المقالات

27 نوفمبر 2019

مفهوم الوداعة

أهمية الوداعة :- من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد ( تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم ) (مت 11 : 29 ) كل الكمالات موجودة فيه ، ولكنه ركز على الوداعة أولا وجعلها سببا لراحة النفس والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح ( غل 5 : 23 ) ويقول القديس يعقوب الرسول( من هو حكيم وعالم بينكم،فليرأعماله بالتصرف الحسن فى وداعة الحكمة ) ( يع 3 : 13 ) وحينما ذكر الرب التطوبيات ، جعل الوداعة فى أوئلها 0 فقال ( طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) ويوجد تطويب كثير للوداعة فى سفر المزامير ، إذ يقول ( يسمع الودعاء فى الحق ) ( مز 25 : 9 ) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء ، قال ( زينة الوديع الهادئ الذى هو قدام الله كثير الثمن ( 1بط 3 : 4 ) إن كانت الوداعة بهذا المقدار ، يقف أمامنا سؤال مهم ما هى الوداعة إذن ؟ وما هى صفات الوديع ؟ ما هى الوداعة؟ الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب ، ومسالم ، وبشوش هو إنسان هادئ ، لا يغضب ولا يثور ، ولا ينفعل بسرعة لا يحتد فى كلامه ، بل الصوت المنخفض الخفيف هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة قيل عن السيد المسيح فى وداعته ، إنه ( لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع أحد فى الشوراع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفئ ) ( مت 12 : 19 ، 20 ) ( أش 42 : 2 ، 3 ) هدوء الوديع ، هدوء من الداخل ومن الخارج يملك السلام على قلبه فى الداخل ، فلا يقلق ولا يضطرب ومن الخارج هو مسالم لجميع لا يهاجم أحدا ، ولا يجرح شعور أحد هو بعيد عن العنف حتى إذا هوجم ، لا ينتقم لنفسه إنه لا يتدخل فى شئون الناس ، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم ، وبالتالى لا يدين أحدا وإن تدخل فى إصلاح غيره ، يكون ذلك فى هدوء ، حسبما قال الرسول ( أيها الأخوة ، إن إنسيق إنسان فأخذ فى زلة ، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا ) ( غل 6 : 1 ) يصلحه بالأقناع بالهدوء ، وبالإتضاع ناظرا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضا الإنسان الوديع يحتمل الآخرين ، بطول الروح بطول بال يضع أمامه قول الكتاب ( الجواب اللين يصرف الغضب ) ( أم 15 : 1 ) هو على صورة الله الذى يحتمل الخطاة ، ويطيل أنته عليهم الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء فى علاقته مع الله أو الناس بل بلعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسما والوديع غالبا ما يكون خجولا يتميز بشئ من الحياء بلل كما قال أحد الآباء ( لا يملأ عينيه من وجه إنسان ) لا يفحص ملامح الناس ، ولا يغوص فى أعماقهم ، ليعرف ما فى داخلهم لا يحلل الناس ومشاعرهم إنما نظراته بسيطة هو إنسان حيى لا يفارقه حياؤه الوديع شخص سهل التعامل بسيط ، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث واضح فى تعامله ، يبطن غير ما يظهر ، ولا يعقد الأمور يتعامل فى وضوح ، بلا لف ولا دوران ، ولا يدبر خططا يمكنك أن تستريح إليه ، لأنه واضح ، صريح ، ومريح إنه رقيق ، لطيف ، حلو الطبع لذلك تجده محبوبا من الكل لأنه إنسان طيب حتى لو ظلمه البعض ، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه ( ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب ، لكى تظلمه ؟!‍ ) حتى الذى ظلمه ، يأتى إليه بعد حين ويعتذر له والكل يدافع عنه ، لأنه لا يؤذى أحدا ولأجل محبة الناس للوداعة ، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) هذا بالأضافة إلى السماء ونعمة الله باستمرار تكون عليه والإنسان الوديع ، إنسان ( مهاود ) يميل إلى إراحة الناس ، وعدم العناد معهم لا يكثر من الجدل والنقاش والملاججة والتحقيق إنما الخير الذى يستطيع أن يعمله ، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة 0 إنه لا يتشبث برأيه فى كل شئ ، كما يفعل البعض إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية 0 ولذلك فإنه لا يتحزب ، إنما يحب الكل 0 فقد الوداعة:- الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرا ، أو تمتع بسلطة فمهما كان مركزه عاليا ، تستمر وداعته كما هى ولا يرتفع قلبه فى أمر ونهى والوديع أيضا لا يفقد وداعته بسبب اصلاح الآخرين فإن كان فى وضع يسمح بهذا ، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة ، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف إنه لا يفقد وداعته أيضا ، إن دافع عن الحق إنما يدافع عنه فى هدوء ، دون أن يجرح شعور أحد كذلك إن تكلم بصراحة ، لا تكون صراحته جارحة وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق وفى هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية كشف لها كل شئ ، بغير أن يخدش حياءها ، أو يجرح شعورها ( يو4 ) والوديع الحقيقى لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة ، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود النارى فموسى الأسود كان من هذا النوع ، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة ، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدا ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدا 0 الوداعة والشجاعة:- البعض يخطئ فى فهم الوداعة ، فيتصور الوديع كشخصية خاملة ، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة فى الطبع ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! كأن يتحول الوديع – بسبب طبيعته – إلى أضحوكة وسط الناس ، يلهون به ويدوسون على كرامته أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره ، يصبح مهزأة أو أيضا بسبب عدم إدانته للناس ، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرا على الخير ! كلا فليست هذه هى الوداعة إنما المفهوم الصحيح للوداعة ، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق ! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود ، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت فى سفر الجامعة ، تنطبق على تصرف الوديع فى مختلف المواقف والأحداث ، وهى ( لكل شئ زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت للسكوت وقت وللتكلم وقت ) ( جا 3 : 1 ، 7 ) فنع أن الطيبة هى الطابع العام فى حياة الوديع ، إلا أنه للشجاعة فى حياته وقت وللشهامة وقت ، ولكن فى غير عنف 0 أمثلة : 1- السيد المسيح فى وداعته وحزمه هذا المثل الأعلى الذى قيل عنه ( لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ) نراه حازما قويا فى تطهيره للهيكل ، حينما طرد الباعة ، وقال لهم ( مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ) ( مت 12 : 12 ، 13 ) وكان قويا وحازما أيضا فى توبيخه للكتبة والفريسين ) ( مت 23 ) وكان حازما فى شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه ، على الرغم من كل المعارضة التى لاقاها 00 2- مثال موسى النبى المشهور بحلمه العجيب حتى أنه قيل عنه ( وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) ( عد 12 : 3 ) موسى هذا الذى نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة ، ووجد الشعب يعبد عجلا ذهبيا ويغنى ويرقص لم يقف موقفا سلبيا باسم الحلم والوداعة ، بل حمى غضبه وطرح لوحى الشريعة من يديه وكسرهما ثم أخذ العجل الذى صنعوه ، وأحرقه بالنار ، وطحنه حتى صار ناعما وذاره على وجه الماء ( خر 32 : 19 ، 20 ) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة ، حتى اضطرب بين يديه 0 3- مثال آخر هو داود النبى هذا الذى قيل عنه فى المزمور ( اذكر يارب داود وكل دعته ) ( مز 132 : 1 ) كان موقفه جريئا وشجاعا ، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحى ، بينما كان كل الجيش واقفا فى خوف أمام ذلك الجبار أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! وظل يكلم الناس بشأنه ، ولم يهمه إستهزاء أخيه الأكبر به وأخيرا قال لشاول الملك ( لا يسقط قلب أحد بسببه ) ( 1صم 17 : 32 ) وذهب وحاربه ولم يخف منه ، بل قال له ( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى باسم رب الجنود اليوم يحبسك الرب فى يدى ( 1صم 17 : 45 ، 46 ) هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر ، صاحب المزمار والقيثار ، وفى نفس الوقت صاحب الغيرة ، ورجل الحرب جبار البأس 0 4- مثال ثالث هو بولس الرسول 0 إنه إنسان طيب هادئ ، يقول لأهل كورنثوس فى توبيخه لهم ( أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه ، أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم ، وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم )( 2كو 10 : 1 ) ويقول لشيوخ أفسس ( متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارا ، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد ) ( أع 20 : 31 ) إنه رسول ، من حقه أن ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر بدموع بولس هذا فى الكرازة والتبشير ، كان أسدا إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالى ، يقول الكتاب ( ارتعد فيلكس وقال له إذهب الآن ، ومتى حصلت على وقت أستدعيك ) ( أع 24 : 25 ) ولما وقف أمام اغريباس الملك ، قال له الملك ( بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا ) ( أع 26 : 28 ) وبولس هذا الوديع ، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول 0 وقال ( لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل ، قلت لبطرس قدام الجميع : إن كنت وأنت يهودى تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ) ( غل 2 : 14 ) 5- مثال خامس هو أليهو بن برخئيل كان الرابع بين أصدقاء أيوب ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته ، لأنهم كانوا أكبر منه سنا وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا ، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا وفى ذلك يقول الكتاب ( فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه ، لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه ، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب فقال لهم ( أنا صغير فى الأيام ، وأنتم شيوخ ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى ) ( أى 32 : 2 _ 7 ) ثم بدأ رسالته فى التوبيخ حقا لكل شئ تحت السموات وقت لسكوت الوديع وقت ، ولكلامه وقت لطيبته وقت ، ولحزمه وقت 0 ملاحظات:- هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة ، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة ، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج هى ترى كل هذا ، وتسكت باسم الوداعة والهدوء ، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة ؟ كلا ، ليست هذه وداعة إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ ، وتشرح له فى هدوء خطأ موقفه ولا تكون ضد الوداعة فى موقفك ، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك ( لا يحل لك أن تأخذ ( هذه ) زوجة لك أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج إمرأة زواجا عرفيا ، وتقف صامتا باسم الوداعة ؟! كلا قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله ، يقودك إلى حياة خاطئة وليس فى هذا ضد الوداعة إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر فى هدوء إن الله يحب الحق ، ويحب أن يرى من يدافع عنه ، بأسلوب لا يخطئ فيه وفى ذلك يقول الرب فى سفر أرميا النبى ( طوفوا فى شوراع أورشليم ، وفتشوا فى ساحاتها ، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل ، طالب الحق ، فاصفح عنه ) ( أر 5 :1 ) إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله إن سلكت فيها تسلك فى الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - يوسف الصديق

كان يوسف شخصية رائعة، فيها الكثير من الإشارات والرموز التي ترمز إلى شخص ربنا يسوع المسيح، نستطيع أن نلمح بعض هذه الرموز في الأمور التالية:- (1) الابن والعبد: بالرغم من أن يوسف كان الابن المحبوب لدى أبيه يعقوب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه" (تك37: 3) إلا أنه اشتغل كعبد عند إخوته "كان يرعى مع إخوته الغنم وهو غلام عند بني بلهة وبني زلفة امرأتي أبيه" (تك37: 2) فهو الابن المُدلل المحبوب، وفي نفس الوقت أطاع أن يكون عبدًا وغلامًا عند إخوته بني الجاريتين، وهو في هذا مشبه بابن الله الذي هو من حيث اللاهوت مساو للآب في الجوهر، وهو الابن الوحيد الذي في حضن أبيه، ومن أجلنا صار عبدًا ليرعى غنم أبيه "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8). (2) صنع يعقوب قميصًا ملونًا لابنه الحبيب يوسف وهذا القميص هو رمز للكنيسة التي لبسها المسيح متحدًا لها والألوان المتعددة في القميص ترمز إلى شعوب الأرض الذين يجتمعون في كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، لها إيمان واحد كمثلما لها رب واحد ومعمودية واحدة. (3) أحب يعقوب ابنه بينما أبغضه إخوته "ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك37: 4) وهكذا مثلما أحب الآب الابن بينما أبغضه بني البشر وقاموا عليه وصلبوه بحقد وحسد وبغضة شديدة. (4) أرسل يعقوب يوسف ابنه قائلاً: "اذهب. انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم ورد لي خبرًا" (تك37: 14)، وهذا إشارة إلى أن الآب السماوي قد أرسل ابنه الوحيد الحبيب ليفتقد سلامتنا، ويعود إلى الآب السماوي بالصعود المقدس (ليرد له الخبر). (5) بينما سعى يوسف لمنفعة إخوته وافتقادهم تشاوروا هم ليقتلوه "احتالوا له ليميتوه فقال بعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول: وحش رديء أكله فنرى ماذا تكون أحلامه" (تك37: 18-20) وهكذا أيضًا بينما جاء المسيح إلينا متجسدًا طالبًا خلاصنا قابله البشر بالبغضة والتهكم والرفض والصلب. (6) "فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه، القميص الملون الذي عليه، وأخذوه وطرحوه في البئر وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء" (تك37: 23-24) خلعوا قميصه ونزل إلى البئر بدون قميص كمثلما مات المسيح، فخلع الجسد، ونزل إلى الجحيم بروحه بدون الجسد. (7) أشار يهوذا أخو يوسف على إخوته أن يبيعوه لقافلة التجار الإسماعيليين، وباعوه بعشرين من الفضة (ثمن العبد في عصر يوسف) أما ربنا يسوع المسيح فقد باعه يهوذا أيضًا لكهنة اليهود بثلاثين من الفضة وهو (ثمن العبد في عصر المسيح). (8) "فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص في الدم" (تك37: 31) إشارة إلى صبغ الكنيسة بدم المسيح في سر المعمودية. (9) "أما يوسف فأنزل إلى مصر" (تك39: 1) إشارة إلى نزول السيد المسيح من بيت الآب السماوي إلى أرضنا، وكما صار يوسف الابن عبدًا في بيت فوطيفار هكذا صار المسيح الابن الكلمة عبدًا في بيت آدم. (10) كما هرب يوسف من زوجة فوطيفار وترك ثيابه في يديها كذلك خرج المسيح من الموت تاركًا الأكفان في يد القبر لقد كانت زوجة فوطيفار قبرًا من الشهوات النتنة، وانتصر يوسف عليها كمثلما انتصر المسيح على الموت، وخرج منه ظافرًا به في الصليب. (11) خرج يوسف من بيت فوطيفار، ونزل إلى السجن قبل صعوده إلى العرش وهكذا أيضًا خرج السيد المسيح من بيت آدم (الأرض)، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب قبل أن يقوم ويصعد إلى السماء بمجد الآب. (12) تقابل يوسف في السجن مع شخصية (الساقي وخباز الملك)، كان أحدهما مذنبًا والآخر بريئًا وكذلك على الصليب صُلب مع المسيح لصان أحدهما هلك والآخر خلُص وقد تنبأ يوسف للساقي بأنه سيعود إلى خدمة الملك، أما للخباز فقد تنبأ له بهلاكه، وكذلك عندما نزل المسيح إلى الجحيم أخرج البعض منه إلى الفردوس وهم الأبرار، أما الأشرار فقد تركهم في الجحيم بسبب شرورهم وعدم إيمانهم. (13) عندما أرسل فرعون ليأخذ يوسف من السجن "فأسرعوا به من السجن. فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون" (تك41: 14) لقد بدّل ثيابه إشارة إلى الجسد الممجد الذي قام به رب المجد السيد المسيح من الأموات، وإشارة أيضًا إلى أنه نزع عنا عار الخطية، وذل سجن الشيطان، وفي حياتنا الروحية يرمز هذا إلى خلع الإنسان العتيق مع أعماله المظلمة وشهواته الرديئة. (14) كما شرح يوسف رموز الأحلام لكل من الساقي والخباز ثم أيضًا لفرعون هكذا كشف لنا السيد المسيح عن أسرار العهد القديم ورموزه "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 27)، "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45). (15) "فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟" (تك41: 38).. يشير هذا إلى إيمان الأمم بلاهوت المسيح بينما رفضه اليهود كمثلما فعل إخوة يوسف معه "وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص. ووضع طوق ذهب في عنقه" (تك41: 42) بالمقارنة بما فعله به إخوته، حينما خلعوا عنه القميص الملون وأهانوه، وهذا يرمز إلى رفض اليهود لمُلك المسيح عليهم بينما قبله الأمم وصاروا مملكته بالحقيقة التي هي الكنيسة. (16) "ودعا فرعون اسم يوسف صفنات فعنيح" (تك41: 45)، وهذا الاسم معناه "مخلص العالم" أو "طعام الحياة" وربنا يسوع المسيح هو مخلص العالم الحقيقي، وهو طعام الحياة وكما خلص يوسف العالم من المجاعة بتوفير القمح لهم كذلك خلصنا ربنا يسوع من الهلاك بأن أعطانا القمح الحقيقي الذي هو جسده ودمه الطاهرين. (17) تزوج يوسف من أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون إشارة إلى اقتران كنيسة الأمم بالسيد المسيح وقد تركت عبادة آبائها لتدخل في عبادة الله الحقيقي إله يوسف زوجها كمثلما ترك الأمم عباداتهم الوثنية ليرتبطوا بإله السماء ربنا يسوع المسيح نفسه. (18) جاء إخوة يوسف إليه في مصر وسجدوا له كمثلما آمن الآباء الرسل بالمسيح، وسجدوا له من بعد قيامته المقدسة. (19) بارك يعقوب ابني يوسف ونقل البكورية من منسى إلى أفرايم بعلامة الصليب كذلك انتقلت البكورية من آدم إلى المسيح بالصليب، وصار السيد المسيح "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) بدلاً من آدم. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 نوفمبر 2019

التناول من جسد الرب ودمه

يتساءل البعض هل عندما نتناول جسد الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخبز فنحن نمضغ اللاهوت؟ وهل عندما نشرب دم الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخمر الممتزج بالماء فنحن نشرب اللاهوت؟وللإجابة على ذلك نقول أن يد السيد المسيح في جسده المصلوب على الصليب والمتحد بلاهوته عندما دقوا فيها المسمار فإن المسمار خرق يده المتحد باللاهوت ولكنه لم يخرق اللاهوت. وآلام جسده عمومًا المتحد باللاهوت في ذبيحة الصليب لم تقع على اللاهوت لأن اللاهوت غير قابل للألم. والكنيسة في القرون الأولى حرمت بدعة مؤلّمي اللاهوت (ثيئوباسخايتس).واللاهوت حاضر في كل مكان ولا ينتقل من مكان إلى آخر لذلك عندما نذكر صعود السيد المسيح بجسده الممجد القائم من الأموات نقول في القداس الإلهي (الغريغوري) [وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك]. نقول عن صعوده جسديًا؛ وجسده متحد بلاهوته ولكن لاهوته لا يصعد من الأرض إلى السماء بل هو في الأرض وفي السماء في آنٍ واحد. وعندما كان موجودًا بجسده المتحد باللاهوت على الأرض، كان في نفس الوقت في حضن الآب بلاهوته كقول إنجيل القديس يوحنا الرسول عن السيد المسيح وصعوده بالجسد «الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). وقول القديس أثناسيوس الرسولي: [وحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن بحسب ألوهيته] (مجموعة آباء ما قبل وما بعد نيقية، السلسلة الثانية، المجلد الرابع صفحة 85 طبعة سبتمبر 1978 الإنجليزية).إذًا ففي التناول نحن نمضغ الجسد المتحد باللاهوت ولكن لا نمضغ اللاهوت الذي لا يتجزأ بالمضغ. ونحن نشرب الدم المتحد باللاهوت ولكن اللاهوت لا ينتقل من الفم إلى البلعوم ثم إلى المرّيء لأنه كائن في كل مكان. وباتحادنا بجسد الرب الحقيقي وبدمه الحقيقي نتحد بالحياة الأبدية حسب وعده الصادق «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). وأيضًا قوله «إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ» (يو6: 53). وقوله «لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يو6: 33)، «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يو6: 51). وفي وعده المقدس قال السيد المسيح «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 56)، «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ» (يو6: 54-55). أي أن جسده هو مأكل حقيقي ودمه هو مشرب حقيقي. وكما هو وسيلة للثبات في المسيح فإنه يمنح الحياة الأبدية لأنه يمنح استحقاق القيامة في اليوم الأخير. فالاتحاد بالمسيح في التناول هو اتحاد بالحياة الأبدية لأنه هو "ينبوع الحياة" بالنسبة لنا. لذلك نقول في قطع صلاة النوم في الأجبية عن السيدة العذراء مريم أنها [أم قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائي] (القطعة الثالثة). نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
24 نوفمبر 2019

مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة ج8

سَابِعاً الْمِنْطَقَة :- ﴿ وَالْمِنْطَقَةُ تَصْنَعُهَا صَنْعَةَ الطَّرَّازِ ﴾ ( خر 28 : 39 ) كَانَتْ الْمِنْطَقَة تُصْنَعْ مِنْ ذَات المَوَاد الَّتِي صُنِعَ مِنْهَا الحِجَاب وَالشُّقَقٌ الدَّاخِلِيَّة وَيُذْكَر البُوصٌ أوَّلاً الَّذِي هُوَ رَمْز البِرَّ وَهذَا يُوَافِقٌ مَا جَاءَ فِي ( أش 11 : 5 ) ﴿ وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ ﴾وَالغَرَض مِنْ الْمِنْطَقَةهُوَ تَقْوِيَة الحَقَوَيْن لِلخِدْمَة لأِخْذٌ عَزِيمَة لِلعَمَل فَكُلَّ قُوِّة الجُنْدِي لِلثَبَات وَالمُصَارَعَة تَتَوَقَفْ عَلَى إِلْتِصَاق الْمِنْطَقَة بِحَقَوَيْهِ لِذلِك يُوصِينَا الكِتَاب المُقَدَّس أنْ ﴿ لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً ﴾( لو 12 : 35 )وَيُحَرِّضْنَا مُعَلِّمْنَا بُطْرُس الرَّسُول ﴿ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ ﴾( 1بط 1 : 13) لأِنَّ الَّذِي يَتْرُك ثِيَابُه مَحْلُولَة وَحَقَوَيْهِ غَيْر مُمَنْطَقِين فَلَنْ يَتَقَدَّم فِي السَيْر وَلَنْ يَسْتَطِعْ ضَبْط فِكْرُه وَحَوَاسُه خُصُوصاً فِي وَسَطْ عَالَمْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرفَهُوَ يَحْتَاجٌ إِلَى حِرَاسَة وَيَقَظَة فَيَجِبْ عَلَى عَبْد الرَّبَّ أنْ يَتَمَنْطَقٌ صَاحِياً مُلْقِياً رَجَاؤه بِالتَّمَام عَلَى النِّعْمَة الَّتِي يُؤتَى بِهَا إِلَيْهِ عِنْدَ إِسْتِعْلاَن يَسُوع الْمَسِيح . الْتَّمَنْطُقٌ :- الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل العَبِيد الَّذِينَ يَخْدِمُونَ سَادَتِهِمْ وَكَأنَّ الكَاهِن فِي خِدْمَتِهِ يَشْعُر أنَّهُ خَادِمٌ لأِبْنَاء سَيِّدِهِ وَلَيْسَ رَئِيساً عَلَيْهِمْ أوْ مُتَسَلِّطاً وَنَتَذَكَّر القِدِيس أُوغُسْطِينُوس وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ أجْل شَعْبُه وَرَعِيَتُه إِذْ يَقُول ﴿ أطْلُب إِلَيْكَ مِنْ أجْل سَادَتِي عَبِيدَك ﴾وَنُلاَحِظْ أنَّ الْتَّمَنْطُقٌ يُشِير إِلَى عَمَل الجُنْدِيَّة فَالكَاهِن وَالخَادِم كَجُنْدِي صَالِحٌ يُجَاهِدْ رُوحِياً فِي جِيش الخَلاَص الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل المُسَافِرِين إِسْتِعْدَاداً لِلرَّحِيل فَيَشْعُر الكَاهِن وَالخَادِم أنَّهُ غَرِيب عَلَى الأرْض وَلاَ يَطْلُب مَا لِلأرْضِيَات وَيَشْتَاقٌ أنْ يَأخُذْ مَعَهُ أوْلاَدُه فِي رِحْلَة إِلَى السَّمَاء الْتَّمَنْطُقٌ هُوَ عَمَل الرَّاعِي السَّاهِر عَلَى قَطِيعُه . مَنْطِقَة مُخْتَفِيَّة :- أُنْظُر إِلَى رَئِيسُ الْكَهَنَة وَهُوَ يُخْفِي تَحْتَ ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء مَنْطِقَة لِيَحْفَظ نَفْسُه بِاجْتِهَادٌ فِي دَعْوَتِهِ وَيُكَمِّل خِدْمَتَهُ بِدُون كَسَل وَهذَا مَا رَأيْنَاه فِي رَبَّ المَجْد يَسُوع وَهُوَ يَخْلَعْ ثِيَابُه وَيَأخُذْ مِنْشَفَة وَيَأتَزِر بِهَا ( يو 13 : 4 ) لِيَظْهَر أمَام تَلاَمِيذُه بِمَظْهَر الخَادِمٌ الحَقِيقِي الَّذِي يُسَر بِتَتْمِيمْ مَشِيئَة الآب وَمِنْ هُنَا نَرَى أنَّ قَمِيص الكِتَّان وَالْمِنْطَقَة هُمَا ضِمْن ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء لاَ يَنْقُصَان فِي الأهَمِيَّة عَنْ الرِّدَاء البَهِي بِصَدْرَتِهِ ذَاتَ الأحْجَار الكَرِيمَة نَعَمْ إِنَّهُمَا يُعَبِّرَان عَنْ البِرَّ وَالحَقَّ اللَّذَان يُمَثِّلاَن أهَمْ مُؤَهِلاَت رَئِيسُ الْكَهَنَة مِنْ أجْل إِتْمَام الخِدْمَة وَنَحْنُ أيْضاً المَدْعُوون بِالنِّعْمَة إِلَى تَقْدِيمْ ذَبَائِح عِبَادَتْنَا اليَوْمِيَّة يَجِبْ أنْ نَتَسَرْبَل بِالبِرَّ وَنَتَمَنْطَقٌ بِالحَقَّ لِكَيْ مَا نُؤَهَلْ لِعِبَادَة مَرْضِيَّة مَقْبُولَة عِنْدَ الله . مَنْطِقَة فِي الدَّاخِل وَزِنَّار بِالخَارِج :- وَهُنَا نُلاَحِظْ أنَّ رَئِيس الْكَهَنَة يَتَمَنْطَقٌ بِالْمِنْطَقَة مِنْ الدَّاخِل فَوْقَ القَمِيص وَبِالزِّنَار مِنْ الخَارِج ( فَوْقَ الرِّدَاء ) إِشَارَة إِلَى تَحَفُظِهِ فِي الكَلاَم كَمَا فِي العَمَل فِي الدَّاخِل وَالخَارِج فَكَمَا يَكْرِز بِالفَمْ يَلِيق بِهِ أنْ يَكْرِز بِالعَمَل أيْضاً خِلاَل الحَيَاة الفَاضِلَة وَطَهَارِة الجَسَدٌ لَيْتَنَا نَضَعْ لأِنْفُسْنَا مِنْطَقَة دَاخِلِيَّة وَزِنَّار خَارِجِي حَتَّى مَا نَسْلُك بِتَدْقِيقٌ وَلِيَاقَة فِي ضَبْط لأِفْكَارِنَا وَأفْعَالِنَا . خَلْع الحِذَاء :- لَمْ يَذْكُر الكِتَاب أنَّ رَئِيسُ الْكَهَنَة كَانَ يَرْتَدِي حِذَاء وَهذَا كَمَا حَدَثَ مَعَ مُوسَى النَّبِي فِي حَادِثَة العُلِّيقَة لأِنَّهُ وَاقِفْ فِي أرْضٍ مُقَدَّسَة إِذْ خَلْع الحِذَاء يُشِير إِلَى خَلْع كُلَّ مَا لَهُ صِلَة بِالعَالَمْ حِينَمَا نَقِفْ أمَام الرَّبَّ وَجَيِّدٌ أنْ نَتَذَكَّر دَائِماً حِينَمَا نَقِفْ لِلصَّلاَة أنْ نَخْلَعْ أحْذِيَتْنَا وَنَتَذَكَّر حِينَ نَخْلَعْهَا أنْ نَطْرَحٌ عَنَّا كُلَّ أفْكَار الخَوَاطِر الشِّرِّيرَة وَنَنْزَع مِنْ دَاخِلْنَا كُلَّ مَا لَهُ صِلَة بِالعَالَمْ وَهُمُومُه وَنَقِفْ حَسَناً أمَام الله هَارُون وَبَنِيهِ يُشِيرُون إِلَى الْمَسِيح وَالكَنِيسَة المَوْجُودَةٌ مَعَهُ فِي ذَات البِرَّ الإِلهِي الأبَدِي فِرِدَاء هَارُون الْكَهَنُوتِي يُشِير إِلَى صِفَات وَكَمَالاَت وَأمْجَادٌ الْمَسيح الشَّخْصِيَّة الخَاصَّة بِهِ مِنْ الأزَل وَإِلَى الأبَدْ أمَّا أقْمِصَة وَقَلاَنِس وَسَرَاوِيل بَنِي هَارُون فَتُشِيرإِلَى لُبَاس النِّعْمَة الَّذِي لَبَسَتْهُ الكَنِيسَة المُقَدَّسَة بِسَبَبْ إِتِحَادْهَا بِرَأس العَائِلَة الكَهَنُوتِيَّة الأعْظَمْ مِمَّا تَقَدَّم يَتَضِحٌ لَنَا غِنَى نِعْمَة الله وَكَيْفَ أنَّهُ بِعِنَايَة دَقِيقَة قَدْ رَتَّبْ لِشَعْبُه كُلَّ مَا يَلْزَم لِسَدٌ إِعْوَازِهِمْ وَذلِك بِأنْ وَضَعَ أمَام عُيُونِهِمْ الشَّخْص المُزْمِعْ أنْ يُمَثِّلَهُمْ فِي مَحْضَر الله مُرْتَدِياً كُلَّ تِلْكَ الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا سَدٌ كُلَّ إِحْتِيَاجَاتِهِمْ كَمَا يَعْرِفُهَا هُوَ فَإِذَا تَطَّلَعُوا إِلَيْهِ مِنْ هَامِة رَأسِهِ إِلَى أسْفَل قَدَمِهِ لَوَجَدُوا كُلَّ شَيْءٍ كَامِلاً مِنْ الْعَمَامَة الطَّاهِرَة الَّتِي عَلَى رَأسِهِ إِلَى الجَلاَجِل وَالرُّمَانَات الَّتِي عَلَى أذْيَال رِدَائِهِ لأِنَّ كُلَّ ذلِك كَانَ بِحَسَبْ المِثَال الَّذِي أرَاهُ الله لِمُوسَى عَلَى الجَبَل بِحَيْثُ أنَّ حُقُوق الله قَدْ وُفِيَتْ وَحَاجَات الإِنْسَان قَدْ إِكْتَمَلَتْ . القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة
المزيد
23 نوفمبر 2019

أبيجايل

واسم الرجل نابال واسم امرأته أبيجايل مقدمة لا أستطيع أن أفكر في المرأة القديمة أبيجايل، دون أن يخطر ببالي على الفور منظر طائر من أجمل الطيور، وأرخمها صوتًا، في قفص من ذهب، والسامع يكاد يلحظ في أغانيه نوعًا من الحزن، والأسى، والبكاء، يختفي وراء جهد من صبر وقناعة وأمل وتسليم، إن الكتاب لا يتحدث كيف زفت هذه المرأة جيدة الفهم وجميلة الصورة، إلى رجل أحمق رديء القول والتصرف والعمل، ولكنها أغلب الظن هي واحدة من ذلك الصف الطويل من الضحايا اللواتي يذهبن ضحية خداع المادة والثروة الطائلة، ولئن كان زواج ميكال نوعًا من الزواج السياسي أو المصلحي الذي تمليه غاية بعيدة تماماً عن الأصل في كل زواج، فإن زواج أبيجايل، هو ذلك النوع من الزواج المادي، الذي تباع فيه المرأة وتشترى كأية صفقة مادية من عقار أو منقول، وتحسب في أفضل الحالات، واحدة من الأثاث، وتحفة من التحف يتلهى بها الناظر دون أن يدرك أنها من قلب ولحم، وأن قناطير الذهب ليست بذات أهمية إلى نفسها ومشاعرها، كنغمة حب، ومناجاة وجدان، وتعانق مشاعر، وتكاتف شركة، هي المعاني الأولى والأخيرة لفكرة الزواج كما شرعه الله وأبدعه في حياة الناس في أي مكان يعيشون فيه على ظهر هذه الأرض!! على أن المرأة وقد وقعت الواقعة لم يكن لها خلاص، سوى أن تصبر على مأساتها، وتتطلع إلى الله، الذي له وحده على الدوام مخارج في الموت، وقد مد الله اليد على نحو قضائي يفعله، عندما تقفل كل السبل، وتعجز جميع المحاكم الأرضية أن توجد حلا مرضيًا عادلاً نهائياً... والآن لنتأمل المرأة وقصتها وما فعلت وما وصلت إليه، وكيف فتح الله الباب الموصد على نحو فجائي مثير: أبيجايل الزوجة الجميلة إن معنى الكلمة «أبيجايل» بهجة أبيها، ويبدو أنه من اللحظة التي ولدت فيها كانت أشبه الكل بالقمر الجميل الذي رآه الأعرابي ذات ليلة وهو يسير في قلب الصحراء وقد استوى بدرا، وقد ألقى نوره الفضي في كل مكان، فأخذ الأعرابي بسحر جماله، وهتف، وهو يتطلع إليه قائلاً: ماذا أقول لك؟ هل أقول لك رفعك الله؟ وها أنت مرتفع!! جملك الله؟ وها أنت جميل وما بعدك من جمال! إذا فكل ما أقول أبقاك الله على ما أنت عليه من رفعة وجمال! وربما قال أبو الصغيرة أبيجايل وهو يتطلع إليها بهذا الإحساس المفرط من البهجة والمسرة، وقد أشرقت العناية على نفسه، وعلى بيته بهذه الجميلة الرائعة البهية، إن جمال هذه المرأة كان على الأغلب من ذلك النوع النادر من الجمال الذي يقع أشد الوقع في نفوس جميع الذين يرونها من أول لحظة، ولهذا خلبت لب نابال عندما رآها، وعزم على أن يقتنيها، مهما بذل من مال أو تكلف من ثمن، ولعل هذا الجمال بعينه هو النسمة النقية الهادئة التي هبت على وجه داود، وهو بركان ثائر في طريقه إلى الانتقام المروع من زوجها الأحمق نابال، هذه النسمة الندية التي أوقفته بغته ليعود إلى وعيه ويستيقظ ويستمع إلى صوتها الساحر وندائها الرقيق، ليفيق ويتراجع عما هو مقدم عليه، مما كان من المتوقع أن يندم عليه طوال عمره لو أنه لم يتوقف عنه في اللحظة الأخيرة. على أنه من الواضح أن المرأة كانت متفوقة في شيء آخر، في ذكائها اللامع وذهنها المتوقد، وان الكتاب في عرض شخصيتها، وضع فهمها قبل جمالها أمام الأنظار، وذلك لأن هذا الفهم كان في الواقع بمثابة الهالة الرائعة العظيمة لجمالها النادر، فإذا كنت مثلاً توخذ بجمالها قبل أن تتكلم، فإنك ستذهل بما تنطق من در الحديث وجوهر الكلام، ويكفي أن نرى نموذجًا لهذا، في ذلك الحديث البليغ الساحر الذي تكلمت به إلى داود، وضربت على أدق وأرق الأوتار في قلبه، فلم تعترف بالذنب فحسب، بل ذكرته برسالته العظيمة التي وضعها الله على كتفيه، وأنه مهما يصبه من نفي وتشريد وآلام، فانه عزيز على قلب الله، وأنه محفوظ في حزمة الحياة مع الرب، وأما أعداؤه فسيرمون من كفة المقلاع، وكأنما كانت تذكره بقصته مع جليات، وكيف حفظه برعايته، وأسقط الجبار العملاق بضربة واحدة قاضية برمية حجر!! كما أنها بذلك رفعت قلبه ونفسه عن طلب الانتقام، وهي تؤكد له أن النصر قريب، إلى ذلك الحد الذي ترجو فيه معه ألا ينساها عند ما يبلغ مجده وملكه حسب وعد الله الأكيد الصادق، وهل ينسى الله من يخدمه بالأمانة، ويحارب حروبه ولم يوجد فيه شر قط كل الأيام!!. هذا الحديث أو بالحرى الدفاع لا يمكن أن يصدر إلا عن محام من أبرع وأقدر المحامين ممن يدركون نقط القوة والضعف في القضية التي يمسكون بها، ويعلمون كيف يبدأون، ويسيرون، وينتهون في خط الدفاع الذي رسموه من أول الأمر، ومثل هذه المرأة تصلح في أيامنا هذه أن تقف في أعظم المحافل الدولية وأعلى محاكم الدنيا ليجلجل صوتها بسحر وبلاغة تذهب مذهب المثل والفصاحة والحجة في كل مكان!! على أن حكمة المرأة وبلاغتها لا تقف عند الحدود النظرية أو فلسفة الكلام، لقد كانت كما هو ظاهر من لغة الكتاب سريعة التصرف أذ أدركت الأثر الوشيك الحدوث لتصرف زوجها الأحمق، ولو أنها لم تسرع وتبادر إلى إنقاذ الموقف، وتوانت ولو إلى ساعات قلائل، لقضى الأمر، وجاء عملها بعد فوات الأوان، أنها من ذلك النوع الذكي الذي ينتهز الفرصة ويحسن التوقيت، ويتصرف بعمق وتأمل ودون جلبة، دون أن تخبر زوجها، الذي لم يكن في وعيه، إذ كان مخمورًا مع صحبه في حفل ماجن كبير، وكان من العسير أن تخبره بشيء حتى يفيق من سكره ويثوب إلى رشده! ألا ما أجمل أن تتصرف المرأة في بيتها في وقت الكارثة أو الأزمة الطارئة في حنكة وصمت وهدوء، بتوازن مطلوب، وبديهة مجهزة، وعلى وجه الخصوص إذا جاء الأمر نتيجة حماقة زوج، أو شطط أو خطأ من واحد من أهل بيتها لا يحتمل معه تواكل أو جمود أو سكوت!. ولا يغرب عن البال أن هذه المرأة إلى جانب هذا كله كانت امرأة وديعة، لم يخرجها الجمال أو الفهم أو الثروة إلى نوع من الكبرياء أو الشموخ أو التعظم انظر إليها وهي تقترب من داود، إذ تنزل عن الحمار وتسقط على وجهها، وتسجد، وترى في نفسها أمة، وجارية مذنبة، تحتاج إلى صفح وغفران من سيد تجثو عند قدميه، وليس هذا لمجرد أن تدفع عن نفسها وبيتها شرا يوشك أن يحدث، بل لأنها كما وصفت فيما بعد نفسها لداود: «هوذا أمتك جارية لغسل أرجل عبيد سيدي».. فإذا أضفنا إلى ذلك كرمها الذي ظهر فيما قدمته لداود، ولا يظهر هذا الكرم في تعداد الخبز والخمر والخراف والفريك والزبيب والتين، الذي قدمته بكثرة ووفرة، بل في ذلك الاستحياء الذي قدمته به، إذ هو لا يصلح قط لداود، فإنه أعلى وأسمى من هذا كله بل هو: «للغلمان السائرين وراء سيدي». وأجمل من كل هذه الصفات إن المرأة كانت تقية، فبينما يقامر زوجها على الفرس الخاسر، إذ يقف إلى جانب شاول المرفوض والمطرود من الله، تقف هي إلى جانب داود المختار من الله، أو في لغة أخرى إنها كامرأة مؤمنة تقف إلى جانب الحق الإلهي، في الجانب الأضعف ظاهريًا، والذي يعاني الكثير من الاضطهاد والآلام والضيقات والمتاعب والتشريد. أبيجايل والصفقة الخاسرة وما من شك في أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد أن عرفنا أبيجايل على هذه الصورة الرائعة الجميلة، كيف أمكن لهذه المرأة الفاضلة أن تتزوج هذا الجهول الأحمق، هنا نقف أمام صفقة قاسية خاسرة، تعد من أشر وأقسى الصفقات التي ما تزال إلى اليوم تتكرر عندما تتدخل المادة لتربط بين اثنين يختلفان في كل شيء، وقل أن يتفقا أو يلتقيا حتى حول المادة التي ظن كلاهما أو ظن أحدهما أو الآخرون أنها يمكن مع الأيام أن تجمع بين المتناقضين عقلاً وخلقًا وثقافة وروحًا!!.. أما نابال فأغلب الظن أن لبه طار، وهو يرى هذه المرأة الجميلة الصورة، ففعل ما يفعل الكثيرون من الأثرياء وهواة المتاحف، عندما يرون صورة جميلة لمصور مشهور، فيسرعون إلى اقتنائها، ولو كلفتهم عشرات الألوف من الجنيهات، ويعلقونها في مكان الصدارة من بيوتهم، مع هذا الفارق، أنه قد يكون لهم من الفهم والتذوق ما يجعلهم يدركون موضع العظمة والجمال والجلال والفن في كل بوصة مربعة فيها، وتكون لهم مصدر ثراء ذهني واسع كلما نظروا إليها أو أحدقوا فيها!! على العكس من ذلك الأحمق نابال الذي كان يواجهة الجمال الحسي الرائق في كل لحظة في البيت، وهو غافل عنه وأعمى في كأسه وطاسه التي يعب منها، ولا يكاد يفيق، ومع أنه اشترى المرأة بما دفع من مهر، فانه وقد أمتلكها، أضحت كأي ملك مخزون لا ينتبه إليه صاحبه أو به يستفيد!!.. أما من جانب أبيجايل أو أبيها فان الأمر محير، يظن البعض أن الفتاة لم تستشر في الأمر، وأن الثروة الهائلة التي كانت لنابال غطت حاله أو واقعه، فلم يفطن أبوها، أو ربما لم تفطن هي حتى وقعت الكارثة، ولم يعد هناك مكان لرجعة أو ندم، ويعتقد أيضًا أنه ربما كان انتساب الرجل إلى عائلة مشهورة، وإلى اسم قديم، مما شجع على التصور أن الخلف يمكن أن يكون مثل السلف، وأن نابال يمكن أن يأخذ شيئاً من جده الكبير العظيم كالب بن يفنة، والذي كان واحدًا من ألمع الأسماء أيام موسى، وكان قرينا صادقًا وعظيمًا ليشوع بن نون الذي جاء بعد موسى وكان تاليًا له، ولكن ما أكثر ما تخلف النار تراباً ورماداً، وما أكثر ما يأتي الأبناء على صورة لا تكاد تعرف شيئًا عن تاريخ الآباء أو تقاليدهم أو ما توارثوه من قيم ومثل ومباديء! أجل أنه حسن أن يفكر الراغبون في الزواج في الأسرة التي ينحدر منها من يرغبون في الارتباط بهم، غير أن هذا إذا حدث لا يمكن أن يكون قبل البحث عن الشخصية ذاتها، ومدى ما تملك من مقومات أو صلاحيات للزواج، فلا يكفي أن تتزوج الفتاة أحمق أو جاهلاً أو عليلا أو متخلف العقل، أو فاسد الأخلاق، لمجرد أنه ينتمي إلى أسرة شهيرة أو معروفة بين الناس،.. كانت العلاقة بين أبيجايل ونابال علاقة زوجين يختلفان في كل شيء، فهي دمثة الأخلاق وهو فظ كما يقول واحد من الغلمان لا يمكن الكلام معه، وهي كريمة وهو أناني لا يعطي من وليمته لآخر، إلا إذا رام منفعة أو بحث عن مقابل، وهو نزق، وهي ودودة، وهو جحود وهي متدينة، وهل يمكن لعلاقة كهذه أن تستقر وتهدأ، والزوج كما يصفه الوحي رجل قاس؟ وكل خيالي يتجه إلى المرأة وهي تبكي ليالي متواصلة على قساوته مع الإنسان أو الحيوان على حد سواء، ومع التصرفات القبيحة الرديئة التي تصدر منة في كل يوم، وكل خيالي يتجه إلى ما لا ينتهي من صور مماثلة، صور أولئك الذين لا يعرفون عن الزواج، سوى صفقة، أو صيد يعتقد شوبنهرر عدو المرأة أن الفريسة فيه على الدوام هي الرجل، ومع أننا لا نتفق مع أمام المتشائمين على ذلك، إلا أننا ننتهي ولاشك، أن كل زواج ينبني على المادة لابد أن يكون فيه ضحية، سواء كانت هذه الضحية هي الرجل أم المرأة مادام قد خرج عن الأساس الروحي الذي قصده الله من الزواج بين الناس في الأرض. أبيجايل والنجاة المفاجئة وهذا يأتي بنا إلى ختام قصة هذه المرأة مع زوجها نابال على نحو مثير فجائي لم تكن متوقعة بمثل هذه السرعة الإلهية المباغتة، لقد وقفت في طريق العاصفة الهوجاء التي كان من المستحيل أن تفرق بينها وبين زوجها وبيتها، يوم هبت عليها من داود الثائر الغاضب، ورجعت إلى بيتها وقد واتاها النجاح على نحو كامل، لتجد زوجها غارقًا في سكره حتى الطامة، ولم تستطع أن تخبره بشيء كبير أو صغير إلى ضوء الصباح حتى يفيق، واذا أخبرته، كما يقول الكتاب، مات قلبه فيه وصار كحجر، أو مات كما يفسره هوايت: بحجر في قلبه، لقد مات نابال من الكبرياء والغضب، مات من مرض غريب، وأعني به مديونيته لزوجته، وقد كان يؤثر أن يموت بسيف داود على أن ينجو بوساطة زوجته وشفاعتها وتوسلها، وهو لا يرضى أن يصور بأنه أحمق فيما فعله في ذلك اليوم مما جلب عليه كل ما حدث، ولو أن نابال فعل شيئًا آخر، لو أنه اعترف بما فعلته زوجته، وقبل يديها، وقدميها، لربما كان له تاريخ آخر، ومصير آخر، ولربما بقي، وعاش معها، حتى أصبح مسنًا، ينعاه شعبه وجماعته، ويموت كرفع الكدس في أوانه، ولكن نابال مات لما ضربه الرب، لشره، وجبنه، وحماقته، وكبريائه، وقسوته، وغيرته،... أما المرأة التي كانت شريكه له، والتي رجت له ولنفسها الحياة من سيف داود. ما كانت تتوقع وقد أوصد عليها باب الحياة الزوجية، أن يفتح سجنها، أو تخرج من باب القفص الذهبي بين عشية وضحاها، بعد مرور عشرة أيام فقط من تلك الواقعة،.. وهكذا مات نابال، لتعود المرأة بحياة الترمل الى استرداد ما كاد يضيع من طعم الحياة ومعناها، لو أنها بقيت في أسره وقصره،.. بل لتعود من جديد قبل أن يذهب الشباب وتدور الأيام زوجة لداود، تلد له، وتعيش معه، على معنى أصح وأقدس وأجمل وأكمل، من معاني الحياة المقدسة أمام الله والناس، وهكذا تذهب المرأة مثلاً لمن يستسلم ويسلم أمره لقضاء الله وعدله، وقد يأتيه القضاء على نحو أسرع مما كان يظن، وعلى وجه أفضل مما كان يتصور، وعلى وضع أحسم مما كان يتخيل أو يحلم كما فعل الله مع المرأة القديمة العظيمة أبيجايل زوجة نابال الكرملي!!..
المزيد
22 نوفمبر 2019

القديس يوحنا ذهبى الفم

اقرأ بنعمة المسيح جزء من رسالة العبرانيين الأصحاح 13: ” اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ “. نعمة اللَّه الآب تكون مع جميعنا آمين. يوحنا ذهبى الفم الوحيد الذيى حمل هذا اللقب (ذهبي الفم) لأن عظاته كانت بسيطة جداً وعميقة جداً ومتنوعة جداً، ويوحنا ذهبى الفم له مأثورات وعبارات كثيرة قوية، اذكر لكم بعض عباراته الجميلة: قال: ” أي نفع للمسيحي الذي لا يفيد غيره “. ” لا شيء يقسم الكنيسة إلا حُب الرئاسات، ولا شيء يُضايق اللـه مثل تمزيق وحدة الكنيسة “. قال أيضا: ” إن غاب عنَّا عون اللـه لا نقدر أن نقاوم أتفه إغراء “. قال أيضاً: ” ليس للشيطان أن يهاجمك إلا عندما يراك قد نلت كرامة عظيمة وتكاسلت “. قال أيضاً: ” ليس لنا عدو إلا واحد وهو الخطية التي تفسد سلامنا “. قال أيضاً عبارة قوية: ” إن تسقط هذا أمر بشري، لكن أن تصر على الخطية فهذا عمل شيطاني “له أيضا عبارات كثيرة سوف أذكر بعضها خلال حديثنا عنه. وُلِدَ القديس يوحنا ذهبى الفم في عام 347م، والده كان قائداً في الجيش الروماني في سوريا، وأمه كان اسمها ” أنثوسا “، كانت فتاة جميلة، وبعد أربعة سنوات توفَّى زوجها (والد القديس يوحنا) وتركها شابة غنية وجميلة، وتوفيت ابنتها (أخت القديس يوحنا) بعد وفاة الوالد، في سنوات قليلة بقيت زوجة أرملة مع ابن يتيم، وعاشت الزوجة الأرملة تُربِّي هذا الابن اليتيم يوحنا، وكانت مُخلصة في هذه التربية، وعندما دُعِيَتْ لزواج آخر رفضت وقالت أنها تعيش من أجل ابنها بدأ يوحنا ينبغ في دراسة المُحاماة، وتعرَّف على العالم إلى أن صار له صديق اسمه باسيليوس، أحبا الاثنان اللـه وعاشا في مخافته وابتدءا يُكرِّسا حياتهما وساعدا بعضهما أن يحيا حياة التعبد للـه، وكرَّسا حياتهما للكتاب المقدس وكانت حياتهما مباركة، ودعيا الاثنان للكهنوت لكن عندما جاء وقت الرسامة هرب يوحنا من الرسامة وتمت رسامة باسيليوس، وكانت حجة القديس يوحنا أن له ميول للحياة بالديركتب القديس يوحنا كتاب كبير عن سر الكهنوت، وهو من أحد الكتب القوية جداً التي تشرح ما هو سر الكهنوت وابتدأ يحيا الممارسات الرهبانية وتدريباتها الروحية إلى أن إنتقلت والدته، واتجه للدير وصار راهباً، وبعد قليل اختير لكي ما يخدم كراهب كاهن وفي النهاية عاش في الدير حياة طيبة جدا وعمل في الدير كتاب هام جداً قارن فيه بين حياة الملك وحياة الراهب: ـ الملك يتحكم فى أمم وشعوب ومُدن وجيوش، أمَّا الراهب فيتحكَّم في شهواته. ـ الملك يُحارِب برابرة لكي يُوسِّع أراضيه، أمَّا الراهب فهو يُحارب شياطين ويهدي نفوساً. ـ الملك نهاره وليله مملوءان آلام ومشكلات، الراهب نهاره وليله مملوءان فرح وسلام. ـ الملك يهدى ذهباً، الراهب يُقدِّم نعمة وتعزيات. ـ الملك يصعب عليه أن يستعيد جزءاً فقد من أراضيه، أمَّا الراهب فيسهل أن يقوم من سقطته. ـ الملك يرتعب خوفاً من الموت، والراهب الجميع يطمئن على مصيره. وكانت المقارنة بين الملك وبين الراهب من أحد المقالات المشهورة جداً له، وفي زمنه نشطت الحياة الرهبانية جداً، لكن في زمنه، عندما زار مصر رأى البرية بكل سكانها وكل نساكها وكل رهبانها، كان كل راهب في قلايته والأديرة لم يكن بها أسوار، فكانت القلالي متناثرة في الصحراء يخرج منها نور بسيط لشمعة أو قنديل وكان المنظر في الليل جميل (النجوم في السماء والقلالي منيرة في البرية) فقال عبارة مشهورة: ” السماء بكل نجومها ليست في جمال برية مصر بكل نساكها “ وكان يقول للرهبان والآباء في أنطاكية: ” هلُّموا إلى برية مصر لتروها أفضل من أي فردوس “ في حياته وهو راهب، أحد الآباء الرهبان سقط في خطية كبيرة، والخطية جعلته يترك حياته ويترك رهبنته ويشعر بيأس شديد، فكتب له مقالة أسماها: ” ستعود بقوة أعظم ” وهى من أحد المقالات المشهورة، وعندما قرأها الإنسان الذي سقط بدأ يستعيد شجاعته وعاد وتاب واستكمل حياته النسكية بأكثر نسكاً كتب مقالات عديدة ومقالاته متنوعة، وكانت له بلاغة متناهيه سِيم بعد هذا أسقفاً وبعدها بطريركاً، وفي فترة وجوده ككاهن كتب أيضاً عن سر الزيحة وعن المفهوم الكتابي والكنسي لسر الزواج وكيف أن الزواج هو وحده يباركه حضور المسيح مقالاته كثيرة ونشكر اللـه ان مقالات عديده له مترجمة باللغة العربية ومن احد المواقف المشهورة في حياته: عظات التماثيل، أن الشعب عاج بسبب الضرائب وحطَّم تماثيل الإمبراطور وكانت النتيجة أن الإمبراطور أراد أن يُعاقِب هذه المدينة ووضع في قلبه أن يصنع بالمدينة عقاباً شديداً، وبدأ الشعب يلجأ للكنيسة وعاشوا فيها أيام في حالة خوف وفزع، وكان في زمن هذا القديس حق اللجوء الكنسي ـ حسب قانون الإمبراطورية الرومانية ـ القديس يوحنا استغل هذه الفرصة وبدأ يُكلِّمهم عن التوبة، فكان القديس يُكلِّم الشعب عن التوبة وفي نفس الوقت يتشاور مع الملك لأجل أن يعفو عن هذه المدينة، وبعد عظات كثيرة (21 عظة) تكلَّم فيها بمناسبة تحطيم التماثيل فسُمِّيَتْ عظات التماثيل، وكانت النتيجة أن الملك رفع حكمه عن المدينة وأفرج عنهم وسامحهم وحققت هذه العظات توبة مدينة كاملة ومع الصلوات حققت عفو من الملك وكانت النتيجة مفرحة للجميع عاش القديس يوحنا ذهبي الفم في علاقات طيبة مع مجتمعه كله، ولكن الأمر لا يخلو من المشكلات، وكانت أحد المشكلات أنه لا يأكل مع الآخرين، وكانت الناس تُفكِّر أنه بسبب كبرياءه وترفُّعه لا يأكل مع الشعب، ولكن الحقيقة أنه كان يُعاني من آلام شديدة في معدته هكذا الإنسان، إن كان قلبه أسود يرى الأمور سوداء وإن كان قلبه نقي يرى الأمور على حقيقتها، بحسب داخله يرى عاش القديس يوحنا ذهبي الفم وعلَّم كثيرين، ولكن كان له مشكلة كبيرة مع الإمبراطورة أفدوكسية، وهى اغتصبت ارض يملكها إنسان عادي في الإمبراطورية الرومانية، فمنعها القديس من دخول الكنيسة وأغلق الأبواب في وجهها، وأيَّده اللـه بنعمة فكان أثناء دخول موكب الإمبراطورة إلى الكنيسة أغلق القديس الباب فقالت للجنود: اكسروا الأبواب، وشُلَّت يد الجنود الذين حاولوا كسر الأبواب، فكان صوت اللـه واضحاً جداً، وصلَّى القديس يوحنا ذهبي الفم على ماء ومسح بها يد هذا الجندي وعادت سليمة، أمَّا الإمبراطورة اضمرت شراً كبيراً للقديس يوحنا لأنه كان صاحب حق، وتسبَّبت الإمبراطورة في إصدار قرار بأن يُنفى القديس يوحنا لآخر حدود الإمبراطورية الرومانية، وكان مع طول الرحلة وجسد القديس يوحنا المريض كان هدف الإمبراطورة خبيث أن يموت القديس يوحنا أثناء سفره للمنفى في الطريق، وتنيَّح القديس في المنفى، ولكنه كان يرسل رسائل من منفاه مع شماسه تُدعى أولومبياس وكانت هذه الشماسة الفاضلة تنقل رسائله للإكليروس وكل الشعب تنيح القديس يوحنا ذهبي الفم ليس عن عمر كبير عام 407م عاش في مناهج تعليمية قوية وكان يقول: ” لا أعيش إلا من أجلكم ومن أجل خلاصكم “ وعلى الرغم من عمره إلا أن خدمته مستمرة إلى اليوم، كل العالم يستخدم عبارات القديس يوحنا ذهبي الفم لم يكن رجل سياسة ولا فليسوف مسيحي ولا لاهوتياً لكن أهم شيء عنده أنه كان يسهر على رعاية شعبه، وكان من كثرة قراءته للكتاب المقدس صار هو إنجيلاً ويحكى تلميذه أنه عندما كان يدخل للقديس في قلايته ويسأله عن أي شيء يجده يتكلَّم مع أحد، وبعد تكرار هذا المشهد عرف أن الشخص الذي يُحدِّثه هو القديس بولس الرسول، يقف في صلاته ويقرأ عبارات رسائله ويسأله ماذا يقصد بكل عبارة من الرسائل ويقول لنا التاريخ أن القديس بولس الرسول كان يظهر له ويشرح ويفسر له، لهذا أفضل تفاسير تشرح رسائل القديس بولس الرسول هى تفاسير القديس يوحنا ذهبي الفم. هو قديس في عباراته القوية فهو يقول: ” الدير أكاديمية تحتضن تفسير الكتاب المقدس “، ويقول أيضاً: ” الكنيسة أعلى من السماء وأكثر اتساعاً من الأرض “؛ وأيضاً: ” إن لم نربح خلاص اخواتنا هنا فلن نحصل على خلاص نفوسنا هناك “. لهذا امتاز القديس بهواية خلاص النفوس وكان يبحث باستمرار عن خلاص النفوس عباراته كثيرة ومُتعدِّدة، في مرة سألوه: لماذا نسقط؟ فأجاب: ” ليس الشيطان هو السبب، الشيطان فقط مخادع ومُضلِّل أمَّا السبب فهو عدم الجهاد وضعف الارادة “، له عبارة أخرى قوية: ” السيرة الطاهرة تسد فم الشيطان وتبكمه”". بهذه الصورة نتذكَّر هذا القديس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، ولكن سيرته مستمرة معنا وكتاباته موجودة ومتوفرة باللغة العربية، وعلاقته بالإنجيل وخلاص كل نفس هى هدفه في الحياة.يوحنا ذهبي الفم من (أحد الأقمار) كما تسميه الكنيسة اليونانية، وتسمى أيضاً القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتي تسميهم الأقمار الثلاثة لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 نوفمبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سفر التكوين ج8

23- وبين اصحاح 17 : 8 و اعطي لك و لنسلك من بعدك ارض غربتك كل ارض كنعان ملكا ابديا و اكون الههم.و2 مل. ففى الاول قال الله لابراهيم (واعطى لك ولنسلك كل ارض كنعان ملكا ابديا) وورد فى الثانى ان ابراهيم لم يعطيها ولم لنسله ملكا ابديا. فنجيب ان قوله (لك) باعتبار ان اعطائها لنسله اعطائها له وقد تم وعد الله فعلا(عد 22 وتث 2 ويش 3) ولكن الله اشترط على اسرائيل ان دوام بركاته لهم معلق على دوام خضوعهم له فطردهم منها لانه ليس لان الله اخلف وعده بل لانهم هم اغضبوا الله فاخذ منهم ما اعطاهم (تث 28) ومثل هذا ما جاء فى (2 صم 7: 10 و11 و12 – 16). 24- وبين اصحاح 18: 17 فقال الرب هل اخفي عن ابراهيم ما انا فاعله.وعب 13: 2 لا تنسوا اضافة الغرباء لان بها اضاف اناس ملائكة و هم لا يدرون.ففى الاول ورد ان الله ظهر لابراهيم وفى الثانى ان الذين ظهروا له ملائكه. فنجيب ان الاول ذكر ثلاثه رجال اضافهم ابراهيم ولا ريب انهم ملائكه كما قال الثانى ظهروا بشكل رجال. والذى يعتمد ان الاول كان ملاك الرب (يهوه) اتى ممثلا الاله لابراهيم والاثنين الآخرين صاحباه ارسلهماالىسدوم فلما كان يتكلم الملاك الاول قيل (قال الرب) (يهوه) فالملاك تكلم كانه هو الرب او نائب الرب. وفى عدد 14 من تك 17 يقول ذلك الملاك (هل يستحيل على الرب شىء) فدل ذلك على انه ملاك يتكلم بكلام الرب باعتبار انه نائب عنه وقد يكون الرب الملاك بمعنى واحد لظهور الرب بهيئه ملاك. وكذلك مصارعه يعقوب لانسان (تك 32: 24) اى ملاك فى صوره انسان كما فى (هو 12: 4) وحكم يعقوب نفسه بانه شخص الهى (عد 30) فظهر الملاك ليعقوب كما ظهر لهاجرفى (ص 16: 17). وليس هنا من اشاره الى ان ذلك الانسان كان الاله المتجسد فالظاهر انه لم يكن سوى ملاك ظهر فى هيئه انسان كما ظهر الملاك لمنوح (قض 13: 3 و9) ولكنه دل على حضور الله ومداخلته فى امر يعقوب وكان من الرموز الكثيره الى حضور كلمه الله فى الجسد وامكان ذلك. وقول الملاك ليعقوب (اطلقنى) ليس لانه لم يقدر ان يجعله يتركه بل قصد بها اعلان ايمانه وثباته. واما اطلاق لفظه الله على الذى ظهر لهاجر (تك 16: 13) وعلى الذى ظهر ليعقوب (تك 32: 29) وعلى الذى ظهر لمنوح (قض 13: 22) فمن قبيل اعتبار المرسل كشخص مرسله كما قيل فى (خر 13: 21) عن بنى اسرائيل (وكان الرب يسير امامهم) وقيل فى (ص 14: 19) (فانتقل ملاك الرب السائر امام عسكر اسرائيل). اما الذى ظهر لموسى فى العليقه الملتهبه وقيل عنه انه (ملاك يهوه) اى الرب وانه (الله) وانه (يهوه) انظر (خر 3: 2 و4 و7) فلا شك فى انه الاقنوم الثانى من الثالوث الاقدس ظهر لموسى فى هيئه ملاك. وقيل فى عدد 4 (فلما راى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقه) وفى العبرانيه (لما راى يهوه ناداه الوهيم) (اى الرب الذى سيظهر فى الجسد). 25- وبين اصحاح 25: 23 وص 27 ففى الاول ورد انه وعد يعقوب بالبركه وفى الثانى ان ذلك تم بواسطه غير شريفه اى بكذب رفقه ويعقوب على اسحق واختلاس البركه منه. فنجيب ان مواعيد الله لابد ان تتم ولكن اذا كان فى بعض وسائط اتمامها لا يليق فلا ينسب ذلكالىالله بلالىالانسان الناقص. فلو لم تتسرع رفقه لتم وعد الله بطريقه صالجه الا ان الله يستخدم كل الاحوال والحوادث فيها شىء من الريب فذلك لانها من عمل الانسان المملوء بالنقص. فرفقه ولئن كان اتمام وعد الرب نتيجه لسعيها الا انها لا تبرر امام الله لان الله لا يحاكم بموجب نتائج الاعمال بل يحاسب على النيه. فيهوذا وشعب اسرائيل فى سعيهمفى موت المسيح لا يصيرون بذلك مبررين لان موت المسيح كان لاجل خلاص العالم لان نيتهم لم تكن هكذا صالحه بل كانت نيه شريره فبحسب نيتهم يحاكمون. قال المرتل مخاطبا الله (غضب الانسان يحمدك) ومعناه ان يكون سببا لتمجيده. ومع ذلك لا يبرر الغضوب. 26- وبين اصحاح 36 : 31 و1 صم 12 ففى الاول قيل (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا فى ارض ادوم قبل ما ملك ملك لبنى اسرائيل) فكيف يتكلم موسى عن ملوك بنى اسرائيلمع ان اول ملك لهم اقيم فى ايام صموئيل النبى كما فى الثانى فنجيب ان موسى ذكر فى سفره اصحاح 17 : 6 و16 و35: مواعيد الله لابراهيم بانه سيثمره ويجعله امما وملوك يخرجون منه فموسى كتب ما كتب لايمانه الوطيد بالله بانه سينجز مواعيده. 27- وبين اصحاح 46 : 21 و1 اى 7 : 6 راجع ايضا (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 1 – 3) ف الاول قال ان اولا د بنيامين عشره والثانى انهم ثلاثه فنجيب: ان الاول اعتبر حفده بنيامين اولاده لانه ورد فى (عدد 26 : 38 و1 اى 8 : 3 و4) ان ارد ونعمان بنو بالع ابن بنيامين وفى سفر التكوين انهما ابنا بنيامين وقد ذكر باكر فى تك 46 : 21 و1 اى 7 : 6 ولكنه لم يذكر فى عدد 26 : 38 – 41 و1 اى 8 : 1 وذلك لان فى عدد 26 : 35 ذكر فى سبط افرايم لانه تزوج من هذا السبط.ان يديعيئيل المذكور فى 1 اى 7 : 6 و10 هو ذات اشبيل المذكور فى التكوين والعدد وسفر الايام الاول اصحاح 8 فان عشيرته عظمت فى عهد داود فسمى بهذا الاسم. ان ولدى بالع اصبون وعيرى لم يدرجا فى مواضع من سبط بنيامين وادرجا فى (تك 46 : 16 وعدد 26 : 16) فى سبط جاد لداعى النسب والمصاهره.ذكر فى 1 اى 7 : 12 ان شفيم وحفيم ابنا عير وهما ذات مفيم وحفيم (تك 46 : 21) وذات شفوفام وحوفام (ع 26 :39) وذات شفوفام وحورام (1 اى 8 :5) والمشابهه بين هذه الاسماء موجوده فى الخلاف الظاهرى نشا من اعتبار كاتب ابناء الابناء بانهم ابناء ومن انتقال شخصالىسبط اخر او موته بدون عقب او قتله فى الحروب كما فى (قض 20 :46) ومن مخاطبه كل كاتب اهل عصره باللغه المتداوله بينهم نظرا لما كان يطرا على اللغه من اصطلاحات جديده فى كل عصر. واليك بعض اصطلاحات اللغه العبرانيه المتبعه فى الكتاب المقدس المكتوب بها والتى من هذا القبيل. (ا) دلاله اسماء الاباء او الاسلاف على انفسهم. (تك 9 : 25) ملعون كنعان اى نسله. (خر 5 :2،1 مل 18 : 17و18،مز 14 : 7) دلاله اسم يعقوب على الاسرائيليين. (اش 7 : 5،8، 11: 13 هو 5 : 9و13،6 :4) دلاله اسم افرايم على اسرائيل. (ب) دلاله لفظ ابن على النسل ولو بعد. مفيبوشيت دعى ابن شاول وهو ابن يوناثان (2 صم 19 : 24). زكريا دعى ابن عدو (عز 5 : 1) وهو ابن ابنه (زك 1 : 1). (ج) لفظه اب تدل على السلف (1 اى 1 : 17) دعيت عثليا فى (2 مل 8 : 26) ابنه عمرى وفى (عدد 18) ابنه اخاب وهى كانت ابنه اخاب حقا وحفيده عمرى. 27- وبين اصحاح 46 : 27 واع 7 : 14، ففى الاول ذكر ان جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون نفسا وفى الثانى انهم خمسه وسبعون نفسا. فنجيب قيل فى عددى 26 و27 (جميع النفوس ليعقوب التى جاءتالىمصر الخارجه من صلبه ما عدا نساء بنى يعقوب. جميع النفوس سته وستون نفسا وابنا يوسف اللذان ولدا له فى مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التى جاءتالىمصر سبعون) فينبغى ان يلاحظ ان نساء بيت يعقوب استثنين من هذا العدد اما فى سفر اعمال الرسل فقيل (فارسل يوسف واستدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته خمسه وسبعين نفسا) فليس من هؤلاء يوسف ولا ابناه ولا زوجته لوجودهم فى مصر حينئذ فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفسا لم يحسب معهم يعقوب كصريح الايه (استدعى اباه يعقوب وجميع عشيرته الخ) اما باقى العشيره فهم زوجات بنيه وعددهم تسع لان امراه يهوذا ذكر عنها ماتت (تك 38 : 12) وكذلك امراه شمعون (تك 46 : 10) فالجميع خمسه وسبعون. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
20 نوفمبر 2019

مفهوم العثرة

ما هى العثرة ما هى العثرة ، التى قال عنها السيد المسيح له المجد ( ويل للعالم من العثرات ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة ) ( مت 18 : 7 ) ( من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بى ، فخير له أن يعلق فى عنقه حجر الرحى ويغرق فى لجة البحر )( مت 18 : 6 )إن كانت العثرة بهذه الخطورة فى عقوبتها ، فما هى العثرة ؟ العثرة هى أن يتسبب إنسان فى إسقاط غيره وقد تكون العثرة بقصد ، أى أن يتعمد الإنسان ويقصد أن يسقط غيره وهذه عقوبتها أخطر من حالة الإنسان الذى يعثر أحدا بغير قصد أول عثرة فى تاريخ البشرية ، جاءت عن طريق الشيطان فهو الذى أسقط أبوينا الأولين وكانا بسيطين لا يعرفان شرا وفقد أسقطهما بقصد 0 وذلك عن طريق الخداع والإغواء وبهذه العثرة دخل الموت إلى العالم وتسبب الشيطان فى إفساد الطبيعة البشرية وعموما طرق العثرة هى إما أن يعثر الشخص غيره بمعرفة الخطية ، أو بتسهيل الخطية ، أو بمذاقة الخطية أو بإعطاء مفهوم مخادع الخطية ، كأن يقدمها باسم فضيلة ، أو أن يحدثه عن ( منافع ) الخطية وفوائدها !! معرفة الخطية:- يعنى أن بعرف الإنسان أمورا تضره روحيا ، ما كان يعرفها من قبل وهكذا تدخل فى ذهنه معارف تدنس فكره أو تجلب له شهوات ، وتسقطه فى الخطية ولعله عن هذه قال سليمان الحكيم ( الذى يزيد علما ، يزيد حزنا ) (جا 1 : 18 ) وبهذه المعرفة سقطت حواء ، مع أنها كانت معرفة ديع سليمة ، قال لها الشيطان وهو يكذب ( تنفخ أعينكما وتصيران مثل الله ( تك 3 : 5 ) فما الذى أحدثته هذه العبارة ؟ لقد غيرت نظرة حواء وتفكيرها وشعورها ( فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون ، وأن الشجرة شهية للنظر 0 فأخذت من ثمرها وأكلت ) فالذى يصب فى أذن زميل أو صديق معلومات تضره ، إنما يعثره كأن يعطيه معلومات تدين شخصا معينا ، أو تجعله يأخذ فكرة سيئة عنه أو يقدم له معارف معينة تتعبه اخلاقيا ، أو شكوكا تتعبه عقيديا بحيث يخرج صاحبه من هذا اللقاء ليقول ليتنى ما قابلت فلان ، أو ليتنى ما سمعت 0 مثال ذلك أيضا البيئة الشريرة ، وما تقدمه من أفكار هذه التى قال عنها الرسول ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) ( 1كو 15 : 33 ) وهكذا بالعثرة من جانب ، وبالانقياد للعثرة من جانب آخر ، يتعلم منهم التحايل ، أو طرق المكر أو طالب يتعلم التزويغ من الدارسة ، أو الغش فى الامتحان وأطفال تستخدمهم عصابات فتعثرهم وتعلمهم النشل أو شباب يجتمعون معا ،والجديد فيهم يعلمونه تعاطى المخدرات أو لعب القمار كلها عثرات ، ولتفاديها قال عنها المرتل فى المزمور الأول ( طوبى للإنسان الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف ، وفى المستهزئين لم يجلس ) كذلك يعتبر عثرة من يقدم لك الفكر الخاطئ ، دون أن يرد عليه يقدم لك كل أدلة الفكر الخاطئ وبراهينه ، ويقف عند هذا الحد ، دون أن يذكر تعليقاته على كل ذلك دون ذكر الردود التى تحطم ذلك الفكر الخاطئ وإذا هوجم فلا يورده من أفكار ، يرد قائلا ( أنا لم أقل إن هذا رأيى ، وإنما ذكرت كل ذلك من باب العلم !! )والخطير أيضا أن يكون وراء هذا الشخص تابعوه وتلامذته ومريدوه ، الذين يكررون نفس الكلام ويعملون به ، ويكونون هم أيضا عثرة البعد عن هؤلاء طهارة ، وليس خصومة إنه بعد عن أسباب العثرات ، أو البعد عن معرفة العثرة فالذى يسبب العثرة يفقد صاحبه البساطة والبراءة التى كان يحياها وكأنه يقول له ما قاله الشيطان لحواء ( تنفتح أعينكما ) تنفتح العين ، فتعرف الخطية النقطة الأخرى غير معرفة الخطية ، هى تسهيل الخطية 0 تسهيل الخطية:- إنه نوع آخر من العثرة لأنه ربما يعرف إنسان الخطية ، ولكنه لا يمارسها لأن الباب مغلق أمامه لذلك يعثره من يسهل الأمر عليه فيعرفه أماكن الخطية ووسائلها ، ويقودها إليها ، ويزيل الخوف من قلبه ، كما يزيل العوائق من أمامه مثال ذلك ما فعلته إيزابل مع الملك آخاب فى الاستيلاء على حقل نابوت اليزرعيلى ( 1ما 21 ) وما كان ينويه اخيتوفل فى نصيحته لأبشالوم ليمكنه من القضاء على أبيه داود ( 2صم 17 ) كل هذا أعمق وأخطر بكثير من مجرد معرفة الخطية ، التى علاجها أسهل من علاج مذاقة الخطية مذاقة الخطية:- هى الخطوة العملية الأولى فى ارتكاب الخطية كالذى يقدم لشخص سيجارة ليدخنها ، أو وردة فيها مسحوق الهيروين ليشمها أو يجعله يذوق مكسبا فى لعب القمار ، أو يذوق كأسا من الخمر ، أو يفتح له مجالا عمليا لممارسة الخطايا الشبابية اسم أخر للخطية:- من العثرة أيضا تسمية باسم فضيلة أو باسم آخر يسهل قبوله فالذى ينشر هرطقة مثلا ، يقول عنها إنها المفهوم السليم للدين والذى يعلم زميله لعب القمار ، يسميها تسلية ، أو تحلية للعب والذى يدعو لممارسة الزنى ، يسمى ذلك معالجة للكبت وأضراره والذى يساعد على التهرب من الضرائب ، يقول إن ذلك مجرد تخلص من مغالاة وظلم اللجان التى تقدر قيمة الضريبة وهكذا فإن الشيطان – فى العثرة – لا يحارب بوجه مكشوف 0 أنواع من العثرات:- ليست كلها فى الأمور الشبابية كما يظن البعض فهناك عثرات فى الدين ، كهراطقة ، والذين ينشرون الشكوك فى الدين ، أو الذين ينشرون الإلحاد والذين ينكرون القيامة والمعجزات وهناك عثرات فى الفلسفة والفكر وزعزعة الفكر فى كثير من المبادئ والقيم كأصحاب البدع الذين يأتون بشئ جديد لتحطيم ما تسلمه الناس من قبل ويقدمون ذلك باسم العلم والتجديد إن الأريوسيين كانوا أكثر خطرا من أريوس ، وأكثر إيذاء لأثناسيوس لذلك حسنا قال معلمنا يعقوب الرسول لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ( يع 3 : 1 ) لماذا ؟ ( لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا ) إنها العثرة فى التعليم يعثر نفسه إذ يظن أنه على حق ، ويكون ( حكيما فى عينى نفسه ) ( أم 3 : 7 ) وأيضا يعثر غيره بنشر تعليمه الخاطئ لذلك لا تقبلوا كل فكر جديد يحطم ما تسلمتموه ويكون لكم عثرة ذلك لأن البعض يحاولون أن يقدموا شيئا جديدا ، يلفون به المسلمات القديمة ، ليثبتوا أنهم أكثر علما ومنهم بعض المشتغلين بالنقد الكتابى Biblical Criticism وهم فى الجامعات الأجنبية من رجال الدين ومن أساتذة اللاهوت ، ولكنهم عثرة ، وحسب قول الرسول يأخذون دينونة أعظم دينونة بسبب أخطائهم ، ودينونة بسبب نشرها 0 القدوة السيئة:- هى أيضا عثرة ، إذ يقع الغير فى أخطاء بسبب تقليدهم لتلك القدوة وهؤلاء المخطئون – إن كانوا من القادة أو الرؤساء أو الزملاء – لم يقصدوا أن يجعلوا غيرهم يخطئون 0 ولكنهم كانوا سببا فى ذلك فقد يعلمونهم الروتين ، أو الحضور متأخرين إلى مكان العمل ، أو محاولة تبرير كل خطأ ، أو سوء معاملة الناس وتعطيل مصالحهم ، أو يعلموهم قلة الإنتاج ، أو كتابة تقارير وهمية أو مزورة إلخ فالإنسان فى المجتمع يمتص منه أشياء كثيرة يمتص عادات وعثرات ويدخل فى هذا المجال أيضا الآباء والأمهات بالنسبة إلى أبنائهم فالأنباء ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم كقدوة ويقلدونهم ويدخل فى مجال العثرة أيضا ما يتعرض له البسطاء الذين ليست لديهم القدرة على تحليل تصرفات من هم أكثر منهم خبرة وعلما ومركزا فيعثرون بهم – ليس من جهة انتقادهم – إنما من جهة تقليدهم كذلك الموظف الأدنى مركزا ، إذا توقى إلى مركز أعلى ، قد يسير على نفس نهج من سبقه ، ويكون ذلك له عثرة 0 الثقافة والإعلام:- كل أجهزة الوسائل السمعية والبصرية قد تكون عثرة ، إذا قدمت برامج معثرة للسامعين أو المشاهدين فلها تأثير على شخصياتهم ، من حيث تفكيرهم وأساليبهم ، وما تتركه فى نفوسهم من مشاعر وأحاسيس وبالمثل كل مصادر الفكر من كتب ومجلات وجرائد ونبذات ومنشورات ، هى أيضا قد تكون عثرة ، إن أثرت على أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم تأثيرا خاطئا وقادتهم فى طريق يضرهم أو يضر المجتمع قال أحد المفكرين قل لى ماذا تقرأ ، لأقول لك من أنت وأريد أن أضيف إلى ذلك ليس الأمر يقتصر فقط على ما تقرأ ، وإنما أيضا ماذا ترى وماذا تسمع فالكاسيتات ، وأجهزة التليفزيون و الفيديو ، لها خطورتها فى التأثير على الناس ، وكذلك الأفلام السينمائية والمسرحية وكثير من هذه كلها قد تكون عثرة وعلينا أن نكون حريصين فى كل ذلك بالنسبة إلى أنفسنا وإلى أولادنا 0 الكبير والصغير:- على الكبير أن يكون حريصا جدا ، فى أقواله وتصرفاته ، حتى لا يعثر الصغير ، أو الضعيف وهكذا يقول الرسول ( أنظروا لئلا يصير 00 هذا معثرة للضعفاء ) ( 1كو 8 : 9 ) ويكرر عبارة ( الأخ الضعيف الذى مات المسيح لأجله ) ( 1كو 8 : 11 ) ثم يقول أخيرا ( إن كان طعام يعثر أخى ، فلن آكل لحما إلى الأبد ، لئلا أعثر أخى ) ( 1كو 8 : 13 ) وهو من جهة العثرة يقول عن الضمير ( ليس ضميرك أنت بل ضمير الآخر غير طالب ما يوافق نفسى ، بل الكثيرين لكى يخلصوا ) ( 1كو 10 : 29 – 33 ) والسيد المسيح – من جهة العثرة – اهتم بالصغار فقال ( من أعثر أحد هؤلاء الصغار ) ( مت 18 : 6 ) إن أسباب العثرة قد يقاومها القوى ولكن ما ذنب الضعيف ؟ ونقصد بالقوى ، القوى فى روحياته ، والقوى فى إرادته ، والناضج فى تفكيره هذا القوى يمكنه أن يدرك الخطأ ويقدر على مقاومته ولو أنه من الجائز أن يقع فى إدانة صاحبه ولكن المشكلة فى عثرة الضعيف أو البسيط والضعيف أيضا قد يقول إن الكبار هكذا يسقطون ، فماذا أفعل أنا الضعيف ؟! وقد يسستلم للخطأ ، أو يقع فيه يأسا ، أو انقبادا وربما من عثرة الضعيف أن تسقط المثل العليا أمامه وهكذا فإن القديس بولس الرسول لما وبخ القديس بطرس الرسول ، قال له قدام الجميع ( إن كنت وأنت يهودى ، تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! )( غل 2 : 14 ) قال ذلك لأنه وجد ( أن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم ) ( غل 2 : 13 ) أى أعثر منهم فليحترس الكبار إذن فى تصرفاتهم 0 ونقصد الأبوين فى محيط الأسرة ، والمدرسين بالنسبة إلى التلاميذ ، والخدام بالنسبة إلى مخدوميهم والكهنة بالنسبة إلى شعبهم والمرشدين بالنسبة إلى من يسترشد بهم يحرصون ألا يكونوا عثرة فى كلامهم وتصرفاتهم وحركاتهم وملامحهم وكذلك فى حفظهم للنظام ، وفى طاعتهم للقانون ، وفى حفظهم للوصية فإذا كان الشماسة مثلا لا يتكلمون فى الكنيسة ، يحرصون على احترام الهيكل والصلوات قد يقتدى بهم الشعب وإن أخطأوا قد يكونون عثرة للشعب ، الذى قد يفعل المثل والذى يتكلم أثناء الصلاة فى الكنيسة يقع فى عدة أخطاء :- أولا : عدم احترام الكنيسة ، وعدم احترام الصلاة ، وعدم وجود مخافة الله فى قلبه0 والخطية الثانية : يكون عثرة لغيره : إما فى أن يفعلوا مثله ، أو أن يقعوا فى إدانته وبالمثل الذى يداوم النظر إلى ساعته ، أثناء الاجتماع أو العظة وكذلك الذى يخرج من الكنيسة قبل البركة أو التسريح على الشخص أن يتنافى العثرة ، حتى لو لم يكن فى تصرفه خطأ إن السيد المسيح عندما طلبت منه الجزية ، وكان يعرف أن الجزية لا تطلب من بنى البلد بل من الغرباء ، قال لبطرس ولكن لكى نعثرهم ، اذهب إلى البحر وألق صنارة ) ( مت 17 : 27 )ولكى لا يعثرهم أيضا ، تقدم إلى معمودية يوحنا التى للتوبة ، مع أنه غير محتاج إلى توبة وإن السيد المسيح أطاع الناموس فى أمور كثيرة لا تلزمه ، وكذلك القديسة العذراء ، لكى لا يعثرهم أحد 0 الضمير:- يوجد ضمير ضيق يتشكك فى كل شئ ، ويظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ وضمير واسع يبرر تصرفات كثيرة وموضوع الضمير يدخل فى موضوع العثرة0 والأمثلة كثيرة هل الجمال مثلا يعثر ؟ فتاة جميلة 0 ينظر إليها البعض ويشتهونها فهل هى عثرة لهؤلاء ؟ وما ذنبها ؟ كلا ، إنها ليست عثرة العثرة هى فى قلوب الذين يشتهونها الخطأ فيهم وليس فيها القديسة يوستينا مثلا كانت جميلة جدا وقد اشتهاها شخص لدرجة أنه لجأ إلى السحر ليحصل عليها فهل كانت هذه القديسة عثرة ؟ كلا ، وإنما العثرة فى قلب ذلك الإنسان غير النقى 0 ما رأيكم فى ملاكين اشتهاهما أهل سادوم ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! هل الملاكان كانا سبب عثرة ؟! حاشا 0 إنما الخطأ فى انحراف ذلك الشعب الشاذ ، لذلك ضربهم الملاكان بالعمى عقابا لهم عل شهوتهم النجسة ( تك 19 : 4 – 11 ) الكتبة والفريسيون انتقدوا السيد المسيح ، لأنه صنع معجزات فى يوم سبت – فهل كان السيد المسيح عثرة لهم ؟! بل عدم فهمهم أو عدم نقاوة قلوبهم كان هو السبب العثرة أتتهم من داخلهم ، وليس من سبب خارجى وما أكثر القديسين الذين أتهموا من الناس ظلما ، مثل القديس مكاريوس الكبير، والقديسة مارينا والقديس افرام السريانى ، ولم يكونوا عثرة ، وأظهر الله براءتهم وهنا ليتنا نتأمل قول الرسول ( كل شئ طاهر للطاهرين ) ( تى 1 : 15 ) غير الطاهرين إذن ، تكون كثير من الأمور عثرة لهم ، بسبب عدم طهارتهم إذ يفكرون بطريقة فيها دنس أما الطاهرون فيفكرون بنقاوة لذلك لا تعثرهم أشياء تعثر غيرهم الأمر إذن يحتاج إلى ضمير نقى يحكم بعدل لقد أمرنا السيد الرب أن نخفى فضائلنا فهل إذا خفينا صلواتنا وأصوامنا وصدقاتنا حسب أمر الرب ( مت 6 ) أيعثر الناس فينا ويظنوننا لا نصلى ولا نصوم ؟!أم نطهر فضائلنا لكى لا يعثروا ونخالف وصية الرب ؟!ّ المسألة إذن مسألة ضميرالمهم أننا نقدم مادة للعثرة أما إن أعثر غيرنا لسبب فيه ، ولا قصد منا فى إعثاره ، فالذنب ذنبه هل كان داود النبى سبب عثرة لشاول الملك ، حينما انتصر على جليات ؟! كلا ، بلا شك وما كان بإمكان داود أن يترك جليات يعير صفوف الرب وداود نفسه نسب الإنتصار للرب وقال لجليات ( اليوم يحسبك الرب فى يدى ) ( لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا ) ( 1صم 17 : 46 ، 47 ) ولكن الذى أعثر شاول هو الغيرة التى فى قلبه ، وتعبه من قول النساء ( ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته ) ( 1صم 18 : 7 ) داود النبى قال أيضا فى المزمور ( أكثر من شعر رأسى الذين يبغضونى بلا سبب ) ( مز 69 : 4 ) فهل هو أعثرهم حتى أبغضوه ؟!كلا ، بل هم أبغضوه بلا سبب منه إنما السبب هو حقد قلوبهم ، وغيرتهم من تقواه وانتصاراته ، أو شهواتهم فى أن يغتصبوا سلطانه كما فعل أبشالوم 0 الرياء:- هناك أشخاص لكى لا يجلبوا العثرة ، يقعون فى الرياء يتظاهرون بالبر ، لكى لا يعثر الناس ، بينما هم غير صائمين وهكذا يكونون قد وقعوا فى خطيتين هما عدم الصوم ، والرياء ليس لكى يتفادى الإنسان العثرة ، يتظاهر بالبر ! بل الوضع السليم هو أن يسلك حسنا ، ويكون بارا بالحقيقة ، حتى لا يعثر الناس 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
19 نوفمبر 2019

المسيح في العهد القديم - قصة نزول يعقوب وأسرته إلى أرض مصر

كانت قصة نزول يعقوب وأسرته معه إلى مصر، واستعبادهم في عبودية مُرّة بأرض مصر لمدة أربعمائة سنة، ثم عودتهم إلى أرضهم إسرائيل كانت هذه القصة الطويلة تحمل في طياتها رمزًا وإشارة ونبوة عما عمله السيد المسيح مع البشر بتجسده وتأنسه وفدائه العظيم الذي أتمه على الصليب خروج إسرائيل من أرض الموعد إلى أرض مصر كان إشارة إلى خروج آدم من الفردوس إلى أرض الشقاء لقد كان خروج آدم بسبب الأكل، وكذلك نزول إسرائيل إلى مصر كان بسبب الأكل فرعون يرمز إلى الشيطان بسبب الكبرياء والوثنية واستعباد الناس بعبودية مُرّة فصار إسرائيل تحت سلطان فرعون لمدة أربعمائة سنة رمزًا إلى استعباد الشيطان للناس حتى مجيء السيد المسيح المُخلِّص"فقال لأبرام: اعلم يقينًا أن نَسلَكَ سيكون غريبًا في أرض ليست لهم، ويُستعبدون لهم. فيذلونهم أربع مئة سنة. ثم الأُمة التي يُستعبدون لها أنا أَدينُها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة" (تك15: 13-14) حقاً صار الإنسان غريباً في أرض ليست له، لأن موطننا الأصلي هو السماء واُستعبد الإنسان للخطية والظلمة والشيطان، ولنا رجاء في الله أن نخرج من هذه الأرض إلى السماء بأملاك جزيلة أي بأكاليل النصرة وثمار الروح القدس بعد حرب طويلة ضد قوات الظلمة الأربعمائة سنة ترمز إلى أربعة أحقاب طويلة مرت بها البشرية قبل مجيء المُخلِّص الرب يسوع، وهي من آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى المسيح في نهاية المدة التي حددها الله بنفسه لامتحان شعبه هيأ لهم مُخلصاً هو موسى النبي العظيم الذي كان رمزاً لشخص ربنا يسوع المسيح فأخرجهم موسى من سلطان فرعون بيد عزيزة وذراع عالية، كمثلما أخرجنا السيد المسيح من سلطان الشيطان عمل موسى معجزات عظيمة قبل إخراج الشعب من مصر، وكذلك عمل السيد المسيح معجزات باهرة قبل صلبه المقدس الذي به حررنا من عبودية إبليس كانت آخر ضربات مصرضربة قتل الأبكار، مع قصة خروف الفصح الذي كان رمزاً واضحاً لموت السيد المسيح على الصليب، ثم خرج الشعب من مصر بعد ذبح الخروف، وكذلك خرجنا نحن أيضاً بالمسيح بموته على الصليب "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا" (1كو5: 7) عندما خرج الشعب من مصر عبروا أولاً في البحر الأحمر، وكان هذا رمزاً للمعمودية التي نتحرر بها من سلطان الشيطان، ونبدأ حياة جديدة في رعوية شعب المسيح "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحروجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو10: 1-2) بعد عبورهم البحر لم يدخلوا مباشرة إلى أرض الموعد، ولكن تاهوا في البرية لمدة أربعين سنة كانت إشارة إلى فترة الجهاد الروحي التي يقضيها الإنسان منذ معموديته حتى دخوله إلى السماء بالموت الجسدي مع ملاحظة أن رقم أربعين يرمز إلى جيل كامل أي إلى عمر الإنسان كله فنحن مطالبون أن نجاهد في برية هذه الحياة طوال العمر.. حتى ندخل إلى السماء"مَنْ يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى" (1كو9: 25) "جاهد جهاد الإيمان الحسن، وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين " (1تي6: 12) "وأيضاً إن كان أحد يجاهد، لا يُكلَّل إن لم يجاهد قانونياً" (2تي2: 5) "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان" (2تي4: 7) كانوا في البرية يأكلون طعاماً من السماء هو المَن الذي كان رمزاً لجسد السيد المسيح الذي نغتذي به في حياتنا في هذه البرية"وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً" (1كو10: 3)، "أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 48-51) وكانوا يشربون في البرية من الصخرة التي ضربها موسى بالعصا فخرج منها ماء.. "وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1كو10: 4)الصخرة هي المسيح، والعصا هي الصليب وضرب الصخرة بالعصا يرمز إلى صلب السيد المسيح وآلامه وموته، وخروج الماء يرمز إلى نهر الخلاص الذي نبع لنا من صليب المسيح في مرة أخرى عطش الشعب وتذمروا، فصرخ موسى للرب، فكان كلام الرب إليه قائلاً: "خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك، وكَلِّما الصخرة أمام أعينهم أن تعطي ماءها، فتخرج لهم ماء من الصخرة وتسقي الجماعة ومواشيهم" (عد20: 8)"العصا" هي الصليب، و"اجمع الجماعة" يعني الاجتماع الليتورجي، وهرون يمثل الكهنوت، و"كلِّما الصخرة" تعني الصلاة إلى السيد المسيح بالقداس أن يعطينا خلاصه الثمين بدمه الكريم، وفي نهاية القداس نتناول من جسد الرب ودمه (تسقي كل الجماعة) ففي المرة الأولى أمر الرب موسى أن يضرب الصخرة، وفي الثانية أن يكلّمها رمزاً إلى أن السيد المسيح مات مرة واحدة بالصليب، وبعد ذلك يسيل دمه إلينا بالصلاة وليس بتكرار الصلب استمر الشعب في البرية حتى مات موسى، ثم أدخلهم يشوع إلى أرض الموعد إشارة إلى أن الناموس والأنبياء لم يستطيعوا تخليص الإنسان وإدخاله إلى السماء إلا المسيح وحده يشوعنا الجديد، الذي استطاع أن يدخلنا إلى الفردوس بنعمته أما الناموس فقد كان "مؤدبنا إلى المسيح" (راجع غل3: 24)، "ولكن بعد ما جاء الإيمان، لسنا بعد تحت مُؤدبٍ" (غل3: 25) وعند دخولهم إلى أرض الموعد عبروا نهر الأردن ليكون رمزاً جديداً للمعمودية ثم حاربوا حروباً صعبة إشارة إلى الحروب الروحية قبل أن يتمكنوا من تملك الأرض التي أعطاها إياهم الله التي هي رمز للسموات بعينها ترى إذاً أن فترة طويلة من تاريخ الإنسان (نحو خمسمائة عام) استخدمها الله ليكشف لنا خطته في الخلاص بعد السقوط والنفي، ثم عصر الأنبياء، وأخيراً مجيء المسيا المُخلِّص قبل أن نعود عودة نهائية إلى أرضنا الحقيقية التي هي ملكوت السموات. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل