء.. وعاد بعد أيام ليرى دبراً من النحل في جوف الأسر مع عسل، فاشتار منه على كفيه، وأكل، وأعطى أبويه معه فأكلا؟؟!! وهل رأيت نفس الشاب وقد أنامته امرأة على ركبتيها، وكان موسى الحلاقة الناعمة أشد فتكاً من أنياب الأسر،.. وذهب العهد الذي يربطه بمصدر قوته، فقلعت عيناه، وربط بسلاسل نحاس، وكان يطحن في بيت السجن؟؟! وهل رأيت شمشمون الأعمى، وقد طحنه الألم، فثاب إلى رشده، وابتدأ شعر رأسه ينبت، وعاد إلى مصدر عهده وقوته؟؟، وهل رأيت النعمة تأخذه في حضنها الأبدي، وهو يصلي أن يغفر الله له، ويذكره؟؟.. وهل رأيت كاتب الرسالة إلى العبرانيين، وهو يكشف عن رحمة الله العظمى، وهي تضم شمشون إلى قائمة أبطال الإيمان في الأصحاح الحادي العشر عن الرسالة؟؟.. أن قصة شمشون تحمل في الواقع أرهب تحذير وأرق نداء، ولعلنا بعد ذلك يمكن أن نراها من الجوانب التالية: شمشون.. من هو؟؟!! دعته أمه شمشون والكلمة عند البعض: شمس وعند آخرين "مشمس" وهي في تصور يوسيفوس تعني "القوة" وربطها البعض بالكلمة شماس، وتعني الخدمة، وهي في المعنى الغالب تفيد النور القوى المبهج، ولد من عائلة من أعظم العائلات في عصرها، كان أبوه -كما يقول يوسيفوس- أعظم رجل في عصره، كان تقياً مقدساً رقيق المشاعر،.. وكانت أمه امرأة عظيمة، ربما تفوقت في إدراكها وتقواها عن أبيه.. ويمكن أن نراه من نواح متعددة الشخص المشمس المنير،.. إنه المنير في ذاته يبدو عندما ولد صحيح البنية جميل الطلعة، وقد أخذ شعره ينساب على كتفيه مع الأيام، ويبدو أنه كان شديد العناية بشعره إذ جعله سبع خصل، وفي هذا كله كان أدنى إلى الشمس الساطعة، فإذا أضفنا إلى ذلك روحه المرحة الحلوة، إذ لم يكن مظلم الوجه، كئيب النفس، بل هو الإنسان المرح، صاحب الفكاهة الحلوة، والأحجية البهة، واللغز الطروب، ولعلك تستطيع ملاحظة هذا كله من أقواله وأفعاله، فهو يحاج أصحابه أحجية، وهو يحرق الأكداس والزرع والكروم بأسلوب مضحك، فهو يجمع ثلاثمائة ابن آوي ويربط كل ذيلين معاً، مع مشعل في وسطهما، وإذا بالثعالب تجري على نحو غريب مضحك، والنار من المشاعل تحرق كل شيء،.. وهو يدخل إلى غزة ويجد الكمين يريد أن يحاصره في المدينة، فإذا به يقلع مصراعي باب المدينة والقائمتين والعارضة، ويحمل الكل على كتفيه ويصعد الجبل مقابل حبرون.. كان صاحب القلب المرح والفم الضحوك،.. وهو المنير في بيته، كانت أمه عاقراً، وكانت تحن إلى ولد، وجاءها رجل، وكان منظره كمنظر ملاك الله مرهب جداً، وتحدث إليها عن الولد المرتقب،.. ومنعها من أن تشرب خمراً أو مسكراً أو تأكل نجساً، لأن الولد سيكون نذيراً للرب من بطن أمه،.. ولم تكن المرأة في حاجة إلى خمر، لأن الخبر في حد ذاته أسكرها وأسكر زوجها، وكان الولد نور البيت المتلألئ المشرق، والأولاد في العادة نور البيوت، فكيف بهم إذا كانوا على النحو الخارق الذي كان عليه شمشون.. وهو المنير في أمته، إذ كان بطل الأمة وملاؤها، تتجه إليه في لحظة من أدق اللحظات عندما خيمت الظلمة والضيق والتعاسة على شعبه وبلاده من اضطهاد الفلسطينيين في ذلك الوقت!!.. وهو المنير في عصره، إذ كان المرهب المخيف، الذي يثير بعضلاته المفتولة، وقوته الخارقة الأصدقاء والأعداء على حد سواء،.. وهل يكون الأمر غير ذلك، والناس إلى الآن في القرن العشرين، تقيم المباريات المحمومة بين المصارعين والملاكمين وأبطال كمال الأجسام، وتجزل لهم العطاء، وتنقل الأقمار الصناعية مبارياتهم، إلى عالم مشدوه ذاهل يكاد يتوقف عن العمل وهو يراقب صراعهم، وملاكماتهم، وألعابهم؟!!.. هذا هو شمشون إذا شئنا أن نتعرف على شخصيته وطبيعته!!.. شمشون وشعره ولا يستطيع الإنسان أن يعرف قصة شمشون على حقيقتها، ما لم يقف عند هذا الشعر العجيب الذي كان ينسدل على كتفيه، والذي طال، ووزعه شمشون إلى سبع خصل، وكان هذا الشعر أشبه بعرف الأسد حول الرجل الجبار، كان رمز العهد أو المعاهدة التي تربطه بالله من بطن أمه،.. فلنقف قليلاً من هذه المعاهدة أو العهد لنرى معناه ومغزاه.. إنه أولاً: العهد السري بينه وبين الله الذي أفرزه من بطن أمه، كان عهد النذير،.. ولم يكن أحد غير أمه وأبيه يعرف مغزى العهد ومعناه، وعندما أدرك الصبي الأمور، عرفته أمه بهذا السر،.. وطوى الشاب السر في صدره، وبقى مكتوماً، حتى عرفته امرأة، وخرج السر من مكمنه الذي كان لا ينبغي أن يخرج منه!!.. وكل مؤمن في الحياة لابد له من شركة سرية مع الله،.. إذ لابد له من علاقة سرية مع خالقه وسيده وفاديه، ولا يمكن أن يكون المؤمن مؤمناً حقاً، دون هذه العلاقة العميقة القوية المباركة،.. إن الفرق بين إنسان العالم وإنسان الله، هو أن إنسان العالم يعيش دائماً في الدار الخارجية، ليست له الحياة أو الشركة أو الرؤى الإلهية، لكن إنسان الله هو الذي يدخل إلى القدس، وإلى قدس الأقداس، وهو الذي يقول في السريرة تعرفني حكمة، وهو الذي يرى ما لا يرى، أو بتعبير أعلى وأسمى: من لا يرى،.. وهو الإنسان الذي ليس له البصر فحسب، بل البصيرة أيضاً،.. وهو أيضاً العهد الأسمى، الذي لا يدانيه عهد، إذ أنه في شعر الرأس، أعلى ما في الإنسان، وموضع الاحترام والتوقير وأي عهد يربطنا بالله لابد أن يأخذ أعلى مكان فينا، ولا يجمل أن نضعه في منطقة أقل، أو أسفل حياتنا وأقدامنا،.. قال واحد من أعظم رجال الموسيقى في التاريخ: إن أية حياة لا يكتب الإنسان في أعلاها "الله" هي حياة فاشلة ضائعة.. والعهد إلى جانب ذلك -كان العهد الظاهر، فهو ليس مجرد العهد السري بين الإنسان وسيده، بل هو الظاهر في أجمل ما يكون المظهر،.. ولم يكن في شمشون ما يلفت النظر أكثر من شعره، وكان الشعر رمز النذر والتكريس، والتكريس- ولو أن أساسه خفي- إلا أن مظهره واضح للجميع، في الحياة الخالصة الكاملة لله أمام الجميع، ولا يجمل بالمؤمن أن يدعي حياة التكريس بمجرد العلاقة الخفية التي تربطه بالله، بل إن هذه الحياة في عمقها وجلالها ومجدها وعظمتها تظهر من انعكاس أثرها في الحياة أمام الناس.. ألم يقل السيد: "فإذا من ثمارهم تعرفونهم؟".. وكان العهد أيضاً عهد القوة، إذ لم تكن قوة شمشون قوة أصيلة، بل هي قوة مكتسبة، وطالما أن العهد يقوم بينه وبين الرب، فهو أشبه بالكهرباء، يسري تيارها طالما يبقى السلك قائماً بين المصدر والاستهلاك، فإذا انفصل الاستهلاك عن المصدر لأي سبب، فإن السيال الكهربائي يتوقف في نفس الثانية التي يحدث فيها الانفصال،.. وكل قوتنا من نبع القوة الإلهية، التي تصنع من الضعيف بطلاً، ومن العاجز أعجوبة، ومن القزم عملاقاً!!.. كان العهد عهد الحماية، إذ لا قوة على الأرض تغلب إنساناً ارتبط بعهده مع الله.. فإذا زمجر أسد في الطريق، وكان الصدام محتوماً، فإن روح الرب يدخل فينا، يحل علينا، وإذا بنا أقوى من كل أسود الدنيا، وإذا وقفنا في معركة مع ألف رجل، ونحن موثقون بالكثير من الحبال المقيدة، فإن لحي حمار طري يمكن أن نصرع به الألف، وحتى لا نجرب بأنها قوتنا الأصيلة، فنحن على شفا الموت ظمأ، حتى يأتي الينبوع من اللحي، ونشرب وننتعش، وترجع روحنا إلينا،.. إن حمايتنا من الله، وطالما العهد بيننا وبين الله،.. فماذا نقول لهذا؟.. إن كان الله معنا فمن علينا!!.. أجل “لولا الرب الذي كان لنا ليقل إسرائيل لولا الرب الذي كان لنا عندما قام الناس علينا إذاً لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا إذا لجرفتنا المياه، لعبر السيل على أنفسنا إذاً لعبرت على أنفسنا المياه الطامية، مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم، انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض!!.. والعهد آخر الأمر إذا انقضى. لا يمكن أن ينقضي من جانب الله،.. ونحن نتعجب في قصة شمشون كيف كان صبر الله عجيباً على ضعفه، ورغم الأخطاء والخطايا المتعددة؟! بقى الله معه، إلى أن غدر هو بالعهد وانفصل عنه!!.. وهي حقيقة واقعة في حياة المؤمنين في كافة الأجيال والعصور، إن نقض العهد لا يمكن أن يأتي على الإطلاق من جانب الله، إذ وإن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه!!.. شمشون وتجربته ولعله من اللازم أن نلاحظ كيف جرب هذا الرجل على النحو الذي قاده إلى السقوط الرهيب: حياة اللهو والمرح كان شمشون في الأساس شاباً ضحوكاً بشوشاً، يميل إلى المرح واللعب والحفلات والألغاز والأحاجي، لم يكن من النوع الانطوائي، المنعزل، المتباعد عن الجماهير، ومع أن هذه الحياة قد تكون في الكثير من الأحايين نعمة كبرى، إلا أنها مرات كثيرة، ما تكون طريقاً قاسياً إلى التجربة، يتحول فيها المرح إلى الهزل، والأحجية إلى النكتة، والنكتة إلى السخرية، والسخرية إلى البذاءة في اللفظ أو الفعل،.. وكثرة الكلام لا تخلو من المعصية، فبالأولى إذ تحول الكلام إلى مجلس المستهزئين: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس". ومن المؤسف أن الكثيرين من المرحين لا يعرفون نقطة التوقف، وقد قال أحدهم: كان مودي مرحاً ولكنه كان تقياً،.. وكلما تعمق الإنسان في الشركة مع الله، وكلما تعمق في حياة التقوى، كلما عرف نقطة التوقف، التي لا تخرجه عن حياة التقوى والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب!!.. المصاهرة الغريبة كانت هذه المصاهرة الغريبة شركاً مزدوجاً إذ كانت شركاً للفلسطينيين، وشركاً لشمشون،.. كانت شركاً للفلسطينيين إذ كانت نقطة الاحتكاك مع شمشون، الاحتكاك الذي سار به إلى سلسلة من المعارك معهم،.. لكنها كانت للأسف شركاً لشمشون ذاته، إذ كانت الفتاة وثنية ومن أعدائه،.. ومن المؤكد أن الفتاة كانت لمنوح وزوجته ما كانت يهوديت ابنة بيري الحثي وبسمة ابنة إيلون الحثي اللتين كانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة، وقد لاحق هذا الزواج من البداءة، ما لاحق من متابع لشمشون نفسه، الأمر الذي أدى إلى صراعه مع الفلسطينيين وحرقها وأباها بالنار،.. ومن ثم فمن الحقيقي أن نبارك الأبناء الذي يولدون لآبائهم في الرب!!.. ومن الحقيقي أن نباركهم يوم يأتون لآبائهم، قائلين قد اخترنا الفتاة المؤمنة الشريكة لنا في حياة الإيمان، وحب الله، وخدمته، ومجده في الأرض!!.. يومئذ سيحمد الآباء الرب ويشكرون فضله الذي هدى أبناءهم إلى هذا الاختيار، ولم يسمح لهم أن يقعوا في شرك الوثنيات الجميلات أو الغنيات أو المثقفات، ما دمن في الجمال أو الغنى أو الثقافة، لا يعرفن الرب أو حياة الإيمان المقدسة، التي يقال معها: إن ما جمعه الرب لا يفرقه إنسان!!.. ولا شبهة في أن فتاة تمنة كانت أبعد الكل عن هذه الحياة!!.. عدم الابتعاد عن التجربة ويبدو هنا أن شمشون مثلاً مخجلاً ومخيفاً، لهذه الحقيقة، فهو يذهب إلى الزانية في غزة، وهو يحب دليلة في وادي سورق، وهو يقبل أن ينام على ركبتيها بشعره المقدس، وهو يراها تضع له الكمين تلو الكمين، وهو يلهو معها بهذا العبث الغريب: بماذا قوتك العظيمة، وبماذا توثق لإذلالك" وهو يسمح لها أن تربطه بسبعة أوتار طرية، أو بسبعة حبال جديدة، أو تربط خصل شعره السبع بوتد النسيج والسدى، إلى أن يتحدث -وقد ضاق بعبثها- بسره الكامل الذي لم يعرفه أحد سوى أبويه العجوزين، اللذين كانا وعلى ما هو واضح من الرواية الكتابية -قد ماتا، ولا يعلم سره أحد من الناس إلى أن عرفته دليلة الزانية الفلسطينية،.. وهنا لابد لنا من وقفة تأمل، كيف استمر الرجل عشرين عاماً ينتقل في شراك التجربة، ومع ذلك فهو قاض الأمة. وقائدها، ومعلمها؟؟ وكيف يتركه الله، مثل هذا الوقت الطويل وكيف يصبر عليه، وكيف يساعده، رغم هذا الانهيار الأخلاقي الرهيب عنده؟!! من المؤكد أن الله أرسل إليه أصواتاً كثيرة محذرة، ومن المتصور أن شمشون كانت له نوبات وقتية يعود بها إلى حالة من السوء والخطية،.. ونحن لا نستطيع أن نرميه بالأحجار، ونحن نذكر صبر الله العجيب والعظيم. ربما عشرين سنة أو أكثر من حياتنا، وهو ينبهنا، ويبكتنا، ويتحدث إلينا عن مركزنا وعن العار الذي نسببه لأنفسنا، ولمجده، ونحن نرجع إلى ضعفنا، وقصورنا، وكثيراً ما يأتي التوبيخ لنا حتى من أهل العالم، كما وبخ أبيمالك إبراهيم من أجل سارة وهو يقول له: "ماذا فعلت بنا وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت عليَّ وعلى مملكتي خطية عظيمة أعمالاً لا تعمل عملت بي".. على أي حال، لقد صبر الله على شمشون عشرين سنة بأكملها، قبل أن يدخله في أتون العذاب، أو في أشد الضيقات والمتاعب، وكأنما يقول له: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة"..إن مأساة هذا الرجل أنه كان واثقاً بنفسه أكثر مما ينبغي، وهو لم يتعلم الحكمة التي سمعها لوط: "اهرب لحياتك" أو حكمة يوسف عندما ترك ثوبه وهرب خارجاً من نطاق التجربة وهو يصيح: كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله!!.. شمشون وسقوطه إن قصة سقوط هذا الرجل درس ينبغي أن يلقنه كل جيل للجيل الذي يأتي بعده، لقد واجه الرجل أسدين، أولهما منظور والثاني خفي، أما الأول فقد جاءه في كروم تمنة في صدر الشباب، وكان شمشون قوياً ببراءته ونقاوته وطهارة شبابه، فحل عليه روح الرب، فشق الأسد كشق جدي ولم يكن معه شيء،.. أما الثاني فقد جاء مختفياً وراء امرأة: "لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو".. جاءه الأول وهو في كمال يقظته، فانتصر عليه، وجاءه الثاني، وهو نائم على ركبتي امرأة فقضى عليه، جاءه الأول بمخالب وأنياب رهيبة، ومع ذلك فقد تمكن منه وصرعه،.. وجاءه الثاني- ومن عجب أن موسي الحلاقة الناعمة كانت هذه المرة أرهب وأشد فتكاً من المخالب والأنياب، فانتهت قوته على ركبة المرأة. في الصراع المنظور تستطيع أن تعلم من أين يأتي الهجوم، وبأي أسلوب يكون، وتعرف كيف تواجهه مهما كانت شدته، والله معك،.. أما في الآخر، فإنك تدخل في صراع رهيب غير منظور، لا تعلم فيه عدد أعدائك، ومن هم، ومن نقط الوثوب التي يريدون أن يثبوا عليك منها: "فإن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتموا كل شيء أن تثبتوا".. هل سمعت أو قرأت عن ذلك الراهب الذي كان يهتم بخدمة بلده في أعلى الجبل، وكان أميناً قوياً متعففاً في الخدمة، وأراد الشيطان أن يمنعه؟. تصارع الاثنان، ووعده الشيطان إذا أمكنه أن يهزمه، فإنه سيقدم له دجاجة في كل يوم، واستطاع الراهب أن يسقط الشيطان تحته، وقام الشيطان ليوفي بوعده، وكان يقدم له فعلاً كل يوم دجاجة يأكلها، ولاحظ الراهب أن الشيطان قدم له أول دجاجة وكانت ممتلئة من اللحم والدسم، ثم لم يلبث أن أخذ حجم الدجاجة ووزنها يتناقص يوماً بعد آخر، حتى جاء يوم لم يقدم الشيطان للراهب سوى قليل من المرق، بعد أن شربه، دخل في عراك مع الشيطان، وتعجب الراهب، إذ سرعان ما سقط تحت قدمي الشيطان فريسة سهلة ميسورة، بعد أن استطعم الدجاج ومرقة!!.. وكم من الناس بدأوا أسوداً يشقون التجارب والإغراءات والصعاب، كشق جدي!! لكنهم على ركبتي امرأة أو أمام مال، أو جاه، أو وظيفة، تأتي موسي الحلاقة على عهد النذير، وتقطع علاقته العظيمة بالله، فيسقط سقوط العملاق الجبار، ويكون سقوطه، كما قال السيد المسيح، عظيماً!!.. شمشون ومأساته انتهى الرجل الضحوك إلى المأساة الغارقة، ولا أعلم كم بكى، أو كم حزن على ما فقد، ولكني أعلم أنه فقد الكثير: فقد الرب وهي أكبر كارثة ألمت به، وأقسى ما فيها أنه لم يعلم أن الرب فارقه!!.. لقد كان الشعر هو الرابط الدائم الذي يربطه بإلهه، ومد يده إلى رأسه الزلحاء، ولم يجد شعرة واحدة هناك،.. لقد حملت دليلة الشعر في حجرها وهكذا ضاعت معاهدته مع الله، وجاء نقض المعاهدة من جانبه، وهيهات أن يأتي من جانب الله،.. وفقد بمفارقة الرب كل شيء، وانتفض وهو يظن أنه ينتفض بعضلات الأمس القوية، ولكن شمشون ضاع، لأنه أضاع شركته مع الله!!.. وليس هناك ما يعدل في الحياة ضياع إنسان يسير بغير الله في العالم!!.. ألم يصح قايين: "إنك قد طردتني اليوم من وجه الأرض ومن وجهك أختفي وأكون تائهاً وهارباً في الأرض؟!!.. وألم يقل موسى: “إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا فإنه بماذا يعلم أني وجدت نعمة في عينيك أنا وشعبك أليس بمسيرك معنا نمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض”؟!.. وألم يصرخ داود: "لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني"؟!!.. عندما يفقد الإنسان ربه سيصيح صيحة شاول بن قيس اليائسة: "وقد ضاق بي الأمر جداً، الفلسطينيون يحاربونني والرب فارقني ولم يعد يجيبني لا بالأنبياء ولا بالأحلام، فدعوتك لكي تعلمني ماذا أصنع فقال صموئيل ولماذا تسألني والرب قد فارقك وصار عدوك"؟!!.. فقد القوة كانت قوة شمشون محفوفة بالخطر على الدوام، لست أعلم لماذا زمجر شبل الأسد في وجهه عند اللقاء في كروم تمنة، وماذا فهم شمشون من هذه الزمجرة، هل أراد كلاهما -وهما في أول طريق الحياة- أن يختبرا كل قوته، وها هي الفرصة الأولى أمام شبل الأسد ليعلم ماذا تستطيع عضلاته الفولاذية أن تعمل، ومن الواضح أنه بهذه الزمجرة كان هو الباديء في الهجوم، أو كما صوره أحدهم كما لو أنه يقول لشمشون: أفسح الطريق، فهو طريقي، ولا يمكن أن تمر فيه إلا فوق جثتي، وقال شمشون للأسد:.. لا.. إن الطريق طريقي أنا، وأنت المعترض بدون وجه حق، وسأجعل منك لغزاً يروى، وقصة، وأحجية تمتحن بها أذهان الناس،.. كان اللقاء الرهيب بين الاثنين بمثابة الامتحان الحقيقي لكليهما من أول الطريق، وحل روح الرب على شمشون فشقه شق جدي وليس معه شيء!!.. على أننا نستطيع أن نفسر الزمجرة بصورة أخرى: هل كان شبل الأسد وكأنما يتحدث إلى شمشون أن ورطة الطريق التي ينهجها من أول خطى حياته كقائد لأمة، كان شمشون في كامل نشوته بين كروم تمنة، وهو ذاهب ليخطب لنفسه فتاة فلسطينية، وكان يسير في الطليعة، وخلفه أبوه وأمه على مساندة بعيدة إلى الوراء، وكانت مهمة خطبة الفتاة ثقيلة على الأبوين لاختلاف الدين، والمذاهب، والمشارب، ولكنهما إزاء إلحاح ابنهما سارا وراءه، فزمجر شبل الأسد، وكأنما يريد أن ينبه شمشون إلى وعورة الطريق، وخطورته،.. علي أي حال لم يفهم شمشون شيئاً من هذا، وقامت المعركة، واندفع في الطريق الموروط، ليلتقي بعد عشرين عاماً مع الأسد غير المنظور الذي فتك به، ولم يجعله إنساناً عادياً فحسب، بل سخرية الناس في كل جيل وعصر،.. وخسر شمشون شهرته التقليدية كبطل العصور كلها في القوة البدنية، على أي حال إنه من الواضح دائماً أن الخطية قتلاها أقوياء، وهي النزيف المستمر لقوة الإنسان في الأرض مهما كان لون هذه القوة في البدن أو الذهن، أو العاطفة، أو الإرادة، وسيتبين الإنسان عندما ينتفض، أن قوته ضاعت دون أن يعلم!!. فقد البصر قلع الفلسطينيون عينيه. وما من شك بأنه صرخ صراخاً مراً، وهم يقلعون العينين، وفي الحقيقة لو أن هاتين العينيين قلعتا من البداءة لما حدث معه ما حدث،.. إن هناك علاقة بين البصر والبصيرة في الإنسان، فإذا انفتح البصر على منظر شهوة ملوثة، أغلقت البصيرة، والعكس صحيح، إذ عندما تفتح البصرية يغض المرء طرفه خشية وخوفاً وفزعاً،.. لم يدرك شمشون هذه الحقيقة، ففتحت عيناه على المحرمات، وكان لابد لهاتين العينين أن تنتهيا إلى ما وصلت إليه، وهو يدور في الظلام، يطلب من الغلام الذي يجره أن يدله على موضع العمودين في معبد الفلسطينيين الذي سيق له ليلعب هناك، إمعاناً في الإيذاء والإذلال، -والخطية دائاً تقلع عيني صاحبها، وتقتل الرؤية الصحيحة لأنها تغشى البصيرة،.. ومن ثم فإن أول علاقات التجديد هي أن يقول الإنسان: "كنت أعمى والآن أبصر".. "لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين".. كانت مأساة شمشون أنه فقد البصيرة من الابتداء، ففقد البصر في النهاية!!.. فقد الحرية ربط بسلاسل نحاس، وقادوه إلى بيت السجن، وهناك سجن، ومن الغريب أنه لم يكن يعلم أن هذه السلاسل من النحاس، بدأت أول الأمر من حرير، وأنها كانت تلتف حول جسده يوماً بعد يوم وهو لا يعلم، كان يهزأ بكل سلاسل، أليس هو الرجل الذي يستطيع -وقد قيد بالحبال الطرية أو الأوتار القوية- أن يحطمها كما لو كانت خيوطاً ناعمة شمتها النار، إنه لم يعرف ما قاله إشعياء، فيما بعد، ويل للجاذبين الإثم بحبال البطل، والخطية كأنه يربط العجلة- سمح الشاب للحية الرقطاء أن تلتف حوله، وهو يعتقد أنه يستطيع أن ينتصر عليها، ولم يدر أنها ستضغط عليه لتحطمه تحطيماً،.. كان شمشون القوي حراً يذهب كيفما يشاء ومتى يشاء، لكنه انتهى إلى الإنسان الأسير مقلوع العينين في سجن غزة!!.. وكان في هذه الحالة جداً بعيداً لأولئك الذين قالوا للمسيح: "إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط، كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحراراً، أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد، فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً".. كان الاسكندر سيد العالم وعبد الخمر، وانتصر نلسون في ووترلو وكان عبد الشهوة الآثمة،.. وكم يعيش أبطال العالم من كل لون، داخل سجن غزة مع شمشون البطل، وهم يعلمون أو لا يعلمون!!.. فقد المركز إذ هوى من المجد إلى الحضيض، من قائد الأمة إلى الطحن في السجن، إلى أحط عمل، وكان عقوبة المجرمين أو العبيد، أو العمل الذي يترك للإماء الأجيرات، وأي هوان أشد من هذا الهوان؟! وأي عار أقسى من هذا العار؟!.. ولكنها القصة الدائمة للخطية، والتي بدأها الشيطان بنفسه، إذ هوى من مركزه التليد عندما ترك رياسته، وأراد أن يأخذ مكاناً آخر، مكان الله في كبرياء قلبه،.. وهناك المفسرون الذين يبدأون به، وهم يرونه في شخص ملك بابل الذي تعالى وارتفع، في نبوة إشعياء، وسواء كان إشعياء يقصد الشيطان نفسه أو يقصد ملك بابل، أو يقصد أي إنسان آخر، تسقطه الخطية من مركزه المنيع، وهو يقول: "كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم".. فمما لا شك فيه أن الخطية أسقطت شمشون كالزهرة من السماء، من مركزه العظيم التليد لينتهي به المطاف إلى عمل طحان في سجن غزة!!.. شمشون وتوبته والذي لا شبهة فيه، هذه التوبة الأخيرة للجبار العظيم!!.. ما هي عناصرها وكيف حدثت وبماذا أثرت وأنتجت؟!!.. توبة الألم وكان هذا الألم لازماً وضرورياً، لكي يتبين سخط الله وغضبه، وإن ابتداء القضاء من بيت الله،... وحتى لا يتوهم أحد أحد أن الله يمكن أن يهادن الخطية أو يسكت على مرتكبيها، كائناً من يكون، وعلى أي وجه تأتي،.. لم يكن الفلسطينيون هم الذين دفعوا شمشون إلى سجن غزة، بل كان الله، وما من شك أن المدينة التي شهدت تبذله وفجوره، لابد أن تكون مكان سجنه أيضاً،.. هذا هو قضاء الله العادل، لأن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً!!.. على أن الله في الوقت عينه جعل الألم رسول الرحمة للإنسان البائس،.. وكم يجعل الله الباب الضيق طريقاً إلى الحياة الأبدية: "وأضيق عليهم لكي يشعروا".. ومع أن الألم في حد ذاته رسول قاس صعب مرهب، لكنه مرات متعددة ما يكون الرسول المناسب للإنسان الموغل في آثامه وخطاياه،.. وقد قيل عن منسى الملك القديم: "فلما تضايق طلب وجه الرب إلهه".. لم تكن هي إذاً قسوة الله، بل هي رحمته الكاملة في غطاء قاس، أو هي لب ولبن جوزة الهند المغطى بالغطاء الخشن الصعب القاسي!!.. توبة التأمل لم يعرف شمشون التأمل وهو على حجر دليلة، ولم يعرفه في ليالي عزه الآثمة،. ولكنه وهو في السجن مقلوع العينين ضعيف القوة يطحن في مذلة ومهانة، فتحت بصيرته على الانحراف الرهيب الذي وصل إليه، وأغلب الظن أن الحياة وقد أضحت ليلاً دائما أمام عينيه، كان يقول لنفسه إنها رحمة من الله أن يصل به إلى هذا الحد من المعاملة،.. إنه بالحري لا يستحق أدنى رحمة،. وقد جعل مجد الله في الحضيض وحق الله في الرغام، وقداسة الله أضحوكة الساخرين، إنه الآن يشكر الله على الظلمة الضاربة حوله، لأنها هي التي فتحت عينيه على العالم الآخر!!.. توبة العهد الراجع أخذ يتحسس شعره، وفي كل يوم يتزايد الشعر، يعود عهده إلى قلبه وذهنه، وهو يسأل الله: هل تعود وتقبل ابنك الضائْع؟؟ وهل يمكن وقد نفضت العهد أن تسترد مرة أخرى لي؟!!.. هل استطاع بصورة ما أن يغني هذه الأغنية: كما أنا وقد نقضت عهدك جهلاً بحبك أهنت مجدك الآن كي لك أكون وحدك آتي أنا يا حمل الله الوديع توبة المصلي على أي حال لقد مات والصلاة على شفتيه، وهي صلاة رائعة عظيمة.. لقد قال الله: إنه مات فعلاً عندما خرج عن الخط الإلهي، وهو يريد أن يسترد هذه الحياة، وهو لا يستطيع أن يستردها في العالم الحاضر بعد أن ضيع كل شيء ولكنه يريد أن يصنع خدمة لله بخروجه إليه معوضاً ما فاته من الخدمة والسنين التي أكلها الجراد -وآمن شمشون برحمة الله الواسعة، وصرخ: اذكرني يا سيدي الرب!! وأنت أيها الخاطيء، هل تستطيع أن تصرخ، وأنت شمشون آخر، لتقول لله: اذكرني يا سيدي الرب: "ما الفائدة من دمي إذا نزلت إلى القبر هل يحمدك التراب، هل يخبر بحقك، استمع يا رب وارحمني، يا رب كن معيناً لي، حولت نوحي إلى رقص، حللت مسحي ومنطتقني فرحاً لكي تترنم لك روحي ولا تسكت، يا رب إلهي إلى الأبد أحمدك!!".. "لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم، إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي أحتمل غضب الرب لأني أخطأت إليه حتى يقيم دعواي، ويجري حقي "سيخرجني إلى النور، سأنظر بره، وترى عدوتي فيغطيها الخزي القائلة لي أين الرب إلهك، عيناي ستنظران إليها. الآن تصير للدرس كطين الأزقة".وإذا كان الله قد أجاب شمشون، ورحم من لا يستحق الرحمة، فإنه بكل تأكيد سيرحمك لأنه يسر بالرأفة ويكثر الغفران!!..
المزيد
22 يونيو 2022

التواضع في التعليم

صدقوني أكثر ما يتعب كنيستنا حاليًا هو عدم التواضع في التعليم.كل خادم يأتي له فكر جديد في تأملاته أو من قراءاته يحاول يجعله عقيدة ويُدَرِسَه للناس، وهناك نوع من الكُتّاب، ويروق لهم إلغاء المفهوم السائد ليُقَدِّموا بدلًا منه مفهومًا جديدًا وكأنَّ الواحد منهم قد اكتشف ما لا تعرفه الكنيسة كلها والناس جميعًا وكأنَّه يعلم ما لا يعلمون.المشكلة هي تقديم المفاهيم الشخصية وليس تعليم الكنيسة وعقيدتها. ومحاولة للجدل وللإثبات ولإقناع الناس بخطأ المفهوم السائد والبعض قد ينتقد الكنيسة. والبعض يُغَيّر ألفاظ القداس والبعض يُصَرِّحْ بزيجات بعكس قوانين الكنيسة والبعض يُصَلِّى بقداسات غير مألوفة في كنيستنا.وكل واحد من هؤلاء يعتبر نفسه مصدرًا للتعليم.وكأنَّه جبهة مستقلة في تعليمه أو جزيرة قائمة بمفردها في المحيط وإنْ تدخلت الكنيسة لإصلاح الوضع، يقيم الدنيا ويقعدها، ويُحيط نفسه بمجموعة خاصة من تلاميذه لتسانده، ويقف ضد الكنيسة وينادى بأنَّ تعليمه هو السَّليم والكل مخطئ! وقد تجد لكل فرع من التربية الكنسية منهجًا خاصًا.أمين الفرع لا يعجبه المنهج العام، فيُعَدِّل فيه ويُبَدِّل، أو يضع منهجًا خاصًا يرى أنه الأفضل والأصوب.وإن شاء الله سنضع منهجًا موحدًا ونأخذ فيه رأى الآباء وقادة الخدمة فنرجو بعد وضعه أنْ يتواضع الخدام ويعملوا به.. ولا يقف لنا أحد ليقول من حقي أنْ أعترض.. ومن حقي أنْ أرفض، ومن حقي أنْ أسير حسب فكرى وإلاَّ فأين هي الديمقراطية في الكنيسة ولا يقول له أحد أين هو التواضع؟! الكنيسة الأولى تميزت بالفكر الواحد.لأنَّها كانت كنيسة متضعة تخضع لفكر قادتها.أمَّا البروتستانتية التي نادت بالحرية في التفسير والتعليم، فقد تكونت فيه مواهب متعددة زادت فيها مذاهب على المائة، أمَّا الكنيسة المحافظة التقليدية فإنها تحفظ الإيمان سليمًا، ولا تسمح بالمفاهيم الفردية التي تتحول إلى عقائد بل تنصح أصحابها بالاتضاع. الخادم المتواضع أيضًا لا يستعرض معلوماته!! إنَّما يقدم التعليم في أسلوب روحي هادئ. لا يحاول أن يفلسف المعلومات ولا يمسك ببعض الكلمات ويضع أمامها النص العبري أو اليوناني، أو بعض الترجمات الإنجليزية. وقد لا يكون الشعب على علم بشيء من كل هذا. وقد لا يكون كل هذا لازمًا لإثبات الفكرة التي يُقَدِّمْها. وقد لا تكون المراجع التي يستخدمها سليمة وقد يتبع في ذلك بعض المذاهب التي تسير بالمنهج العقلاني لا بالمنهج الروحي الخادم المتواضع ينزل إلى مستوى الخدومين ولا يبهرهم بمعلومات فوق مستواهم لا تفيدهم بشيء. إنَّه لا يُفكر في ذاته والمستوى الذي يريد أنْ يأخذه الناس عنه. إنَّما ينشغل بفائدة الناس الروحية، بينما تختفي ذاته تمامًا.لذلك هو يُحَضِّر درسه أو عظته أو محاضرته ولا مانع عنده أنْ تكون ورقة تحضيره ظاهرة فهو لا يُضَيِّع فائدة السامعين من أجل أنْ يأخذوا عنه فكرة أنَّه يتكلم من الذاكرة.. الخادم المتواضع يهتم بتحضير درسه. ولا يعتمد على معلوماته السابقة ولا على ذاكرته، كما يفعل بعض الخدام الكبار، ولا يُحَضِّرون ما يقولون فتبدو كلماتهم أحيانًا ضعيفة لأنَّهم لم يتواضعوا بل وثقوا بأنفسهم وبقدراتهم أزيد مما يجب. الخادم المتواضع يحترم عقليات السامعين مهما صغروا.ويبذل كل جهده لكي يقدم لهم كلامًا دسمًا يشبعهم. التواضع والذات الخادم المتواضع ينكر ذاته. يختفي لكي يظهر الرب، كما قال القديس المعمدان "ينبغي أنَّ ذلك يزيد وأنِّى أنا أنقص" (يو30:3).أمَّا غير المتواضع فيتخذ الخدمة ليبنى بها ذاته بطريقة خاطئة فهو يفكر كيف يرتقى في الخدمة، وليس كيف يرتقى بالخدمة، ويفكر في مستوى المجالات التي يتكلم فيها، وربما يسعى إلى المناصب وقد يصطدم بقيادات الكنيسة. ويتعوَّد كيف يأمر وينهى وينتقد وربما يفتخر بخدمته ومدتها ومستواها.يقول أنا لي 20 سنة في الخدمة. أنا خرَّجت أجيالًا.. ويكبر في عينيّ نفسه ويريد أنْ يُطاع، لا أنْ يطيع ويصطدم بالأنظمة الموضوعة. ويحكى قصصًا عن ماضيه ويدخله روح العظمة. الخادم المتواضع يكون كالنسيم الهادئ. في دخوله وخروجه لا يشعر به أحد، يكون رقيقًا دمثًا وديعًا، لطيفًا في معاملاته، لا يخدش شعور أحد، لا يجرح إنسانًا، لا يهتم بتولي مناصب في الخدمة، يطيع في كل ما يوكل إليه، "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" (مت19:12) "ولا يرتئي فوق ما ينبغي" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 3). احذر أنْ تُفقدك الخدمة تواضعك.لأنَّ كثيرين كانوا متواضعين قبل الخدمة ثم تغيروا. أمَّا أنت فلا تكن كذلك لأنَّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! (مت26:16). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
21 يونيو 2022

إيمان بولس الرسول بالصلاة وفعاليتها

حين نتكلم عن بولس الرسول كرجل صلاة . نسأل أنفسنا مـاذا تعنى كلمة رجل صلاة أو إنسان الصلاة ؟ . .. هذه الكلمة إنما تعنـى أن هذا الإنسان يؤمن بالصلاة وبقوتها وبفاعليتها وإنها تقتدر كثيراً في فعلها .. لا يلجأ لأحد غير الله . ولا يستعين بسواه . ولعلنا نستطيع أن نلمس أن بولس كان رجل صلاة منذ البداية منذ إهتدائـه إلـى المسيحية وإيمانه بالمسيح رباً وإلها ومخلصاً . إن شخصية بولس الرسول شخصية عجيبة ، فإلى جانب كونـه كان دارساً لثقافة عصره على أعلى المستويات نجده مـن الناحيـة الدينية كان كيهودي دارساً لإصول ديانته اليهودية . يكفي أن نقـراً ما كتبه عن نفسه بالروح القدس " من جهة الناموس فريسي ... مـن جهة البر الذي في الناموس بلا لوم " ( في 3 : 6،5 ) هذا يعني إنه بحسب شريعة العهد القديم بلا لوم ، وهذه ليسـت كلمة بسيطة . لقد كان شاول الطرسوسي رجلاً كاملاً في جيله وفـي عصره بين نظرائه من اليهود المدققين . لكنه كان يعوزه شئ . كان محتاجاً لأن يرفع الغشاوة التي كانت على عينيه . وكما تعلمون أنـه بعدما أعتمد على يد حنانيا في دمشق سقطت من عينيه قشور ، وهذا تعبيراً عن الحالة التي كان هو فيها . كان محتاجاً لمن ينير بصيرتـه .فمن جهة ناموس العهد القديم أو شريعة العهد القديم بلا لوم . أول لقاء لنا مع بولس في العهد الجديد يأتى فـي قصـة إستفانوس أول شهداء المسيحية والمسيحيين ورئيـس الشمامسـة ونجده في صورة ليست حسنة . نقرأ إنه كان راضياً بقتل إستفانوس رجماً بالحجارة . وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعـوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول . فكانوا يرجمون إسـتفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع أقبل روحي . ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يارب لا تقم لهم هذه الخطية . وإذ قال هـذا رقد . وكان شاول راضياً بقتله " ( أع 7 : 58- 8 : 1 ) . هذه هي الصورة الأولى التي نراه فيها . أما الصورة الثانية فهي تقابلنا في الإصحاح التاسع من سفر الأعمال وهي قصة لقاءه مـع الرب يسوع وإهتدائه إلى المسيحية . وبعد أن ظهر السيد المسيح له المجد لشاول الطرسوسي أي القديس بولس في الطريق سأل ربنـا سؤال " يارب ماذا تريد أن أفعل . فقال له الرب قم وإدخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل " ( أع 9 : 6 ) . ثم يذكر سفر الأعمـال ظهور الرب لحنانيا في رؤيا ، وحنانيا هذا حسـب تقليـد كنيسـتنا وتاريخ الكنيسة إنه كان أحد السبعين رسولاً . وإنـه كـان أسـقفاً لدمشق " وكان في دمشق تلميذ إسمه حنانيا . فقال له الـرب فـي .رؤيا يا حنانيا فقال هأنذا يارب ، فقال له الرب قم وإذهـب إلـى الزقاق الذي يقال له المستقيم وأطلب فـى بيـت يـهوذا رجـلاً طرسوسياً إسمه شاول . لأنه هوذا يصلى " ( أع 9 : ۱۱،۱۰ ) . إنظروا إلى هذه الصورة ، أول لقاء لنـا مـع معلمنـا بـولـس الرسول بعد إهتدائه " لأنه هوذا يصلى " ( أع ۹ : ۱۱ ) صورة الإنسان الذي يصلي . لعله كان يعتذر للسيد المسيح بشدة عن كل ما فعلـه بالقديسين ، فلقد إعترف بنفسه قائلاً " أنا كنت أضطهد كنيسـة الله بإفراط وأتلفها ( أخربها ) ' ( غل ۱ : ۱۳ ) . لقد كان يزج بـــــــالمؤمنين للسجون وكانت حملته إلى دمشق في هذه المرة التي بالسيد المسيح بهدف القبض على المسيحيين الذين في دمشق ليـأتى لأورشليم وكان بصحبته مجموعة من الجنود بهم الإنسان الذي يقضي جزء من حياته بعيداً عن الله ويبدأ يتعـرف على المسيح يحاسب نفسه عن الوقت الـذي أمضـاه بعيـداً عـن المسيح .. يحاسب نفسه عن الحرمان الشديد الذي حُـرم فيـه مـن المسيح . ولعل بولس الرسول كان يناجي السيد المسيح في حـب ويقول له ( أيها الحب الأعظم ) . إن الصلاة يا أحبائي هي مجموعة مشاعر متداخلة وعواطـف متأججة داخل الإنسان ربما يصعـب أن تنضبـط تحـت الألفـاظ والكلمات ، لكن حينما يقف الإنسان الذي إمتلأ قلبه بمحبة الله فإنـه ينساب في عواطفه كالنهر الدافق . تلك هي المحبة الناريـة التـي تغلى في أحشائه وفي قلبه كمرجل تتصاعد منه الأبخرة . وهكــذا يقول المرتل " رتب في قليه مصاعد إليك يجتازون في وادي البكاء يصيرونه ينبوع " ( مز 84 : 6 ) . إن كان أول لقاء مع معلمنا بولس الرسـول بعـد أن أصبـح مسيحياً هي كلمات السيد المسيح " هوذا يصلى " ، فـلا عجـب إذا إذ سمعناه يوصى تلميذه الأسقف تيموثاوس في رسالته الأولى " فأطلب أول كل شئ أن تقام طلبات وصلوات وإيتهالات وتشكرات لأجـل جميع الناس لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضـى حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار لأن هذا حسن ومقبول لـدى مخلصنا الله الذي يريد أن الناس يخلصون وإلى معرفة الحـق يقبلون " ( اتی ۲ : 1-4 ) . إن أول شئ يطلبه القديس بولس أن تقام طلبـات وصلـوات وإبتهالات وتشكرات ، وهذا الكلام لا يقوله إلا إنسان مؤمن بالصلاة ومختبر للصلاة وفاعليتها وقوتها وبركتها . ليتنا نتحول كلنـا إلـى أناس مؤمنين بدلاً من أن نكون عقلانيين ، أتمنى أن تحدث هذه المعجزة لكل منا ، وأن يقف تيار العقل وسطوته ولو إلى حين لكـى يعطى فرصة للإيمان والروح لكي تســبح وراء غير المنظـور وليحدث ذاك الذي هو قبل الدهور . يا ليتنا دائماً حينما يعرض علينا أمر أن نطرحه أمام الله في الصلاة ، هذا ما يقوله بولس الرسول " لا تهتموا بشئ بل في كل شئ بالصلاة والدعاء مـع الشـكر لتعلـم طلباتكم لدى الله " ( في 4 : 6 ) . فهو يطلب أول كل شئ أن نلجأ إلـى الله . وماذا يعني أن الله هو الألف والياء ، البداية والنهايـة ، والألفـا والأوميجا ؟ هذه العبارة لها معنى لاهوتى ومعنى روحي . والمعنـى الروحي هو كون الله يكون هو الألف وهو أول الحروف الأبجديـة فهذا يعني أن أبدأ به حياتي وأبدأ به يومى ، وأبدأ به كل إحتياجـاتي . هذا معنى أن الله البداية والألف . أما معنى أنه الياء أن أختم به بـل وأشكره سواء أخذت أو لم أخذ لأن المفروض أن أشكره على كـل حال ومن أجل حال وفي كل حال . ما أكثر ما تحدث معلمنا بولس الرسول عن الصلاة خاصة دوام الصلاة في كل حين ففي حديثه إلى أهل افسس بعد أن تحدث عـن سلاح الله الكامل وتكلم عن درع الـبـر وتـرس الإيمـان وخـوذة الخلاص وسيف الروح يقول : " مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقـت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجـل جميـع القديسين ولأجلى لكي يعطى لي كلام عند إفتتاح فمي لأعلم جـهاراً. بسر الإنجيل " ( أفسس 6 : ١٨ ) . ويقول لأهل رومية " مواظبين علـى الصلاة ساهرين فيها بالشكر " ( رو ۱۲ : ۱۲ ) ، ولأهـل كولوسـى واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر " ( كـو ٤ : ٢ ) ، ويوجـه القديس بولس كلامه إلى المتزوجين في كورنثوس " لا يسلب أحدكـم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكـى تتفرغـوا للصـوم والصلاة ( اکول : 5 ) . ويتكلم عن الصلاة على الأطعمـة فيقـول " لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة ( اتي 4 : 5 ). نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس اسقف الغربية عن كتاب القديس بولس الرسول الخادم الغيور
المزيد
20 يونيو 2022

الأساس الروحي للخادم

الخدمة المسيحية هي اشتراك مع الله في عمله الإلهي العظيم من جهة الخليقة ألا وهو خلاص البشرية « لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم » ( يو ١٢ : ٤٧ ) ، هي جندية روحية للرب وهي في حقيقتها عمل إلهى خفى يتم من خلال الجهود الإنسانية الأمينة التي تبذل من أجل نفوس الناس ... من أجل خلاصهم وتمتعهم بالملكوت . * هذه الخدمة تتطلب بالدرجة الأولى حياة مقدسة يعيشها الخادم مع الله بضمير صالح وقلب نقى وعشرة مفرحة يتمتع من خلالها بالله والكنيسة . هي حياة حب وسعادة روحية لأنها رسالة المسيح شخصياً ينبوع المسرة والفرح ومصدر كل سلام . * وإذا كنا سنعرض الآن بالتفصيل لركائز الأساس الروحي للخادم لكننا نؤكد على ضرورة التكامل عموماً في شخصية الخادم سواء من الجانب الإيماني والعقيدى أو الكنسي والليتورجي أو النفسي والتربوي [ وهذه كلها سنعرض لها في الأبواب المتعددة لهذا الكتاب . * لكننا نركز الآن على حقيقة هامة أنه بدون حياة روحية أصيلة وصادقة لا يمكن أن يقوم البناء أو تجنى الثمرة . فلننتبه أيها الإخوة الخدام لهذه الحقيقة الجوهرية ليكون أساسنا في الخدمة راسخاً ومتيناً . * وسوف نعرض الآن لسبعة جوانب هامة في الأساس الروحي للخادم وحياته كأمثلة رئيسية ، عالمين أن الخادم مدعو للتحلى بكمالات روحية أخرى يغتنى بها قلبه طول العمر ، وبها يغنى نفوس أولاده ومخدوميه .ومع دراسة كل جانب من هذه الجوانب السبعة ليتنا نحاسب أنفسنا على ضوء نداء معلمنا بولس الرسول : « إهتم بهذا كن فيه لكي يكون تقدمك ظاهرا في كل شئ » ( اتی 4 : 15 ) . هذه الجوانب السبعة هي :- * أولا : التوبة . ثانياً : الحب . ثالثاً : إنكار الذات . رابعاً : حياة التلمذة . خامساً : وحدانية القلب . سادساً : البذل والتضحية . سابعاً : الحكمة والنمو الروحي . أولا : التوبة لسنا في هذا الموضوع بصدد الحديث عن أهمية سر التوبة والاعتراف عموماً أو كيفية ممارسته ، فهذا أمر بديهي مفروغ منه [ راجع كتابنا « تائب ومعترف » ] . ولكننا نود الحديث بتركيز خاص عن التوبة والاعتراف في حياة الخادم بالذات إذ هو مطالب أكثر من غيره أن يقدم حياته نموذجاً للكمال والفضيلة حتى يستطيع هو أيضاً أن يحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع ( کو ۱ : ۲۸ ) . وقد لا يختلف إثنان من الخدام في حقيقة السر أو إثبات لزومه وأهميته كواحد من الأسرار اللازمة للخلاص والتمتع بحياة القداسة والعشرة مع الله ، ولكن مع ذلك نرى البعض أحياناً يصابون بضربة الفتور الروحي والتكاسل وانقطاع روح التلمذة الروحية .فيتكاسل الإنسان عن ممارسة اعترافه بانتظام ؛ وقد يبقى لمدد طويلة بدون توبة أو اعتراف رغم استمراره في الخدمة ، ويتصور أنه يمكنه أن يعطى ويفيض وهو في هذه الحالة . القمص بيشوى وديع كاهن كاتدارئية كنيسة الشهيد مارجرجس وشهداء طنطا الأطهار عن كتاب الخادم الأرثوذكسى كنيسة وحياة
المزيد
19 يونيو 2022

عظة تأسيس الروح القدس للكنيسة

إنجيل اليوم هو الأحد الأول من صوم الرسل، ويتحدث عن تأسيس الروح القدس للكنيسة علي مستوي العالم كله، فالكنيسة هي وحدة الخلاص وهي عمل ربنا يسوع المسيح علي الأرض، ولم يؤسس ربنا عمل عام فقط ولكنه كان يؤسس ملكوته الخاص داخل كل منا، فالكنيسة هي ملكوت الله الذي به يخلص العالم كله إذ وضع فيها أسراره وتعاليمه ووضع فيها ذاته شخصياً، ولكنه أيضاَ كان يؤسس الملكوت الداخلي شخصياً في كل واحد فينا. "كل مملكة إذا أنقسمت علي ذاتها تخرب أو كل بيت إذا أنقسم علي ذاته لا يثبت " هو يتكلم عن وحدة العمل، الشيطان لا يمكن أبداً أن ينقسم لأن له هدف محدد سواء علي مستوي الحرب الكنسية أو الحرب الشخصية لكل منا.وهذا مبدأ مهم، لكي ندرك أن كل من يسعي لأهداف، لأبد أن يكون له هدف ثابت وواحد، هدف الكنيسة هو الملكوت، وإن كان القلب الذي يحمل ملكوت الله له أهداف أخري غير الملكوت يسقط.الوحدة هي صورة دائمه لكل ما هو عميق، فالأنقسام يؤدي إلي التشتيت وإلي السقوط، حتي أن علماء النفس يصفون النضج أنه وحدة الشخصية، الأنسان الناضج هو الذي كيانة ليس به صراعات، والمرض يبدأ حين تستمر الصراعات داخل النفس، لذلك التوبة هي وحدة الهدف، فحينما يسقط الأنسان في خطايا متعددة يسقط أيضاً في داخله احترامه لنفسه، وكرامته، فيأتي المسيح ويعيد مرة أخري كرامة الأنسان ويصالحه علي نفسه، ليعيش الأنسان مرة أخري في وحدة داخلية مستقيمة الحياة بالمسيح.وكذلك البيوت والأسر المنقسمه تؤدي إلي حياة غير سوية، فالأب والأم الذين في حالة صراع دائم علي الذات، ومنقسمين لأجل أمور مادية أو نفسية يحيوا دائماً في حالة ضيق وتعب، في علم التربية لأبد أن يصدر قرار تربوي واحد في الأسرة، فوحدة الأسرة تؤدي إلي بناء الكل.ولكن الأخطر والأهم هو وحدة الكنيسة، ونحن في هذة الأيام نسمع دعوات تصل إلي حد التراشق بفكر الوحدة، والبعض ينظر إلي الوحدة أنها قبول الأختلاف ودخول في شركة المختلفين ..لن تكون بذلك كنيسة. وحدة الكنيسة هي التقليد المقدس، هي الأيمان المسلم، وكل من ينشق من هذا الأيمان المسلم لا يمكن أن يعتبر كنسياً بل يخرج للخارج، لتظل الكنيسة وحدتها هي إيمانها هي تقليدها، هي الصورة الثابته التي رسمها السيد المسيح، يقول بولس الرسول: "كنيسة واحدة..إيمان واحد ..معمودية واحدة"، لا يمكن أن تكون هناك عقائد مختلفه ونقبل لأجل الوحدة، لن تكون وحدة، لأن الوحدة معناها الأيمان الثابت.هناك من يتشدق بكلمات الوحدة السطحية، وقبول مناسبات وأعياد التي تظهر أمام الجميع أننا نقبل بعض. قبول الأختلافات الإيمانية تعني الأنقسام وليس العكس. الوحدة هي الحفاظ علي الكنيسة وعلي الإيمان. الوحدة هي رفض كل ما هو غير مسلم. لذلك كان الأباء يدافعون عن الإيمان بدمائهم، لأن دخول إيمان آخر داخل الكنيسة يعني أنشقاقها من الداخل، ولم يعد المسيح جسد واحد.خارج الكنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية لا يوجد مسمي يُدعي كنيسة.فالكنيسة الوحيدة هي ما تسلمناه، هي مارمرقس والرسل، هي كل ما هو مسلم إيماني، وكل ما بنُي علي الإيمان الرسولي.لذلك حينما اجتمع الأباء في المجامع المسكونية لم يقبلوا آريوس ونسطور، وكان القرار طرد هؤلاء الذين يدخلون إيمان آخر، كان قرار الكنيسة كلها، من لا يريد أن يخضع للإيمان الرسولي يخرج خارجاً، أما الكنيسة فهي وحدة واحدة.يقول القديس كيرلس الأورشليمي: "يامن تحملون مشاعل الأيمان احتفظوا بها في أيديكم غير مُطفئة"كل إهتمام الشيطان أن يكسر الوحدة، تحت مسمي قبول الآخر، نقبل بعض علي مستوي شخصي، ولكن علي مستوي كنسي لا قبول أبداً لآي صورة من صور الأنشقاقات، حينما ارسل السيد المسيح تلاميذه قال لهم: "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزا بالأنجيل وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" لم يقل هناك مناهج كثيرة وكلها تؤدي إلي الخلاص.أحد الآباء يدعي روفينوس الأكلاوي في القرن الثالث يقول: "يروي لنا أجدانا أن الروح القدس بعد صعود السيد المسيح لما استقر علي كل واحد من الرسل مثل ألسنة نار لكي يفهمهم بكل اللغات، تلقوا أمراً من السيد المسيح أن يذهبوا إلي جميع الأمم لكي يبشروا بكلمة الله، وقبل أن يغادروا وضعوا معاً قاعدة للبشارة التي ينبغي أن يعلنوها حتي إذ ما تفرقوا لا يكون هناك خطر من يعلم تعليماً مختلفاً للذين يجذبونهم إلي الأيمان المسيحي، إذ كانواجميعاً ممتلئين من الروح القدس كتبوا هذا المختصر الوجيز لبشارتهم المستقبله بما لكل واحد منهم مقرين بعقيدة واحدة وقاعدة واحدة يسلمونها للمؤمنين، وكانت هذة تسمي قانوناً، من يخالف الأيمان الرسولي فليخالف، ولكن لا يدخل الكنيسة، فالكنيسة لها إيمان واحد ثابت مسلم لا يمكن التنازل عنه".يقول ماربولس لتلميذه تيموثاوس: "ما تسلمته مني بشهود كثيرين اودعه أناس أمناء ليكونوا أكفاء ليعلموا أخرين".فأن كانت الكنيسة تقبل أختلاف الآراء والأفكار والعقائد فما الداعي لهذة الوصية "احفظ الوديعة".يقول القديس جيروم: "أن قانون إيماننا ورجائنا نُقل لنا من الرسل" يقول مار أغناطيوس: " أن المسيحيون حاملوا الإله وحاملوا المسيح وحاملوا الهيكل، وأن المسيح لا يوجد فردياً بل في أتحاد مع جمهور المؤمنين وممارسة الكنيسة، الحياة المسيحية ليست كتاباً أوراقاً وكلمات وحبر بل حياة متفقة داخل الكنيسة، كل أعضائها يحملون سمات المسيح وقوة الروح القدس بالأسرار الكنسية"من يقول أن الخلاص ليس بالأسرار، أو أن المسيح طبيعتين منفصلتين، أو يخلص المؤمن دون الحفاظ علي الأيمان الرسولي.. لا نعتبره مسيحي أصلاً.فالمسيحية هي الأيمان الرسولي المسلم مرة للقديسين، وقرار المجامع المقدسة كل من يخالف الأيمان الرسولي فليفرز ويخرج خارجاً.إذاً الوحدة هي وحدة الخلاص كنسياً ووحدة الملكوت داخلياً التي بها نستطيع أن نخلص.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
18 يونيو 2022

الخادم والدافع

الخدمة هي حركة سماء وليست حركة بشر .. هي عمل إلهي قبل أن تكون تنظيم بشرى ... لذا يلزمنا إدراك هذه الحقيقة لنتأكد أن من يقومون بهذا العمل قد أخـذوا دعوتهم من الله وتأكدوا أن دوافعهـم الحقيقية إلى الخدمة هي الله وليس من أحد ... وحينمـا تغيب عن وعينـا هـذه الحقيقة نجد نوعيـات من الخدام لا تعمل بحسب قلب أو فكر الله ... فمنهم من يأت إلى الخدمة وهم في حالة من التراخي والكسل ودون رغبة حقيقية للبذل أو العطاء .. ويتهربون من حمل أي مسؤلية ... وتجد فئـة أخرى على العكس تماماً مستعدون للعطاء والتعب ولكن للأسف بدوافـع خاطئـة منهـا التنافس وحـب الظـهـور أو الإختلاط أو الإرتباط ... وهناك من يأت إلى الخدمة لعمل نشاط خال من الهدف أو المحتوى وبمضمون مغمور ... دون أن يسأل نفسه لماذا أخدم ؟ ومن أخدم ؟ لذلك قد نجـد أن أعداد الخـدام في كنائسنـا قد يعطـى إنطباعاً بالكفايـة بل وبالكثرة العددية ... ولكن في الحقيقة أن المسافة كبيرة جداً بين الموجود والفعـال ... بين الخدمة والتأثير ... وبين الخدمة والمرجو منها ... لذا وجب علينا أن نقف إلى لحظة ونسأل أنفسنا : لماذا أخدم ؟ من أخدم ؟ كيف أخدم ؟ إنها اسئلة تحتاج إلى إجابات أمينة ..لئلا نجد أنفسنا مع اللذين يخدمون أنفسهم أو اللذين يخدمون سيد آخر ... هنـاك مـن يعمل خوفاً من سيـده وهناك من يعمل من أجل الأجرة وهناك من يعمل من أجل حب العمل وهناك من يعمل من أجل حب العمل وصاحب العمل فإلى أي المجموعات ننتمى ؟ وينصح الآباء أنك لوتحيرت في تقييم أمر ... إسأل دوافعك ؟ وابحث عن الغرض المستقيم بإستمرار . لنـا أن نؤمن أن الخدمة تبدأ من الداخل ... بحركة حب صادق أمين لله ... بشعور النفس المديونة لله بكل شيء فتخرج تبحث في إجتهاد ماذا أقدم لمـن وهبني كل شيء وبماذا أكافئ الرب عـن جميع - ما أعطانيه ... ومهما قدم يشعر أن هذا قليل أمام ما أخذ ... فـالـذي يخدم ليس هو أفضل من الذي لا يخدم ... ولكنه مديون أكثر مـن الذي لا يخدم ... وهولا يعط بقدر ما يأخذ وهو ليس بصاحب فضل بـل الفضل لصاحب الخدمة الذي مـن كثرة صلاحه إحتمل أن يقيم من الخطاة الضعفاء خداما لمجده وصلاحه ... فـإن كان بين الناس من يتفاخر بوظيفة في مكان مشهور ... ويضحى بالكثير من أجل شرف البقاء فيهـا ... ماذا نقول عن الإنضمام للخدمة وقد صرنا عاملين الله ... والـذي يجـب أن نسـأل أنفسنـا فيه بإستمرار كيف ينظـر الله إلى خدمتی ؟؟؟؟ ماذا يقول عنى ؟؟؟ ليتني أسمع : هو أمين في كل بيتى . القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك عن كتاب الخادم ولكن ... الجزء الاول
المزيد
17 يونيو 2022

الخدمة وكيفية ممارستها

أولا : قيم ومفاهيم الخدمة مفهوم الخادم والخدمة : الخادم بالمعنى المفهوم للكلمة ، هو الإنسان الذي يربط وسطه ليعمل في المنزل ، ينظف ويطبخ . ويقـدم لـرب البيت ولربـة البيـت ولأفراد المنـزل مـا هـم في حاجة إليـه مــن طعام وشراب و ... ، هذا هو المفهوم الموجود في أذهاننا ، وربما لهذا السبب ومن أجله سيدنا له المجد عندما أراد أن يغسل أرجل التلاميذ ائتذر بمئذرة ، أي ربط وسطه بمنديل لكى يقـوم بـدور الخادم ، وانحنى على الأرض وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ، والبطريرك والأسقف والكهنة يفعلوا كما فعل المسيح ، ولهذا في تقليد الكنيسة أن رجال الدين يربطوا وسطهم بحزام ، وكذلك الرهبان يلبسوا المنطقة ، القصد من هذا أن الراهب قائم على خدمة الله وعبادته ، فيعبر عن هذه الخدمة بأن يربط وسطه ، رمز على أنه خادم الله ، لأن ربط الوسط يمكن الإنسان من أن يجمع ملابسه الواسعة لكـى يـكـون عنـده إستعداد بـأن يـقـوم بنشاط حركي كبير ، وحتى السيدات كن يلبسن الزنار ، والسيدة العذراء كانت تلبس زنار لكي تتمكن من العمل ، وأن تنحنى وأن تقـف بـدون عائق ، فهذا هو الأساس في أن سيدنا لـه المجد ربط وسطه بمئذرة ، وكذلك الكاهن يربط وسطه بالمنطقة لأنه يقوم بدور الخادم . المفهوم الخاص للخدمة : في المجال الكنسي عندما نقول خادم أو خدمة ، عادة ينصرف تفكير الإنسان بأن الخدمة هي العمل التعليمي في الكنيسة سواء كان للكبار أو للصغار ، ومفهوم الخدام هنا هو المعنى المحدود في خدمة التعليم المناسب للكبار وللصغار أيضا. المفهوم العام للخدمة : أما الخدمة في مفهومها المسيحي العام ، هي كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى شخص يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون في حاجة إليه ، فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقى الإنسان درساً على أطفال أو على كبار فقط ، ولكن هناك معنى أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية ، فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأى رجلا أعمى ، فكـونـه يقـود الأعمى حتى لو لم يطلب منه ، هذه خدمة ، أو كونه يريح إنسان ملهوف ، أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو إمرأة عجوز ، ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة . أو كونه يجد إنسان مريض ويكون في إمكانه أن يسعفه ، وإن لم يكـن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعى له الطبيب ، أو يجرى ليحضـر لـه دواء ، هذه خدمة ، لو وجدت إنسان مسكيناً محتاج إلى القوت الضروري أو إلى ملابس ، لو أعطيته شيء يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع ، هذه خدمة ، كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيب أو محامي أو قاضي أو مهندس أو محاسب أو رجل أعمال ، حتى عامل النظافة في الشارع يعد خادما ، لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين ، وهذا الفعـل بـه خير والناس يحتاجون لهذا الخير ، فهنا الإنسان يـؤدى خدمة لأسـرتـه بالمعنى الضيق ، وللأسرة البشرية بمعناها الواسع ، كـل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية ، كل هذه خدمات ، وهنا يصدق قول الشاعر الناس للناس من بدو وحاضـرة بعض لبعض إن لم يشعروا خدم لذلك يجب أن نحس بإحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية ، ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلى هذا النوع من الخدمات ، وإلى أن يتحول كل إنسان إلى خادم الله وخادم لكل الناس . خادم الله إذا أداها بـروح الخدمة من أجل الخير للبشر ، مع نية تنطوى على روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس ، وتخفيـف بـلـواهم وشقاءهم ، بـأن يحمـل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه أي نوع من هذه الخدمات حتى لو كانت خدمة صامته تدخل في نطاق الخدمة ، فكـون الإنسان يسدى خير لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة . لذلك نقول أولا : يجب أن لا نحتقر الخدمات الأخرى التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم . وثانيا : يجب أن لا تقتصر خدمتنا على مجرد درس نلقية والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد ، عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه ، ولكن أيضا كان ينظر إلى إحتياجاتها ، فيشفى المرضى ، ويقيم الموتى ، ويطهـر الـبرص ، ويجيـب كـل إنسان إلى إحتياجه ، وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار . فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقى الإنسان درساً . فلا بد أن نضيف إلى إلقاء الدرس الخدمات العملية . فإذا دخل الإنسان منزل لكي يفتقد طفل أو طفلة ، فإذا كان في إمكانه أن يؤدى خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل في مفهوم الخدمة ، وفي نطاق الخدمة ، فلا يكون دائما مفهوم الخدمة في نظرنا هي عملية تعليم للصغار أو الكبار ، إنما الإنسان يكون عنده أريحية وإستعداد لأن يؤدى ويشترك في خدمات كثيرة أخرى ، ولذلك حاليا في فروع مدارس التربية الكنسية عندما يعمد الأطفال الصغار الفقراء ، نجد البنات يصنعوا ملابس للأطفال الصغار ، وأيضا نجد في مناسبات الأعياد ، الخدام والخادمات يطبخوا في بعض الفروع بعض المأكولات وتوزع هذه المأكولات ، من اللحوم والخضار والفاكهة إلى البيوت الفقيرة ، ويشترك الخدام والخادمات في هذه الخدمة وهكذا . هذا بلا شك أن هذا مجال متسع جداً أن الإنسان يشغل الطاقات الموهوبـة لـه مـن الله في هذه الخدمات ، ولا تـكـون المسألة قاصرة على درس يلقيـه ، ولـكـن مـهـم جـدا الخدمات الأخـرى العملية ، فمثلا نجد البنات يقوموا بعمل لفائف للكنيسة وللمذبح وبعض الستائر ، والأولاد يعملوا صور وإيقونات ، ومن هنا جاءت فكرة المعارض التي تقدمها فصول مدارس التربية الكنسية ، في مناسبة عيد من الأعياد أو في الأجازة الصيفية أو في أي مناسبة أخرى ، هذا النشاط الذي يتقـدم بـه الأولاد والبنات والخدام والخادمات لإسداء خدمات معينة ، وأيضا حصيلة هذه الخدمات العملية تستغل في نشاط في قرى ، أو في الإنفاق على بعض المحتاجين هو المفهـوم العام للخدمة ، فالخدمة ليست هي فقط خدمة التعليم للصغارأو للكبار ، وبإضافة الخدمات الأخرى العملية ، مـن جهـة نجد بعض الخدام والخادمات ليس لهم موهبـة الشرح والدرس والتعليم ، لكن نجد أن لهم مواهب أخرى ممكن أن تستغلها ، فلا نحتقر أمثال هذه الخدمات ، لأن الكنيسة في حاجة إليها وهي تكمـل خدمة التعليم ، ومن الجهة الأخرى أن المسيح له المجد أعطانا ككنيسة أن لا نعلم الناس فقط ، بل ننظر إلى إحتياجات الناس الأخرى المادية والجسدية أو ما إلى ذلك .. ولهذا السبب قال المسيح لتلاميذه " اشفوا مرضى " ، لذلك دخل سر مسحة المرضى من ضمن الأسرار الكنسية ، الذي فيه الكنيسة تهتم بالمرضى المصابين بالأمراض الجسدية المتسببة عن علل نفسية وروحية ، إنما الأمراض الجسدية البحتة أو العضوية البحتة تدخل في إختصاص الطبيب . السيد المسيح لم يكن يعلم الجماهير فقط ، إنما كان ينظر إلى إحتياجات الإنسان كله باعتباره روح وجسد ، فنحن ككنيسة لابد أن نقوم بهذا العمل ، ولابد أن نوزع على الجميع الإختصاصات ، لأنه ليس كل واحد يقدر أن يقـوم بـكـل شيء ، الطبيب عندما يزور مريض ويفحصه ويشخص المرض ويصف الدواء ، وعن هذا الطريق يشفى المريض وتتحسن حالته ، أكيد أن هذه خدمة ، وهكذا قل عن الصيدلي والمعلم والتاجر والمحاسب ورجل الأعمال ، أعمال مختلفة وأنواع متعددة من الخدمات يمكن أن يسديها الإنسان إلى الآخر ، وهذا معنى خادم وخدام ، وهذا تعبير يجب أن لا نخجل منه ، لأن الشخص الذي يؤدى خدمة لآخر هذا شرف له ، هی كلمة كريمة ومحترمة ويجب أن نحيطها بما يليق بها من التقدير ، لأن الإنسان بهذه الخدمة يخرج عن أنانيته ويخرج عن الإثرة إلى الإيثار ، يبذل الجهد العصبي والجهد الجسماني والجهد المادي أو المالي ، أي نوع من البذل يحقـق خيراً ونفعاً إلى إنسان آخرفي حاجة ماسة إلى هذه الخدمة . عظمة هذه الخدمة لاتقاس بالكم بل بحاجة الشخص المخدوم إليها ، وأيضا بمقدار الجهد الذي بذله الخادم ، كلما كان الجهد أكثر وكلما كانت الحاجة أكثر تكون الخدمة أعظم . وأيضا كلما كانت الوسيلة والكيفية التي تؤدى بها هذه الخدمة ، فروح الخادم واسلوبه وهو يخدم غيره . هنا يظهر باطن هذا الخادم ، ولذلك السيد المسيح مدح المرأة التي أعطت فلسين ، فمـن جهة الكم كانت أقل من أعطى ، لكن السيد المسيح مدحها وقال أنها دفعت أكثر من الأغنياء ، نسبة ما أعطت مما تملك ، وكما قال المسيح أنها أعطت كـل معيشتها وكل ما عندها ، هذا إلى جانب ما انطوت عليه نفسيتها من روح إيمانية غير عادية ومحبتها الشديدة لعمل الخير ، وللكنيسة والهيكل وحب الناس الآخرين ، الذي دفعها أن تفضلهم على نفسها ولذلك هناك خدام لا يجيدون الكلام ، وليس لديهم القدرة على أن يعلموا آخرين ، ومع ذلك يعتبرون أمام الله خداماً من أعلى طراز ، لا يتكلمون وإنما يبذلون خدمات عملية قيمتها أمام الله عظيمة جدا . نقول هذا لا تحقيراً لخدمة الكلمة أو خدمة التعليم ، إنما حتى يتواضع الذين يعتبرون أنفسهم خـداماً ولا ينتفخـوا ، ويحترمـوا الخدمات العملية الصامتة الأخرى ويشعروا أن هذه الخدمات تبنى الكنيسة . وهناك خدمات أخرى خفية غير الخدمات العملية مثل خدمة الصلاة التي يسديها إنسان إليك وأنت لا تعلم ، سواء كانوا من الذين على الأرض أو الذين انتقلوا إلى العالم الآخر ، نحن نؤمن أن للصلاة فاعلية وأن للصلاة أثر كبير في مقاومة الشر وفي هزيمة الشيطان ومساعدة الإنسان . وأيضا موجود في الكنيسة خدمة الموائد ، التي تسمى الآن الخدمة الإجتماعية ، والآباء الرسل وجدوا أن هذه الخدمة ستعطلهم عن التبشير ، فأقاموا الشمامسة ليقوموا بهذه الخدمة وهي خدمة التوزيع على الفقراء والمحتاجين ، وتوجد أيضا خدمة الملاجىء ودور الإيواء وخدمة المسنين والعجزة والمستشفيات والأرامل والأيتام وخدمة اللقطاء ، كذلك حل مشاكل الناس المادية والمعنوية والإجتماعية ، كل هذه الخدمات وغيرها الكنيسة مكلفة بالقيام بها ، هذا إلى جانب خدمة إحتياجات الكنيسة من مبانى وتأثيث وقرابين وشمع وبخور ، وأيضا من خدمات الكنيسة المدارس والتعليم ، والأقباط أول من اهتم بالتعليم في مصر ، فهم أول من بنوا المدارس في مصر . وأول من أقام مدرسة للبنات هو البابا كيرلس الرابع ، فخدمة العقل أيضا من ضمن إهتمامات الكنيسة ، وقبـل المدارس اهتمت الكنيسة بإنشاء الكتاتيب الملحقة بالكنائس ، وكان يدرس فيها المعلم أو العريف ، ويسمى الآن المرتل ، وكل هذه الأعمال لها جزاءها الذي لا يقـل عـن خدمـة الـوعظ والتعليم الديني . كـل هـذه خدمات ومنها جميعهـا تـكـون الخدمة المتكاملة ، الكنيسة فعلا أعضاء في جسد واحد ، العين لها عمل ، والأذن لها عمـل ، والظفر له .عمل ، والشعر لـه عمـل ، كل شيء في جسم الإنسان له عمل . كما قال بولس الرسول " بـل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية ، وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل ، والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل ... " ( ۱ کو ۲۲ : ۱۲ - ۳ ) . وجميع من يخدمون ينالوا من الله أجرأ ، جزاء كل فعل أو خدمة أدوها بنية صالحة ، من أجل الله ومن أجل الخير لأخيه الإنسان قيمة الخدمة : تختلف قيمة الخدمة من واحد إلى آخر بحسب نوع الخدمة ، وبحسب الهدف الباطني من الخدمة ، وبحسب ما تؤديه هذه الخدمة من نفع حقيقي ، لشخص أو أشخاص أو مجموعة من البشر ، لنفرض أن موظف في عمل من الأعمال ، فهو في عمله يؤدي خدمة ، لكن هذا الموظف لو أدى عمله ليس بروح الخادم المؤمن بطبيعة العمل وبقيمته ، تكون خدمته مجرد أداء واجب مفروض عليه ، فتصير خدمته خدمة سطحية شكلية ، حقا أنها تسد خانة في المجتمع الإنساني ، لكنها خالية من الجوهر ومن الحياة ، ولو امتد هذا الوضع لأصبح كل إنسان يخدم المجموع البشرى بلا روح وبلا إيمان وبلا مبدأ وبلا قيم ، ولإرتد المجتمع البشرى وسقط من أساسه تستطيع وأنت مكانك أن تؤدى خدمة ، وتبلغ رسالة صارخة عن المسيحية يتمجد فيها الله ، بدون كلام أو وعظ أو تعليم ـ ولكن برسالة صامته ، قد لا يستطيع الكاهن بزيه أن يدخل هذه الأماكن ويؤدى خدمات بها ، فالذي لا يستطيعه الكاهن تستطيعه أنت كعلماني وكمـدنی الرسالة الصامته هي الرسالة التي تتكلم عن نفسها دون ألفاظ ، تعبر عنها بالروح التي تنبعث وتنطلق منك ، كأنها نور أو كهرباء أو مغناطسية تؤثر في المحيط الذي يحيط بك ، ما أضيق نطاق خدمة الكلام ، لكن هناك أبواب أوسع من ذلك ، يستطيع الإنسان أن يعبر بها عما في قلبه ونفسه ، وينقل روح المسيح التي في داخله إلى الآخرين ، نقلا أفضل بالعلامات وبالحركات والسكنات وبالصمت وبالخدمات ، يقدم رسالة المسيح أفضل مما يقدمها بالكلمات ، صارت الكلمات ثقلاً على الأذهان ، ما أبرع بعض الناس في قدرتهم على الكلام ، حتى تحولت ديانتنا إلى لباقة في الألفاظ وإلى خطابة ، ولكـن أيـن هـو الكسب الروحي للآخرين ، إن طريق الخدمة الخاصة هو أقرب الطرق لتوصيل رسالة المسيح . إذا لم يكـن لـك موهبة الخدمة الخاصة فهناك خدمات كثيرة أخرى ، المواهب متعددة ومختلفة كما يقول الرسول بولس ، فكـل عضو في الإنسان له وظيفة لا يستغنى عنها الجسم ، مهما كنت تـرى فـيـه أنـه عضو حقير ، فظفر الإنسان له وظيفة كبيرة وقيمة لا يستغنى عنه الجسم .. تستطيع أن تكتشف موهبتك الأولية وهنا تضع نفسك في الوضع الصحيح ، وتخدم الخدمة المثمرة حسب موهبتك . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل