المقالات
09 مايو 2021
أحد توما " طوبى لمن أمن ولم يرى
اليوم ياأحبائىِ الأحِد الأول مِن آحاد الخماسين المُقدّسة ومشهور " بأحِد توما " لأنّهُ هو اليوم الّذى ظهر فيهِ ربنا يسوع لِتلاميذه مُجتمعين ومعهُم توما فالكِتاب فِى يوحنا 20 : 19 يقول ] وفِى عشيّة ذلك اليوم [ ، وهُنا يقول " اليوم " مُعرّف ، والمقصود بهِ هو يوم القيامة فهو يوم مجيد يوم مُميّز وقد ظهر فيهِ ربّ المجد يسوع للتلاميذ وهُم مُجتمِعين ولمْ يكُن معهُم توما وكانوا خائفين مِنْ اليّهود ، وهذا هو ضعف البشر ، فوقف ربّ المجد يسوع فِى وسطهُم ] وَقَالَ لهُمْ : سَلاَم لكُمْ ! وَلَمّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ ، فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرّبّ [ ، فعِندما جاء توما قال لهُ التلاميذ : قِد رأيّنا الرّبّ ، عشر أشخاص يقولون لهُ رأيّنا الرّبّ ، فوجدنا يقول لهُم : ] إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِى يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ ، وَأَضَعْ إِصْبِعِى فِى أَثَرِ الْمَسَامِيرِ ، وَأَضَعْ يَدِى فِى جَنْبِهِ ، لاَ أُومِنْ [ يقول لنا الكِتاب : [وَبَعْدَ ثَمَانيَةِ أيّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُةُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ ] ،" ثمانية أيام " ، أى مِنْ أحِد القيامة للأحِد التالىِ لهُ ، ] فَجَاءَ يَسُوعُ وَ الأْبْوَابُ مُغَلّقَة ، وَوَقَفَ فِى الْوَسْطِ وَقَالَ : " سَلاَم لَكُمْ ! " 0 ثُمّ قَالَ لِتُومَا : " هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَىَّ ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِى جَنْبِى ، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً [ فهو أتى خصّيصاً لِتوما ، فأجاب توما وقال ] رَبِّى وَإِلهِى [ ، ياأحبائىِ توما خجل أن يضع يديهِ فِى جنب السيّد المسيح ولكِن ربّنا هو الّذى جذب يديهِ لِيضعها فِى جنبهِ فهو بِمُجرّد أن قال لهُ ربّ المجد يسوع هات يدك فإِنّهُ تعجّب مِنْ المنظر بِنعمِة ربنا أحِب أن أتكلّم معكُمْ فِى ثلاث نُقط وهى :-
1- خِطورة الشك:-
الشك ياأحبائىِ أمر صعب جِداً ، فقد يبدو للإِنسان أنّهُ ليس خطيّة وأنّهُ ليس خطأ ، ولكِن فِى الحقيقة ما دام الإِنسان يعيش فِى شك فإِنّهُ لن يتمتّع بالله ، كون إِن الإِنسان مُتردّد فِى يقينه بِقُدرة الله فهذا فِى الحقيقة خطيّة صعبة جِداً فالشك يجعِل الإِنسان يعيش بِلا هدف ، وبِلا رؤيّة ، ويجعل القلق يملُك على الإِنسان ، ولا يرى أنّ الله هو ضابِط الكُلّ ويشُك فِى ذلك ، فنحنُ نُريد أن نتعلّم اليقين الّذى خرج مِنْ شك توما ، مُستحيل أن نتمتّع بِعمل الله فِى حياتنا ونحنُ فِى شك ، أبداً ربنا أعطى لأبونا إِبراهيم وعد أنّهُ سيُعطيه إِسحق إِبن الموعِد ، وربنا حقّق هذا الوعد بعد 20 سنة ، وكان مِن المُمكِن أنّهُ يشُك فِى خلال ألـ 20 سنة ويقول أنّ وعد الله مُمكِن أن يكون غير صادِق ولكِن الكِتاب يقول لنا ] فآمنْ إِبراهيم بالله فحُسِب لهُ بِرّاً [ ، ولِذلك أُمِنّا سارة لمْ يكُن لها نِفَس بِر إِبراهيم فهى لمْ تستطِع أن تُصدّق وعد الله ، ولِذلك سُمى الطِفل" إِسحق " أى ضحِك فربنا هو ضابِط الكُلّ ، كثيراً ما نقع فِى خطيّة الشك وحياتنا مملوءة إِضطرابات وهموم ، وكثيراً ما أشعُر إِن ربنا غير ضامِن لىّ المُستقبل بالرغم مِنْ إِنّىِ عارِف إِن ربنا هو ضابِط الكُلّ ، وخالِق الأنهار والينابيع والبُحيّرات وما فيها ، إِيّاك أن تتعامل مع ربنا فِى شك وإِلاّ فستتعطِلّ حياتك لقد سمِعت فِى الأسبوع الماضىِ أنّهُ توجِد إِمرأة عِندها إِبن تعبان ومحتاج لِعمليّة تتكلّف 2000 جنية ، فالأُم بإِيمان وضعت 1000 جنية فِى دير مارِمينا و 1000 جنية فِى ديرأبو سيفين وطلبت منهُم أن يتدخّلوا ، فبعد ذلك أخذت الإِبن للدكتور ، فالدكتور قال لها أنّ إِبنها شُفى ، هى عِندها إِيمان بِقُدرة ربنا فالإنسان الّذى يُذكّر ربنا بِمواعيده فإِنّهُ ينقِل الجِبال ، ويسمح الله ياأحبائى أن يجعل كُلّ ركائِز العقيدة المسيحيّة مبنيّة على الإِيمان والإِيمان فقط ، فالتجسُدّ بِدون إِيمان لا يُمكِن إِستيعابه ، القيامة بِدون إِيمان لا يُمكِن إِستيعابها ، حقيقة الجسد خُبز ويقول هذا هو جسدىِ ، نقول هذا جسد حقيقىِ لِكى يكون المُستحِق لهُ هو المؤمِن فقط لقد قصدت الكنيسة أنّ الّذى يأخُذ ربنا يسوع لابُد أن يشترِط فيهِ الإِيمان ، فالله بِيعمِل أفعال بسيطة يعرِف بِها هل الشخص سيؤمِن بِقُدرتهِ أم لا ؟ ولِذلك الإِنسان الّذى يشُك فإِنّ معاييره الروحيّة بِتهبُط فلا يستطيع أن يُصلّىِ لأنّهُ شاكِك إِن ربنا سامع للصلاة ، لا يستطيع أن يُسامِح ويقول أنا ما الّذى يضمِن لىِ أنّ الله سيُحقّق وعدهُ الّذى يقول] إِغفِروا يُغفر لكُمْ [ ، ولكِن الشخص الواثِق يكون واثِق أنّ الله يُسامِح ، ويسعى أن يُعطىِ فِى الخفاء لأنّهُ واثِق فِى كلام ربنا الّذى يقول ] أبوك الّذى يرى فِى الخفاء يُجازيك علانيّةً [ فهل تعلموا لِماذا الست العدرا لمْ تذهِب لِترى القبر ولمْ يذكُر الكِتاب موقفها وذلك لأنّ إِيمانها أكبر مِنْ أنّها تذهِب للقبر ، لأنّ ثِقتها فِى القيامة ثِقة أكيدة ، فمريم المجدليّة بلّغِت يوحنا الحبيب ويوحنا الحبيب الست العدرا معه فبالتالىِ تكون قد بلّغِت الست العدرا ، ويوحنا الحبيب ذهب ورأى وبالتالىِ يكون قد أخبر الست العدرا فالإِنسان ياأحبائى الّذى إِيمانه أكيد يكون إِيمانه لا يحتاج إِلى مَنْ يُثبِت له ، أمّا الإِنسان الشاكِك فإِنّهُ فِى كُلّ حين يحتاج أن يسمع عن شىء يثُبِت له ، فيسمع عن صورة بتنّزِل زيت فيذهِب ليراها لِكى يؤمِن بالله ، ويسمع عن سيّده يدها بِتنّزِل زيت فيذهِب إِليّها فِى بيتِها حتى يكون عِنده إِيمان بالله ولِكى يزيد ثِقته بالله ، ولكِن الله يقول ] طوبى للّذين آمنوا ولمْ يروا [ فلنفرِض أنّ هذهِ الصورة خطأ فهل إِيمانىِ خطأ ؟ ، فأنا عِندى أكبر مُعجِزة وهى أنّ المسيح على المذبح كُلّ يوم ، فهل يصِح أن أبحث عن أمور أُخرى ؟! فربّ المجد يسوع عِندما كان على الأرض لمْ يقصِد أن يصنع مُعجِزة فهو لا يُريد أنّ الناس تؤمِنْ بهِ على مُستوى المرئيّات أو تتبعهُ لأنّهُ بطل أو لِكى يظهر أنّهُ صاحِب أمور خارِقة 00لا أبداً ، فالإِنسان الّذى يشُك فِى رِعاية ربنا لهُ وفِى قُدرتهِ فهذا أمر صعب جِداً 0
2- رِعاية ربنا يسوع بالأفراد:-
فربنا يسوع ظهر للتلاميذ مُجتمِعين ولمْ يكُن معهُم توما ، ولأنّهُ تغيّب فإِنّ ذلك هو ذنب توما ، ولكِن ربنا يسوع بِيرعى كُلّ واحِد ويظهر لهُ خصّيصاً ، وعِندما ظهر لمريم المجدليّة قال لها ] إِعلِمىِ التلاميذ وبُطرُس [فلِماذا يؤكّد على بُطرُس ؟
لأنّ بُطرُس مِنْ وقت قريب جِداً نكرهُ ، فهو بيظهر لهُ كراعىِ حقيقىِ ، الإِيمان ياأحبائِى هام جِداً فِى حياتنا الروحيّة ، الجسد وَ الدم بِدون إِيمان لاَ يُمكِن إِستيعابهُم ،الحياة الأبديّة ووجود الدينونة ومُجازاة الأشرار ومُكافأة الأبرار كُلّ هذا لا يُمكِن إِستيعابه بِدون إِيمان ولِذلك ربنا سمح أنّ [ هذهِ الغلبة التّى نغلِب بِها العالمْ إِيماننا ] ، وإِلاّ حياتنا ستفقِد أعمِدتها ، وبِذلك سيكون بيتنا ضعيف ، فالحياة المسيحيّة هى مُعجِزة ، هى أمر يفوق الإِدراك والتصّور العقلىِ ، ولِذلك ياأحبائىِ الإِنسان الّذى عِندهُ شك فإِنّهُ يكون مُدمِر فِى حياته ويُريد أن يلتمِس الإِيمان بِمستوى المحسوسات ولِذلك نجِد ربنا فِى العهد القديم كان يقول لِموسى النبىِ هل الماء الّذى عِندكُم مُر ؟! نعم يارب ، إِضرب يا مُوسى فِى الماء جِزع شجرة يتحّول إلى ماء حلو00إِيمان00وفِى مرّة أُخرى يقول لمُوسى : مُحتاجون لِماء ؟! نعم يارب ، إِضرب يا موسى الصخرة فتُخرِج لك ماء ، فقد كان مِنْ المُمكِن أنّ موسى النبى يكون مُترّدِد فِى بعض الأوقات ويقول أمِنْ هذهِ الصخرة يخرُج ماء ! ولكِن كان عِندهُ إِيمان بِقُدرة الله تخيّل إِن ربنا قال لموسى أن يصنع حيّة نُحاسيّة وعِندما يُلدغ أحِد مِنْ الشعب مِن الحيّة وينظُر إِلى الحيّة النُحاسيّة المرفوعة فإِنّهُ يُشفى ، فربنا يقول أنا قاصِد أن أعمل عمل بِيعتمِد على الإِيمان فقط ، فقد كان مِنْ المُمكِن يضع عِلاج لِمنْ يُلدغ بالحيّة ، ولكِن الحيّة هى التّى تكون سبب لِشفاءةِ ، هذا أمر يفوق المنطِق ، ولِكى يختبِر الإِيمان بِفعل غير منطقىِ والإِنسان الّذى يحِس أنّهُ يوجِد عِندهُ شك فِى حياته فهذا الشك سيجعلهُ لا يُثمِر ، ولِذلك [ فالإِيمان هو الثقة بِما يُرجى والإِيقان بأمورٍ لا تُرى ] الشك يجعل الإِنسان يقول : ما الّذى يضمِن لىِ وجود الدينونة فنحنُ[ نأكُل ونشرب وغداً نموت ] ، فالإِنسان الّذى يشُك فِى أبديتةِ فإِنّهُ لا يُحِب أن يُجاهِد على الأرض ولكِن هذا الأمر يحتاج لإِيمان ، فعِندما يقول لنا ربّ المجد يسوع [ بيعوا أمْتعَتكُمْ وأعطوا صدقة وأصنعوا لكُمْ أكياساً لا تُبلى وكنزاً فِى السماوات لا يفنى ] ، فإِنّ هذا الأمر يحتاج لإِيمان فربنا جعل الإِيمان هو الإِختبار الحقيقىِ للحياة المسيحيّة ، فلو عِشنا فِى شك فسنجِد حياتنا مملوءة تعب ، وأنت الآن فِى القُدّاس إنتبه فكمْ مرّة الكنيسة تقول " أؤمِن " ، ولا يبدأ القُدّاس إِلاّ " بالحقيقة أؤمِن " ، والشعب يقول " حقاً نؤمِنْ " ، " نؤمِن ونعترِف ونُصدّق " ، وأبونا يقول " آمين آمين آمين أؤمِن أؤمِن أؤمِن " ، لأنّ الكنيسة مبنيّة على الإِيمان[ لأنّ بِدون إِيمان لا يُمكِن إِرضاؤة ] ، فإِن لمْ تؤمِنْ بِقُدرتهِ فلنْ تستطيع أن تتلامس معهُ فلِماذا ربنا سمح أن يحضر وتوما يارب لا يستحِق ؟ فهل هو بِيتحدّاك ويقول لابُد أن أضع إِصبعىِ فِى أثر المساميروَ إِلاّ لاَ أؤمِنْ ، ولكِن يأتىِ إِليهِ ربنا يسوع ويقول لهُ[ هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا] ، كما يقول الكِتاب[ قصبة مرضوضة لا يقصِف وفتيلة مُدّخِنّة لا يُطفأ ] فلن يترُكك00لن يُهمِلك رغم ضعفك ، فهو بيتعامل مع كُلّ أحد بِحسب مُستواه ، ويتعامل مع كُلّ إِنسان فينا بِمستوى قبوله لهُ ، وبِحسب طاقتهُ الروحيّة التّى بِداخلهِ ولِذلك يجِب أن تكون مِثل قامِة الست العدرا التّى لمْ تذهِب ، أو قامِة يوحنا الحبيب الّذى رأى وآمنْ ، أو بُطرُس الرسول الّذى رجع مُتعجِباً ممّا كان ، أُنظُر موقِف تلميذىّ عمواس ، فهُم فكّروا يرجعوا إِلى بلدِهِم ويترُكوا الدعوة والإِختيار فوجدوا واحِد إِقترب منهُم ، فهو الّذى يذهب إِليّهُم ويشرح لهُم ويُعلِن لهُم عن ذاته ، فحّتى الإِنسان المُتأخِر والبطىء القلب يذهب إِليهِ 0
مُبارك ربنا يسوع المسيح الّذى يتعامل مع الإِنسان بِحسب طاقتهِ ، لأنّهُ هو العارِف بِضعف الإِنسان ، بيتعامل مع كُلّ نِفَس بالمستوى الّذى يُناسِبها ، فيتعامل مع المجدليّة بالمستوى الّذى يُناسِبها ، ويتعامل مع يوحنا بالمُستوى الّذى يُناسِبهُ فيوحنا عِنده حُب كِفاية ، فعِندما يذهِب للقبر ويجِد (1) القبر مفتوح ، (2) والأكفان موجودة ، فإِنّ هذا يكفىِ ليوحنا ، ويقول لنا الكِتاب [ فرأى وآمَنْ ] ، نرى المريمات فلا توجِد ولاَ واحدة ذهبت للقبر إِلاّ وقد حدث لها ظهور لأنّهُم فِى مُستوى غير مُستوى يوحنا الحبيب ، وربنا يقول أنا أيضاً أُساعِد أولادىِ ، فلنفرِض أنّ إِبنىِ ضعيف فهل أترُكهُ ؟! كلاّ وبقيّة التلاميذ الّذين لمْ يأتوا للقبر يقول الرّبّ أنا أذهب لهُم ، كما يقول القُدّاس" كراعٍ صالح سعيت فِى طلب الضال ، كآبٍ حقيقياً تعِبت معىِ أنا الّذى سقطت أنت الّذى أرسلت لىّ الأنبياء مِنَ أجلِى أنا المريض " ، فهو يذهب ويتعامل مع كُلّ واحِد بالمُستوى الّذى يُناسِبهُ فربنا عارِف أنّ المريمات ضُعاف وعِندهُم عاطِفة ويكفىِ أنّهُم ذهبوا فِى الفجر للقبر ، فمريم المجدليّة حضرت زلزلة الحجر ورأت هذا المنظر " متى 28 : 1 – 5 " ، وكلّمها الملاك ولكِن ربنا يعرِف أنّ هذا المنظر لا يكفىِ ، فظهر لها ربّ المجد يسوع وأمسكت بقدميهِ وسجدت لهُ ، وقد ذهبت مرّة أُخرى ولمْ تجِدهُ فشكّت وجلست تبكىِ فنظرت ملاكين فِى القبر بِثيابٍ بيضٍ جالِسين ، فقالت لهُما [ أنّهُم أخذوا سيّدىِ ولستُ أعلم أين وضعوه ] فهى مُعتقِدة أنّها كُلّما ذهبت للقبر ستراه ، ربنا يسوع عارِف الضعف ويتعامل مع كُلّ أحد بِحسب مستواه الخاص فلا يُعطينىِ فوق طاقتىِ ، فمريم المجدليّة نظرت يسوع واقِفاً ولمْ تعلم أنّهُ يسوع ، فناداها وقال لها [ يا مريم ] ، فإِلتفتت إِليهِ وقالت لهُ[ رَبّوُنِى الّذى تَفْسِرُهُ يَا مُعَلّمُ ] 0
3- كِرازة توما الرسول:-
فالتلاميذ قسّموا بعضهُم على أن يذهب كُلّ واحِد منهُم لِمكان مُعيّن فِى العالم للكرازة ، ففِى بعض التلاميذ كان نصيبهُم أن يذهبوا مثلاً لإِيطاليا ، والبعض لِتُركيا ، ومنهُم لِقُبرُص ، فكُلّ واحِد كان نصيبه بلد مُعيّنة ، أمّا توما الرسول فكان نصيبه بلاد فارس وهى ناحية إِيران ، والهند هى مِن أكثر الشعوب بُعد عن الله ، فمُمكِن الشعوب الأُخرى تعرِف ربنا وتسمع عنهُ ولكِن الهِند وبلاد فارس إِلى الآن لهُمْ آلهة أُخرى مِثل النار وكأنّ ربنا يقول لهُ يا توما أنا لمْ أتعب معك بِدون بذل منك ، فرُبّما غيرك لا يوُفّق ، وتوما يتعجّب مِنْ ربنا وكأنّهُ يقول يارب أنا أضعف الرُسل أتختارنىِ أنا ! وكأنّ الإِختيار بالقُرعة ، فعِندما أحبّوا أن يختاروا تلميذ بدلاً مِنْ يهوذا ألقوا قُرعة ، ولِذلك توما لمْ يستطِع أن يُغيّر إِختيار البلد ، وعِندما ذهب توما هُناك ظهر لهُ ربّ المجد يسوع وقال لهُ : إِكرز بالبِشارة ونعمتىِ سوف تُرافِقك فإِبتدأ يكرِز لِناس غريبة الطِباع ، ولِكى ربنا يثبِت لهُ أنّهُ معهُ فإِنّهُ عمل معهُ شىء عجيب جداً ، توما كان شُغله الأول نجّار ، فالملِك أرسل رُسُله لِكى يشترىِ عبيد نجّارين ، فربّ المجد يسوع بِنِفَسه قال لرسول ملِك الهِند أنا عِندىِ إِنسان نجّار وكان ( توما ) وربنا كتب عقد بيعه ، فتوما دخل القصر بِقوّة جبّارة وكرز بالمسيح فِى قصر الملِك وإِبتدأ يجذِب الناس للإِيمان و يُعمّدِهُم ، ويُقيم قُدّاسات فِى داخل قصر ملِك الهِند ، وأكبر حدث هو أنّهُ عمّد إِبن الملِك ، فالملِك إِغتاظ جِداً ، وأحضر توما وقام بِسلخ جلده ، وكان يظهر لهُ ربّ المجد يسوع ليشفيه0وتوما بقدر الشك الّذى كان فيه صار يعمل مُعجِزات ، وإِبتدأ ربنا يتمجِدّ ويرتفِع إِسمه القُدّوس بِتوما الضعيف فربنا يقول لك أنا قادِر أن أُعلِن قُدرتىِ فيه ، أنا قادِر أن أستخدِمهُ بِقليل أو بكثير ، توما إِبتدأ يكرِز فِى داخِل السجن ويُقيم قُدّاسات فِى داخلهُ ، ولازال إِلى الآن توجِد كنائس أرثوذوكسيّة فِى الهِند ، فالكنيسة الهِندوسيّة كنيسة قويّة جِداً ، وتوجِد كاتدرائيّات عظيمة هُناك مملوءة بالمؤمنين ، وكُلّ هذا بِفضل توما الرسول وأحضروا إِليهِ خمسة جنود ربطوه فِى عمود وأحضروا حِراب وكُلّ واحِد مِنْ الجِنود كان يرميه بِحربة إِلى أن جسدهُ كُلّهُ تمزّق ، كُلّ هذهِ تضحية يا توما مِنْ أجل إِلهك ؟! نعم فهذا هو توما الرسول أُنظُروا يا أحبائى كيف أنّ الشك خرج منهُ اليقين أُنظُروا إِفتِقاد ربنا يسوع ، فمِنْ وقت أن تلامس مع ربنا يسوع أصبح عِندهُ إِستعداد بأن يُقدّم نفسه ذبيحة حُب عِند الّذى أحبّهُ يا ليتنا فِى كُلّ مُناسبة ننتفِع بِها فِى حياتنا ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
08 مايو 2021
الرسالة الثانیة عید القیامة في ٢٤ برمودة سنة ٤٦ ش 19 أبریل سنة ٣٣٠ م
لنقتد بالأولین في حفظ العید
إخوتي… هل جاء عید الفصح وحل السرور، إذ أتى بنا الرب إلى هذا العید مرة أخرى، لكي إذ نتغذى روحیًا – كما هي العادة- نستطیع أن نحفظ العید كما ینبغي؟!
إذًا فلنعید به فرحین فرحًا سماویًا مع القدیسین الذین نادوا قبلاً بمثل هذا العید، وكانوا قدوة لنا في الاهتداء
بالمسیح. لأن هؤلاء لیس فقط أؤتمنوا على الكرازة بالإنجیل فحسب، وإنما حتى فحصنا الأمر نجدهم كما هو
مكتوب أن قوته كانت ظاهرة بهم، لذلك كتب (الرسول) "كونوا ممتلئین بي"هذه الوصیة الرسولیة تنذرنا نحن جمیعًا، لأن الوصایا التي أرسلها (الرسول) إلى أشخاص، إنما یأمر بها في نفس الوقت كل إنسان في كل مكان، إذ كان "معلمًا لكل الأمم في الإیمان والحق"على وجه العموم، تحثنا وصایا كل القدیسین على ذلك بالقدوة، وذلك كما استعمل سلیمان الأمثال قائلا : "اسمعوا أیها البنون تأدیب الرب، أصغوا لأجل معرفة بفهم، لأني أعطیتكم تعلیمًا صالحًا، فلا تتركوا شریعتي. فإن كنت ابنًا لأبي غضًا ووحیدًا عند أمي" (أم ١:٤ ). لأن الأب البار یربي أولاده تربیة حسنة، إذ یجتهد في تعلیم الآخرین بسیرته المستقیمة الفاضلة. حتى إذا ما حدثت مقاومة، لا یخجل من سماعه هذا القول "فأنت الذي تعلم غیرك ألست تعلم نفسك" (رو ٢١:٢ )، إنما یكون بالحري مثل خادم أمین یقدر أن یخلص نفسه ویربح الآخرین. وإذ تتضاعف النعمة المعهو دة إلیه یستطیع أن یسمع ذلك القول "نعمًا أیها العبد الصالح والأمین. كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر. أدخل إلى فرح سیدك" (مت ٢١:٢٥
لنسكن سامعین عاملین
لیتنا لا نكون سامعین فقط بل وعاملین بوصایا مخلصنا، فأن هذا یلیق بنا في كل الأوقات وبالأخص في أیام
العید، أننا بإقتدائنا بسلوك القدیسین یمكننا أن ندخل معهم إلى فرح ربنا الذي في السموات، هذا الفرح غیر الزائل بل باق بالحقیقة.هذا الفرح یحرم فاعلو الشر أنفسهم منه بأنفسهم، ویتبقى لهم الحزن والغم والتنهدات مع العذابات…لنرى هؤلاء الذین لیس لهم الافتداء باهتداء القدیسین، لیس لهم الفهم الحقیقي الذي به كان الإنسان منذ البدایة عاقلاً وعلى صورة الله… ماذا یشبهون؟!أنهم بسبب عدم نعمتهم یشبهون بالوحوش التي بلا فهم، إذ صاروا في اللذات الدنسة مثل الحیوانات، كفرسان جامحة لقد دعوا "أولاد الأفاعي"كقول یوحنا، بسبب أهوائهم وأخطائهم والخطیة التي تقودهم إلى الموت، إذ لم یرتفعوا
بأذهانهم عن الأمور المنظورة، بل یحسبون أن هذه الأمور المنظورة هي أمور صالحة، ویسرون بها لأجل خدمة شهواتهم لا الله.
الكلمة المكتوبة توبخ الأشرار
أنه لأجل هذا السبب عینه جاءت الكلمة المحبة للإنسان… تبحث لتجد ما قد فقد، وتطلب أن تصدهم عن
غباوتهم هذه، صارخة قائلة "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام وزمام زینته لكم لئلا یدنو إلیك"
وإذ كان هؤلاء متهاونین ومقتدین بالأشرار، لهذا یصلي النبي في الروح قائلاً بأنهم في نظره كانوا یشبهون تجارفینیقیة ویعترضهم الروح المنتقم ضدهم بهذه الكلمات "یا رب عند التیقظ تحتقر خیالهم"وهكذا إذ یتغیرون إلى شبه الأغبیاء، ینطمس فهمهم… لذلك "بینما یزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء… وكما
لم یستحسنوا أن یبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض لیفعلوا ما لا یلیق". لأنهم لم ینصتوا إلى الصوت النبوي الذي وبخهم قائلاً "فبمن تشبهون الله. وأي شبه تعادلون به؟!"ولا أنصتوا إلى داود الذي صلى من أجل أمثالهم وترنم قائلاً "مثلها یكون صانعوها بل كل من یتكل علیها" إذ صاروا عمي عن التطلع إلى الحق….
لنفرح بالعید بحفظنا الوصایا
والآن فإن أولئك الذین لا یحفظون العید.. هؤلاء مقدمون على أیام حزن لا سعادة، لأنه "لا سلام قال الرب
للأشرار" (إش ٢٢:٤٨ ). وكما تقول الحكمة إن الفرح والسعادة منتزعان عن فمهم. هكذا تكون أفراح الأشرار. أما عبید الرب الحكماء، فقد لبسوا بحق الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله( ٢)، هؤلاء یتقبلون كلمات الإنجیل،ویحسبون الوصایا التي أعطیت لتیموثاوس على أنها وصایا عامة إذ جاء فیها "كن قدوة للمؤمنین في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإیمان، في الطهارة" وهكذا یحفظون العید حسنًا، حتى ینظر إلیهم غیر المؤمنین. ویقولون "إن الله بالحقیقة فیكم"فكما أن من یقبل رسولاً إنما یقبل الذي أرسله هكذا من یسلك على منوال القدیسین یجعل الرب هدفه وقصده في كل شيء، لذلك فإن بولس وهو مرتبط بالمسیح یقول "كما أنا بالمسیح".لأنه توجد أولاً كلمات مخلصنا ذاتها، إذ وهو الإله العظیم قال لتلامیذه "تعلموا مني لأني ودیع ومتواضع القلب.فتجدوا راحة لنفوسكم"كذلك عندما صب ماء في مغسل واتزر بمنشفة وغسل أقدام تلامیذه قال لهم "أتفهمون ما قد صنعت بكم. أنتم تدعونني معلمًا وسیدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت أنا السید والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم یجب علیكم أن یغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطیتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أیضًا"
لنقتد بالرب
آه یا أخوتي، ما أعجب حب المخلص المملوء ترفقًا؟!
بأي قوة، وبأي بوق یلزمنا أن نهتف صارخین ممجدین بركاته علینا؟! فلا نحمل صورته فحسب، بل ونأخذ منه مثلاً ونموذجًا للتعیید السماوي. وكما ابتدأ هو هكذا یلزمنا نحن أن نكمل، فلا نرتعب من الآلام، ولا نشتم من یشتمنا، بل نبارك لاعنینا. ونسلم أمورنا في كل شيْ لله الذي یقضي بعدل لأن أولئك الذین طبعوا على هذا، وشكلوا أنفسهم حسب الإنجیل، یكونون شركاء مع المسیح، وممتثلین بالتحول الرسولي، الذي على أساسه یصیرون مستحقین للمدیح منه، ذاك الذي مدح أهل كورنثوس عندما قال فأمدحكم أیها الإخوة على أنكم تذكرونني"
لنتمسك بالتقلید ولیس بتعالیم الناس
هؤلاء الأشرار لا یتخفون فقط من جهة الظاهر حاملین كقول الرب ثیاب الحملان، ظاهرین كقبور مبیضة، بل وینطقون بالكلمات الإلهیة بینما دوافعهم الداخلیة شریرة. وأول من أخذ هذه الصورة هو الحیة، التي نفثت بالشر منذ البدایة، فتحدث الشیطان (عن طریقها) مع حواء خادعًا إیاها. وجاء بعد ذلك أولئك الذین یبعثون بالهرطقات الباطلة، فیستخدمون كلمات الكتاب المقدس، لكنهم لا یتمسكون بما تسلمناه من القدیسین، ناظین إلى أن ما یتسلموه من القدیسین هو من تقالید الناس. هذا خطأ، إذ هم لا یعرفون
من هم القدیسین ولا ما هي قوتهم؟! لذلك بحق مدح بولس أهل كورنثوس، لأن أفكارهم كانت متفقة مع التقالید التي سلمهم إیاها وقد وبخ الرب بحق الیهود قائلاً لهم "وأنتم أیضًا لماذا تتعدون وصیة الله بسبب تقلیدكم؟!. وذلك لأنهم غیروا الوصایا التي استلموها من الله بحسب فهمهم مفضلین إتباع تقالید الناس.
بعد هذا بمدة قصیرة أصدر بولس الطوباوي توجیهاته إلى أهل غلاطیة الذین كانوا في خطر من هذا، كاتبًا لهم یقول "إن كان أحد یبشركم بغیر ما قبلتم فلیكن أناثیما"
الفرق بین التقلید وتعالیم الناس
لا توجد صداقة بین كلمات القدیسین والأوهام التي من خلق البشر، لأن القدیسین هم خدام للحق، كارزین بملكوت السموات، أما هؤلاء الذین یسلكون في اتجاه مضاد، فأنه لیس لهم سوى أن یأكلوا ویفكروا فیما سینتهي، قائلین"لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت"( ٥). لذلك ینتهر لوقا الطوباوي ما هو من خلق الناس مسلمًا إیانا ما هو مروٍ منالقدیسین ذاكراً في بدء الإنجیل "إذ كان كثیرون قد أخذوا بتألیف قصة في الأمور المتیقنة عندنا كما سلمها إلینا الذین كانوا منذ البدء معاینین وخدامًا للكلمة. أ ریت أنا أیضًا إذ تتبعت كل شيء من ألأول بتدقیق أن أكتب على التوالي إلیك أیها العزیز ثاؤفیلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به
فكل قدیس من القدیسین یتسلم التقالید یساهم بغیر تحریف أن یثبت تعالیم الأسرار.لذلك فأن الكلمة الإلهیة تطالبنا بالتلمذة على یدي هؤلاء فهم معلمون لنا بالحق، ولهؤلاء وحدهم یلزمنا أن نصغي، لأن لهم وحدهم "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول" هؤلاء لیسوا تلامیذ لأنهم سمعوا من الآخرین بل هم شهود عیان وخدام للكلمة إذ سمعوا منه ما قد سلموه. فالبعض منهم یتحدث عن الأعمال العجیبة التي صنعها مخلصنا مبشرین بلاهوته السرمدي، والبعض كتب عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن عید الفصح المقدس قائلین "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا"حتى أننا نتذكر كأفراد وكجماعة، فتتذكره كنائس العالم جمیعها، كما هو مكتوب أن المسیح قام من الأموات، هذا الذي من نسل داود، كما جاء في الإنجیل. لیتنا لا ننسى ما قد سلمه… أي عن قیامة الرب، إذ یقول عنه أنه أباد الذي له سلطان الموت أي الشیطان وأنه أقامنا معه، إذ حل رباطات الموت، ووهبنا بركة عوض اللعنة، وأعطانا الفرح عوض الحزن، وقدم لنا العید عوض النوح، ذلك في الفرح المقدس الذي لعید القیامة، العید الدائم في قلوبنا، إذ نفرح به على الدوام كأمر بولس"صلوا بلا انقطاع اشكروا في كل شيء" وهكذا لا نتغافل عن أن نقدم التعالیم في هذه المواسم كما تسلمنا من الآباء.
مرة أخرى نكتب لكي نحفظ التقالید الرسولیة، مذكرین بعضنا بعضًا بالصلاة، حافظین العید معًا بفم واحد،
شاكرین الرب بحق.وهكذا إذ نقدم الشكر للرب مقتدین بالقدیسین، فأن لساننا یمجد الله الیوم كله كقول المرتل وإذ نحفظ العید كما ینبغي نتأهل للفرح الذي في السماء.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
07 مايو 2021
القيامة وتحقيق الوعود
تضمّنت كلمات السيد المسيح لتلاميذه وعودًا كثيرة فرحوا بها جدًا، رغم حديثه عن آلامه وآلامهم، فمثلًا يقول لهم: «الحق الحق أقول لكم: إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20)، وأيضًا قولهك «وقبل هذا كله يضعون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وولاة لأجل اسمي، فيؤول لكم ذلك شهادة» (لو21: 12). ولكن وعدهم بوعود كثيرة مثل: «أنا هو القيامة والحياة، مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25)، ويقصد هنا الحياة الأبدية التي أعدّها الرب بقيامته المُحيية ودخوله الملكوت سابقًا لنا ليُعدّ لنا مكانًا معه. كذلك مع الآلام التي تكلّم الرب عنها بأنها ستنال المؤمنين، بدءًا من التلاميذ وبقية العهود التالية لهم يقول: «ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20)، وأكّدها الرب بقوله: «أراكم فتفرح قلوبكم» (يو16: 22).وهذا هو رجاؤنا دائمًا، أننا في الآلام نرى يد الله تعمل، ثم نرى الله واضحًا في الحلول التي تحدث عمليًا. ومن هنا نرى أن الوعود الإلهية صادقة، وتتم كما تمت في أحداث القيامة والصعود. فحين التقت مريم المجدلية مع الرب القائم من بين الأموات قال لها: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو20: 17). ومع خبر القيامة والصعود يتضح وعدان مهمان من وعود الرب: الأول هو عطية البنوة للآب السمائي، لأن ابن الله قد تجسد ليشابهنا، وتألم بجسم بشريتنا ليعبر بنا إلى الحياة من موت الخطية، ومن عبيد إلى أبناء، لذلك يقول «أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم»، أي أن أباه صار أبًا لنا، وإلهنا صار إلهًا له إذ شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، وبقيامته المجيدة جعلنا نشابهه بحياتنا الأبدية التي صارت لنا بقيامته أيضًا. وتتوالى وعود إلهنا الصالح بقوله: «من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (يو6: 54-56)، ذلك لأن مَنْ يتناول من الأسرار المقدسة يثبت في المسيح فينال الحياة معه إلى الأبد، وهكذا قال القديس بولس: «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا» (في1: 23)، وهذا يدلّ على ارتباط الحياة الأبدية بحياة المسيح له المجد، فهو أول مَنْ دخل إلى الأقداس مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا (رو9: 12).من كل هذه الوعود ندرك لماذا قال المزمور: «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونتهلّل فيه» (مز118: 24). فهو يوم جديد انتظرته البشرية لتدرك الحياة الأبدية، لذلك يقول يوحنا البشير: «ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو20:20)، لأنهم رأوه في مجد القيامة ودخل إليهم والأبواب مُغَلَّقة. وسَبَقَت وعود الرب في القيامة حديثه عن التوبة كأحد صور القيامة في حياة المؤمن حيث قال: «أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى توبة» (لو15: 7). والقصد هنا من أبرار لا يحتاجون إلى توبة في أعين أنفسهم، لأن الإنسان طالما في الجسد يحتاج إلى توبة كل لحظة. وهنا التوبة هي عودة المفقود بالخطية إلى الوجود مع المسيح، وهذه هي القيامة من الخطية كموت. فلقد دخلت الخطية إلى العالم بإنسان (آدم الأول) وبالخطية الموت (رو5: 12) «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع»، (رو5: 15) «ولكن ليس كالخطية هكذا أيضًا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين»!.. ونشكر الله على نعمة القيامة الأبدية.
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
06 مايو 2021
شخصيات الكتاب المقدس إمرأة لوط
«ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح»
مقدمة
لست أظن أن هناك نصبًا تذكاريًا أعجب أو أغرب أو أصدق أو أقدم من جثمان امرأة انتصب في الطريق وتجمد على هيئة عمود ملح، وكانت المرأة كما نعلم امرأة لوط منذ قرابة أربعة آلاف عام ما بين سدوم وعمورة وصوغر على مشارف البحر الميت في فلسطين!! والنصب التذكارية تهز في العادة وجدان الإنسان، وتثير فيه أعمق المشاعر، وأصدق الأحاسيس وأقوى الانفعالات، وهل يمكن أن يقف الإنسان مثلاً من نصب الثلاثمائة اسبرطي الذين سقطوا في معركة ترمبولي ويقرأ المكتوب: أيها المسافرون أذهبوا وقولوا لاسبرطة إننا متنا هنا طوعًا لقوانينها المقدسة، دون أن يحيي بإعجاب الجنود الأبطال الذين وقفوا في وجه الغزاة على هذا النحو المثير الرهيب! وهل يمكن أن نرى مئات أو آلاف النصب الموزعة هنا وهناك في أرجاء الأرض على مر التاريخ، وهيو تحكي ما لا ينتهي من قصص المغامرات والبطولات والمآسي والأمجاد بين بني البشر دون أن تتعلم وتتحكم وتتعظ! على أنه وإن كانت بعض صور المسخ أو الغفلة أو التزييف أو ما أشبه تلحق بالكثير من هذه النصب فتكون أشبه بما تخيله الكاتب الساخر المعروف برنارد شو، عندما صور انجلترا، وقد اختارت جثة واحد من المشوهين تمامًا في الحرب ودفنته في تكريم لائق في قبر الجندي المجهول وشادت له النصب الخاص بذلك، ولدهشة الانجليز وجدوه يتكلم اللغة الألمانية، اذا كان واحداً من الجنود الألمان الذين سقطوا قتلى بين الإنجليز،... إلا أننا في قصة اليوم سنسمع الشهادة الحقة، من يسوع المسيح نفسه عندما قال: اذكروا امرأة لوط!!... ومن الغريب أن الانسان لا يحتاج للذهاب إلى البحر الميت ليرى هذا النصب التذكاري العجيب، اذا أنه ينتصب في العادة في كل مكان وزمان، في صورة أي إنسان تأتيه الظروف الطيبة في باديء الأمر، فيتعلق بها، ويسير معها ولكنه لا يلبث أن يتحول عنها منجذبًا وراء باطل هنا أو غرور هناك، وقد أحب المسيح الشاب الغني الذي سار أول الأمر على أروع ما يكون المثال، إلا أنه ودعه آخر الأمر بالنظرة الباكية الحزينة لأنه كان ذا أموال كثيرة وقفت كالعثرة الكأداء في مجده الأبدي!!...، وعاشت امرأة لوط لتكون الصورة عينها، لمن بدأ حسنًا ولم تقطع الشوط كله، فصارت عبرة، تروي، وستروي حتى تنتهي الأرض وما عليها، عندما يأتي المسيح في مجيئة الثاني العظيم العتيد!!.. وها نحن نتابع قصتها فيما يلي:
المرأة والبداءات الحسنة
لا يذكر الكتاب المقدس شيئًا عن حياة هذه المرأة قبل أن تتزوج لوطا، لكن الرأي الراجح أنها لم تكن من أهل سدوم وعمورة، وأنها جاءت مع لوط من أور الكلدانيين لأن لوطا قضى في سدوم وعمورة ما يقرب من عشرين عامًا، وهذه المدة لا يمكن أن تكون كافية ليتزوج فيها وينجب، ويصاهر، ويبقى معه في بيته أصغر ابنتين غير متزوجتين، وتصلحان للحياة الزوجية، اذن فهذه المرأة جاءت مع إبراهيم وسارة ولوط، فهي أحد أعضاء القافلة العظيمة المقدسة التي خرجت من أور الكلدانيين، تنشد غاية من أعظم الغايات التي وضعت أمام الإنسان في الأرض، ولم يكن خروج إبراهيم من أور الكلدانيين بدافع الظن أو الوهم أو الخيال، بل على العكس كان مدفوعًا برؤيا حقيقية مجيدة أو كما يقول استفانوس: «ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو فيما بين النهرين».. وما من شك بأن هذه الرؤيا، لم تسيطر على إبراهيم وحده، بل استولت على الذين كانوا معه، ومن بينهم امرأة لوط، فالمرأة بهذا المعنى، كانت تنتسب إلى عائلة، لا شبهة في أنه لم يكن هناك على ظهر الأرض في ذلك الوقت من هو أسمى منها وأعظم وأقدس، فاذا تصورناها نهرا مثل هذا المنبع الصافي الرقراق، كان لنا أن نتصور المجرى يندفع في جلال وفخامة وعظمة، قل أن يكون لها نظير ومثيل، ومن المتصور جدًا أن المرأة استمعت مع لوط زوجها إلى الكثير من التعاليم من أبينا إبراهيم، بل ومن المتصور أيضًا أنها أخذت الكثير من مباديء سارة في تقديم المحرقات وعواطفها، هذا إلى جانب شركتها، كواحدة من العائلة في تقديم المحرقات والذبائح التي كان يقدمها ابراهيم على المذبح أمام الله، كانت المرأة أذن ذات بداءات واضحة في الرؤيا والإيمان والتعليم والعبادة والخدمة والحق.
المرأة والتجارب الزاحفة
على أنه إلى جانب هذه كلها، كانت هناك سلسلة من التجارب تزحف على قلب المرأة، وتأخذ سبيلها إلى هناك، لتسكن وتبقى وتتأصل وتتزعزع، ولعل أول هذه التجارب، تجربة الحسد، اذ ترى إبراهيم ينمو في كل شيء، ويتضاءل لوط إلى جانبه، ولا يكاد يظهر أو يبين فثروة إبراهيم، ومركزه، ومجده، وعظمته لا تكاد في تصورها، تعطي لابن أخيه شيئًا من هذا القبيل، ومهما أخذ لوط فانه يقع على الدوام في الظل، أو الظلام، مما لا تستطيع تقبله أو تصوره على الإطلاق، وويل للإنسان اذا بدأ قصته بالحسد، اذ تختل فيه كل الموازين ويخشى أنه لا يستطيع أن يحكم على شيء واحد حكماً صادقًا سليمًا، فاذا قيل لها إن إبراهيم، هو الأب، وهو الأصل، وهو الذي جاء بلوط، ولم يأت لوط به، وانه صاحب الفضل على لوط في كل شيء! فانها ترفض هذا المنطق، ولا تعترف بأصل أو فضل، بل لعلها ترى العكس، على اعتبار أن إبراهيم شيخ مسن، وأن لوط هو الأصغر، وأن أمامه الحياة والدنيا والمستقبل، وهو الأجدر بأن يأخذ كل شيء دون منازع، والحسد اذا بدأ في النفس، لا يبقي هناك وحده بل يجر وراءه كثيرًا من الرذائل والمفاسد! وقد جر إلى نفس هذه المرأة وزوجها رذيلة الطمع التي أوجدت المخاصمة بين رعاة مواشي إبراهيم ورعاة مواشي لوط، ولم تكن عين لوط وحدها هي التي رأت كل دائرة الأردن أن جميعها سقي كجنة الرب كأرض مصر، بل لعل لوطا أطل على الأرض، من خلال عيني زوجته أو على الأقل وجد منها كل تشجيع ومساعدة لنقل خيامهما إلى سدوم، بهدف الوصول إلى الثروة التي ان لم تكن أعظم من ثروة إبراهيم، فلا يمكن أن تكون أقل بحال من الأحوال، وقد صدق الكتاب عندما ربط بين الطمع وعبادة الأوثان في قول الرسول بولس: «الطمع الذي هو عبادة الأوثان» وقد كان من الصعب أو المستحيل على هذه المرأة أن تعبد الله، عبادة قوية صادقة خالصة، وتعبد في الوقت نفسه المال، أو تخدم السيدين معًا، وهي في الواقع واحدة من ذلك الصف الطويل في ركب البشرية الذي تم فيه القول: «لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة!!»... ويوم أكثرت قطعانها السارحة في أرض سدوم، قلت رؤياها لله، أو كانت هذه القطعان بمثابة الغيمة الكبيرة في سماء الشركة بينها وبين الله، والطامعون في العادة لا يقفون عند حد ولا يقبلون أن يكون المال هو الشيء الوحيد، فقد كانت المرأة تطمع في شيء آخر، المجد والشهرة والمركز العالمي، وهي لهذا لا تقبل أن تقف على أبواب سدوم، بل لابد أن تدخل داخل أسوارها، وهي لا تقف في الطرف من سدوم، بل لابد أن يكون بيتها في أفضل مكان هناك، وقد تم للمرأة ما طلبت اذ ظلت وراء زوجها تدفعه خطوة فخطوة، حتى أصبح يجلس في باب سدوم، وهذا لا يمكن أن يفعله أحد الا اذا كان عمدة سدوم أو حاكمها كما يعتقد الكثيرون من الشراح، تفسيرًا للقول الذي ذكره أهلها عنه: «جاء هذا الإنسان ليتغرب وهو يحكم حكمًا» كانت المرأة تطرب غاية الطرب، لمن يناديها بزوجة العمدة أو زوجة الحاكم في سدوم، وعلى استعداد أن تدفع الثمن الذي يدفعه الباحثون عن الشهرة والمجد العالمي، ألا ويل للإنسان من هذه الضربة القاسية التي يدفعها من حق وحياة وكرامة وسلام على قرعات كاذبة من الطبل الأجوف بين الناس، ويوم فعل الحسد والطمع والبحث عن الثروة والشهرة عمله في قلب امرأة لوط، لم تعد تفكر في مبدأ، أو تهتز لخطأ، أو تفزع لرذيلة، فلا بأس على بناتها أن يتزوجن أشر الناس ولا بأس على زوجها أن يغلب من سيرة الأردياء، ويعذب نفسه كل يوم بأعمالهم الآثمة، ولا بأس عليها أن تأكل وتشرب وتعيش في مثل هذا المجتمع، ولا يمكن أن ترجع قط إلى خيام إبراهيم على مقربة منها، وما لها وهذه الخيام البدوية، وهي تعيش حياة أكثر رفاهية، وكيف تقبل الخيمة، وقد ألفت البيت المريح، وكيف تسكن إلى حياة البادية، وقد عرفت أبهاء القصور وعظمتها،... أليس هذا ما يفعله ملايين الناس، الذين يقيسون الحياة بمقاييس مادية بحتة، ويذهبون إلى سدوم، مادام يمكن أن يملكوا بيتًا عصريًا وسيارة ورصيدًا في بنك، ويأخذوا بكل وسائل الترف والترفية، التي تخطر على بال إنسان، أما الأخلاق أو المباديء أو المثل، فلا شأن لهم بها، اذ كانت لا تملك أن تعطيهم لقمة دسمة، وفراشًا ناعمًا، وحياة وثيرة، وعيشًا هنيئًا كما يحلمون، ويحلم إنسان العالم على الدوام على هذه الأرض!!.
وهل رأيت بعد هذا كله كيف زحف الحسد، والطمع، وحب الشهرة، والمركز، وحياة الترف إلى قلب هذه المرأة، التي لم تدخل إلى سدوم لتسكن فيها فحسب، بل دخلت سدوم بأكملها في قلبها، وأصبحت هي وسدوم شيئًا واحداً في الطبيعة والمصير!!
المرأة والخسارة الفادحة
وما أكثر ما توالت على المرأة وزوجها وبيتها من خسائر فادحة في مدينة سدوم، ولعل أولى هذه الخسائر كانت الراحة المفقودة، لقد أخذت كل شيء، ولكنها مع ذلك لم تأخذ الراحة، ألم يقل الرسول بطرس عن لوط: «مغلوبًا من سيرة الأردياء، في الدعارة اذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة».. أو في لغة أخرى أن لوطا لم يعرف الراحة قط في يوم من الأيام في المدينة الشريرة التي انتقل إليها، وهو يظن أنه سيسعد ويستريح، وكيف يمكن أن يسعد من يستبدل أحلى الترانيم بأشر الأغاني، ولغة البركة بأقسى اللعنات، وصلاة الحمد بأنين التذمر!... أن سدوم وعمورة ومدن الدائرة، لم تكن تعرف في يوم من الأيام إلا الصراخ والآنين والألم والتعاسة والشقاء، في قلب ما تتصور أنه الضحك والترنم والبهجة، إذ لا سلام قال إلهي للأشرار، ولذا لا عجب أن يقول الله لإبراهيم «إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جدا....» إن سلم الراحة على الدوام له ثلاث درجات متصاعدة، الدرجة الأولى، درجة الماديات، حيث يأخذ الإنسان حظه المادي في الأرض، وأعلى منها الدرجة الأدبية، حيث يرتفع الإنسان فوق المادة إلى عالم الأدبيات والمعنويات من كرامة وعزة واعتبار وفضيلة وشرف وما أشبه، والدرجة الأعلى والأسمى، الدرجة الروحية، حيث يسير في شركة أسمى وأعلى من كل ما تقدم الأرض، وحيث يأخذ أجنحة النسور، ليعلو على كل أجواء الدنيا الخانقة القاتلة، ويوم يفقد الإنسان ما هو أعلى من درجات، لن تسعفه الدرجة الدنيا بالراحة، مهما أخذ فيها واتسع وملك! كما أن امرأة لوط خسرت شيئاً آخر، إذ خسرت عظة الملائكة، ويبدو أن الله أرسل لها هذه العظة، بعد إن فقدت عظات زوجها كل أثر في حياتها، اذ يبدو أنها كانت تنظر إلى كلماته ونصائحه، كما نظر أصهاره إلى ما قال، وكان كمازح في أعينهم، وشاء الله أن يرسل لها ملاكين يعظانها، عن الخراب الوشيك الرهيب الذي سيقع على المدينة، ولكن تأثير العظة كان وقتيًا وإلى لحظات، فما أسرع ما فقدت الرسالة تأثيرها، وما فعله الملاكان عند بابها بضرب السدوميين بالعمى، وهي مثل كثيرين الذين يمكن أن يقال لهم عند ما تخلو حياتهم من زيت النعمة: لو أننا نتكلم بألسنة الناس والملائكة، فما أنتم بسامعين أو منصتين لأن حياتكم منزعة بالماديات، وآذانكم مشغولة، عن سماع رسالة الحياة، بضجيج هذا العالم وصراخه!! وجاء في أثر هذا ايضًا، خسارة أولادها الذين بقوا في سدوم، وبناتها وأصهارها، والعار الذي لحق بالخارجتين من المدينة أيضًا، وهي خسارة أقسى وأشر، من كل خسارة مادية، وقد يستطيع الإنسان أن يعوض في المدى البعيد أو القريب كل خسارة مادية، ولكنه يعجز أبدًا عن تعويض خسارة الأرواح الضائعة في الحياة الحاضرة أو العتيدة أيضًا، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله، وخسر نفسه، أو ماذا يعطي فداء عن نفسه! على أنه من المثير حقًا، أن المرأة فقدت إلى جانب هذا كله ما سعت وشقت وتعبت في الحصول عليه، إذ فقدت الثروة بأكملها، والشهرة بأكملها، والنفوذ بأكملها، لقد تحول كل شيء أطلالا وأنقاضًا، سعى إليها اليوم والغربان وبنات وآوي، ومن المؤكد أنها لم تجد شيئًا الا الدمار والخراب، وآخر الكل فقدت المرأة نفسها، وسواء كان هذا بسبب الشك الذي ربما تسرب إليها، آذ قطعت شوطًا طويلاً بعيداً عن المدينة، دون أن يحدث هذا الانقلاب الذي حدث عن شروق الشمس في الصباح، أو لأنها أمتلأت بالحزن والحنان والأسى، على ما تركته هناك في المدينة من أحياء وأموال، أو لأنها لم تستطع أن تدرك للحياة معنى بعد أن فقدت كل شيء، سواء كان الشك أو الحنان أو اليأس، أو جميعها مجتمعة معًا، فان المرأة لم تنتفع على الإطلاق بما سارته من شوط طال أو قصر في طريق الخلاص، وتساوت مع أهل سدوم، رغم البداءات الحسنة في سيرها، من أور الكلدانيين، وفي صحبة إبراهيم وفي خروجها مع زوجها، وبنتيها والملاكين، فيما يشبه الركض على الطريق! وكل هذا لأنها نسيت ما ينبغي أن يعلمه الكل من أن الشوط ينتهي بصوغر، وأن المتخلف الذي يتراجع في الدقائق الأخيرة عن الوصول إلى صوغر، ستلحقه الكارثة والضياع والخراب، ولا فرق بين الاثنين، ما دام كلاهما لم يخرج بعد من دائرة الأرض التي دمرتها الخطية وقلبها الله!
هل لنا بعد ذلك كله، أن نذكر أن المرأة، وقد أفزعت ولاشك زوجها وبنتيها، وهي تتحول فيما يشبه الصاعقة أمام عيونهم، إلى عمود ملح، يرنو بعينين فقدتا النور والضياء، إلِى مدينة سدوم، هل لنا أن نذكر، بأنها قد جعلت بهذا المعنى عبرة لجميع الأجيال، كما أضحت سدوم وعمورة سواء بسواء، وأنها ستبقى هكذا حتى يأتي المسيح حسب قوله الصادق الأمين المبارك «هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان في ذلك اليوم من كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء. اذكروا امرأة لوط...»!.
المزيد
05 مايو 2021
القيامة تعزية ورمز
أهنئكم بعيد القيامة المجيد ، راجياً فيه لكم جميعاً مباركة سعيدة وراجياً لبلادنا كل خير وسلام 0
تكلمنا فى كل عام من الأعوام السابقة عن جانب معين من جوانب القيامة وفاعليتها فى حياتنا 0 ونتابع اليوم تأملاتنا فنقول :
1-إن كلمة القيامة كلمة جميلة ، فيها تعزية للقلوب 0
ولا شك أن قيامة المسيح كانت معزية لتلاميذه ، وكانت لازمة لهم ، لتثبيت إيمانهم 0ولبناء الكنيسة 0 0 وأتذكر إننى فى هذا المعنى ، كنت منذ أكثر من أربعين سنة ، قد كتبت قصيدة قلت فى مطلعها :
قد حطـم الشيطان لا تبق لدولته بقيـــة
قد نفذ الأرواح مــن قبر الضلالة والخطـية
قـــم روع الحــــراس وابهـــرهم بطــلعتك البــهــــية
قم قو إيمان الرعــاة ولم اشتات الرعـية
واكشف جراحك مقنعاً توما فريبته قويـــة
واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
وقد كان هذا ، وفى قيامة السيد المسيح ، عزى تلاميذه ، وفرحوا بقيامته ، وآمنوا بالقيامة ، وبأنها ممكنة ، وآمنوا أنهم أيضاً سيقومون بعد الموت ، فمنحهم كل هذا عزاء فى حياتهم وعدم خوف من الموت على أنى أريد اليوم أن أطرق موضوع القيامة من ناحية أخرى ، وهى :
القيامة كرمز
2- القيامة هى رمز للتوبة :
أو أن التوبة تشبه بالقيامة :
فنحن نعتبر أن الخطية هى حالة من الموت ، وأقصد الموت الروحي 0 وقال القديس أو غسطينوس " إن موت الجسد ، هو انفصال الجسد عن الروح ، أما موت الروح ، فهو انفصال الروح عن الله " فالله هو ينبوع الحياة ، أو هو الحياة الكلية 0 كما قال فى الإنجيل " أنا هو الطريق والحق والحياة " ( يو 14 : 6 ) 0 " أنا هو القيامة والحياة " ( يو 11 : 25 ) من يثبت فى الله ، يكون بالحقيقة حياً 0 ومن ينفصل عن الله يعتبر ميتاً والخطيئة هى انفصال عن الله ، لأنه لا شركة بين النور والظلمة " ( 2 كو 6 : 14 ) فالخاطئ إذن هو ميت روحياً ، مهما كانت له أنفاس تتحرك وقلب ينبض 00 قد يكون جسده حياً 0 ولكن روحه ميته ميته 00 وهكذا فى مثل الأبن الضال ، الذى شرد بعيداً عن أبيه ثم عاد إليه ، وقال عنه أبوه فى هذه التوبة ابنى هذا كان ميتاً فعاش 0 وكان ضالاً فوجد ( لو 15 : 24 ) وقيل فى الكتاب عن الأرملة المتنعمة إنها ماتت وهى حية " ( 1 تى 5 : 6 ) 0 وقال القديس بولس الرسول لأهل أفسس " إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا التى سلكتم فيها قبلاً 00 ( اف 2 : 1 ) وقال أيضاً " ونحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح 00 وأقامنا معه ، وأجلسنا معه فى السماويات " ( أف 2 : 5 ) 0 وقال السيد المسيح موبخاً راعى كنيسة ساردس " إن لك إسماً إنك حى ، وأنت ميت " ( رؤ 3 : 1 ) 0فحياته الظاهرية حياة حقيقية ، لأن الحياة الحقيقية هى الحياة مع الله ، أو الحياة فى الله ، هى الحياة فى الحق ، وفى النور والبر 0 أما ذلك الخاطئ ، فإن له اسماً أنه حى ، وهو ميت لذلك كنت أقول فى معنى الحياة الحقيقية " أحقاً نحن أحياء 00 ؟ " إن الحياة لا تقاس بالسنين والأيام ، وإنما بالفترات الروحية الحلوة التى نقضيها مع الله 00 هى وحدها التى تحسب لنا ، والتى يقاس بها عمرنا الروحى ، وبها يكون تقرير مصيرنا فى القيامة 0 لذلك أيها الأخ بماذا تجيب حينما يسألك الملائكة كم هى أيام عمرك على الأرض ؟ هل ستحسبها بالجسد أم بالروح ؟ ومع ذلك ، فإن الخاطئ المعتبر ميتاً : إذا تاب تعتبر قيامة وعن هذا المعنى يقول القديس بولس الرسول للخاطئ الغافل عن نفس " استيقظ أيها النائم ، وقم من الأموات ، فيضئ لك المسيح " ( أف 5 : 14 ) 0 مشبهاً التوبة هنا ، بأنها يقظة روحية ، وأنها قيامة من الأموات وقد ذكر الإنجيل للسيد المسيح ثلاث معجزات أقام فيها أمواتاً 0 ويمكن اعتبار كل منها رمزاً لحالة من التوبة أقام ابنه يايرس وهى ميتة فى بيت أبيها ( مر 5 ) 0 وأقام ابن أرملة ناين من نعشه فى الطريق ( لو 7 ) وأقام لعازر وهو مدفون فى القبر من أربعة أيام 00 وكانت كل إقامة هذه الأداث الثلاثة تحمل رمزاً خاصاً فى حالات التوبة 0
أ- ابنه يايرس وهى فى البيت ، ترمز إلأى الذى يخطئ وهو لا يزال فى بيت الله ، فى الكنيسة ، لم يخرج منها ولم يخرج عنها 0 ولذلك قال السيدعن ابنة يايرس " إنها لم تمت ، ولكنها نائمة ( مر 5 : 39 ) 0 ولما أقامها أوصاهم أن يعطوها لتأكل ( مر 5 : 43 ) 0 لأن هذه النفس تحتاج إلى غذاء روح يقويها ، حتى لا تعود فتنام مرة أخرى 0
ب – أما ابن أرملة نايين وهو ميت محمول فى نعش 00 فهذا ميت خرج من البيت ترك بيت الله ، وأمه تبكى عليه ، أى تبكى عليه الكنيسة أو جماعة المؤمنين 0 هذا أقامه المسيح ، ثم " دفعه إلى أمه " ( لو 7 : 15 ) 0 أرجعه إلى جماعة المؤمنين مرة أخرى 000
ج – لعازر المدفون فى القبر ، يرمز إلى الحالات الميئوس منها :
حتى أن أخته مرثا لم تكن تتخيل مطلقاً أنه سيقوم 0 وقالت للسيد أنتن ، لأنه له أربعة أيام "
( يو 11 : 39 ) 0 إنه يرمز للذين ماتوا بالخطية وتركوا بيت الله ، بل تركوا الطريق كله ، ومرت عليهم مدة طويلة فى الضياع ، ويئس من رجوعهم حتى أقرب الناس إليهم 0 ومع ذلك أقامه المسيح ، وأمر أن يحلوه من الرباطات التى حوله ( يو 11 : 44 ) فمثل هذا الإنسان يحتاج أن يتخلص من رباطاته التى كانت له فى القبر كل هذه أمثلة تدعونا إلى عدم اليأس من عودة الخاطئ ، فلابد أن له قيامة إننى فى مناسبة قيامة السيد المسيح ، أقول لكل خاطئ يسعى إلى التوبة :
قام المسيح الحى هل مثل المسيح تراك قمت
أم لا تزال موسداً فى القبر ترقد حيث أنت
والحديث عن القيامة من الخطية ، هو نفس الحديث عن القيامة من أية سقطة وقد يحتاج الأمر إلى دعوة للقيامة ، أى إلى حافز خارجىمثال ذلك كرة تدحرجت من على جبل 0 تظل هذه الكرة تهوى من أسفل إلى أسفل ، دون أن تملك ذاتها ، أو تفكر فى مصيرها 0 وتظل تهوى وتهوى تباعاً ، إلى ان يعترض طريقها حجر كبير ،فيوقفها ، وكأنه يقول لها " إلى أين أنت تتدحرجين ؟! وماذا بعد ؟! " فتقف 0 إنها يقظة أو صحوة ، بعد موت وضياع 00 تشبه بالقيامة أو مثال ذلك أيضاً فكر يسرح فيما لا يليق كإنسان يسرح فى فكر غضب أو انتقام ، أو فى خطة يدبرها ، أو فى شهوة يريد تحقيقها ، أو فى حلم من أحلام اليقظة 0 ويظل ساهماً فى سرحانه ، إلى أن يوقفه غيره ، فيستيقظ إلى نفسه ، ويتوقف عن الفكر 0 إنها يقظة أو صحوة ، أو قيامة من سقطة 0
3 – هناك أيضاً القيامة من ورطة ، أو من ضيقة 0
قد يقع الإنسان فى مشكلة عائلية أو اجتماعية يرزخ تحتها زمناً ، أو فى مشكلة مالية أو أقتصادية لا يجد لها حلاً 0 أو تضغط عليه عادة معينة لا يملك الفكاك من سيطرتها 0 أو تملك عليه جماعة معينة أو ضغوط خارجية ، لا يشعر معها بحريته ولا بشخصيته ، ولا بأنه يملك إرادة أو راياً 000
وفى كل تلك الحالات يشعر بالضياع ، وكأنه فى موت ، يريد أن يلتقط أنفاسه ولا يستطيع 000 إلى أن فتقده عناية الله وترسل له من ينقذه ، فيتخلص من الضيقة التى كان فيها 0 ولسان حاله يقول :
" كأنه قد كتب لى عمر جديد " 0 أليست هذه قيامة ؟ إنها حقاً كذلك 0
4 – القيامة هى حياة من جديد 0 ما يسمونه بالإنجليزية Revival 0
حياة جديدة يحياها إنسان ، أو تحياها أمة أو دولة ، أو أية هيئة من الهيئات 00 أو يحياها شعب بعد ثورة من الثورات التى تغير مصيره إلى أفضل ، وتحوله إلى حياة ثانية ، حياة من نوع جديد 0 فيشعر أن حياته السابقة كانت موتاً ، وأنه عاد يبدأ الحياة من جديد ويود أن حياته السابقة لا تحسب عليه 0 إنما تحسب حياته من الآن هذه القيامة رأيناها فى حياة الأفراد ، ورأيناها فىحياة الأمم : رأيناها فى أوروبا بعد عصر النهضة والانقلاب الصناعى ، ورأيناها فى فرنسا بعد الثورة الفرنسية المعروفة 0 ورأيناها فى روسيا بع إللان البروستوكيا 0 ورأيناها أيضاً فى الهند على يد غاندى ، وأيضاً فى كل دولة تخلصت من الاستعمار أو الاختلال أو الانتداب ورأيناها فى مصر ، مرة بعد التخلص من حكم المماليك ، ومرة أخرى بعد ثورة سنة 1919 ، ومرة ثالثة بعد ثورة سنة 1952 . كما رأيناها كذلك فى الثورة الإقتصادية أو فى النهضة الإقتصادية التى قادها طلعت حرب إن القيامة يا أخوتى ، ليست هى مجرد قيامة الجسد 0 إنما هناك حالات أخرى كثيرة توحى بها القيامة ، أو تكون القيامة رمزاً لها 00 وتبدو فيها سمات حياة أخرى 0
5 – ونحن نرجو من الله أن يجعل سمات القيامة فى حياتنا باستمرار 0
عمليات تجديد وحياة أخرى ، تسرى فى دمائنا أفراداً وهيئات 00 كما قال الكتاب عن عمل الله فى الإنسان إنه " يجدد مثل النسر شبابه " ( مز 103 ) 0 وأيضاً كما قيل فى نبوة اشعياء " وأما منتظرو الرب ، فيجددون قوة 0 يرفعون أجنحة كالنسور 0 يركضون ولا يتعبون 0 يمشون ولا يعيون " ( أش 40 :31 ) إلهنا الصالح ، نسأله فى روح القيامة ، أن يهبكم جميعاً قوة فى حياتكم ، ونسأله أن تحيا بلادنا حياة متجددة باستمرار ، فيها الصحوة وفيها النهضة وفيها روح القيامة ، فى عزة وفى مجد وفى قوة وأمنياتى لكم جميعاً بالسعادة والبركة وكل عام وجميعكم بخير 0
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
04 مايو 2021
الخمسين المقدسة
الخمسين المقدسة هي فترة الاحتفال بعيد القيامة المجيد، الذي فيه نفرح بالنصرة على الموت الذي ينتصر على الجميع. ويمتد الفرح ليشمل الإمكانيات التي وهبها لنا الرب القائم لنعيش هذه العطية بطريقة عملية حقيقية تفيدنا روحيًا لنكمل الفترة كلها في مراجعة أحداث القيامة ومشاركة الذين رأوا هذه الأحداث، ولكن بإيمان قلبي يفوق الرؤية، وبنفس الفرح الفائق بالحياة الأبدية التي أعلنها الرب القائم.(1) موكب أيقونة القيامة: ونحن نردّد لحن "خريستوس آنستي" وندور في الكنيسة بدورة عكس عقارب الساعة، لأن القيامة تعلن الحياة الأبدية التي فوق الزمن، ونقدم البخور لأيقونة القيامة بإحساس ومعنى تقصده الكنيسة وهو فرح التلاميذ والمريمات بوجود المسيح معهم طيلة 40 يومًا، يظهر لهم وينقل لهم معاني روحية فائقة، ويعبدون بنغمات الفرح الغالب للألم والضيق، ويقدم الوجه الآخر للصليب الذي نحمله لأجل الإيمان.(2) لحن يا كل الصفوف: الذي يعلن اشتراك السمائيين مع الكنيسة بهذه القيامة، إذ الملائكة قدموا ما يؤكد القيامة بدحرجة الحجر الذي لا يستطيع التلاميذ دحرجته إطلاقًا، ونقول في قسمة القداس: "ميخائيل رئيس الملائكة نزل من السماء، ودحرج الحجر عن فم القبر، وبشر النسوة حاملات الطيب قائلًا: المسيح قام من بين الأموات"... كذلك يصف اللحن الرب القائم مؤكدًا أن الموت لم ينل منه، فشبّهه بالنائم الذي انتفض من مرقده بدون أيّ تأثير للموت عليه فكان كالثمل من الخمر، وهذا لا يتعارض مع حقيقة موته ودفنه، وإنما دلالته في أن القيامة مَحَتْ كل أثر للموت، فلم يعد هناك آثار للجلد ولا للصلب إلّا أثر المسامير في اليدين والرجلين وأثر الحربة في الجنب، ليؤكد أن الذي قام هو الذي صُلب، وبهذا يُنهي العبودية اَلْمُرهَّ التي حلت بالبشرية نتيجة تسلط الخطية وعقوبة الموت على الإنسان.(3) تقديم البخور لأيقونة القيامة: بمعنى تأكيد ألوهية الرب القائم من الأموات، وأنه قام بقوة لاهوته لكي يمنح طبيعتنا البشرية النصرة على الموت ونوال الحياة الحقيقية في السماء إلى الأبد، لذلك نقدم له العبادة والشكر والتسبيح. فمع البخور نقول 3 قطع نرددها مع 3 أيادي بخور: فمع اليد الأولى نقول: "نسجد لك أيها المسيح إلهنا القائم من بين الأموات"... وفي اليد الثانية نقول: "يا من قُمتَ من بين الأموات امنحنا قوة قيامتك".. وفي اليد الثالثة نقول: "السلام للقيامة التي بها نلنا الحياة الأبدية". والبخور نقدمه بانحناء الرأس 3 مرات، في كل يد بخور ننحني ممجدِّين إلهنا واهب الحياة.(4) لحن القيامة قبل لحن آجيوس: وهو تعبير عن الوفاء لمن منحنا سلطان الحياة الغالبة للموت وليس بعدها موت، وهذا ما ينعكس على إحساس التلاميذ في كرازتهم وشهادتهم وقبولهم الموت والاستشهاد بدون خوف... فنجد بطرس الرسول وافق ليس على الصلب فقط بل على الصلب مُنكَّس الرأس، وهذا أصعب بكثير لأن آلامه صعبه جدًا، وباختياره بشجاعة وبدون خوف ولا تَحَسُّبَ للموت أو للألم الصعب.. إن كل هذا هو تصوير حقيقي لأثر القيامة في حياة الكنيسة والمؤمنين على مر الأيام.
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
03 مايو 2021
«اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ»
مع أحداث القيامة المجيدة، نطلب من الرب أن ينقذ البشرية، من وباء "الكورونا" الذي ضرب العالم كله، فهو القادر أن يبيده بنفخة فمه، ويعطينا قوة قيامته المجيدة..قال معلمنا بولس الرسول: - «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ (قيامة التوبة)،- وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ (قيامة الأجساد)» (أف5: 14).فالقيامة من الأموات في الفهم الكتابي واللاهوتي لا تعني فقط قيامة الجسد بعد الموت، بل تعني أيضًا:- قيامة الروح من الخطية وسكنى الله في داخل الإنسان.. تمهيدًا للقيامة بعد الموت!!إذًا فهناك قيامتان: القيامة الأولى: قيامة التوبة. القيامة الثانية: قيامة الأجساد. - القيامة الأولى: قيامة التوبة:وهي أن نقوم من قبور الخطية «وَإِذْ كُنْتُمْ أمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحْيَاكُمْ مَعَهُ» (كو2: 13).1- والخطيئة في معناها الأصيل (آمارتيا) = ومعناها "الخطأ في التهديف". 2- أمّا التوبة فمعناها "ميطانيا" بمعنى ""تغيير الفكر" أو "تجديد الذهن".فالتوبة هي" القيامة الأولى" كقول الكتاب: - «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى (قيامة التوبة)، هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي (الموت الأبدي بعد الموت الجسدي) سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤ20: 6). - «الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، والَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ (الشيطان)، وَلاَ لِصُورَتِهِ (النبي الكذاب)، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ (سمة الشيطان) عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤ20: 4). أمّا الألف سنة فهي مدة وجود هذا العالم.. حيث أن رقم "10" يشير إلى الإنسان، إذ يملك 10 أصابع في كل من يديه وقدميه.. والـ"100" ترمز إلى القرن، أي الزمن..الإنسان × الزمن = 10×100=1000 فبعد الزمن تأتي القيامة المجيدة. لذلك فقيامة التوبة، هي الانتماء للمسيح، ومعنى حمل سمته على جباههم (أي عقولهم) وأيديهم (أي أعمالهم).. أي أن تكون أفكارهم وتصرفاتهم شاهدة لمسيح القيامة.. - القيامة الثانية : قيامة الأجساد:وهي التي فيها يأتي رب المجد يسوع مرة ثانية، في "المجيء الثاني"، بعد المجيء الأول في التجسد، وقد أفرد لها معلمنا بولس الرسول إصحاحًا كاملًا في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (إصحاح 15): «كيف يقام الأموات؟» إذ تحدث عن جسدنا قائلًا أنه:- «يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ.. وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ!» (1كو15: 42).- «يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ.. وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ!» (1كو15: 43).- «يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا.. وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا!» (1كو15: 44).كل عام وجميعكم بخير،،،
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
02 مايو 2021
الرسالة الأولى عید القیامة في ١١ برمودة سنة ٤٥ ش 6 أبریل سنة ٣٢٩ م.
هذا هو الیوم الذي صنعه الرب
هیا بنا یا أحبائي، فالوقت یدعونا إلى حفظ العید. وشمس البرّ (مل ٢:٤ ) إذ یشرق بأشعته الإلهیة علینا یعلن عن موعد العید. لذا یجب الاحتفال به مطیعین إیاه، لئلا إذ فاتنا الوقت قد یفوتنا السرور أیضًا.من أهم واجباتنا هو تمییز الأزمنة والأوقات، حتى نتمكن من ممارسة الفضیلة. كان الطوباوي بولس یعلم تلمیذه أن یلاحظ الوقت، قائلا : "أعكف على ذلك في وقت مناسب وغیر مناسب ( ٢ تي ٢:٤ )، حتى إذا ماعرف الوقتین – المناسب وغیر المناسب – یستطیع أن یصنع الأمور التي تناسب مع الوقت ویتحاشى ما هوغیر مناسب.وهكذا فإن إله الكل نفسه یعطي كل شيء في وقته كقول سلیمان الحكیم (جا ٧:٣ )، مریدًا بذلك أن یعم خلاص البشر في كل مكان في الوقت المناسب.وهكذا "حكمة الله" ( ١ كو ٢٤:١ )، ربنا ومخلصنا یسوع المسیح، أوجد في الأوقات المناسبة، من النفوس المقدسة أنبیاء وأحباء الله (حك ٢٧:٧ ). وبالرغم من أن كثیرین قد قدموا صلوات لأجله (لكي یأتي مسرعًا لیقدم الخلاص) قائلین: "لیأ ت من صهیون خلاص الله" (مز ١٤:٧ )، أو كما جاء في سفر نشید الأناشید على لسان العروس قائلة "لیتك كأخ لي ال ا رضع ثدي أمي" (نش ١:٨ )، أي لیتك كنت كبني البشر تحمل آلام البشریة من أجلنا. بال رغم من كل هذه الصلوات فإن إله الكل، خالق الأزمنة والأوقات، الذي یعرف ما هو لصالحنا أكثر منا، فإنه في الوقت المناسب، في ملء الزمان، ولیس في أي وقت ما اعتباطًا، أعلن كطبیب ماهر طریق شفائنا، إذ أرسل ابنه لكي نطیعه قائلا : "في وقت القبول وفي یوم الخلاص أعنتك". (إش ٨:٤٩)
هتاف أبواق العهد القدیم
قدیمًا دعي الرب بواسطة موسى… إلى حفظ أعیاد اللاویین في المواسم المقررة قائلا : "ثلاث مرات تعید لي في السنة" (خر ١٤:٢٣) . الثلاثة أعیاد هي: عید الفصح أو الفطیر، عید الخمسین أو الأسابیع أو الحصاد،عید المظال أو الجمع. وكانت أبواق الكهنة تهتف حاثة على حفظ العید كأمر المرنم الطوباوي القائل: "انفخوا في أ رس الشهر بالبوق عند الهلال لیوم عیدنا" (مز ٣:٨١)وكما كتب، كانت الأبواق تدعوهم أحیانًا إلى الأعیاد، وتارة إلى الصوم، وثالثة إلى الحرب، ولم یكن ذلك من قبیل المصادفة أو جزافًا، إنما كان الهتاف یتم لكي یتسنى لكل واحدٍ أن یحضر إلى الأمر المعلن عنه.هذه الأمور التي أتحدث عنها لیست من عندیاتي بل جاءت في الكتب المقدسة الإلهیة، إذ كما جاء في سفر العدد، عندما ظهر الله لموسى كلمه قائلاً "اصنع لك بوقین من فضة، مسحولین تعملهما، فیكونان لك لمناداة الجماعة" (عد 1:10-2) وهذا یطابق دعوة الرب الآن للذین یحبونه ههنا أنهم لم یكونوا یهتفون بالأبواق في وقت الحروب فحسب (عد ٩:١٠ )، لكنها كانت هناك أبواق للأعیاد أیضًا كما جاء في الناموس… إذ یقول: "في یوم فرحكم وفي أعیادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق" (عد
١٠:١٠)ومتى سمع أحدكم الناموس یوصي باحت ا رم الأبواق، لا یظن أن هذا أم اً ر تافهًا أو قلیل الأهمیة، إنما هو أمر عجیب ومخیف!
فالأبواق تبعث في الإنسان الیقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر أو آلة أخرى. وكانت هذه الطریقة مستخدمة لتعلیمهم إذ كانوا لا زالوا أطفالا …ولئلا تؤخذ هذه الإعلانات على أنها مجرد إعلانات بشریة، فقد كانت أصواتها تشبه تلك التي حدثت على الجبل (خر ١٦:١٩ ) حینما ارتعدوا هناك ومن ثم أعطیت لهم الشریعة لیحفظوها.
من الرموز إلى الحقائق
و الآن فلنترك الرموز والظلال لننتقل إلى معانیها.هیا بنا إلى الحقائق، لنتطلع إلى الأبواق الكهنوتیة التي لمخلصنا، التي تهتف داعیة إیانا تارة إلى الحرب كقول الطوباوي بولس "فأن مصارعتنا لیست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطین مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحیة في السماویات" وتارة تدعونا إلى العفة وإنكار الذات والوفاق بین الأزواج فنحدث العذارى عن الأمور الخاصة بالعفة، والذین أحبوا حیاة البتولیة عن حیاة الزهد، والمتزوجین عن الأمور الخاصة بالزواج المكرم وهكذا تظهر لكل واحدالفضائل الخاصة به وج ا زءه المكرم.وتارة تدعونا للصوم، وأخرى للعید. وهنا نجد الرسول یهتف بالبوق مرة أخرى لیعلن قائلاً "إن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا. إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث" وإن أردت أن تنصت إلى هتاف بوق… فأنصت إلى قول مخلصنا " وفي الیوم الأخیر العظیم من العید وقف یسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فلیقبل إليّ ویشرب" لأن المخلص لا یدعونا إلى مجرد عید بل إلى "العیدالعظیم" ذلك إن كنا مستعدین للاستماع إلى ما یعلنه لنا، والطاعة لندائه.
قدسوا صومًا
وإذ توجد نداءات مختلفة –كما سبق أن قلت- أنصتوا إلى النبي الذي یهتف في البوق معلنًا الحق قائلاً "اضربوابالبوق في صهیون قدسوا صومًا"هذا بوق منذر یوصینا باهتمام عظیم. فنحن حینما نصوم یلزمنا أن نقدس الصوم.لیس كل من یدعو الله یقدس الله، لأنه یوجد من یدنس الله، وهؤلاء لا یدنسون الله ذاته، فحاشا لله أن یتدنس، إنما تدنست أفكارهم من جهة الله. لأن الله القدوس، ومسرته في القدیسین. ولهذا نجد الطوباوي بولس یتهم الذین یهینون الله بأنهم "بتعدي الناموس یهینون الله" ولكي یفرزنا الله عن الذین یدنسون الصوم یقول "قدسوا صومًا"، إذ كثیرین ممن یتسابقون في الصوم یدنسون أنفسهم بأفكار قلوبهم، وذلك أحیانًا بصنعهم الشرور ضد اخوتهم، وأحیانًا أخرى باستخدامهم الغدر والغش…وحسبي أن أذكر أن كثیرین یفتخرون على الغیر بالصوم وهم بهذا یسببون أضرا راً خطیرة. فمع أن الفریسي كان یصوم یومین في الأسبوع إلا أنه لم یستفد شیئًا لأنه افتخر بذلك على العشار. وكأن الكلمة یوبخ شعب بني إسرائیل (الشریر) لصومه هكذا، واعظًا إیاهم بإشعیاء النبي "أمثل هذا یكون صوم أختاره: یومًا یذلل الإنسان فیه نفسه، یحني كالأسلة رأسه ویفرش تحته مسحًا ورمادًا؟! هل تُسمي هذا صومًا ویومًا مقبولاً للرب؟!"ولكي أظهر كیف نصوم، وماذا یكون علیه صومنا، یلزمنا أن ننصت إلى الله وهو یوصي موسى في سفر
اللاویین "وكلم الرب موسى قائلاً. أما العاشر في هذا الشهر السابع فهو یوم الكفارة. محفلاً مقدسًا یكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقودًا للرب"ولكي تظهر الشریعة ماذا تقصد من هذا یكمل "أن كل نفس لا تتذلل في هذا الیوم عینه تقطع من شعبها"
كیف نصوم؟
أننا مطالبون أن نصوم، لا بالجسد فقط بل بالروح أیضًا. والروح یتضع حینما لا یتبع الأفكار الردیئة بل یغتذي بالشوق. فالفضائل والشرور كلاهما غذاء للروح. فالإنسان له أن یغتذي بأي الغذائین، له أن یمیل إلى أي منهما حسب إ رادته الخاصة.فإن مال الإنسان نحو الفضیلة. أغتذى بالفضیلة، والصلاح، وضبط النفس، والإتضاع، والإحتمال، وذلك كقول الرسول بولس "متربیًا (مغتذیًا) بكلام الإیمان"( ٤) وكما كان الحال مع مخلصنا الذي قال: "طعامي أن أعمل مشیئة أبي الذي في السماوات" فإذا كان حال الروح غیر هذا، بل كان الإنسان یمیل إلى أسفل، فإنه لا یتغذى إلا بالخطیة، وهكذا یصف الروح القدس الخطاة ویتكلم عن غذائهم، وذلك حینما یشیر إلى الشیطان قائلاً عنه "جعلته طعامًا لأهل…" (مز4:74 ) فالشیطان هو طعام الخطاة! وإذ ربنا ومخلصنا هو الخبز السماوي، لهذا فهو غذاء القدیسین، لهذا قال "إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي…." (یو ٥٣:٦) بینما الشیطان هو غذاء الدنسین، الذین لا یصنعون أعمال النور بل أعمال الظلمة. ولكي یجذبهم الله ویردهم عن شرورهم، یوصیهم أن یقتاتوا بالفضیلة وخاصة تواضع العقل، المسكنة، و احتمال الإهانات، والشكر لله.إن صومًا كهذا متى حفظ مقدسًا هكذا، فأنه لا یؤدي إلى التوبة فحسب، بل ویهيء القدیسین ویسمو بهم عن الأرضیات.
نماذج من صوم الأنبیاء
بالتأكید ما سأقوله الآن عجیب جدًا، غیر أنه لیس ببعید عن الحق، إذ أنه من تلك الأمور المعجزیة، كما تعلمون كذلك من الكتب المقدسة.فحینما كان ذلك الرجل العظیم موسى صائمًا، تكلم مع الله واستلم الشریعة.وعندما كان العظیم القدیس إیلیا صائمًا، استحق أن یعاین رؤى إلهیة. وفي النهایة رفع على مثال ذاك (السید
المسیح) الذي صعد إلى السماء.ودانیال عندما كان صائمًا، أؤتمن على الشر، رغم كونه شابًا، وكان هو الوحید الذي یفهم أسرار الملك، واستحق أن یعاین رؤى إلهیة.وقد یساور البعض الشك بسبب طول مدة صوم هؤلاء الرجال، التي تبدو كأمر عجیب. لكن لیؤمن هؤلاء ولیعرفواأن التأمل في الله وكلمة الله كافیًا لتغذیة هؤلاء الصائمین فالملائكة لا یسندهم سوى معاینتهم وجه الله على الدوام.وطالما كان موسى یكلم الله لذلك كان یلزمه أن یصوم جسدیًا، لكنه كان یغتذي بالكلام الإلهي. وغذ نزل إلى الناس شعر بألم الجوع مثل سائر البشر. لأنه لم یذكر عنه أنه صام أكثر من الأربعین یومًا التي كان یحادث فیها الله، وعلى هذا النحو استحق كل أحد من القدیسین لطعام یفوق العقل. لهذا إن اغتذت نفوسنا یا أحبائي بالطعام الإلهي، من الله الكلمة، وسلكنا حسب مشیئته، وصامت أجسادنا عن الأمور الخارجیة، بهذا نحفظ ذلك العید العظیم المخلص.
إبطال الفصح الیهودي بتقدمة الحمل الحقیقي
حتى الیهود الجهلاء، تناولوا من الطعام الإلهي حینما أكلوا الخروف في الفصح كرمز، لكن عدم فهمهم للرمز لا زالوا حتى یومنا هذا مخطئین، لأنهم یأكلون الفصح بعیدًا عن المدینة "أورشلیم" مبتعدین عن الحق… إذ لا یسمح لهم بإقامة تلك الطقوس في أي مدینة أخرى، وحیث أن أورشلیم قد خربت لهذا كان یلزم أن تنتهي تلك الرموز أیضًا.لاحظوا أنه بمجيء مخلصنا قد انتهت هذه المدینة وخربت كل أرض الیهود. ومن شهادة هذه الأمور وما تؤكده لنا عیوننا عن هذه الحقائق لا تحتاج إلى دلیل آخر، لهذا یلزم بالضرورة أن ینتهي الرمز.ولیس كلامي فقط هو الذي یوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: "هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام" (نا ١٥:١ ). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ یعلنها لهم، قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا یعودوا إلى ما هو قدیم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم" ( نا15:1, 2:1 LXX) والآن: من هو هذا الذي ارتفع؟ إن أردتم معرفة الحقیقة والتخلص من ادعاءات الیهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلامیذه قائلا : "اقبلوا الروح القدس" (یو ٢٢:٢٠ ). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتیقة، فانشق حجاب الهیكل (مت ٥١:٢٧) وتحطم المذبح (الیهودي)، ومع أن المدینة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت ١٥:٢٤ ) كانت تستعد للجلوس في وسط الهیكل، فتتلقى أورشلیم وكل تلك الفرائض العتیقة نهایتها.
حمل الله:
منذ ذلك الحین تركنا وراءنا عصر الرموز، فلم نعد نمارس تلك الطقوس في ظلها، بل قد حولناها كلها إلى الرب."وأما الرب فهو الروح. وحیث روح الرب هناك حریة" فأننا متى سمعنا هتاف البوق المقدس، لا نعود نذبح خروفًا عادیًا، بل ذلك الحمل الحقیقي الذي ذبح عنا – ربنا یسوع المسیح- الذي سیق "كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها" فقد تطهرنا بدمه الكریم "الذي یتكلم أفضل من هابیل"، واحتذت أرجلنا باستعداد الإنجیل، حاملین في أیدینا سلاح الله الكامل الذي كان موضوع تعزیة الطوباوي الذي قال "عصاك وعكازك هما یعزیانني". وبالإجمال نكون مستعدین في كل شيء، وغیر مهتمین بشيء لأن الرب قریب، وذلك كقول الطوباوي بولس. وكذلك یقول مخلصنا "في ساعة لا تظنون یأتي إبن الإنسان"
كیف نعبد؟
"إذا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والحق" ( ١ كو ٨:٥) ، وإذ نخلع الإنسان العتیق وأعماله، نلبس الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله (أف ٢٢:٤ , 24)، ونلهج في ناموس الله نهاراً ولیلا ، بعقل متواضع وضمیر نقي.لنطرح عنا كل ریاء وغش، مبتعدین عن كل ریاء ومكر.لیتنا نتعهد بحب الله ومحبة القریب، لنصبح خلیقة جدیدة، متناولین خم اً ر جدیدًا...
إذًا لنحفظ العید كما ینبغي.
موعد العبد:
إننا نبدأ الصوم المقدس في الیوم الخامس من برمودة ( ٣١ مارس) وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة العظیمة التي ترمز إلى أیام خلقة العالم – ینتهي الصیام ونستریح في السبت المقدس للأسبوع في العاشر من برمودة ( ٥ أبریل). وحینما یشرق علینا الیوم الأول من الأسبوع المقدس (الأحد) یكون العید وهو الحادي عشر من نفس الشهر( 6أبریل). ثم نحسب ابتداء منه الأسابیع السبعة( ٥) أسبوعًا أسبوعًا فنعید عید البندیكستي المجید الذي كان یقابل "عید الأسابیع"وقد كان یوم خلاص، فیمنحون فیه الصفح والإبراء من الدیون.
بركات العید
لنحفظ العید في الیوم الأول من الأسبوع العظیم كرمز للحیاة الأخرى، التي نأخذ عنها هنا وعدًا بأنه ستكون لنا حیاة أبدیة بعد الموت.من ثم سنحفظ عیدًا نقیًا مع المسیح، هاتفین قائلین مع القدیسین "لأني سأجوز إلى بیت الله بصوت الإبتهاج والحمد وهتاف المعیدین"حیث هرب الحزن والكآبة والتنهد. وستكلل رؤوسنا البهجة والفرح.لیتنا نستأهل لنوال هذه البركات.فلنتذكر الفقیر، ولا ننس عمل الله للغریب. وفوق الكل فلنحب الله من كل نفوسنا، ومن كل قدرتنا، ومن كل قوتنا، ونحب قریبنا كنفسنا. حتى نحصل على ما لم تره عین وما لم تسمع به أذن وما لم یخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذین یحبونه. بنعمة ابنه الوحید ربنا ومخلصنا یسوع المسیح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والسلطان إلى أبد الآبدین. آمین.
سلموا على بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة. یسلم علیكم جمیع الإخوة الذین معي.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
01 مايو 2021
متعة الروح في القيامة وهي في السماء
فيما نحن نحتفل بعيد القيامة، يسرني أن أحدثكم عن متعة الروح بعد القيامة وهي في السماء.
متعة الانطلاق
الروح الآن حبيسة في الجسد، في هذا القفص المادي. وبينما الروح كيان خفيف يتميز بالشفافية، فإن الجسد مادي يتصف بالثقل. والجسد يحاول أن يسيطر على الروح ليجذبها إلى ماديته، والروح تقاوم. فبينهما صراع. إن انتصرت الروح، ترتفع بالجسد إلى فوق. وإن انتصر الجسد، يهبط بالروح إلى لذة المادة وانفعالاتها.حتى في المعرفة، الجسد يمثل ضبابًا يمنع الرؤية الحقيقية عن الروح. فالروح حاليًا لا ترى إلا بعين الجسد، ولا تسمع إلا بأذن الجسد. وكل أنواع معرفتها تكون عن طريق حواس الجسد.
أما في انطلاق الروح، فتكون لها معرفة أوسع لا تستمدها من الحواس الجسدية، بل يكون لها الحس الروحي. ولا تتحرك بأرجل الجسد، بل تتحرك وهي خفيفة : تصعد وتهبط وتجتاز مسافات دون أن تعبر وَسَطًا، مثل الملائكة أو كالفكر الذي يتحرك إلى قارة أخرى دون أن يعبر الوسط الذي بينها.وتتلاقى الأرواح وتتعارف وتتحدث بدون ترجمة من لغة إلى أخرى. بل تتفاهم بحسّ روحي ليس حبيسًا في نطاق اللغات. حقًا بأية لغة قد تفاهم أبونا آدم، وأبونا نوح، وموسى النبي، وأيوب البار، حينما التقوا معًا في العالم الآخر؟ أم أن هؤلاء وكل الأبرار كانوا يتفاهمون بغير لسان من ألسنتنا؟ أو بغير أصوات! وبأية لغة كانوا يتحدثون مع الملائكة؟ أم أنهم يتخاطبون معهم بغير لغة بشرية! أي بلغة الروح!
وفي غير الحواس البشرية، ماذا ستكون الرؤية الروحية؟
ننتقل إلى نقطة أخرى من متعة الروح في السماء وهى متعة التحرر.
متعة التحرر.
الأرواح حاليًا وهى متحدة بالأجساد – ليست حرة فيما تريد ... هناك ضغوط كثيرة عليها من الخارج، ومن الجسد بالذات ... ولكنها عندما تنطلق من الجسد، سوف تحرر من كل قيوده.سوف تحرر من غرائز الجسد ومن كل انفعالاته. وسوف تتحرر من أمراض النفس مثل القلق والاضطراب والشك. وسوف تتحرر من الضعف والعجز، ومن التعب والإعياء ومن عديد من الأمراض التي يتعرض لها الجسد ويلقي بنتائجها على الروح.وسوف تتحرر من مؤامرات الناس الأشرار، وما يلقونه على الروح من خوف ورعب. وما تحاول من وسائل للبعد وللوقاية من الضرر.وسوف تتحرر من خوف الموت، لأن الموت يكون قد تم ووقع على الجسد ولم يعد هناك مجال لتكراره.
متعة البِرّ
في العالم الآخر سوف تتحرر الروح من الخطية. فلا مجال للخطايا التي تنتج عن شهوات الجسد وغرائزه، إذ قد خلعت الجسد وانفصلت عنه. كذلك لا مجال للخطايا التي تأتي نتيجة لإغراءات خارجية. ففي العالم الآخر لا إغراءات ولا حروب شياطين. فالشيطان لن يدخل مواضع الأبرار في السماء. ولا توجد خطايا تقع فيها الروح من احتكاك البشر. فالأرواح البارة سوف تسكن في العالم الآخر مع أرواح بارة من نفس النوع، وأحيانًا من نفس الدرجة. ولا مجال للصراعات والانقسامات وسوف ينزع الله من أرواح ساكني السماء معرفة الخطية وتذكاراتها وقصصها وصورها التي كانت على الأرض. ويمنح هذه الأرواح إكليل البر، فلا تعود هناك إمكانية للخطية ولا رغبة فيها.حقًا ما أعظمها متعة وما أعمقها، أن تعيش الروح هناك في عالمٍ جديد كله برّ، لا عثرة فيه ولا شر ولا شبه شر. عالم أجمل بكثير من الجنة التي عاش فيها أبوانا آدم وحواء قبل الخطية، حيث كانا يعيشان في براءة وبساطة، ولكن في طبيعة قابلة للسقوط، وقد سقطا، أما في العالم الآخر، فلا توجد إمكانية للسقوط.
متعة الشفافية
في العالم الآخر سوف تتمتع الروح بالشفافية التي لم يعد يحجبها ضباب الجسد. شفافية في المعرفة والإدراك تكاد تدرك شفافية الملائكة. فيها يُنزع القناع عنها، فترى غير المرئيات، وتعرف أسرارًا عن العالم الآخر ما كان يمكنها معرفتها على الأرض. وتظل تنمو في المعرفة ويوّسع الله مداركها لتعرف أكثر، بلون جديد من الإدراك فوق مستوى الحواس. وتكون معرفتها عن طريقين : أحدهما تجلي الروح في طبيعتها. وثانيهما هو الكشف الإلهي، إذ يكشف الله لها ما لا يمكن أن تدركه طبيعتها الحالية.
متعة الفرح
إنه فرح لا ينطق به يختلف عما في عالمنا من مباهج. هو فرح روحي. ثم هو فرح بأمور جديدة على الإنسان يختبرها لأول مرة. كذلك هو فرح دائم لا يتوقف ولا ينقطع، بل يكون دائم النمو والتجدد. وأيضًا هو فرح بالغلبة والانتصار، والتمتع بوعود الرب للغالبين ثم تفرح الروح بالعشرة المثالية التي في السماء، عشرة الأبرار والقديسين، بل وعشرة الملائكة، ورؤساء الملائكة، وعشرة مَنْ كنّا نقرأ عنهم في التاريخ ونشتهي مجرد معرفتهم.وأكثر من كل هذا عشرة الله نفسه -تبارك اسمه- لأن كل أفراح السماء بدون الله لا تكون أفراحًا حقيقية.إن كان الأمر كذلك، فلنستعد من الآن -في حياتنا الأرضية الحالية- حتى نكون مستعدين لكل تلك المتع السمائية التي أعدها الله لمن يحيون في طاعته. ليس لكل الأرواح، بل للأرواح الطاهرة الغالبة التي جاهدت وانتصرت واستحقت أن يكافئها الله بملكوته الأبدي.
ختامًا أهنئكم يا أخوتي بنعمة القيامة التي وهبها لنا الله في الحياة الأخرى. ونصلي جميعًا من أجل سلام العالم كله الذي انتشرت فيه الحروب والنزاعات، مع صلاة خاصة لأجل بلادنا مصروكل عام وجميعكم بخير.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد