المقالات

18 مايو 2021

جسد القيامة

كيف يقوم الأموات وبأي جسد يقومون؟ وبأي جسم يقومون؟ يتساءل البعض: بأيّة قوة أو كيف يمكن تحقيق القيامة؟ لأن هذا في نظرهم مستحيل. وهل إذا حدث يقوم بذات الشكل والأعضاء؟.. يوضّح ذلك الرسول بولس في رسالته الأولى لأهل كورنثوس: «لكن يقول قائل: كيف يُقام الأموات؟ وبأي جسم يأتون؟» (1كو15: 35). + يوبّخ الرسول المتشككين في القيامة بقولهم "كيف؟"، إذ لا يجوز التشكيك فيما يعلنه الله من حقائق لعجز العقل عن إمكانية تحقيقها، لذلك يوبخ هؤلاء: «يا غبي الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت» (15: 36). كأنه يقول: لماذا في غباوة نجحد قوة الله واهب القيامة، ونحن نختبر في كل يوم قدرته المحيية لأشياء ميتة؟ يقول القديس أمبروسيوس: "يليق بنا ألّا نشك فيما هو مُتفِق مع الطبيعة وليس ضدها، فإنه طبيعيًا كل الأشياء الحية تقوم ودمارها أمر غير طبيعي". ويقول مندهشًا «والذي تزرعه لست تزرعه الجسم الذي سوف يصير، بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي» (15: 37). إن ما يزرعه الإنسان ليست السنابل التي سيحصدها، بل حبة مجردة منها تخرج سنبلة من ذات النوع، لكنها أفضل وأعظم. هكذا الإنسان، يُزرع جسمًا ليقوم ذات الجسم ولكنه أبرع جمالًا وبهاءً، له طبيعة جديدة مجيدة روحية أعظم، فالموت ليس طريقًا لعبور الجسد وعودته فحسب، لكنه طريق لتمجيد الجسد ليشارك النفس بهاءها الأبدي. وبذلك ترفع القيامة من شأن الجسد الذي يقوم في بهاء أبدي مشاركة للنفس. يقول القديس أمبروسيوس: "إن كانت البذرة تموت وتقوم بمنافع إضافية للجنس البشري، فلماذا يُحسَب غير معقول أن الجسد البشري يقوم بقوة الله بكيان مساوٍ تمامًا؟". ويقول: «ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد، ولكل واحد من البذور جسمه» (15: 38). + الجسد القائم من نفس نوع الجسد: يقول القديس ثيؤدور معلقًا: "ليس كل جسد جسدًا واحدًا، بل للناس جسد واحد، وللبهائم جسد آخر، وللسمك آخر، وللطير آخر (15: 39)،لأنه في القيامة سيقوم جسد أفضل، جسد لا يعود فيه لحم ودم، بل كائن حي خالد ولا يمكن هلاكه". «أجسام سماوية وأجسام أرضية.. لكن مجد السماويات شيء ومجد الأرضيات آخر» (15: 40). يقصد بالسماء الشمس والقمر وبقية الأجرام السماوية، بينما يقصد بالأرض جرم الأرض المادي.. + القيامة تهب المؤمن قوة هنا ليحطم الخطية ويكسر شوكة الموت فيعيش بروح النصرة المتهلّلة.. يقول ذهبي الفم: "حقًا سيقوم الكل في قوة وعدم فساد، ولكن في هذا المجد الذي بلا فساد لا يتمتع الكل بذات الكرامة والأمان. ومع وجود قيامة واحدة لكن توجد اختلافات ضخمة في الكرامة من جسد لآخر". سمات جسد القيامة: 1- بلا فساد: جسد أبدي حي «هكذا أيضًا قيامة الأموات، يُزرّع في فساد ويُقام في عدم فساد» (15: 42). 2- مجيد: في مجد دائم لا ينقطع «يُزرَع في هوان ويُقام في مجد، يُزرَع في ضعف ويُقام في قوة» (15: 43). 3- في قوة: لا يرتبط بالجسد الضعيف «يُزرَع في ضعف ويُقام في قوة» (15: 43). 4- جسم روحاني: «يُزرَع جسمًا حيوانيًا، ويُقام جسمًا روحانيًا.. يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني» (15: 44). 5- على شبه جسم الإنسان الثاني، الرب من السماء (15: 45-50): «الإنسان الأول الأرض من تراب.. الإنسان الثاني الرب من السماء». لذلك إذا كانت القيامة ترفع من شأن الجسد ليصير في صورة السماوي «وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي»، لابد من أن يتغير الإنسان لننعم بإشراقات القديسين. يقول الأب كاسيدورس: "يُشار إلى إشراقات القديسين عندما يتلألأون في القيامة مثل ملائكة الله.. فإنهم سيظهرون هكذا، ويصيرون في بهاء، فيقدرون أن يتطلعوا إلى العظمة بعين القلب. لا يقدرون أن يتفرسوا في النور ما لم يتغيروا إلى ما هو أفضل". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
المزيد
17 مايو 2021

بين القيامة والإفخارستيا

«فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا» (يو21: 9)حين ظهر الرب لتلاميذه بعد القيامة، دخل إلى العلية والأبواب مُغلَّقة، إذ كان التلاميذ مجتمعين، تحت تهديد رهيب من اليهود، وعدم مساندة للقانون من الرومان... فذهب التلاميذ إلى البحر ليصطادوا سمكًا.. هذه كانت مهنة الكثيرين منهم، كما كانت أرخص طريقة للأكل!! وإذ بالسيد المسيح يظهر لهم هكذا:«وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلَكِنَّ التّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا (أي طعامًا)؟... فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا:1- جَمْرًا مَوْضُوعًا 2- وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ 3- وَخُبْزًا، "ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ» (يو21: 4-13).ظهورات الرب لتلاميذه بعد القيامة، كانت:1- كثيرة. 2- في أماكن متعددة. 3- وشخصيات متعددة. 4- وبكلمات وتعبيرات متنوعة.ومن بين هذه الظهورات ظهور "الخبز والسمك والجمر".. وهذه لها معانيها:أ- الخبــز: لأن الرب يسوع هو «خُبْزُ الْحَيَاةِ» (يو6: 35)، «الْخُبْزُ الْحَيٌّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ» (يو6: 51).. ونحن نسمي الخبز في بلادنا "العيـش" = "الحيـاة" = إمكانية المعيشة، والاستمرار في الوجود.والرب يسوع يعطينا مع إمكانية الاستمرار في الحياة الأرضية، الخبز الحيّ الذي يجعلنا نحيا معه في الحياة الأبدية. «مَنْ يَأْكُلْ هَذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَد» (يو58:6). إذن، فهو خبز الخلود!! وهو الذي قال: «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (يو54:6).ب- ســر الإفخارستيا: هو استمرار "عيني" لنفس الجسد والدم اللذيْن قدمهما الرب لتلاميذه في العشاء الرباني.. فبعد أن أكل الفصح مع تلاميذه (بحسب العهد القديم)، أسس سر الإفخارستيا، ونقلنا إلى العهد الجديد «هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ» (مر24:14).يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا وحياة أبدية: إنها العطايا الثلاثة الذي نأخذها من سر التناول المقدس، فالخلاص يكون بالتناول المنتظم، يثبت الرب فينا، ونثبت فيه، فيستمر فينا فعل الخلاص الذي أخذناه في المعمودية، حين متنا وقمنا معه «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (كو12:2):- بطبيعة جديدة وإنسان جديد.- وعضوية في جسد السيد المسيح (الكنيسة) فهي جسده، وهو رأسها وعريسها!!إن من يتناول من الجسد والدم الأقدسيْن يصير عضوًا في جسد المسيح، متواصلًا بالرأس (السيد المسيح) والجسد (القديسين في السماء + المؤمنين على الأرض)، ويشهد للرب في العالم (مع أنه ليس من العالم ولكنه مدعو للشهادة للمسيح في العالم)... نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
16 مايو 2021

خبز الحياة (الأحد الثانى من الخماسين)

أنا هو خبز الله النازل من السماء المعطى الحياة للعالم الجسد المحييى – أسرارة الإلهيه غير المائتة – خبز الخلود –مصل عدم الموت فى سفر الإعمال معلمنا بولس أطال الحديث حتى الصباح وسقط أفتيخوس الشاب وكانوا يكسرون الخبز وتقابل الموت مع الحياة وغلبت الحياة لان الاضعف يغلب من الاقوى وقام الشاب التناول ينقل لنا بركات القيامه وتجد أحاد الخماسين تتدرج بك وتكلمك عن لوازم رحله الملكوت الإيمان الخبز الماء النور الطريق الصعود الروح القدس الخبز هو ضرورة الحياة العيش المسيح خبزنا طعامنا معيشتنا سر بقائنا التناول ينقل بركات القيامة فيعطى غلبه على الجسد الخطية الشيطان الموت الجسد تتحد أجسادنا المائتة مع غير المائت فماذا تصير تتغير طبيعتها (تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك) قسمه ياحمل الله وهبت لنا أن نأكل جسدك علانيه أهلنا للإتحاد بك سراً وهبت لنا أن نشرب كأس دمك ظاهراً أهلنا أن نمتزج بطهارتك سراً الجسد المأخوذ من التراب والمائل إلى الشر يصير جسد يميل إلى الإلاهيات ويرتفع عن أمو الأرض يصير جسد إفخارستى جسد تتبدل طبيعته ويكتسب طبيعه جديدة الخطية الخطيه خاطئة خدا ً وصارت مرضاً متأصلاً فى طبع الإنسان ولكن ماذا يفعل التناول ينقل بركات الخلاص يصرخ الكاهن ويقول يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه – إننا نأخذ الجسد الذى مات وقام الجسد الذى جعله واحداً مع لاهوته بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير فهو جسد له سلطان محو الذنوت بالفكى البشرى توجد مواد مذيبه للدهون ومواد مزيله للبقع ومواد تصبغ أراد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح أن يكون وسيله غفران الخطايا هى الأتحاد بجسدة ودمه الأقدسين خبز الله القوت السماوى الذى أكله يحيى النفوس ماذا لو لم يعطينا المسيح جسده ودمه كانت خطايانا تتراكم كيف تنتقل إلينا بركات الفداء هل بالإيمان فقط أم لابد أن يدخل إلينا مريض يحتاج إلى دم لإنقاذ حياته لايكفى أن يؤمن أن الدم ضرورى ولا مجرد ينظر لابد أن يدخل جسمه ويتحد به الصليب صنع الخلاص والقيامه أعطت حياة معلمنا بولس يقول الذى مات لأجل خطايانا قام لاجل تبريرنا وكما نقول فى المديح اكله يحيى النفوس دم يسوع إبنه يطهر من كل خطية تشبيه كشافات ألوان مختلفه لو سقطت على لوح شفاف أحمر يصير لون واحد أحمر كذلك نحن فى المسيح يسوع خطايانا تظهر من خلال المسيح يراها الآب من خلال إبنه مقبوله لأن دم إبنه يشفع فينا الموت القيامة نصرة على الموت أين شوكتك ياموت أين غلبتك ياهاويه –بالموت داس الموت أخرج أسرى الرجاء وسبى سبياً وأعطى عطايا والتناول ينقل إلينا هذه النعمه وهى غلبه الموت مشاركه سعادة الحياة الأبدية وعدم الفساد وغفران الخطايا من يواظب على التناول لا يخاف الموت لأنه قد أتحد بالحياة حياة أبدية لكل من يتناول منه – ونقول عنها غير المائتة المحييه القيامة فتحت دائرة الأبدى مع الزمنى والقيامة أيضاً فتحت دائرة الأبدى مع الزمنى وجعلت الحياة الأبدية حاضرة أمامنا نحياها ونمارسها التناول ينقل إلينا مذاقة الابدية وتشعر أنك قد إقتربت منها وبدأت معك من الآن نحيا عشاء عرس الخروف ونبتهج بعمانوئيل القائم معنا على المائدة التناول يفتح العينين على بركات القيامه كما حدث مع تلميذى عمواس إذ إنفتحت اعينهما وعرفاة عند كسر الخبز. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
15 مايو 2021

الرسالة الثالثةعید القیامة في ١٦ برمودة ٤٧ ش 11 أبریل ٢٣١ م

لنعید رغم ضیقتنا( ١) ووجودي معكم أخوتي الأحباء لقد اقترب منا یوم العید مرة أخرى، الذي أن صمتنا فیه نجعله غیر مقدس، إنما یلزم أن یكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأیام، وفیه نحفظ الوصایا. لأنه وإن كنا في ضیق من أولئك الذین یحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا یكون بین شعبه)، لكن شكراً لله الذي یعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذین یتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عالیًا في یوم العید، لأن إله الكل قال بأن یتكلما(موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ویعلن الروح في المزامیر قائلا "انفخوا في رأس الشهر بالبوق عید الهلال كیوم عیدنا" ویصرخ النبي قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك"(نا ١٥:١) وأنا لا أرسل إلیكم الكلمة كأنكم جاهلین، بل أعلنها للذین یعرفونها، حتى یدركون بأنه وإن كان بعض البعض یفرقنا، لكن الله یجمعنا، فإننا نعید بنفس العید، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.ونحن لسنا نعید كمتفرجین، عالمین أن الرسول یوبخ أمثال أولئك قائلا : "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین"(غل ١٠:٤ )، بل بالحري نكرم هذا الیوم العظیم من أجل العید، حتى نرضي الله – نحن جمیعًا الذین نخدم الله في كل مكان - وذلك بصلواتنا الجماعیة. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم یعلن عن أیامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العید، إذ یقول "المسیح قد ذبح لأجلنا" ( ١ كو ٧:٥ )، فإذ نتأمل أبدیة الكلمة نقترب منه لخدمته. تاجروا في الوزنات شاكرین لأنه ماذا یعني العید سوى خدمة النفس؟! وما هي هذه الخدمة إلا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟! فغیر الشاكرین، البعیدین عن هذا هم بالحق محرومون من الفرح النابع من هذا، لأن الفرح والبهجة منزوعان عن أفواههم، ولذلك فإن الكلمة (الإلهیة) لا تسمح لهم أن یكونوا في سلام، إذ لا سلام للأشرار قال الرب (إش ٢٢:٤٨ )، إنما یعملون في ألم وحزن.لهذا، حتى الذي كان مدینًا بعشرة آلاف وزنة لم ینل الصفح في نظر الرب (مت ٢٤:١٨ )، لأنه عندما صفح عنه في الكثیر، عاد فاستحق القصاص حتى عما صفح عنه بسبب نسیانه الرحمة…فإذ اختبر الرحمة، كان یلزم أن یكون هو أیضًا مترفقًا بالعبد زمیله! والذي أخذ الوزنة الواحدة، ولفها في مندیل وخبأها في الأرض طرد أیضًا لتذمره وعدم شكره، سامعًا تلك الكلمات "أیها العبد الشریر والكسلان عرفت أني أحصد حیث لم أزرع واجمع من حیث لم أبذر. فكان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة. فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات(مت ٢٦:٢٥ ). لأنه عندما طلب منه أن یعطي سیده حساب الوزنة كان یلزمه أن یعرف شفقة سیده الذي أعطاه هذه الوزنة ویعرف قیمة هذه العطیة. فالذي أعطاه لیس برجل قاسي، لأنه لو كان كذلك لما أعطى عبیده الوزنات منذ البدایة. ولا العطیة التي قدمها هي بالأمر غیر النافع أو باطلة، إذ لیس فیها خطأ.فالذي أعطى هو صالح، والعطیة كان یمكن أن تأتي بثمار. لذلك ملعون من یخفي القمح في وقت البذار (راجع أم ٢٦:١١ )، إذ یطالبنا المثل الإلهي ألا نهمل العطیة أو نخبئها من غیر إكثارها ومضاعفاتها، وإلا بحق نطرد خارجًا كأشرار متذمرین. على هذا ألأساس مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا وزناتهم، قائلا "نعمًا أیها العبد الصالح الأمین كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر أدخل إلى فرح سیدك (مت ٢٣:٢٥) أضرموا الموهبة التي فیكم هذا كان صحیحًا وبحق، إذ یعلن الكتاب المقدس أنهم ربحوا قدر ما أخذوا. والآن ینبغي علینا یا أحبائي أن نخضع إ ا ردتنا حسب لطف الله ولا نقصر عن العمل، لئلا إذا ما تركنا إ ا ردتنا عاطلة ترحل عنا النعمة التي وهبت لنا فینا. وإذ یجدنا العدو (الشیطان) هكذا فارغین وعراة یدخل فینا، فیكون حالنا كتلك الحالة التي وردت في الإنجیل، ذلك الرجل الذي خرج منه الشیطان. فإنه بعد ما خرج الشیطان منه وذهب إلى أماكن جافة، عاد ومعه سبعة أرواح أشر منه إلى المنزل فوجده فارغًا، لذلك سكن هناك، وصارت أواخر ذلك الرجل أشر من أوائله. فعدم التحلي بالفضائل یعطي للأرواح الشریرة فرصة للدخول فینا. وأكثر من هذا توجد وصیة من الرسول إلى تلمیذه یلزمه ألا تكون النعمة المعطاة لنا عاطلة بلا نفع. ویؤكد قائلاً له ألا یهمل الموهبة المعطاة له. لأن الذي یفلح أرضًا یسر بالخبز، وأما طریق الكسلان فمملوء أشواكًا. ویحذرنا الروح ألا نسقط في هذا (الكسل) قائلاً "احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا في الأشواك" (إر ٣:٤ )… ویوضح النبي نهایة مثل هذا الكسل قائلا : "ملعون من یعمل عمل الرب برخاء" (إر ١٠:٤٨ ) لأنه یلزم على خادم الله أن یكون مجتهدًا حریصًا. نعم، وبالحري یكون ملتهبًا كالنار، حتى عندما یحطم الشهوات الجسدیة بروح ملتهبة یكون قادراً على الاقتراب من الله الذي یلقبه القدیسون ب "النار الآكلة". لنضرم نار الروح الذي فینا لذلك فإن إله الكل هو "الصانع ملائكته ریاحًا وخدامه ناراً ملتهبة" كذلك منع الجمهور عند رحیله عن مصر من أن یلمسوا الجبل الذي فیه یعلن الله الشریعة، لأنه لیس لهم هذه الصفة (ناراً ملتهبة). لكنه نادى موسى الطوباوي إلیه، إذ كان ملتهبًا في الروح ومملوء بالنعمة غیر المنطوق بها، قائلاً "ویقترب موسى وحده" ودخل موسى السحاب أیضًا، وعندما كان الجبل یدخن ولم یصبه أذى بل بالعكس تنقى بفاعلیة كلمات الله التي هي كفضة مختارة منقاة في الأرض لهذا عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" ( ١ تس19:5)، حتى نبقى شركاء مع المسیح. ذلك إن تمسكنا حتى النهایة بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." لیس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه یحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غیر الشاكریرغب في إطفاء الروح علانیة، ویصیر كالأشرار الذین یضایقون الروح بأعمال غیر مقدسة..فإذ هم بلا فهم، مخادعین، ومحبین للخطیة، وما زالوا سائرین في الظلام، فإنه لیس لهم ذلك النور الذي یضيء لكل إنسان آت إلى العالم (یو 9:1) لقد أَمسكت نار كهذه بإرمیا النبي عندما كانت الكلمة فیه كنارٍ، قائلاً إنه لا یمكن أن یحتمل هذه النار ( إر 9:20) وجاء سیِّدنا یسوع المسیح المحب للإنسان لكي یلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أرید لو اضطرمت؟ (لو 49:12) لقد رغب الرب – كما شهد حزقیال (حز23:18, 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ینتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ یمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمر. فتثمر البذار التي بذرها (الرب) البعض بثلاثین والبعض بستین والآخر بمائة.: وكمثال، أولئك الذین مع كلیوباس (لو 32:24) مع أنهم كانوا ضعفاء في بدایة المر بسبب نقص معلوماتهم، لكنهم أصبحوا بعد ذلك ملتهبین بكلمات المخلص، واظهروا ثمار معرفته.وبولس الطوباوي أیضًا عندما أمسك بهذه النار لم ینسبها إلى دم ولحم، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزاً بالكلمة (المسیح). أناس رفضوا النعمة ولكن لم یكن هكذا التسعة البرص الذین شفوا، لأنهم لم یشكروا الرب الذي طهرهم.ولا یهوذا الذي حصل على الرسولیة ودعي بتلمیذ الرب، ولكن أخیراً بینما كان یأكل مع المخلص رفع عقبه ضده، وصار خائنًا. ( لو24 ) أمثال هؤلاء ینالون جزاءهم عن غباوتهم، حیث أن رجاءهم یصیر باطلاً لعدم اعترافنا بالجمیل، فإن النار الأخیرة المعدة للشیطان وجنوده تنتظر أولئك الذین أهملوا النور الإلهي. هكذا تكون نهایة الإنسان غیر الشاكر. اشكروا الله في كل شيء. لكن خدام الله الأمناء الحقیقیین، لا یكفوا عن تمجید الله، إذ یعرفون أنه یحب الشاكرین. وهم یقدمون له الشكر في وقت الضیق كما في الفرح یقدمون التسبیح لله بشكر غیر مبالین بهذه الأمور الزمنیة، بل متعبدین لله إله كل الأزمنة.هكذا منذ القدم كان أیوب الذي وهب أكثر من كل رجال عصره یشكر الله عندما كان في نعیم. ولما حلت به الضیقة أحتملها بصبر، وإذ تألم كان یشكر الله.وأیضًا داود المتواضع في وقت الحزن یتغنى قائلاً "أبارك الرب في كل حین"وبولس الطوباوي لم یكف في كل رسائله عن أن یشكر الله ففي وقت الفرح لم یتوقف عن الشكر، وفي وقت الحزن كان یزداد تسبیحه لله عالمًا أن الضیق ینشئ صبراً، والصبر تزكیة والتزكیة رجاء، والرجاء لا یخزى إذن لنقتف آثار هؤلاء الرجال فلا یمر علینا وقت دون أن نشكر الله، خاصة الآن فإذ نحن في شدة بسبب الهراطقة الأریوسیین الذین یضادوننا، نسبح الله وننطق بكلمات القدیسین قائلین "هذا كله جاء علینا وما نسیناك" نعم فإننا حتى وإن كنا نتضایق محزونین فأننا نشكر الله، لأن الرسول الطوباوي الذي یقدم الشكر في كل وقت یحثنا أن نسلك في نفس الطریق على الدوام بقوله "في كل شيء…. مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" وإ ذ یرغب في أن نثبت على هذ ا الموقف یقول "صلوا بلا انقطاع . اشكروا في ك ل شيء " لأنه عارف أن المؤمنین یكونون أقویاء طالما هم یشكرون، وأنهم یفرحون هادمین حصون الأعداء (الشیاطین) كأولئك القدیسین الذین قالوا "لأني بك اقتحمت جیشًا وبإلهي تسورت أسواراً" إذًا لنثبت في كل الأوقات، خاصة الآن رغم ما یحیق بنا من أحزان وما یثیره الهراطقة ضدنا.دعنا إذن أیها الأخوة الأحباء نعید بشكر ذلك العید المقدس الذي یقترب منا الآن، ممنطقین أحقاء أذهاننا،متشبهین بمخلصنا یسوع المسیح الذي كتب عنه "ویكون البر منطقة متینة والأمانة منطقة حق ویة" لیمسك كل واحد منا بالجذع الذي من یسى، ولیحتذي باستعداد الإنجیل . لنحفظ الرسول –كقول الرسول- "لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والمحبة" واثقین أننا قد اصطلحنا خلال المسیح، غیر منفصلین عن الإیمان به، ولا مدنسین أنفسنا مع الهراطقة والغرباء عن الحق، هؤلاء الذین نشهد مناقشاتهم واردتهم عن خستهم. أما نحن فنفرح في أحزاننا وندخل أتون الحدید ونعبر ذلك البحر الأحمر المرعب دون أن یصیبنا أي أذى.هكذا أیضًا عندما ننظر إلى ارتباك الهراطقة نغني مع موسى بأغنیة المسیح قائلین "أرنم للرب لأنه قد تعظم"خر ١:١٥ . فنسبح مرتلین، إذ نرى الخطیة التي فینا قد طرحت في البحر، وأما نحن فنعبر إلى البریة.وإذ نتنقى بصوم الأربعین مع الصلوات والتداریب والأعمال الصالحة نستطیع أن نعبر إلى أورشلیم لنأكل الفصح المقدس. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
14 مايو 2021

سر قيامة المسيح

قرأنا معًا بدء تفسير القديس كيرلس الكبير على آية إنجيل يوحنا (6: 51)، وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»، ونستكمل الآن تفسيره لهذه الآية[لكن قد يقول قائلٌ، مثبتاً عين فهمه على قيامة الذين رقدوا: أن أولئك الذين لم يقبلوا الإيمان بالمسيح، ولم يصيروا شركاءه، لن يقوموا مرة أخرى في زمن القيامة. ماذا؟ ألن يعود الى الحياة ثانية، كل من مات؟] هنا يتساءل القديس كيرلس: ربما يقول شخصٌ ما: هل كل الموتى سيقومون في القيامة الثانية عند مجيء رب المجد ثانية من السماء، أم سيقوم المؤمنون بالمسيح فقط؟ أي هل خليقة الله التي خلقها على صورته ومثاله سوف تقوم ثانية بعد أن تفارق هذه الحياة المؤقته، أم مآلُها إلى زوال؟ خاصة الذين لم يؤمنوا به ولم يكن لهم شركة معه. ويجيب القديس كيرلس مستشهدًا بسفر إشعياء النبي حسب الترجمة السبعينية[لكن نقول عن هذه الأشياء، أجل، كل جسدٍ سوف يحيا ثانية، لأن كلمة النبوءة سبقت وأخبرت أن «الموتى سيقومون» (إش 26 : 19 سبع). لأننا نعتبر أن سرَّ قيامة المسيح يشمل كل الطبيعة البشرية، ونؤمن أن فيه أولاً (أي في المسيح) قد تحررت كلُّ طبيعتنا البشرية من الفساد. لأن الجميع سيقومون، على مثال ذاك الذي أُقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه، عندما صار إنسانًا] من تفسير القديس كيرلس يتضح أن القيامة الثانية، أي القيامة للحياة الأبدية، لم تكن تحدث لولا قيامة الرب يسوع من بين الأموات، لأن الطبيعة البشرية عندما اتحدت به نالت فيه أولاً الحرية من الفساد. وهذا ما سبق وقاله في بداية تفسيره لهذه الآية: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14-15). وهكذا شمل سر قيامة المسيح كل الطبيعة البشرية. ولم يكن ممكنًا أن نقوم لولا أننا كنا فيه عند تجسده وعند قيامته، أو كما يقول القديس كيرلس: «لأن الجميع سيقومون على مثال ذاك الذي أقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه». وهذا واضح من رسالة القديس بولس، والتي قرأناها الآن: «هَكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ» (1كو 15: 42). فلولا أننا نلنا عدم الفساد بسبب أننا كنا في المسيح، ما كان ممكناً أن نقوم للحياة. ثم يقول القديس كيرلس [وكما أنه في الإنسان الأول قد سقطنا في الموت، هكذا في البكر مرة أخرى، الذي صار (بكرًا) لأجلنا، سوف يقوم الجميع من الموت، لأنه كما هو مكتوب: «فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو5:29)، وإني أسلِّم بأن ما هو أكثر مرارة من الموت هو القيامة للعقاب، والقيامة مرة أخرى لنوال الخزي وحده] هنا يشرح القديس كيرلس أن آدم الأول كان بكر البشرية العتيقة، أما الرب يسوع فقد صار بكرًا لأجلنا لقد دُعي بكرًا في ميلاده: «فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ» (لو 2: 7)؛كما دُعي بكرًا بين إخوته: «لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو 8: 29)ومقابل آدم بكر الخليقة العتيقة، دُعي المسيح بكر الخليقة الجديدة: «اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو 1: 15)؛والبكر من الأموات: «وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كو 1: 18)؛وهو نفس اللقب الذي استمر معه حتى في الأبدية، حسب ما جاء في سفر الرؤيا: «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤ 1: 5) بعد ذلك يوضح القديس كيرلس معنى القيامة للحياة، فيقول[إذن بمفهوم أدق علينا أن نفهم الحياة كما هي في حقيقتها بأنها: «الحياة في المسيح»، في قداسة وغبطة وفرح لا يزول. لأن هذه هي الحياة حقاً التي يعرفها أيضاً يوحنا الحكيم، قائلاً «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً، بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ» (يو3 : 36). لأنه هوذا يتحدث، ويا للعجب، ويقول إن الذي لا يؤمن لن يرى حياة، رغم أن كل مخلوق سيعود إلى الحياة مرة أخرى، وسيقوم ثانية. لهذا من الواضح، أن المخلص لسبب معقول، قد سمى تلك الحياة المعدة للقديسين بأنها هي الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها، بقدومنا الى التناول من الجسد الواهب الحياة، الأمر الذي لن يرتاب فيه كل عاقل]هذه هي الحياة كما أوضحها الكتاب المقدس، وكما شرحها القديس كيرلس الكبير. الحياة هي «في المسيح»، وخارج المسيح ليس حياة. لأنه «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ» حسب قول القديس يوحنا في إنجيله (يو 1: 4)؛ وأيضًا في رسالته الأولى: «وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» (1يو 5: 11-12). وكيف تنتقل لنا الحياة التي في المسيح، لقد أوضحها القديس كيرلس بكل بساطة: «إنها الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها. ولكن كيف؟ بقدومنا إلى التناول من الجسد الواهب الحياة». أي بالشركة أو التناول من جسد المسيح المبذول من أجلنا وشرب دمه المسفوك من أجلنا. أليس هذا ما نقوله في كل قداس: يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أو كما كررناها كثيرًا في قسمة الصوم المقدس: «هَذَا هَوُ خُبْزُ الحَياةِ الذي نَزَلَ مِنَ السَماءِ، لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آَبَاؤُكُمْ المَنَّ فِي البَرَّيَةِ وَمَاتُوا؛ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَحْيَا إلى الأَبَدِ، وأنا أُقِيمُهُ في اليَوْمِ الأَخِيْرِ». خرستوس آنستي وكل عام وجميعكم متمتعين بأفراح القيامة، والمجد لله دائمًا. نيافة الحبر الجليل المتنيح الشهيد الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار
المزيد
13 مايو 2021

شخصيات الكتاب المقدس أمصيا

" فأرسل أمصيا كاهن بيت إيل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلاً: قد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل " (عا 7: 10) مقدمة تعد قصة أمصيا من أقدم القصص الكتابية التى تتحدث عما يطلق عليه " سلطان " الخادم أو " حقه " فى ممارسة الخدمة، وقد جاءت صورة أمصيا، من سوء حظه، جنباً إلى جنب مع صورة عاموس... وحسب الظاهر كان أمصيا الكاهن المعترف به رسمياً من الدولة، فقد صدر به مرسوم من الملك يربعام الثانى ملك إسرائيل، فهو الكاهن " الشرعى " حسب قوانين البلاد!!.ولم يكن عاموس سوى رجل يلبس ثياب الرعاة الخشنة، ويحيا أبسط حياة، بلا ثياب رسمية أو مظاهر فخمة يمكن أن تعطيه الحق فى الخدمة الدينية،... بل لعله أكثر من ذلك أخطأ - بحسب مفهوم أمصيا - إذ وهو من المملكة الجنوبية اقتحم الخدمة فى المملكة الشمالية، وهذا لم يكن جائزا قانونياً!!.. والسؤال الذى تطرحه قضية أمصيا هو سؤال " الشرعية " فى الخدمة، ومن هو صاحب الحق فيها، أهو أمصيا الكاهن الرسمى بأمر الدولة ونفوذها وسلطانها، أم هو المقتحم الدخيل الآتى إليها من أرض يهوذا من الجنوب؟ من اللازم أن ندرس لهذا كله قصة أمصيا، إذ أنها القصة التى تكررت وماتزال تتكرر فى كل مراحل التاريخ حول " الشرعية " فى المفهوم البشرى، و"الشرعية" فى مفهوم اللّه والحق الكتابى!!.. ومن ثم يحسن أن نرى القصة من الجوانب التالية: أمصيا الكاهن بمرسوم ملكى تطرح قصة أمصيا - كما أشرنا آنفا - قصة الشرعية فى الخدمة، من حيث الخادم والخدمة ذاتها، ومع أننا لا نعلم بالضبط متى عين أمصيا كاهناً فى بيت إيل، إلا أنه من المرجح أن خدمته فى بيت إيل فى أيام يربعام الثانى حفيد ياهو بن نمشى كانت فى حوالى عام 722 ق. م عندما سقطت السامرة، وأخذ أمصيا مع المسبيين إلى السبى ليحرث هناك!!.. على أى حال لقد كان أمصيا آخر السلسلة العجيبة من الكهنة الذين بدأ يربعام الأول عام 932 ق.م فى تعيينهم، ليكونوا كهنة مرتفعات، وقد استمر هذا النظام حتى سقوط السامرة، أى أن هذا النظام استمر قرابة مائتين وعشرة أعوام، هى عمر المملكة الشمالية، فهل تكتسب الشرعية فى الخدمة الدينية، بمجرد مرور السنين أو القرون على ذلك؟. وهل يحسب الكاهن كاهناً، لمجرد أنه ينتمى إلى تقليد قديم ربما نسى الناس أصله وفصله؟؟،.. من الواضح من قصة أمصيا أنه كان ختاماً لمجموعة من الكهنة استمرت أكثر من قرنين من الزمان، ولا يمكنه أن يكتسب الشرعية لمرور هذا الزمن الطويل حتى ولو تلاحقت عليه آلاف السنين، إذ أن اللّه لم يعترف قط بهؤلاء الكهنة، ولم يقبلهم أو يرض عنهم، لأن الشرعية دعوة إلهية، لا تكتسب بالتقادم على وجه الإطلاق!!.. إن من أكبر الخطايا التى سقطت فيها الكنيسة فى أوقات الظلام والفساد، هو هذا الإدعاء، بأن الخادم هو خادم شرعتى لمجرد أنه تسلم الخدمة، ممن هو أقدم، وأن هذا السلطان متوارث بصرف النظر عن المسلم أو المتسلم، وسيتاح لنا عندما ندرس قصة عاموس فى شخصيتته الخاصة به، أن نتحدث عن هذا باسهاب، لندرك أن عاموس الذى لم يكن يستند إلى شرعية الوراثة المزعومة، كان هو الخادم الصحيح، وأن أمصيا (ولو أن وراءه أكثر من مائتى عام من الشرعية المعترف بها من الدولة) لم يكن إلا كاهناً كاذباً هو والذين قبله من أولهم إلى أخرهم!! كما أن الشرعية المزعومة يثبت فسادها من وجه آخر، من الأسلوب الذى كانت تلجأ إليه وتستخدمه فى الوصول إلى كرسى الكهنوت، فهى تستخدم كل الوسائل أو الوسائط البشرية، ولا تعف عن استخدام الأساليب الدنيوية لما للكرسى من امتيازات أرضية ومادية كبيرة، ومن هنا نشأ ما يعرف بالسيمونية " على مذهب سيمون الساحر: " ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم قائلاً: "أعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان حتى أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس، فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدارهم. ليس لك نصيب ولا قرعة فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام اللّه، فتب عن شرك وأطلب إلى اللّه عسى أن يغفر لك فكر قلبك " " أع 8: 18 - 22 " وما أكثر ما لعبت الدراهم دورها الرهيب فى هذا الشأن، وقد تحول بيت اللّه إلى مغارة لصوص ويزداد الأمر سوءاً عندما تختلط السياسة بالدين، فلا تكتفى السياسة بادخال المال إلى الساحة من أوسع الأبواب، بل تدخل الأوضاع الأخرى التى هى أشد رهبة ونكراً، ويحرص الساسة على أن يجعلوا على كرسى موسى الصدوقيين، وليس الفريسيين، وكان الصدوقيون ممن لا يؤمنون بالقيامة واليوم الأخير، وهم لذلك أصلح الناس عند الرومان للقيادة الدينية، وكان منهم حنان وقيافا والعدد الكبير من أعضاء السنهدريم، وهم الواجهة التى تفسد الدين باسم الدين، وليس هناك من هو أقدر على تضليل الجماهير مثل رجل الدين الذى يخدم السياسة باسم الدين، وهو العدو الأول للحق الإلهى، ولو ظهر مندثراً فى ثياب كهنوتية، ويجلس على الكرسى الذى قال عنه السيد المسيح: " على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون: فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعلموا لأنهم يقولون ولا يفعلون ". " مت 23: 2 و3 "وكانت الشرعية المزعومة كاذبة من حيث الخدمة نفسها، لقد تعاقب على المملكة الشمالية تسعة عشر ملكاً كانوا كلهم أشراراً، وقد بدأ يربعام بن نباط هذا الشر بتحويل المجرى الدينى للخدمة، إلى الوثنية البشعة، لقد خشى أن تحن الأسباط إلى الوحدة مع يهوذا عندما يصعدون كل عام لتقديم الذبائح فى أورشليم فعمل عجلى ذهب، أحدهما فى بيت إيل، والآخر فى دان، ليبعد بالإسرائيليين عن أورشليم وذكراها، وكان يقصد بالعجلين أن يتصور اللّه فيهما، لأن العجول فى البلاد الزراعية ترمز إلى الخير والبركة، وكان الذهب يلمع فى عينيه كلما دخل إلى البيت أو خرج منه، ومن المؤلم حقاً أن ذلك المكان الذى رأى فيه يعقوب سلم السماء، تحول إلى هذه الصورة البشعة من الوثنية ومهما قيل عن الشريعة، فإنها برهانها الأعظم هو فى حياة الخادم وأسلوب خدمته!!.. لقد ابتلعت عصا موسى عصى العرافين، وكانت برهاناً على الفرق البين بين الحق والكذب، وقال بولس للكورنثيين: " إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فى الذى ليس ضعيفاً لكم بل قوى فيكم " " 2 كو 13: 3 ".كانت الخدمة عند أمصيا نوعاً من أكل العيش " وقد أفصح عن ذلك عندما تحدث إلى عاموس قائلاً: " وكل هناك خبزاً، وهناك تنبأ ". " عا 7: 12 " وما أكثر الذين يحيون ليأكلوا خبزاً، ويشربوا خمراً، ويأخذوا مركزاً، فالخدمة عندهم لا تزيد عن المغنم الذى إليه يسعون ويتجهون.إن امتحان الشرعية يظهر فى وضعه الصحيح من اليد النظيفة: " من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم فى موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقى القلب الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً " " مز 24: 3 و4 " وعندما تساءل قوم من الكورنثيين عن شرعية الرسول بولس، ومركزه من الخدمة أجاب: " أهم خدام المسيح أقوال مختل العقل. فأنا أفضل. فى الأتعاب أكثر فى الضربات. أوفر فى السجون أكثر فى الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلده إلا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بى السفينة. ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق. بأسفار مراراً كثيرة. بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنس. بأخطار من الأمم. بأخطار فى المدينة. بأخطار فى البرية. بأخطار فى البحر. بأخطار من أخوة كذبة. فى تعب وكد. فى أسهار مراراً كثيرة. فى جوع وعطش. فى أصوام مراراً كثيرة. فى برد وعرى. عدا ما هو دون ذلك. التراكم على كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس " " 2 كو 11: 23 - 28 " وهل هناك برهان على صحة الخدمة أو حقيقتها أقوى من هذا البرهان؟!!. كان الشئ الأخير فى الشرعية عند أمصيا متصلا بالمكان أو دائرة النفوذ، وهو لذلك لا يقبل أن يقتحم عليه عاموس مكانه،.. لقد أخذ هو بيت إيل بمقتضى المرسوم الملكى ليكون مركز نفوذه وسلطانه، وهو على استعداد أن يصارع أى إنسان آخر يدنو من كرميه أو يعمل بين رعيته،.. ومن المؤسف أنه ما تزال إلى اليوم هذه الصورة على وضعها البشع، فى كثير من الأماكن، وبين المذاهب المسيحية المختلفة.. فعندما يكرز خادم من خدام اللّه بالكلمة يسأل: من أى مذهب هو، وما سلطانه وحقه فى الكلام بين أبناء المذاهب الأخرى؟؟، وتصبح الأذن صماء بالنسبة لرسالته، لأنه يتكلم وهو ابن مذهب معين إلى آخرين ينتمون إلى مذهب مخالف لمذهبه!!.. ومن المؤسف أيضاً أن أبناء المذهب الواحد يتصارعون على الأعضاء، وكيف يتحدث راع من كنيسة أخرى إليهم أو يزورهم أو ينادى لهم برسالة الإنجيل أو يبشرهم بكلمة الخلاص؟، وبدلا من أن يشكر على هدايتهم ومعونتهم، يقال له ما قاله أمصيا لعاموس: " أن اذهب... إلى أرض يهوذا... وهناك تنبأ!!.. أمصيا الكاهن والادعاء الكاذب كان على أمصيا أن يسعى بكل جهده لإخراج عاموس من إرض إسرائيل وهو لا يعنيه، فى شئ ما يقول عاموس خارج هذه الدائرة، أن الحق والباطل عنده يتساويان خارج دائرة نفوذه وسلطانه،.. وفى الحقيقة إن الحق والباطل عنده يتساويان إذا ضمنت له لقمة العيش والبقاء فى المركز!!.. وكم من أناس يدعون الغيرة على بيت اللّه ومجد اللّه، والقضية الدينية عندهم لاتزيد عن هذين الأمرين: المال، والمركز..!!، أعطهم الإثنين وهم على استعداد أن يعبدوا عجل الذهب، لأنهم أصلا عبيد الذهب أينما ذهبوا يسعون وراء المال كيفما مال بهم واتجه!!.. أما إذا دخل أحد بينهم وبين الإثنين أو بينهم وبين واحد منهما فهنا الطامة الكبرى، والمصيبة التى لا تحتمل، وهنا يحل الكذب والاتهام والافتراء والنميمة وكل الصور التى تشوه الآخرين أو تنال من سمعتهم أو رزقهم أو مركزهم أو حياتهم أيضاً، ويصبح القضاء عليهم واجباً مقدساً، يسهرون من أجله، ويكافحون سبيله دون أدنى تراخ أو تراجع أو يأس أو سكون،... وقد سلك أمصيا فى ذلك أكثر من سبيل، فهو يشى إلى الملك، ولا يتكلم بالرواية الصحيحة، بل يشوها تشويها، فإذا كان عاموس يبين أن الخطية ستنتهى بالأمة إلى الخراب، وتذهب بالشعب إلى السبى، فهو يصور هذه الأقوال فى صورة فتنة يتعمدها عاموس، وهى ليست أقوالا من الرب، بل هى كلمات الثورة والفتنة التى يسببها الرجل الآتى من أرضى يهوذا،... ويبدو أن يربعام لم يهتم كثيراً بأقوال أمصيا، وإذاً فلابد من مواجهة عاموس نفسه، والعمل على تخويفه ليهرب إلى أرض يهوذا،... وهو يلوح له إلى جانب التهديد من طرف خفى - بأن أرض يهوذا أكثر مكسباً من أرض إسرائيل، فلماذا لا يذهب إلى هناك ويأكل خبزاً؟!!... كان أمصيا فى هذا كله ابناً للشيطان ورسولا منه، والشيطان فى العادة يحاول دائماً أن يسكت الحق الإلهى بالوعيد أو بالوعد، بالتهديد أو الإغراء، وسجلاته فى كل العصور خير شاهد علي ذلك!! وقف أحد الرهبان فى كنيسة من الكنائس الألمانية غداة حرمان مارتن لوثر، وكان قد ذهب إلى هذه الكنيسة ليعلن قرار الحرمان، وقف يقول: " أيها الآباء والأخوة والأبناء: إن الكنيسة عانت طويلا من سم حية نشأت بين أحضانها، هذه الحية هى " مارتن لوثر، والسم هو تعاليمه التى ينشرها!! ولا حاجة بى إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله، فهو، أولاً، فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس، الذى جعل من الميسور بيع صكوك غفران الخطايا عند أبوابنا، وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة، والغفرانات، ويمنع خلاص النفوس، قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة فى وتنبرج، وانتشرت من هناك فى كل المانيا. وكثيرون يموتون فى خطاياهم ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج، وقد كانت الكنيسة مترفقة به إذ وعدته بالعفو إذا تراجع، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردنيال كاجيتان الذى تعامل معه بلطف دون جدوى، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج، كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور أيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان وقد أضحى الآن أكثر غطرسة، وقسوة... إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات، بل بدأ يهاجم البابا نفسه، وقد كتب كتباً عديدة ممتلئة بالباطل والأضاليل، ويزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين، وأبعد آلافاً عن الأم الحقيقية الوحيدة الكنيسة، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب ".أغلب الظن أن أمصيا وعظ فى بيت إيل بمثل هذه العظة للشعب المضلل المنكوب!!.. أمصيا الكاهن والعقاب الرهيب تنبأ عاموس على أمصيا، وقد اتسمت نبوته بالوضوح القاطع، وهنا يفترق الصدق الإلهى عن همهمات وإدعاءات الرؤى الوثنية، أو - كما قال أحدهم - إن العرافين فى العادة لا يقطعون برأى، بل يضعون نبواتهم فى كلمات غامضة تحتل أكثر من معنى ليكون الأمر عند التفسير أقرب إلى ما قد يجئ به التنفيذ، وهم على استعداد أن يدعوا أن هذا هو ما كانوا يقصدونه من البدء، إذ تصادف أن اقتربت الحقيقة إلى ما يزعمون، لكن نبوة النبى الصادق تتحدى الأنبياء الكذبة حتى ولو كانوا أربعمائة نبى يتحدثون بلسان واحد وعلى رأسهم صدقيا بن كنعنة الذى عمل لنفسه قرنى حديد وقال لآخاب: " هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميين حتى يفنوا، وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين اصعد إلى راموت جلعاد وافلح فيدفعها الرب ليد الملك " " 1 مل 22: 11 و12 " أما ميخا بن يمله نبى اللّه الصادق فإنه لا يتردد فى أن يصف الأربعمائة من الأنبياء بأنهم كاذبون مضللون، وأن الشيطان قد وضع فى أفواههم جميع أقوالا كاذبة، وأن مصيره سينتهى فى المعركة، وإذ يصفعه صدقيا بن كنعنه على فكه قائلا: " من أين عبر روح الرب منى ليكلمك؟ فقال ميخا: إنك سترى فى ذلك اليوم الذى تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبئ " 1 مل 22: 24 و25 " وإذ يسجنه آخاب طالباً أن يضعوه فى السجن، وأن يطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى يعود بسلام: " فقال ميخا: إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى.وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون" " 1 مل 22: 28 " كان ميخا واضح الرؤيا، شديد الثقة، دون اهتزاز أو تذبذب أو تتردد، والأمر بعينه كما يذكره ذلك الأرامى فى شهادته أمام الملك عن أليشع " ولكن أليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تكلم بها فى مخدع مضجعك " " 2 مل 6: 12 ".. بل لعل الأمر يبلغ قمته، عندما حلم نبوخذ ناصر حلمه، وأغلب الظن أنه نسيه، ومع ذلك فهو يطلب من حكماء بابل أن يبينوا له الحلم وتعبيره " وأجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك. لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوس أو سامر أو كلدانى. والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " " دا 2: 10 و11 " وإذ يسمع دانيال، ويتجه بالصلاة إلى اللّه، وهو زملاؤه الثلاثة فتية، يكشف له السر فيدخل إلى نبوخذ نصر مسرعاً ليقول: " السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك. لكن يوجد إله فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون فى الأيام الأخيرة " " دا 2: 27 و28 ".. ويذهل نبوخذ نصر من هذه المعرفة العجيبة إلى درجة أن يخر ساجداً على وجهه إلى الأرض أمام دانيال،... وعلى هذا المنوال كانت رؤيا عاموس واضحة أمام عينيه وهو يتنبأ عن أمصيا كاهن بيت إيل، ولم يتردد فى ذكرها للرجل بكل أمانة وشجاعة، رغم ما تمتلئ به من عنف وشدة وقسوة،.. لم يحاول عاموس أن يصقل كلامه أو يخفف من واقعه على أذنى الرجل، بل كانت كلماته كالمطارق القاسية التى تهوى على رأسه دون أدنى شفقة أو رحمة، وقد كانت النبوة فى الحقيقة مفزعة ومخيفة!!.. إذ كانت. 1- الفضيحة القاسية: وأى فضيحة أقسى وأشد من القول: " امرأتك تزنى فى المدينة " " عا 7: 17 " والكلمة يمكن أن تفسر من اتجاهين، إما أن الرجل يلصق به العار لخيانة زوجته له،.. فلقد خان هو اللّه وزنى عنه، أو أصبح رئيس الزناة بعبادته الوثنية وتكريس حياته لخدمة عجل الذهب،.. والبعد عن اللّه فى لغة الكتاب هو زنى: " لأنه هو ذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزنى عنك " " مز 73: 27 " والذهاب وراء كل إله غريب، مهما يكن لونه أو شأنه هو الفسق أمام اللّه، بدون أدنى حرج أو حياء أو خجل، ومن المؤلم أن اللّه أقام نبينا، وجعل قصته تجسيداً لهذه الحقيقة عندما: " قال الرب لهوشع إذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب. فذهب وأخذ جومر بنت ديلايم فحبلت وولدت له ابناً " " هو 1: 2 و3 "... وقد تحولت أمة إسرائيل كلها إلى أمة زانية بهذا المعنى، عندما انصرفت عن اللّه، وتحولت إلى الهوى والشهوة وراء الآلهة الغريبة، فكان لابد أن يكون الجزاء من جنس العمل،.. ومن المحتمل أن زوجة أمصيا انصرفت عنه وفسدت دون تورع، كانصرافه عن الحق الإلهى، وسيره وراء التيه والفساد والبطلان،.. أو أن الأمر يمكن أن يؤخذ من اتجاه آخر، إذ تغتصب زوجته فى المدينة من ورائه أو على مرأى عينيه، عندما يدخل الغزاة ويتم السبى،.. وما أقسى ما يحدث، فى مثل هذه الظروف والأحوال، من أوقات الحروب، كعقاب مخيف مفزع من اللّه! ألم يقل إشعياء: " وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم " " إش 13: 16 " وقال زكريا الشئ نفسه: " فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء "... (زك 14: 2) وسواء أكانت الصورة بالمعنى الأول أو الثانى، فإنها أشبه الكل بعقدة " أوديب " العقدة التى حلت بالشاب اليونانى الذى قيل إنه قتل أباه، وتزوج أمه، وهو لا يعلم، وعندما أدرك ذلك فقأ عينيه، وخرج هارباً فى الأرض كقايين، تروعه عذابات الضمير، دون أن يستريح أو يهدأ أو يلوى على شئ!!.. إن الخروج على اللّه هو الفضيحة بعينها، ولا بد أن تكشف هذه الفضيحة فى هذه الصورة أو تلك، وما عمل فى الخفاء سيرى الناس عقابه علانية وتحت ضوء الشمس فى كل مكان!!.. 2- ضياع الأرض.. " وأرضك تقسم بالحبل " " عا 7: 17 " ونحن نعلم أن الأرض كانت مقدسة، وهى ملك لصاحبها بالوكالة، لأنها أساساً للّه، وكانت إذا بيعت أو اشتريت، فإن ذلك إلى يوم اليوبيل الخمسينى لتعود مرة أخرى إلى صاحبها، لكن الأشوريين لا يعرفون شيئاً عن هذا اليوبيل، وكما اغتصبت الزوجة، تغتصب الأرض أيضاً اغتصاباً،.. لقد عاش أمصيا للأرض دون أن يرفع عينيه إلى السماء، وبحث عن الذهب، وعبده، ومال وراءه،.. وها هى الأرض أيضاً تؤخذ بما فيها وما عليها، والحرام لا يذهب وحده كما يقولون، بل يأخذ الحلال والمقدس معه،.. وإذا كان الناس يقولون إن الجريمة لا تفيد، فإنه الأصح أن يقال دائماً، إن الخطية لا يمكن أن يكسب الإنسان من ورائها أدنى خير أو مكسب،.. لقد جند أمصيا نفسه ليجمع الثروة والمال من وراء خدمة عجل الذهب تعبد له، وأقيم كاهناً لخدمته، وها قد ذهب المال والعجل وكل شئ، وحل محلها الفقر والضياع والعدم والهلك!!.. 3- الموت البشع: " وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف " " عا 7: 17 " وأى منظر أشد هولا أو رعباً، من منظر الأولاد والبنات، وهم يقتلون على مرأى عينيه،.. أليس هؤلاء الأولاد أو البنات هم الذين من أجلهم سعى لاقتناء الثروة، وجمع الكنوز، وتكديس المال، وكان أقصى ما يحلم به أن يوفر لهم الحياة الهانئة والعيش الرغد؟، وها هو المال يذهب، وفى إثره يقتل أحب الناس إليه فى الأرض!!.. 4- النهاية التعسة: " وأنت تحرث فى أرض نجسة " " عا 7: 17 " ولم يبق للرجل بعد هذا كله سوى جسده، ونفسه،.. وهما أيضاً معاً سوف يعذبان، إذ سيؤخذ إلى السبى، ويبقى هناك على أتعس الذكريات وأشرها فكراً، وسيموت محاطاً بالدنس من كل جانب، لأن الدنس ملأ نفسه من الداخل، وهل لنا أن نتصور أمصيا وقد قبض عليه وسار سير المسبيين فى الأرض، وجر كما يجر الحيوان بالسلاسل والأغلال، وسار فى الفيافى والقفار، حتى انتهى إلى الأرض القريبة، وعاش ميتاً، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وهوى وثوى فى الأرض النجسة الغريبة كأتعس ما تكون نهاية القصة والمأساة لأى إنسان أحسن ظنه بالأيام والليالى، ولم يدر أن الزمن قلب، ومفاجآت الحياة للأشرار دونها كل مفاجأة.. 5- سبى الأمة كلها: " وإسرائيل يسبى سبياً عن أرضه " " عا 7: 17 " ومن العجيب أن يقال هذا الكلام فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل، إذ كانت البلاد، فى ألمع أيامها الذهبية، من الوجهة السياسية والاجتماعية، وكان الناس ينامون على أسرة من العاج، كما نرى فى نبوات عاموس، وكانوا يسترخون على نغم الموسيقى الراقصة أو الحالمة " انظر عا 6: 1- 7 " ولكن عاموس - شأنه شأن الأنبياء الصادقين - لم يخدع بالمظهر البراق أو الصورة الخلابة، إذ رأى الدنس والخطية والخراب والموت خلف الكل،.. وعندما جاءت هذه النهاية كانت مرعبة مرهبة فظيعة، إذ لم يسقط الأسباط العشرة تحت جحافل الأشوريين فقط، بل قضى على كيانهم السياسى والاجتماعى والقومى والدينى إلى الأبد. وإلى اليوم، لا يكاد يعرف أحد مصير هذه الأسباط. لقد كان عقابهم كخطيتهم قاسياً مفزعاً مروعاً رهيباً!! أجل: لأن أجرة الخطية هى موت، وأما هبة اللّه فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا " " رو 6: 23 "..
المزيد
12 مايو 2021

القيامة تعلن أنه قد مات الموت وانفتح الطريق إلى الأبدية بأفراحها

أهنئكم يا أبنائى وأخوتى الأحباء بعد القيامة المجيد ، راجياً لكم حياة سعيدة مباركة ، ثابتة فى الله ومحبته 0 وراجياً للعالم كله سلاماً وهدوءاً وحلاً للمشاكل الإقليمية والمحلية 00 وما أجمل أن ننتهز مناسبة هذا العيد ، لكى نتأمل فى القيامة : ما هى ؟ وما بعدها ؟ القيامة هى انتصار على الموت الذى ساد على جميع البشر بل هى نهاية للموت كما قال الكتاب " آخر عدو يبطل هو الموت " ( 1كو 15 : 26 ) 0 فيها تهتف قلوب الجميع : لقد مات إلى الأبد 0 وانفتح أمام البشرية طريق الأبدية السعيدة ، بكل ما فيها من أفراح ومتعة روحية الموت الذى انتصر على كل إنسان ، سوف تنتصر عليه القيامة العامة 0 ولا يوجد فيما بعد ، سيغنى الجميع قائلين : لقد مات الموت وما أجمل ما قيل عن ذلك فى سفر الرؤيا " والموت لا يكون فيما بعد ، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد 0 لأن الأمور الأولى قد مضت " ( رؤ 21 : 24 ) وقد يقول البعض إن القيامة هى عودة الإنسان إلى الحياة 0 وفى الواقع إن هذا التعبير غير دقيق فالإنسان يتكون من عنصرين : أحدهما حى بطبيعته وهو الروح 0 والعنصر الآخر قابل للموت والتحلل وهو الجسد 0 وعندما يموت الإنسان ، إنما يموت جسده ويعود إلى التراب كما كان ( جا 12 : 7 ) وتعود روحه إلى الله ، وتبقى حية فى مكان الانتظار إلى يوم القيامة ، حين تعود إلى الجسد المقام ولأن روح الإنسان تبقى حية بعد موته ، تكون لنا صلة بلأرواح القديسين فى العالم الآخر ، نطلب صلواتهم من أجلنا 0 كما يحدث أحياناً أن الله – تبارك إسمه 0 يرسل بعض هذه الأرواح إلى عالمنا ، لتبليغ رسالة أو لإجراء معجزة 00 ولأن روح الإنسان لا تموت بموته ، لذل نقول لك فى صلواتنا " 00 ليس موت لعبيدك ، بل هو انتقال " 0 ونقصد انتقال الروح إلى العالم الآخر بالقيامة ينتهى تاريخ الموت إلى الأبد ، ولا يكون له فيما بعد سلطان على الناس فأجساد القيامة ستكون أجساداً روحية لا يقوى عليها الموت 0 كما أن الموت كان فى الحياة قبل القيامة ، هو عقوبة الخطية منذ أيام أبينا آدم 0 وبعد القيامة لا تكون هناك خطية ، ولا يكون هناك موت الأبدية – بعيد القيامة – هى موطن الحياة الدائمة 0 لذلك قيل عن الأبرار إنهم يحيون إلى الأبد ، أو تكون لهم حياة الأبدية " ( دا 12 : 2 ) وقيل " يمضى الأبرار إلى حياة أبدية " ( مت 25 : 46 ) وهناك نوع آخر من الموت سينتهى ، هو موت الخطية فالخطية تعتبر حالة موت ، موت روحى ، لأنها انفصال عن الله الذى هو مصدر الحياة الحقيقية ( يو 1 : 4 ) ( يو 14 : 6 ) ولذلك حسناً قال الرب لراعى ساردس المخطئ " إن لك إسماً أنك حى ، وأنت ميت ! " ( رؤ 3 : 1 ) وقال الأب عن توبة ابنه الخاطئ " ابنى هذا كان ميتاً فعاش " ( لو 15 : 24 ) فما دامت الخطية هى حالة موت أدبى وروحى ، وفى الأبدية لا تكون خطية ، إذن سوف يزول هذا الموت بعد القيامة ، ولا يكون له وجود فى عالم الأبرار والقيامة هى لون من التجلى للطبيعة البشرية 0 ويشمل ذلك التجلى الجسد والروح كليهما معاً فنقوم بأجساد روحانية نورانية سماوية ، غير قابلة للفساد ( 1 كو 15 : 42 – 49 ) 0 فهى غير قابلة للتحلل ولا للموت 0 أجساد لا تمرض ولا تتعب ، ولا تشكو ألماً ولا وجعاً 0 ولا تتعبها شهوة ولا غريزة 0 ولا تنتقلها المادة ، بل تكون خفيفة فى كل تحركاتها وتنقلاتها نقوم أيضاً بأجساد لا عيب فيها ولا نقص 0 فالأعمى لا يقوم أعمى ، بل يعود إليه البصر 0 والضعيف لا يقوم ضعيفاً ، بل يمنحه الله قوة 0 والمشوه وغير الجميل ، لا يقوم هكذا 0 بل يلبس فى القيامة جمالاً وبهاء 00 ففى القيامة يعوض الله الإنسان على كل نقص قاسى منه فى هذا العالم الحاضر 0 ويعطيه أن يقوم بجسد ممجد ، " على صورة جسد مجده " ( فى 3 : 21 ) وهكذا الروح أيضاً ، سوف تتجلى بالنقاء والصفاء والبساطة تتجلى بنقاء أكثر مما كان لآدم وحواء قبل السقوط ، حينما كانا فى الجنة عريانين ولا يخجلان ( تك 2 : 25 ) إذ كانا فى براءة عجيبة لا تعرف الخطية 0 ولكن طبيعتهما مع ذلك كانت تحتمل الخطأ ، وفعلاً أخطأ الإثنان أما فى الأبدية فسوف توجد براءة غير قابلة للسقوط 0 وتزول من الذهن كل معرفة الخطية 0 بل تنتهى الخطية إلى الأبد 00 وهذا هو الذى قصده القديس بولس الرسول بقوله " وأخيراً وضع لى إكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الديان العادل ، وليس لى فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً " ( 2 تى 4 : 8 ) إذن تجلى الأرواح فى الأبدية هو أن تتكل بالبر ، وتصير كملائكة الله فى السماء ( مت 22 : 30 ) براءة كاملة لا تعرف الخطية ، ولا تشتهيها ، ولا تجول فى ذهنها إطلاقاً 0 وذلك بأن ينسى الإنسان نسياناً كاملاً كل ما كان فى العالم من خطيئة ومن شر ، أثناء حياته فيه 0 وهكذا يتنقى القلب والفكر تماماً 0 ويعيش الكل فى حياة روحية ، لهم البصيرة الروحية ولهم الحس الروحى وليسوا فقط يتنقون من الخطأ 0 وأنما أيضاً من الناحية الإيجابية تكون لهم ثمار الروح ، التى شرحها الكتاب بقوله " وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام 00 لطف صلاح إيمان 00 " ( غل 5 : 22 ، 23 ) يزول تماماً الصراع الذى كان فى العالم ، سواء الذى بين الناس ، أو الذى كان بين الروح والجسد 0 حينما كان " الجسد يشتهى ضد الروح ، والروح ضد الجسد 0 وهذان يقاوم أحدهما الآخر " ( غل 5 : 17 ) إذ يصبح الجسد والروح فى الأبدية ، فى خط واحد ومسيرة واحدة ، لا تناقض بينهما ولا صراع كما تزول الخصومات والمشاكل والمتاعب 00 ويعيش الناس فى عالم حب وتفاهم 0 ويكون للكل لغة واحدة يتفاهمون بها معاً ، لعلها لغة الروح 0 وفى حديثهم وتسبيحهم يكون لهم لسان واحد وفهم واحد وتزول الثنائية التى عاش فيها الإنسان بعد الخطيئة 0 ثنائية الحق والباطل ، والحلال والحرام ، والصواب والخطأ 00 لأنه سوف لا يكون فى الأبدية بعد القيامة سوى الحق فقط 0 ولا يكون مجال للاختيار بين طريقتين 0 فليس سوى طريق واحد يسير فيه الجميع ولا يعرفون غيره وبعد القيامة يعيش الأبرار فى فرح دائم ، نسميه النعيم الأبدى 0 فما هى ألوان هذا الفرح الذى يتمتع به الأبرار 0 أولا فرح الدخول إلى ملكوت السموات 0 فرح الانتصار على العالم وعلى الخطية والشيطان 0 هذا الانتصار الذى يؤهل الروح إلى الدخول فى الملكوت 0 ذلك لأن ملكوت الله لا يدخله إلا الغالبون المنتصرون ، الذين استطاعوا خلال فترة عمرهم على الأرض ، أن ينجحوا فى كل الحروب الروحية ، ويظهروا أن محبتهم لله كانت فوق كل إغراء وكل شهوة أخرى 0 فاجتازوا فترة اختبارهم بسلام يفرحون فى الأبدية أيضاً بعشرة الملائكة والقديسين إنها متعة عظيمة بلا شك أن يتعرف الإنسان فى الأبدية على كل الأنبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم فى الكتب المقدسة ، أن تعرف على كل الشهداء فى كافة عصور التاريخ ، ةتعرف على كل الآباء القديسين ، وكل الرعاة الصالحين ، وكل الذين أتصفوا بفضائل عميقة ميزت حياة كل منهم عن غيرها 0 كما يتعرف أيضاً على كل أبطال التاريخ الذين عاشوا حياة صالحة ، وكل الشخصيات البارزة قرأ عنها من قبل فى الكتب ، وكانت مقبولة أمام الله 000 معرفة كل هؤلاء وأمثالهم تملأ القلب فرحاً 0 أما معاشرتهم والحياة معهم والصلة بهم ، فهذه متعة أعمق هؤلاء الأبرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب " كورة الأحياء " ( مز 27 : 13 ) ، أى الذين فى الحياة الحقيقية الدائمة التى لا خوف عليها من موت فيما بعد على أن المتعة فى النعيم الأبدى ، لابد أن تتفاوت فى الدرجة الكل يكونون فى فرح وفى مجد ، ولكن ليس الكل فى درجة واحدة 0 وكما قال الكتاب عن ذلك " لأن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد " ( 1 كو 15 : 41 ) 0 إن الله فى الأبدية سيكافئ كل واحد حسب أعماله ( رؤ 22 : 12 ) أو كما قيل " لينال كل واحد ما كان بالجسد ، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً " ( 2 كو 5 : 10 ) 0 ولا شك أن أعمال الناس تختلف فى الدرجة وفى النوع والعمق ومقدار الروحانية ، ومقدار المحبة نحو الله فعلى حسب جهاد الإنسان على الأرض ، تكون مكافأته فى السماء ، ويكون نوع إكليله فى الملكوت وحتى الأقل درجة فى السماء ، لا يشعرون بنقص لأن الشعور بالنقص يجلب الحزن 0 والحزن لا يتفق مع النعيم الأبدى 000 ‍ ! يمكننا تشبيه الأمر بعدد كبير من الأوانى منها الكبير ومنها الصغير ، والكبير جداً ، والصغير جداً ، والمتوسط 0 وكلها ممتلئة 0 أصغر واحدة فيها لا ينقصها شئ هكذا الأبرار فى الأبدية 0 كلهم ممتلئون فرحاً ، لا يشعر أحد منهم بنقص 0 وكل منهم فى مجد ، يشعر بالمكافأة 0 ولكن درجة الواحد غير درجة الآخر 0 مثال آخر : لنفرض أن جماعة من الرفاق والأقارب ، ذهبوا للقاء إنسان عزيز عليهم جداً قد عاد من غياب طويل فى سفر 0 الكل يحبونه ، والكل مشتاق إليه ، والكل فى فرح بعودته 0 ولكن فرح كل منهم تكون درجته بحسب ما فى قلبه من حب وشوق 0 وقد تتفاوت درجة حبهم ، ولكن الكل شعر بالفرح 0 إننا نفرح بالقيامة ، لأنه فرح بالخلود ، وبالنعيم 0 ولكننا لا نستطيع أن نصف تماماً كنه هذا الفرح 0 اللغة قاصرة عن التعبير ، والفهم أيضاً قاصر ، والخبرة غير موجودة لأن ساعتها لم تأت بعد 0 ويكفينا ما قاله الكتاب عن النعيم الأبدى : " ما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1كو 2 : 9 ) 00 مهما يخطر على فكرك من أوصاف ، لا يمكن أن تعبر عن الحقيقة ، لأن ما أعده الله للبرار " لم يخطر على بال إنسان " ولعل فى قمة متع الأبدية : معرفتنا لله 0 الآن " تعرف بعض المعرفة " ( 1 كو 13 : 12 ) 0 ولكن معرفتنا هذه تعتبر كلا شئ بالنسبة إلى الله غير المحدود 0 ولذلك قيل فى الإنجيل المقدس " هذه هى الحياة الأبدية ، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك 00 " ( يو 17 : 3 ) 00 كل يوم يمر علينا فى الأبدية ، سنعرف فيه شيئاً جديداً عن الله ، يبهر عقولنا ويشبع قلوبنا 0 ونقف فى دهش وذهول ، ونقول : كفانا كفانا 0 نحتاج إلى زمن حتى نستوعب هذا الذى كشفه الرب لنا عن ذاته ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر ، على قدر ما تحتمل طبيعتنا البرية 0 ومع كل ذلك تبقى طبيعتنا محدودة ، تحاول الاقتراب من الله غير المحدود ، لتعرف وتبتهج بالمعرفة حقاً متى نصير من العارفين بالله ؟! 00 يقول الكتاب " هذه هى الحياة الأبدية ، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك 00 " ( يو 17 : 3 ) هنا وأقول : إن المتعة فى الأبدية ستكون فى نمو مستمر ، وتعدد لأنه لو وقف نمو متعتنا ، أو تنوعها ، قد تتحول مشاعرنا إلى روتين أو إلى جمود ولكن مخازن الله مملوءة خيرات ، ومنابعه لا تنضب 00 وكل متعة سوف نتمتع بها ستكون فى الأبدية مثل نقطة فى محيط يكفى الشبع الروحى ، والشبع بالله نفسه ، هذا الذى سنكون فى دوام الشوق والحرقة إليه 0 وكما قال السيد المسيح له المجد " طوبى للجياع والعطاش إلى البر ، لأنهم يشبعون " ( مت 5 : 6 ) ومهما اشبعنا الله ، سيبقى شوقنا إليه قائماً 00 إلى متى ؟ إنها الأبدية إن كانت الأبدية هكذا ، فما هو استعدادنا لها ؟ ليتنا نضع القيامة الأبدية أمامنا فى كل حين ، ونعمل لملاقاتها نعمل بالإيمان بالله ، وبنقاوة القلب ، وبنمو محبتنا لله ، وصفاء معاملاتنا مع الناس 0 ونعمل للأبدية بعمل الخير كل حين ، على قدر ما نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة لئلا مع وجود الأبدية والنعيم ، يوجد إنسان محروماً منهما آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالأبدية ، حسبوا أنفسهم غرباء على الأرض ( عب 11 : 13 ) ، مشتاقين باستمرار إلى السماء ، يعملون من أجل استحقاق الوجود فى عشرة الله والملائكة والقديسين أرجو لكم يا أخوتى جميعاً حياة سعيدة على الأرض ، وعملاً دائماً من أجل الأبدية 00 وليتنا ننتهز هذه الفرصة لنصلى من أجل عالمنا أن يسوده السلام وتسوده معرفة الله 0 فى كل مكان إلهنا الصالح قادرأن يتولى بعنايته هذا العالم المضطرب ، ويمنح معونة وحكمة من عنده وكل عام وأنتم بخير 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
11 مايو 2021

القيامة والكنيسة

ظل السيد المسيح بعد قيامته أربعين يومًا يظهر لتلاميذه القديسين والمريمات والبعض ليشهدوا لقيامته، وحرص على أن يؤكد لهم جسد القيامة الذي يحيا إلى الأبد منتصرًا على الموت، وكان هدفه تجميع الكنيسة مرة أخرى حتى صعوده ليأتي الروح القدس ويحل على الرسل ومَنْ معهم، لتولد الكنيسة في عهد جديد تحمل في أسرارها قوة القيامة، وتعطي إمكانية الحياة الأبدية الغالية للضعف البشري وللموتى بكل صورة، لذلك نرى في حياة الكنيسة وقديسيها روح الغلبة والنصرة، فالرسل والشهداء والقديسون من كل الأنواع والجنسيات قدموا رسالة مفادها الظفر بالحياة الحقيقية إلى الأبد، رغم ما عانوه من آلام واضطهادات وسجون ومعاناة نفسيه وجسدية..يا ترى ماذا قال الرب لمن ظهر لهم؟ وكيف قضى الوقت معهم في ظهوراته لهم؟1) أسس مع التلاميذ سر الكهنوت والمغفرة: حتى تصير القيامة خبرة حقيقية من السقوط في الخطية إلى النهوض، ونفخ في وجوههم ليقبلوا الروح القدس لمغفرة خطايا الشعب للذي يقدم التوبة الحقيقية، وهنا سر الكهنوت مرتبط بسر التوبة والاعتراف المرتبط أيضًا بتقديم الذبيحة الإفخارستية، وكل هذا لتحويل الموت الأبدي الذي هو مصير الأشرار، إلى حياة أبدية بالمغفرة والتناول. وسَبَقَ ووَعَدَ الرب بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان حين قال لبطرس الرسول: «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»، وكان هذا وعدًا حين سأل الرب بطرس: «مَنْ تقولون إني أنا؟» فأجابه: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، فكافأه الرب بهذا الوعد: «... وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، وما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وما تحله على الأرض يكون محلولًا في السموات» (مت16: 16-18).وبعد القيامة جاء وقت التنفيذ للوعد بالتكليف، حين التقى الرب ببطرس بعد القيامة وقال له: «أتحبني؟»، فأجاب: «أنت تعلم أني أحبك»، فكلّفة قائلًا: «أرعَ خرافي» (يو21: 15) وحدث هذا ثلاث مرات... وهذا يؤكد فعل القيامة في حياة التلاميذ...2) جدد صيد السمك للتلاميذ السبعة: حين ظهر لهم وسألهم «يا غلمان ألعل عندكم أدامًا؟» فأجابوه أن لا! فأمرهم أن يلقوا الشباك على الجانب الأيمن فأمسكوا صيدًا كثيرًا وأكل معهم سمكًا، إذ حين صعدوا إلى الشاطئ وجدوه قد أعدّ لهم سمكًا مشويًا فأكلوا (يو21: 5-9).. وكأن الرب يجدّد وعده للتلاميذ بصيد كثير، ويؤكد وعودًا سابقه أن يجعلهم صيادي الناس حين دعاهم في البداية (لو5: 10).. إنها خطوة هامه في كرازة الرسل. وفي القيامة عودة المفقود إلى الوجود، لذلك أعاد لهم الوعود، وجمع تلاميذه والمريمات كنواة لكنيسة قوية مبنية على الصخر تأتي بثمر كثير من كرازتها بالفادى القائم من الأموات. لذلك كنيستنا رسولية مؤسسة على وعود الرب لرسله الأطهار، وعلى المبادئ التى أرساها معهم في إعدادهم طوال مدة التلمذة الروحية على مدى ثلاث سنوات وثلث سنة بكل اهتمام. ومما سبق يظهر تأثير القيامة على الكنيسة التى بدأت بالرسل القديسين ومَنْ معهم. هذه السطور مجرد نموذج لظهورات الرب الإحدي عشر على مدى أربعين يومًا، يبعث الحياة في تلاميذه والمريمات ومَنْ استمتعوا برؤيته، ويُسلمهم الكنيسة وأسرارها.. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
10 مايو 2021

أمجاد القيامة

نستطيع أن نحصي - على الأقل - أربعة أمجاد أخذناها بالإيمان بقيامة السيد المسيح، وسنأخذها بالعيان في الأبدية السعيدة، وهذه الأمجاد هي:- 1- مجد القداسة: فالكل قديسون، في حضرة القدوس، وفي عالم القداسة الكاملة، لهذا رأى يوحنا الحبيب المفديين في رؤياه «بِثِيَابٍ بِيضٍ» (رؤ7: 9). علامة الطهر والنقاوة، فهيهات أن تطال الخطيئة الأجساد النورانية، والأرواح المُكمَّلة، وسكان السماء‍! 2- مجد السعادة: إذ سيسمع كل مؤمن يصل إلى مشارف العالم الآخر، كلمات الرب: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (مت25: 23).وهكذا نشترك جميعًا في «عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفَ» (رؤ19: 7-9)، مرنِّمين ومسبِّحين فادينا المحب، حينما يتحد الرب العريس، بكنيسته العروس. 3- مجد الشركة: فنحن الآن في محفل أبرار مُكمَّلين، إذ هناك نلتقي بالملائكة والقديسين، وعلى رأس الكل، أم النور، سيدة الطهر والنقاء، وكل من ساروا على دربها من القديسين.. فهناك نلتقي: بالآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب. والأنبياء: الكبار والصغار. والرسل: تلاميذ الحمل. والشهداء: الذين سفكوا دمائهم على اسم المسيح. والقديسين: الذين ازدروا بالأرض ليمتلكوا السماء. 4- مجد الخلود: فالحياة هناك ليس لها نهاية.. إنها الخروج من الزمن، والدخول إلى الأبدية واللا محدود. هناك نتحد بالله في خلود مقيم، تحقيقًا لوعده الصادق والأمين: «إِنِّي أَنَا حَىٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يو14: 19)، «مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يو11: 25)، «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِير» (يو6: 54).فليعطنا الرب أن نقوم مع المسيح القائم، منفّذين وصية معلمنا بولس الرسول: «فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أنْتُمْ أيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ» (كو3: 1-4).وهكذا تمتد فرحتنا بعيد القيامة المجيد، من فرحة يوم بذاته.. إلى فرحة عمر شامل.. إلى فرحة أبدية سعيدة.. فلنحتفل بقيامة الرب المجيدة.. ذاكرين تجسده العجيب..وفدائه الباذل.. وقيامته المباركة.. ومجيئه الثاني.. ليأخذنا إليه..ألم يقل لنا: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَىَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (يو 2:14-3)؟ نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل