المقالات

06 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه ج4؟

4 - أضداد كثيرون للمسيح عبر التاريخ القديم والمعاصر وكما تحدث السيد المسيح عن ضد المسيح، المسيح الكذاب، أو المسيح الدجال، الذي وصفه "بالآخر " والذي وصفه القديس بولس ب " ابن الخطية، الأثيم، ابن الهلاك " تحدث أيضا عن أنبياء كذبة ومسحاء كذبة وقال " انه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا " (مت24: 24)، تحث القديس يوحنا عن " أضداد للمسيح كثيرون " ؛ " أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة " (1يو 2: 18). وكما بينا أعلاه فمن أهم صفات أضداد المسيح ؛ إنكار لاهوت المسيح وتجسده ووحدانية الآب والابن، أي إنكار الثالوث المقدس وعمل الفداء. وهذا الفكر ينطبق على الكثيرين عبر التاريخ من أصحاب البدع والهرطقات وغيرهم، سواء في العصور القديمة أو الحديثة، من أمثال اريوس وشهود يهوه والمورمنس 00الخ كل الذين أنكروا لاهوت المسيح وعقيدة الثالوث والتجسد وعمل الفداء. وقد وُصف قادة اليهود بسبب موقفهم الرافض والمقاوم للمسيح والمسيحية بأنهم أضداد ليس للمسيح فقط بل ولكل الناس لأنهم وقفوا ضد طريق الخلاص " الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله وأضداد لجميع الناس (1تس2: 15). كما وُصف عدد كبير من القادة وغيرهم عبر التاريخ القديم والحديث بلقب " ضد المسيح " بسبب مواقفهم المختلفة والمقاومة سواء من جهة العقيدة المسيحية أو بسبب نظريات تفسيرية معينة. وفيما يلي ملخص لأهم هؤلاء من خلال ما سجله لنا تاريخ الكنيسة المسيحية القديم والحديث، وما سجلته الكتب وغيرها من وسائل المعرفة: (1) ضد المسيح والإمبراطورية الرومانية ؛ تحدث القديس يوحنا بالروح،كما بينا أعلاه، عن أضداد كثيرين للمسيح وكل واحد منهم هو نموذج ورمز وصوره ضد المسيح الآتي في نهاية العالم. وقد تحقق إعلان الوحي على مر التاريخ في انتيوخس ابيفانس مجسم ونموذج ضد المسيح في القديم، وتصور بعض الآباء أنه سيمون الساحر. وكانت الإمبراطورية الرومانية في نظر المسيحيين في القرون الأولى هي ضد المسيح وأباطرتها هم أضداد للمسيح والمسيحية الرومان من كاليجولا إلى نيرون إلى دقلديانوس.. الخ. والذين كانوا اشد قسوة واكثر هولا على المسيحيين والمسيحية وحاولوا استئصال المسيحية من جذورها. ففي سنة 40م أصدر جايوس قيصر المعروف بكاليجولا أمرا بوضع تمثاله في الهيكل في أورشليم، وأرسل كتيبتين من جنوده لتنفيذ هذا الأمر بالقوة وهنا تصور المسيحيون واليهود أن نبوة المسيح عن رجسة الخراب (مت15: 24،16) قد تحققت. ولكن كاليجولا مات فجأة ولم ينفذ أمره! وفى سنة 64م أضطهد نيرون المسيحيين بشدة وأتهمهم بحريق روما، ومنذ ذلك التاريخ أعتبر الكثيرون من الآباء أن نيرون هو ضد المسيح. وقد أستمر ذلك حتى بعد موته! وظهرت نظرية تقول أنه سيقوم من الموت ويكون هو ضد المسيح! وأعتقد كل من لاكتانيوس (240 -320م) وجيروم (340 -420م) واغسطينوس 354 -430م)، أن ضد المسيح هو نيرون القائم من الموت والعائد إلى الحياة! ولما حاول الإمبراطور شارلمان (742 - 814 م) إعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية ثانية رأوا فيه ضد المسيح المذكور في نبوات سفر دانيال وسفر الرؤيا. وعندما غزا نابليون بونابرت (1769 - 1821م) أوربا وحاول توحيدها رأوا فيه نفس ما رأوه في شارلمان، ونفس الشيء حدث مع القيصر ولهيم Wilhem، وكذلك وصف كل من هتلر (1889 - 1945م) في ألمانيا، وموسيلينى (1899 - 1955م) في إيطاليا بسبب محاولاتهم أحياء الإمبراطورية الرومانية. ونفس الشيء أيضا يقال عن السوق الأوربية المشتركة والتي ينظرون إليها باعتبارها الإمبراطورية الرومانية العائدة إلى الحياة!! وما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يمهد لمجيء الوحش أحد أعضاء ما يسمى بالثالوث الشيطاني الذي سيحكم العالم ضد حكم المسيح، وكذلك الكومبيوتر العملاق الذى يوجد في المقر الرئيسي في بروكسل ببلجيكا والذي يقال أنه يضم معلومات عن كل شخص على وجه الأرض ويدار بواسطة ثلاث مجموعات مكونة من ست (6) وحدات رقمية!! (2) ولما ظهرت حركة الإصلاح البروتستانتية قالوا أن بابا روما هو ضد المسيح، وقال مارتن لوثر (1483- 1546م) أن النظام البابوي، كل بابوات روما، هو ضد المسيح، وكانوا يصفون ضد المسيح بشخص مثل البابا. وما تزال هذه النظرة عند بعض البروتستانت إلى بابا روما حتى اليوم!! بل ويصفون البابوية بأنها بابل الزانية التى اضطهدت القديسين!! وبنفس الطريقة وصف الكاثوليك مارتن لوثر بأنه ضد المسيح!! ويقول أحد الكتاب من الكنيسة الإنجيلية المشيخية " من يضطهد من؟ حقيقة أن الكاثوليكية الرومانية متهمة باضطهاد الكثيرين. ولكن هذا الاتهام لا ينطبق علي الكاثوليكية فقط، بل أيضا علي البروتستانت. فإذا كانت الكاثوليكية قد اضطهدت البروتستانت، فهناك اضطهادات كثيرة ارتكبها البروتستانت ضد الكاثوليك - بل هناك الملايين من الجنود من كلا الطرفين قتلوا في حرب الثلاثين عاما من 1618 - 1648 - بجانب اضطهاد الكنيستين لأصحاب مذهب أل Anabaptists (الذين ينادون بقصر المعمودية علي الكبار دون الأطفال) والهراطقة ". وعندما حدثت الثورة الفرنسية وحاول رجالها بإيحاء من مفكرين من أمثال فولتير القضاء على المسيحية سواء الكاثوليكية أو البروتستانتية، وحولوا كاتدرائية نوتردام إلى معبد لعبادة العقل، نظر إليهم المؤمنين على أنهم ضد المسيح، وقالواأن ضد المسيح أظهر نفسه. (3) كما وصف بعض رؤساء الدول من المعاصرين بأن كل منهم هو ضد المسيح لأسباب مختلفة ؛ فقد وصف ستالين في روسيا الشيوعية والذي قتل 30 مليون نسمة من شعبه بسبب اضطهاده للمسيحية والدين عموما، والديكتاتور الأسباني فرانشيسكو، وجون كيندى الذى كان أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تبعيته للكنيسة الرومانية، كما أن عدد الأصوات التى حصل عليها من المرشحين في الحزب الديموقراطي (666) صوتاً، وهنري كيسنجر بسبب أصله اليهودى وكونه أمريكي ونشاطه في مشكلة الشرق الأوسط وحسب اسمه الأخير هو (666)، والملك الأسباني خوان كارلوس بسبب نسبه وسبب دخول أسبانيا كالدولة العاشرة في السوق الأوربية المشتركة وقالوا أنه سيكون ملكا لأورشليم وحامى حمى الكاثوليكية، وآية الله الخومينى بسب موقفة من أمريكا، والرئيس الأمريكي رونالد ويلسون ريجان لأن كل اسم من أسمائه الثلاثة يتكون من ستة حروف Ronald Wilson Reagan كما أن رقم منزله في كاليفورنيا كان (666) علما بأنه رجل متدين وقد قام بتحويل رقم منزله إلى 668، والرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف أول رئيس روسي يؤيد حقوق الإنسان وبسبب تأييده للنظام العالمي الجديد ولأن اسمه في الروسية هو " جوجرا باتشيف " والحروف الثلاثة الأولى من اسمه هي " جوج " التى تقول النبوات أنه سيحارب إسرائيل، والرئيس العراقي صدام حسين الذى ينظرون إليه باعتباره الوحش في سفري دانيال والرؤيا ولأنه يحاول أحياء الإمبراطورية البابلية من جديد ويحاول إعادة بناء برج بابل، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لأنه وقع معاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1993م، السلام الذى يقولون أنه السلام الزائف الذى سيستمر سبع سنوات، وكذلك العروسة، الدمية، الديناصور بارني لأنها تشبه الوحش Dragon الأرجواني في سفر الرؤيا!! وعدى أبن الرئيس صدام حسين لأنه أكثر شراسة من أبيه وهناك احتمال أن يكون الرئيس التالي له، والرئيس الأمريكي كلينتون والرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس السوري حافظ الأسد الذى يمثل الملك السوري مضطهد اليهود أو ملك الشمال والملك حسين ملك الأردن، الراحل، لأنه الرئيس العربي الوحيد الذى له علاقات ودية مع إسرائيل!! والأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا بسبب أصله الروماني!! وهناك شخصيات معاصرة أيضا كثيرة أعطيت لقب ضد المسيح بسبب أعمالها وما تدعيه لنفسها. وعلى سبيل المثال ؛ القس صان ميانج مونSun Myung Moon قائد الكنيسة الموحدة Unification Church ويدعى أنه المسيا ودخل السجن بسبب عدم دفعه للضرائب ويتبعه أكثر من 000, 30 شخص من الأمريكيين. وجورو مهيراجي Guru Mahereji رئيس إرسالية النور الإلهي Divine Light Mession والذي وعد بأن يعلن الله وأن يؤسس سلاما عالميا. ويطلقون عليه لقب المعلم الكامل وتضم جماعته 500 ألف أمريكي وأكثر من 8 مليون هندي. والساحر الأمريكي ديفيد كوبر David Cuper والذي يعمل أعمال سحرية مبهرة والذي أوحى للناس أنه أخفى تمثال الحرية لمدة 15 دقيقة في وجود وكالات الأنباء والصحافة والتليفزيون، كما أوحى أيضا أنه اخترق سور الصين العظيم بجسده إلي جانب الأخر.وغير هؤلاء يوجد عدد كبير من المسحاء الكذبة في الوقت الحاضر والذي يصل عددهم إلى الآلاف فقد نشرت مجلة " أخبار الحوادث " بتاريخ 23/ 3/ 1995 ص 25 تحت عنوان: حرب شرسة جديدة تجتاح العالم " المسيخ الدجال " بالجملة " احترسوا إنها حرب جديدة تجتاح العالم، أبطالها بعض الدجالين والمتخلفين دينيا وعقليا أطلقوا علي أنفسهم الأنبياء الجدد أو المسيخ الدجال! وصل عدد هؤلاء الدجالين إلى 50 ألف مسيخ دجال من بينهم 500 في فرنسا! نوعية من البشر أصبحت تشكل خطورة بالغة علي عشرات الملايين من الأفراد.. تأثير خادع وضلال اشد وطأة من اغتيال الشخص نفسه ممارسات مجنونة تصل إلى حد الإغتصاب والانتحار الجماعي وأفعال إجرامية غريبة 000 هذا وقد اثبت القطاع العالمي للأبحاث والدراسات حول المسيح الذي يراقبه " رونالد ديكون " إن كل مدعي النبوة أو المسيخ الدجال يجب أن يتمتع بوجه قريب الشبه من وجه السيد المسيح ويجيد التحدث بطلاقة ومنطق وتسلسل منتظم، أيضا يجب أن يكون علي دراية بأصول الإنجيل، لا يبتسم كثيرا، ولا يأكل اللحوم وله مقدرة جنسية كبيرة تفوق كل العامة من البشر وأخيرا يأتي ببعض أعمال السحر أو ما يشابه ذلك مثل شفاء المرضى ".ومن هؤلاء " بيتر بولينو " الفرنسي الذي يعمل رجل مطافئ.فقد وقع له في عام 93 حادث مروع ادخله في غيبوبة لمدة 3 أسابيع قام من بعدها يدعي النبوة ويقول ان في استطاعته رؤية الطالع والمستقبل أطلق علي نفسه " مصلح العالم " وانه مندوب المسيح علي الأرض 000!! ومن هؤلاء أيضا الأيسلندية " ميلاني نيلياك " المرأة التي بدأت نشاطها عام 1989 واستمرت فيه حتى القي القبض عليها في يونيو 1994 بعد أن تمكنت وبيدين من حديد أن تسيطر وتجند 21 ألف فتاة انتحر منهن 400 فتاة. (4) وكان الفيلسوف الوثني بروفيرى عدوا شديدا للمسيحية وحاول اقتلاعها من جذورها في كتابه ضد المسيحيين "، وكذلك اليهود الذين صلبوا المسيح وقتلوا يعقوب ابن زبدى ورجموا استيفانوس. وفى العصور الحديثة رفضت العقلانية الوحي والنبوات وبالتالي الكتاب المقدس ككلمه الله، وكانت ضدا شديدا للمسيح والمسيحية. ورفضت الشيوعية على مدى 70 سنه وجود الله من الأساس واعتبرت الدين أفيون الشعوب وحرمت الكتاب المقدس وسجنت وأعدمت آلاف، بل وملايين من المؤمنين بالمسيح بسبب إيمانهم، والفت كتاب أسمته " سفر الإلحاد " يحارب ما جاء في الكتاب المقدس ويحارب وجود الله ذاته وكل الأديان التى تؤمن بالله، فكانت بذلك اشد ضد للمسيح في القرن العشرين. (5) ضد المسيح أو الخطر القادم من المريخ!! ومن أعجب ما كتب عن ضد المسيح هو ما تقوله كتابات الهيئة الأمريكية المعروفة ب UFOs ونقله عنها أحد الكتاب، هنا في مصر، من أن ضد المسيح ليس بشر ولن يولد من امرأة بل سيأتي من الفضاء الخارجي ومن كوكب آخر لأنه ببساطة يؤمن مثلهم أن ضد المسيح هو ملاك الشيطان، الشيطان نفسه الذي سيظهر في شكل إنسان، ويقول " نخلص مما تقدم بنتيجة قوامها أن الدجال لم يولد ولن يولد فالولادة أي التجسد من أعمال القدرة الإلهية وقد اقتضتها ضرورة إتمام عمل الفداء ولا ضرورة تقتضي الولادة للقيام بأعمال التضليل "!! ثم يقول مؤكدا " من المحقق أن المسيح الدجال هو الشيطان ذاته مستعلنا 000 ومن الكتب المقدسة نعلم أن الشيطان عند إستعلانه على الأرض كضد للمسيح سيتخذ من مدينة صور اللبنانية مقرا له للسيطرة على العالم كما سيتخذ من هيكل الله الذي في قلب البحار (أي في مدينة صور الأممية) مسكنا له، وسيجلس فيه في ترفع واستعلاء ليطهر نفسه أنه إله "!! ويقول أنه سيستعلن في هيئة جسمية منظورة ومرئية " منتحلا اسم المسيح وصفته وهيئته لخداع البشر لكي يدان جميع الذين لا يقبلون الحق بل سروا بالإثم "!! ثم يقول أنه سيأتي على طبق طائر، مركبة نارية سماوية لأنه يعتقد أن الأطباق الطائرة ما هي إلا مركبات كاروبيمية ملائكية " أننا ندق ناقوس الخطر، فالخطر قادم وضد المسيح على الأبواب وسوف تستيقظ الدنيا ذات يوم على نبأ هبوط طبق طائر أو مركبة نارية قرمزية في مدينة صور " الزانية المنسية " التي سوف يصير لها ملك على ملوك الأرض عندما يملك عليها ضد المسيح كما جاء بالأنبياء "!! بل ويرى أن السيد المسيح نفسه سيأتي في مجيئه الثاني على طبق طائر أيضا!! فيقول " والمحقق كتابيا أن مركبات الكروبيم هي بحسب طبيعتها مركبات سمائية طائرة، وعلى إحدى هذه المركبات سوف يأتى رب المجد في مجيئه الثاني على سحاب السماء "!! ثم يحدد مجيئه أو نزوله " في منتصف ليلة 14/15 مايو سنة 2010م!! والسؤال الآن ؛ من هو ضد المسيح كما يتبين من الكتاب المقدس ومما قاله معظم أباء الكنيسة عبر كل القرون والعصور، وما قاله علماء الكتاب المقدس، في معظم الطوائف الأساسية؟ القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
05 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه ج3؟

3 - آباء العصور الوسطى لا يختلف بقية آباء العصور التالية كثيرا عما سبق يقول سويرس (حوالي 363 –420)، أن معلمه القديس مارتن أسقف تورز أعتقد أن ضد المسيح كان قد ولد فعلا وأنه صبي يستعد لنوال القوة في السن المناسبة. وقال نارساى السرياني (399- 503 م)، أن ضد المسيح هو إنسان يلبسه الشيطان تماما، فيصنع عجائب باهرة، ويؤسس سلاما غاشا، ويطلب أن يعبد. وأن إيليا سيعود إلي العالم لكي يقاوم ضد المسيح باسم البشرية المؤمنة، وسيغلبه في معركة واحدة حاسمة، بالروح القدس، متسلحا بالكلمة وفي نهاية المعركة يظهر السيد المسيح نفسه ويتوج نصرة إيليا بسحق ضد المسيح في الجسد والنفس. وقال اكيومينس (في بداية القرن السادس) أن ضد المسيح سيأتي إنسانا يلبسه شيطان ويصير ملكا علي اليهود ويقبل إيليا وأخنوخ النبيين اللذين يظهران في أواخر الدهور. وقال رومانس (القرن السادس أيضا) أن ضد المسيح هو الشيطان متجسدا، فهو يقاوم مؤمني المسيح بقوة. كما أنه يصنع معجزات ويقيم موتي، ويبذل كل جهده لكي يقود الأبرار إلي حجال عرسه. وأنه سيلقي في النار الأبدية، هو وملائكته وكل الأشرار. وقال أندروس مطران قيصرية أن ضد المسيح يأتي من سبط دان، من باشان في منطقة الفرات. ويظهر كشخص إلهي ويقيم نفسه إمبراطورا رومانيا، ويعيد تأسيس الإمبراطورية الرومانية، لكنه لا يجعل عاصمتها روما بل يقيمها مملكة أرضية عامة، هي " جسد الذين يقاومون كلمة الله في كل الأزمنة والأماكن ". أما الأب يوحنا الدمشقي (حوالي 650- 750 م) فقال " أن ضد المسيح سيكون إنسانا عاديا قابلا للموت، مولودا من زنا، تلبسه قوة شيطانية، وسيقبله اليهود بحماس. سيضطهد الكنيسة ويخدع كثيرين بعلامات وعجائب كاذبة. عندما يأتي السيد المسيح علي السحاب كما صعد في مجد ويهلك الإنسان غير الشرعي (ضد المسيح) 000 ينبغي أن تعلم أن المسيح الدجال لا محالة آت وأنه لمسيح دجال كل من لا يعترف أن ابن الله قد أتي بالجسد وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانا كاملا بعد أن كان إلها. ومع ذلك فبالمعني الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهى الدهر. ومن ثم ينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم (مت 24: 14)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: " أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيك آخر باسم نفسه فذاك تقبلون " (يو 5: 43). وقال الرسول أيضا: " لذلك يرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم " (2 تس 2: 10- 12). " فاليهود إذا لم يقبلوا الرب يسوع المسيح، علي أنه ابن الله والله، ويقبلون الغاش المدعي بأنه الله. وقد سمي نفسه الله لان الملاك الملقن لدانيال يقول هكذا: " لا يعبأ بآلهة آبائه " (دا 11: 37). ويقول الرسول " لا يخدعنكم أحد بوجه من الوجوه، لأنه لابد أن يسبق الارتداد أولا، ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك المعاند المترفع فوق كل من يدعي إلها أو معبودا حتى إنه يجلس في هيكل الله ويري من نفسه أنه هو الله " (2 تس 2: 3 – 4). هو يقول " في هيكل الله " - لا هيكلنا - بل الهيكل القديم اليهودي، لأنه لا يأتي إلينا بل إلي اليهود. ليس لأجل المسيح، بل ضد الذين هم للمسيح. لذلك يدعي المسيح الدجال ". " وعليه ينبغي أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم، " وحينئذ يظهر الذي لا شريعة له ويكون مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكل خديعة وظلم في الهالكين، فيهلكه الرب يسوع بنفس فمه ويبطله بمجيئه " (2 تي 2: 8 – 10). وعليه فإنه ليس هو الشيطان الذي يصير إنسانا علي مثال تأنس الرب، حاشا! بل هو إنسان يولد من زني، ويتسلم كل عمل الشيطان. وقد سبق الله وعلم شناعة اختياره فترك للشيطان أن يسكن فيه ". " إذا قلنا إنه سيولد من زني ويتربي في الخفية ويثور فجأة ويستولي ويملك. وفي أوائل تملكه أو بالأحرى تجبره يتظاهر بالعدل. وعندما تكون قد اتسعت سلطته يضطهد كنيسة الله ويظهر كل شره. " ويكون مجيئه بالعلامات والعجائب الكاذبة " (2تس 2: 9) المضلة وغير الصادقة. ويخدع من كان أساس ذهنهم فاسدا وضعيفا ويبعدهم عن الله الحي " ويضل المختارين لو أمكن " (مت 24: 24)." وسيرسل الله أخنوخ وإيليا التشبي فيعيدان قلوب الأباء إلي الأبناء، أي شيوخ المجمع إلي ربنا يسوع المسيح وإلي كرازة الرسل. ولكنه سيقتلهما. ثم يأتي الرب من السماء كما كان شاهده الرسل القديسون صاعدا إلي السماء، إلها كاملا وإنسانا كاملا، بمجد وقوة، فيهلك بنفس فمه الإنسان الزائغ عن الشريعة وابن الهلاك. فلا يتوقعن أحد إذا مجيء الرب من الأرض بل من السماء، علي ما أكده لنا هو نفسه ". لقمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
04 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه ج2؟

2 - ضد المسيح وآباء الكنسية الديداكية (نهاية القرن الأول): تقول عن ضد المسيح أنه مضلل العالم، الذي يدعي أنه ابن الله ويحكم علي الأرض ويصنع آيات وعجائب ويضطهد المؤمنين. لكن تتحقق النصرة الكاملة للسيد المسيح بظهور علامة (الصليب) في السماوات المفتوحة، ويسمع صوت البوق، ويقوم الأموات. عندئذ يأتي السيد المسيح ومعه جميع قديسيه علي سحب السماء (Didache 16: 3) القديس بوليكاربوس (69 - 155م): أحد تلاميذ القديس يوحنا الرسول: تكلم عن ضد المسيح بنفس نص وأسلوب القديس يوحنا وقال " كل روح لا يعترف بيسوع انه قد جاء بالجسد، هو ضد المسيح " (فيلادلفيا 1: 7). رسالة برنابا (حوالي 100م): وقد جاء فيها عن ضد المسيح أنه " حجر العثرة النهائي (أو مصدر الخطر) والمكتوب عنه كما يقول دانيال 000 ستحكم عشره ممالك علي الأرض وسيخرج منها ملك صغير بعدهم وسيخضع ثلاثة ملوك " 000ويقول دانيال أيضا عن نفس الشخص " ورأيت الوحش الرابع، شرير قوي، وأكثر وحشيه من كل وحوش الأرض، وقد خرج منه عشره قرون ومنها خرج قرنا صغيرا ناشئا وقد اخضع ثلاثة من القرون العظيمة ". وهو لا يقتبس من سفر دانيال بالحرف وإنما يقتبس روح وجوهر موضوع النص عن ضد المسيح. القديس يوستينوس الشهيد (حوالي 100 - 165م): والذي يصف ضد المسيح بإنسان الخطية وإنسان الارتداد الذي ينطق بما هو ضد العلي، ويتجاسر بارتكاب أعمال شريرة ضد المسيحيين ". القديس اريناؤس (140 -202 م): وقد تكلم كثيرا عن ضد المسيح مستشهدا بما جاء في سفر دانيال وما جاء في أقوال السيد المسيح والقديس بولس وما جاء في سفر الرؤيا فقال: " وتبين الأحداث التي ستقع في زمن ضد المسيح انه لكونه مرتداً ولصاً وقلق ليعبدا كإله ؛ ومع انه مجرد عبد، فهو يريد أن ينادي به كملك. ولكنه سيأتي ليس كملك بار، وليس كملك شرعي خاضع له، مؤبد بكل قوة الشرير، لذا سيأتي كعاق وظالم وبلا قانون ؛ وكمرتد وجائر وقاتل، وكلص يتركز في ذاته الارتداد الشيطاني ويرفض الأصنام ليقنع الناس أنه هو نفسه إله، رافعا نفسه كالوثن الوحيد، يملك في نفسه أخطاء الأوثان الأخرى الكثيرة. ويفعل ذلك لكي يخدمه الذين يعبدون الشيطان بالرجاسات الكثيرة. هذا الوثن الأوحد هو الذي يتحدث عنه الرسول بولس هكذا ".ويشير القديس اريناؤس إلي جلوسه في هيكل باعتباره " رجسه الخراب " التي تنبأ عنها داينال النبي أشار إليها السيد المسيح.ثم يقول " ويتطلع دانيال أيضا إلي نهاية المملكة الأخيرة " وينقل كل ما جاء عن القرن الصغير في (د71: 8؛ 20-22؛ 23- 25). ثم يقول هذا يكون لمدة ثلاث سنوات وستة شهور ثم يأتي القرن ليحكم علي الأرض. ويتكلم عنه أيضا الرسول بولس 000 ويعلن سبب مجيئه 00 " ثم ينقل نص ما جاء في (2 تس 2: 8 –12). " وقال عنه الرب اللذين يؤمنون به ما يلي " أنا أتيت باسم أبى ولم تقبلوني. أن آتي آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه " (يو 5: 43) داعيا ضد المسيح ب " الأخر" لأنه مبعد من الرب. هذا هو أيضا القاضي الظالم الذي ذكره الرب بأنه " لا يخاف الله ولا يهاب إنسان " (لو 18: 2) الذي لجأت إليه المرأة عندما نسيت الله، التي هي أورشليم الأرضية 000 فسينقل ملكوته إلي تلك المدينة ويجلس في هيكل الله ليضل من يتبعونه، كما لو انه المسيح، ولهذا السبب يقول دانيال أيضا 00 " ثم ينقل ما جاء في (دانيال 8: 12، 13 – 25 ؛ 9: 27) عن ضد المسيح.وبعدما يشرح ما جاء في سفر دانيال وسفر الرؤيا عن الممالك وضد المسيح يقول: " وأذ كان الله العظيم قد كشف ما سيحدث في المستقبل عن طريق دانيال وأكد ذلك عن طريق ابنه، وإذا كان المسيح هو الحجر الذي قطع بغير يدين والذي سيدمر الممالك الزمنية، ويقيم ملكوت أبدي الذي هو قيامه الأبرار، كما يعلن هو: " يقيم اله السموات مملكه لن تنقرض ابدأ "، فلندع أولئك الذين 000 يرفضون الخالق ولا يوافقون على أن الأنبياء قد أرسلوا من قبل من الأب الذي أتي منه الرب أيضا 000 لان النبوات أنبا بها الخالق بنفس الأسلوب بواسطة جميع الأنبياء قد أتمها المسيح في النهاية عاملا إرادة أبيه ومكملا لتدبيراته الخاصة بالبشرية ".ويرى إريناؤس والقديس كيرلس الكبير أن ضد المسيح سيقوم بتجديد الهيكل اليهودي في أورشليم ليكون مركزا لعمله، على عكس ذهبي الفم وأغسطينوس وغيرهم الذين يرون أنه سيتربع في هيكل الكنيسة المسيحية!! العلامة ترتليان (160 - 240 تقريبا): أنتشر بين آباء القرون الأولى اعتقاد بأن الدولة رومانية ستظل إلى ما قبل المجيء الثاني وأن إنسان الخطية سيظهر بعد زوالها، وتصوروا أن الإمبراطورية هي القوة المقاومة لظهوره. ومن ثم يقول العلامة ترتليان " أي عائق له إلا الدولة الرومانية، فإنه سيظهر الارتداد كمقاوم وضد المسيح ". كما يقول " نلتزم نحن المسيحيون بالصلاة من أجل الأباطرة واستقرار الإمبراطورية استقرارا كاملا، فإننا نعرف أن القوة المرعبة التي تهدد العالم يعوقها وجود الإمبراطورية الرومانية. هذه القوة التي لا نريدها، فنصلي أن يؤجل الله ظهورها 000 بهذا تظهر إرادتنا الصالحة لدوام الدولة الرومانية " العلامة اوريجانوس (185- 253 م): وما كتبه اوريجانوس عن ضد المسيح لا يخرج عن ما ذكرناه في الصفحات السابقة وما ذكره القديس إريناوس، خاصة ما جاء عن القرن الصغير في د81: 23- 25 و2 تسالونيكي 2: 4 " والنبوة فيما يختص بعد المسيح أعلنت في سفر دانيال 000 وقد ذكر في نبواته الأمور الخاصة بالملكوت الآتي مبتدأ من أزمنة دانيال ويستمر إلي نهاية العالم 000 وما قاله بولس في الكلمات المقتبسة منه. ثم يتحدث عن الآيات الشيطانية التي تتبعه، ضد المسيح، التي يقول إنها آيات خادعة وعاجزة ولا تقدر أن تغير طبيعتنا الفاسدة إلي طبيعة مقدسة، ولا أن تهب نموا في الحياة الفضلى، بل أن الممارسين لها أنفسهم لا يسلكون في نقاوة. ويري أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعها إنما يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق. فظهور المسيح يسوع شمس البر في أواخر الدهور سيقضي تماما علي ظلمة عدو الخير ويدفع بها إلي العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب. أما العلامة هيبوليتوس: فقد كتب مقاله كاملة بعنوان " المسيح وضد المسيح " لا يخرج مضمون ما جاء بها عن ضد المسيح عما ذكر في هذا الفصل. ويمكن تلخيصها كالآتي ؛ إن التاريخ سينتهي بظهور طاغية عنيف، يقلد المسيح لكي يغلب كل الأمم لحسابه. وسيقوم ببناء الهيكل في أورشليم. ويكون أساسه هو مملكة روما (بابل الجديدة). وسيدعو، ضد المسيح، كل الشعب لتبعيته، ويغويهم بوعود باطلة، ويكسب الكثيرين إلي حين. ولكن إذ يبلغ الأمر إلي القمة يأتي الرب ويسبقه النبيان يوحنا المعمدان وإيليا ؛ يأتيان بمجد، ويجمعان مؤمنيه معا في موضع الفردوس. وسيحدث حريق ويسقط رافضوا الإيمان تحت الحكم العادل. عندئذ يقوم الأبرار إلي الملكوت والخطاة إلي نار أبدية. ويربط بين مملكة ضد المسيح ونهاية العالم التي تتم بعد 6000 عاما من الخليقة حيث يستريح الرب في اليوم السابع وتصور أن العالم سينتهي سنة 500م!! القديس جيروم: يقول القديس جيروم " ويدعي (ضد المسيح) إنسان حتى لا نقترض انه شيطان أو روح شرير، ولكن كائن إنساني يسكن فيه الشيطان لأنه إنسان الخطية الذي سيجلس في هيكل الله مظهرا نفسه انه اله ". ويري أن كثيرين سيقومون كرمز لضد المسيح فيقول " كما كان سليمان وقديسون آخرون رمزا للمخلص، هكذا نؤمن بظهور رمز لضد المسيح مثل أنتيوخس أكثر الملوك شرا، مضطهد الكنيسة ومدنس الهيكل. ويقول في تفسيره لسفر دانيال إن ضد المسيح هو إنسان يهودي من أصل وضيع سيحطم مملكة الرومان ويسود العالم. القديس كيرلس الاورشليمى (314-387م): لم يخرج القديس كيرلس أسقف أورشليم عما بيناه في هذا الفصل وقال: " سيأتي ضد المسيح المكتوب عنه، عند انتهاء أزمنة الإمبراطورية الرومانية، وظهور علامات نهاية العالم. سيقوم عشره ملوك رومانيون معا، في أماكن مختلفة، ويحكمون في زمن واحد. وبعد هؤلاء يأتي الحادي عشر. وهو ضد المسيح. فيغتصب السلطة الرومانية بأعماله السحرية، ويذل ثلاثة ممن حكموا قبله ويخضع السبعة الآخرين لسلطانه.وبما أنه عالم وذكى، فسيتظاهر في البدا يه باللياقة والاعتدال والميل إلى الإحسان، وبعلامات وأعاجيب سحريه، يخدع اليهود بادعائه أنه المسيح المنتظر. ثم تنسب أليه جميع أنواع الشرور بسبب وحشيته وجوره الذي يبلغ حدا يفوق معه جميع الظالمين الملحدين الذين سبقوه. تحدوه روح متعطشة للدماء. قاسيه لا تعرف سبيلا إلى الرحمة، مليئة بالخداع والمكر ضد الجميع، ولاسيما ضدنا نحن المسيحيين. وبعد اقترافه شتى الجرائم زهاء ثلاث سنوات وستة شهور، سيهلكه ابن الله الوحيد، ربنا يسوع المسيح، المسيح الحق. بنفخه فمه، ويبطله بظهور مجيئه المجيد من السماء ويلقيه في نار جهنم 000 هذه الأشياء 000 تعلمناها في الكتب المقدسة التي تقراها الكنيسة، وخاصة في نبوة دانيال 000 كما فسرها الملاك جبرائيل 00 " ثم يستمر في شرح ما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تسالونيكى وفى خطاب السيد المسيح عن نهاية العالم ودمار أورشليم (متى 24) ويقول " لكن كما أنه كان يليق به (بالمسيح) من قبل أن يأخذ الناسوتية وكان منتظرا أن يولد الله من عذراء، فقد خلق الشيطان خداعا بإيجاد روايات عن آلهة كاذبة تلد وتولد من نساء، لكي بوجود الأكاذيب لا يصدق الحق. وهكذا أيضا إذ يأتي المسيح مرة أخري، فإن المقاوم يستغل فرصة انتظار البسطاء خاصة الذين من أهل الختان، فيأتي رجل ساحر نابغ في فنون السحر والعراقة مخادع ماكر يأخذ لنفسه سلطان إمبراطور روما وينصب نفسه مسيحا كذابا، وتحت اسم المسيح يخدع اليهود المنتظرين مجيء المسيح ويغوي الأمم بأضاليله السحرية " ." لسنا نعلم بهذا من اختراعنا، بل تخبرنا به الكتب المقدسة الإلهية التي في الكنيسة وخاصة ما جاء في نبوة دانيال التي قرأت منذ قليل، كما فسرها رئيس الملائكة جبرائيل قائلا " الحيوان الرابع مملكة رابعة علي الأرض تفوق سائر الممالك " (دا 7: 23). ومعروف في تقليد مفسري الكنيسة أنها مملكة الرومان. فكما كانت المملكة الأولى التي ذاع صيتها هي مملكة الآشوريين، والثانية هي مملكة مادي والفرس معا. وبعد هذا المملكة الثالثة هي المقدونيون، والرابعة الرومان. ثم يستمر جبرائيل في التفسير قائلا " قرونه العشرة هم عشرة ملوك سيقومون ويقوم بعدهم آخر الذي يفوق في الشر كل سابقيه: (ليس فقط يفوق العشرة بل كل سابقيه) ". ويذل ثلاثة ملوك " (دا 24: 7). واضح أنهم من العشرة ملوك السابقين 000 إنه " يتكلم بكلام ضد العلي " (دا 7: 25). إنه يكون مجدفا وشريرا، لا يأخذ المملكة عن آبائه بل يغتصبها بالسحر ". " الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة " (2تس 2: 9). مظهرا أن الشيطان يستخدمه كأداة عاملا في شخصه، ومن خلاله. فإذ يعلم أن دينونته لن تتأخر بعد كثيرا، يصنع حربا ليس خلال وكلائه كعادته بل يصنعها علنا من ذلك الحين فصاعدا. مستخدما " آيات وعجائب كاذبة ". لأن أبا الكذب يعمل أعمال الكذب حتى يظن الناس أنها تري الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون والعمي يبصرون مع أنهم لم يشفوا حقيقة ". " يقول أيضا " المقاوم والمرتفع علي كل ما يدعي إلها أو معبودا 000 حتى أنه يجلس في هيكل الله ". أي هيكل هذا؟ لئلا يظن أننا نفضل أنفسنا فإنه متي جاء لليهود علي أنه المسيح راغبا في أن يكون موضع عبادتهم، يعطي اهتماما للهيكل لكي يخدعهم تماما مدعيا أنه من نسل داود وأنه سيبني الهيكل الذي شيده سليمان هذا إلذى متي جاء ضد المسيح لن يجد فيه حجر علي حجر كما حكم بذلك مخلصنا… إنه سيأتي " بآيات وعجائب كاذبة " رافعا نفسه كل الأصنام، فيتظاهر أولا بمحبة الإحسان، لكن يعود فيظهر طبعه الذي لا يعرف الرحمة وخاصة ضد قديسي الله. إذ قيل " وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين " (دا 7: 21). وفي موضع آخر قيل " ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلي ذلك الوقت " (دا 12: 1). مرعب هو هذا الوحش، عظيم لا يهزمه إنسان، مستعد للافتراس ". القديس اثناسيوس الرسولى (496-373م): يتحدث القديس اثناسيوس عن ضد المسيح في شخص اريوس والهرطقة الاريوسية ويقول: " ألم تصف رؤيا دانيال ضد المسيح: انه سيصنع حربا مع القديسين ويغلبهم ويفوق كل من كانوا قبله في أعمال الشر، وسيزل ثلاثة ملوك ويتكلم بكلمات ضد العلي ويظن انه يغير الأوقات والناموس؟ والآن من هو الشخص الآخر إلي جانب قسطنديوس حاول أن يفعل هذه الأشياء؟ حقا انه مثلما سيكون ضد المسيح. فهو يتكلم بكلام ضد العلي لهذه الهرطقة (الاريوسيه) الضالة: ويصنع حربا ضد القديسين بنفي الأساقفة.. ".ورأى كوموديان أن نيرون سيقوم من الجحيم كضد المسيح ويحارب الكنيسة، وسيقف أمامه إيليا النبي الذي يرجع إلي العالم. وأن المسيح الغاش هو إعادة حياة نيرون الذي سيصنع معجزات في اليهودية. كما يتكلم عن مجيء ضد آخر للمسيح في الشرق، ويرى أن نيرون سيأتي إلي أورشليم بعد نصرته علي الغرب وخداعه لليهود الذين يقبلونه بكونه المسيا.القديس يوحنا ذهبي الفم: مثل كوموديان تصور أن نيرون هو ضد المسيح ودعاه الارتداد لأنه يهلك كثيرين ويجعلهم يرتدون، إن أمكن حتى المختارين أن يضلوا (مت 24: 24). ودعاه بإنسان الخطية لكثرة شروره، كما دعاه " ابن الهلاك " لأنه هو نفسه أيضا يهلك. وقال أن شدة الهجوم الذي يشنه إنسان الخطية تجعل البعض ينظرون إليه على أنه الشيطان نفسه ثم يتساءل بقوله " هل هو الشيطان؟ لا، إنما هو إنسان يبث فيه الشيطان كل أعماله ". القديس أغسطينوس: شرح القديس أغسطنيوس قول السيد المسيح "أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني ؛ إن أتي آخر باسم نفسه فذاك تقبلونه " (يو 5: 45). وقال لقد أعلن لهم أنهم سيقبلون ضد المسيح الذي يطلب مجد نفسه منتفخا، وهو ليس بصادق ولا ثابت وإنما بالتأكيد هالك. أما ربنا يسوع المسيح فأظهر لنا نفسه مثالا عظيما للاتضاع، فمع كونه بلا شك مساو للأب 000 لكنه يطلب مجد الأب لا مجد نفسه ". ويرى أن سر قبول اليهود لضد المسيح هو تفكيرهم المادي وتفسيرهم الحرفي للنبوات. كما يفعل التدبيريون الآن. ويقول القديس أغسطينوس أيضا " يبدو لي أن الشعب الإسرائيلي الجسداني سيظن أن النبوة القائلة " خلصنا أيها الرب إلهنا واجمعنا من الأمم " (مز 106: 47) تتحقق تحت قيادته (ضد المسيح) وأمام أعين أعدائهم المنظورين هؤلاء الذين سيأسرهم بطريقة منظورة ويقدم المجد المنظور ". القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
03 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه؟

1- ضد المسيح في الكتاب المقدس من هو ضد المسيح وما هي أوصافه: ويجيبنا الوحي الإلهي على هذا السؤال في كل من العهدين القديم الجديد ؛ 1 - يقول الوحي الإلهي في رسالتي القديس يوحنا الأولي والثانية " أيها الأولاد إنها الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار ألان أضداد للمسيح كثيرون. من هنا نعلم إنها الساعة الأخيرة. منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا 000 من هو الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح. هذا هو ضد المسيح الذي ينكر الأب والابن " (1يو18: 2،22)." وكل روح لا يعترف بيسوع (المسيح انه جاء في الجسد) فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم انه يأتي والآني هو في العالم " (1يو4: 3)." لأنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد. هذا المضل والضد للمسيح " (2يو7: 1).ويقول السيد المسيح وهو يشرح لتلاميذه علامات مجيئه " فأن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين " (مت5: 24؛مر6: 13؛ لو8: 21)، " لأنه سيقوم مسحاء كذبه وأنبياء كذبه ويعطون آيات كثيرة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا " (مت24: 24؛مر 22: 13).وقال للكهنة والكتبة والفريسيين " أنا قد أتيت باسم أبى ولستم تقبلونني أن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه " (يو5: 43). إذا " ضد المسيح هو: " كذاب ومضل ومخادع " وينكر أن يسوع هو المسيح، وهذا ما فعله اليهود.وهو الآخر أو البديل أو الضد والكذاب الذي سيأتي باسم نفسه ويزعم أنه المسيح الحقيقي ومع ذلك سيقبله اليهود على الرغم من رفضهم للمسيح الحقيقي الذي أتى باسم الاب وسلطانه!! كما أنه ينكر التجسد وان المسيح قد جاء في الجسد أو هو الله وقد ظهر في الجسد، وهذا ينطبق علي الفكر اليهودي الذي رفض التجسد وأعتبر أقوال المسيح الدالة على لاهوته وبنوته للآب ومساواته له ووحدته في الذات الإلهية من قبيل التجديف!! بل وقد أدت به عدة مرات للرجم ثم للموت (أنظر يو 5؛ 33: 10 ؛ مر62: 14-64). كما ينطبق على كل فكر رافض لعقيدة التجسد ولاهوت المسيح علي مر العصور.كما يشير السيد المسيح إلي شخصيات معينه، أفراد، غالبا من اليهود، سيدّعي كل واحد منهم انه المسيح. وهذا حدث فعلا في تاريخ اليهود وسيتكرر حتى يأتي الشخص الذي سيصدقه اليهود فعلا ويتصوروا انه المسيح.كما يتكلم القديس يوحنا عن أضداد كثيرين للسيد المسيح مرتبطين بالساعة الأخيرة ومع ذلك فقد خرج بعضهم في أيامه وكانوا مرتدين على المسيحية وخارجين عليها " منا خرجوا "، مما يعنى أن هناك أضداد كثيرين سيظهرون على مر التاريخ حتى يأتي الضد الرئيسي، الكذاب والدجال، الذي سيزعم أنه المسيح والذي يصفه السيد المسيح بالآخر. 2 - وفي حديث القديس بولس بالروح القدس يتكلم عن هذا الشخص المحدد والمعين والذي يسميه بإنسان الخطية الأثيم والمخادع وابن الهلاك والمقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إله والذي تتجسم فيه كل أوصاف المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة الذين تحدث عنهم السيد المسيح، وضد المسيح في رسالتي القديس يوحنا الثانية والثالثة، والذي تظهر صورته بوضوح أكثر في وحش سفر الرؤيا. هذا الأثيم، ضد المسيح، المسيح الكذاب والدجال، إنسان الخطية وابن الهلاك الذي سيسبق مجيئه وظهوره المجيء الثاني للسيد المسيح مباشرة ويتخذ لنفسه الكثير من صفات المسيح وألقابه فيصف نفسه بصفات الله ويزعم أنه إله، بل ويرفع نفسه على الله!! ويعمل آيات كاذبة وعجائب كاذبة وذلك بمساعدة القوي الشيطانية، وسيخدع الهالكين لإتباعه، وستكون نهايته بعمل المسيح مباشرة في مجيئه الثاني، يقول الوحي الإلهي: " ثم نسألكم أيها الاخوة من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه، أن لا تتزعزعوا سريعا عن ذهنكم ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا أي أن يوم المسيح قد حضر. لا يخدعنكم أحد على طريقة ما لأنه لا يأتي أن لم يأت الارتداد أولا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبودا حتى انه يجلس في هيكل الله كإله مظهرا نفسه انه اله. أما تذكرون أنى وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا. والآن تعلمون ما يحجز حتى يستعلن في وقته، لان سر الإثم الآن يعمل فقط إلي أن يرفع من الوسط الذي يحجز الآن وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه، الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا " (2تس1: 2-10). 3 - أما في سفر الرؤيا فقد اخذ الوحش، الذي هو أداة الشيطان وعميله وضد المسيح، أسوأ ما في صفات الإمبراطوريات السابقة للإمبراطورية الرومانية ؛ شراسة النمر ولونه وافتراسه، وفم الدب وشراهته وميله لسفك الدماء، وقوة وتصلب الأسد وتكبره. ومع ذلك فله كل ضعف الإنسان حيث أن رقمه هو " 666 " والذي يعنى النقص المركب " يقول القديس يوحنا وهو في الروح: " ثم وقفت على رمل البحر فرأيت وحشا طالعا من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان وعلى رؤوسه اسم تجديف. والوحش الذي رايته كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانا عظيما. ورأيت واحدا من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي وتعجبت كل الأرض وراء الوحش. وسجدوا للتنين الذي أعطى السلطان للوحش وسجدوا للوحش قائلين من هو مثل الوحش من يستطيع أن يحاربه، وأعطى فما يتكلم بعظائم وتجاديف وأعطى سلطانا أن يفعل اثنين وأربعين شهرا، ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء. وأعطي أن يصنع حربا مع القديسين ويغلبهم وأعطى سلطانا على كل قبيلة ولسان وأمة، فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح 000 ويجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم وأن لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع ألا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه. هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش فانه عدد إنسان وعدده ست مئة وستة وستون"(رؤ1: 13-18).وقد درس العلماء رقم " 666 "، عدد الوحش الذي يقول الروح القدس أنه " عدد إنسان " على أساسين ؛ الأول: هو حساب القيمة العددية لكل حرف في أي اسم، لأن اللغات العبرية واليونانية والرومانية ليس بها أرقام وإنما تستخدم حروف تمثل هذه الأرقام حيث يمثل حرف A في اليونانية والرومانية رقم (1) وحرف В رقم (2) وهكذا . وعلى سبيل تكوّن حروف كلمة لاتينوس Lateinos سواء في اللاتينية أو اليونانية رقم (666)، كما نرى في الشكل المجاور، وهكذا كلمة Neroفي اللاتينية واليونانية، ومن ثم فقد قيل أن المقصود بالوحش هو الإمبراطور الروماني " نيرون "، خاصة أن كلمة Neron Caesar في العبرية هي Qsrnron نيرون قيصر ويكوّن أجمالي عدد حروفها (100+60+200+50+200+6+50=666).ولكن هذا العدد ينطبق على أسماء كثيرة مثل نابليون وكرومويل ومارتن لوثر وبعض باباوات الفاتيكان!! والأساس الثاني: هو دراسة العدد (666) من جهة المعنى الرمزي لكل رقم حيث يمثل رقم (6) الإنسان في نقصه، كما يقول الروح " فانه عدد إنسان "، كما يمثل الديانة الزائفة بالمقابلة مع رقم (7) الذي يمثل الكمال، وتكرار رقم (6) ؛ (666)، يعنى النقص الإنساني المركب للوحش، المسيح الكذاب، ضد المسيح، وضعفه وعجزه بالمقابلة مع كمال المسيح المطلق الذي كان مجرباً " في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب4: 15)، وسلطانه المطلق على الكون وقدرته على كل شئ. 4 - أما سفر دانيال (ص 7) فيصف ضد المسيح الخارج من فروع الإمبراطورية الرومانية العشرة بقوله " بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدا وله أسنان من حديد كبيرة أكل وسحق وداس الباقي برجليه وكان مخالفا لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون. كنت متأملا بالقرون وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن وفم متكلم بعظائم 000 كنت انظر حينئذ من اجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن كنت أرى إلي أن قتل الحيوان وهلك جسمه ودفع لوقيد النار 000 هذا القرن له عيون وفم متكلم بعظائم ومنظره اشد من رفقائه. وكنت انظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم، حتى جاء القديم الأيام وأعطى الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة 000 ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ويظن انه يغير الأوقات والسنة ويسلمون ليده إلي زمان وأزمنة ونصف زمان. فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا إلي المنتهى " (دا8: 7-11،21-25). 5 - ويصف سفر دانيال (ص 8) ما فعلة الملك السوري أنتيوخس ابيفانس (175 - 164 ق م) القرن الصغير (حرفيا قرن من الصغر) الخارج من أحد أفرع الإمبراطورية اليونانية الأربعة والذي دنس الهيكل ووضع فيه رجسة الخراب وأبطل المحرقة الدائمة مدة ثلاث سنين ونصف، وأقام العبادة الوثنية ووضع تمثال للوثن جوبيتر في قدس الأقداس ومنعهم من حفظ السبت والاحتفال بأعيادهم مدة ثلاث سنين ونصف وقتل منهم الآلاف وسبى الآلاف وصار نموذجا مصغرا لضد المسيح، ووصفه علماء الكتاب المقدس بضد المسيح العهد القديم: " وتعظم حتى إلي جند السماوات وطرح بعضا من الجند والنجوم إلي الأرض وداسهم. وحتى إلي رئيس الجند تعظم وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه، وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح 000 وفي أخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته يهلك عجبا وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين. وبحذاقته ينجح أيضا المكر في يده ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر " (دا10: 8-12،23-25). 6 - ويعود دانيال النبي للحديث ثانية عن ضد المسيح الآتي في آخر الأيام ويذكر نفس الصفات التي ذكرها عنه القديس بولس فيقول: " ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظم على كل اله ويتكلم بأمور عجيبة على اله الآلهة وينجح إلي إتمام الغضب لان المقضي به يجرى. ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بشهوة النساء وبكل اله لا يبالي لأنه يتعظم على الكل " (دا36: 11،37).وتتفق جميع هذه النبوات في وصف هذا الشخص، المسيح الكذاب والدجال، ضد المسيح، الأثيم أبن الهلاك، إنسان الخطية، المجدف على الله ومدعى الألوهية، الوحش الخارج من البحر والمعطى لنفسه لقب المسيح وصفات الله. ويتضح لنا ذلك بوضوح في مقارنة نبوات دانيال مع إعلانات العهد الجديد: القرن الصغير في دانيال ص 7 والوحش في رؤيا ص 13 (1) يخرج القرن من أحد ممالك الإمبراطورية الرومانية العشرة، ويمثل الوحش الإمبراطورية الرومانية ذاتها (د 71: 8،24 ؛ رؤ 13: 2). (2) سيحكم كل منهم مده رمزيه عبارة عن ثلاث سنوات ونصف، مذكورة في سفر دانيال ﺑ " زمان وزمانين ونصف "، وفي رؤيا ﺑ " اثنين والأربعين شهرا "، (دا7: 25 ؛ رؤ 13: 5). (3) كل منهم سيغلب القديسين ويذلهم لفترة (دا 7: 21؛ رؤ 13: 10). (4)كل منهم سيبلي قديسي العلي (د 71: 15؛ رؤ 12: 13؛ 13: 12). (5) كل منهم سيجدف علي الله العلي ويتكلم بكلام ضده (د71: 25 ؛ رؤ 13: 5،6)0 (6) وكل منهم سيهزم ويباد في المجيء الثاني للسيد المسيح (د71: 11؛ رؤ19: 20). القرن الصغير في سفر دانيال ص8 وإنسان الخطية في 2 تسالونيكي والوحش في سفر الرؤيا ؛ كان ضد المسيح الذي جاء في القرن الثاني ق. م صوره مصغرة كما سنري لما سيفعله ضد المسيح السابق للمجيء الثاني والدينونة في المستقبل، فهو دائما وفي كل عصر ضد أولاد الله وعدوهم الروحي وسيفعل في مجيئه النهائي قبل الدينونة ما سبق إن فعله كل ضد للمسيح علي مدي العصور، خاصة في القرن الثاني ق. م. واكثر بكثير، فقد كان القديم صوره مجسمه ومصغرة للثاني ورمزا له. وهذا ما تبينه المقارنة التالية: (1) كل منهما غزا كثيرا (د 8: 9 ؛ رؤ 13: 4). (2) كل منهم سوف يمجد ذاته (د 81: 11 ؛ 2 تس 2: 4 رؤ 13: 5). (3) كل منهما سيكون سيدا للخديعة (د71: 25 ؛ 2 تس 2: 10). (4) كل منهما سيدنس الهيكل (د81: 11 ؛ متي 24: 15). (5) كل منهما سيقدم برنامج سلام كاذب (د81: 25 ؛ 1تس 5: 2،3). (6) كل منهما سيأخذ قوته من الشيطان (دا 8: 24 ؛ رؤ 13: 2). (7) كل منهما سيحارب القديسين حوالي ثلاث سنوات ونصف(د81: 14 ؛ رؤ 13: 5). (8) كل منهم سيجدف ضد الله (د81: 25؛ 2 تس 2ك 4؛ رؤ 13: 5). (9) كل منهم سيدمره الله تماما (د 81: 25 ؛ 2تس 2: 7 ؛ رؤ: 19: 19، 20). (10) كل منهما سيكره أولاد الله (د1 8: 25 ؛ رؤ 12: 13). كما تتجمع في ملك الشمال في دانيال ص 11 معظم صفات ضد المسيح سواء التي جاءت في نبوتي دانيال ص 7و8 وما جاء عن ضد المسيح في العهد الجيد أيضا. فهو سيدنس هيكل الله ويغوي أولاد الله ويحاول أن يضلهم بالتملقات والغواية، ويعثر بعضهم إلي الميعاد، ويرتفع علي كل إله ويجدف ضد الله. ثم يبلغ نهايته علي يد الله ولن يوجد من يعينه. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
02 سبتمبر 2022

قدسوا صوماً

" الصوم هو الوسيلة لضبط الأهواء والشهوات ، حتى تنسجم حياة المسيحي مع روح | الله الذي يقوده في طاعـة وخضوع " . ( القمص بیشوی کامل ) " ناد بصوت عال . لا تمسك . ارفع صوتك كبـوق وأخبر شعبي بتعديهم ، وبيت يعقوب بخطاياهم . وإياي يطلبون يوماً فيوماً ، ويسرون بمعرفة طرقي كأمة عملت برا ، ولم تترك قضاء إلهها . يسألونني عن أحكام البر . يسرون بالتقرب رب إلى ا الله . يقولون : لماذا صمنا ولم تنظر ، ذللنا أنفسنا ولم تُلاحظ ؟ ها إنكم في يـوم صومكم توجدون مسرة ، وبكل أشغالكم تسخرون . ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ، ويتضربوا بلكمة الشر . لستُم تصومون كمـا اليـوم لتسميع صوتكم في العلاء . أمثل هذا يكـون صـوم أختاره ؟ يوماً يذلل الإنسان فيه نفسه ، يحني كالأسلة رأسه ، ويفرش تحته مسحاً ورمادا . هل تُسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟ أليس هذا صوما أختاره : حل قيود الشر . فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحراراً ، وقطع كل نير . أليس أن تكسر للجائع خبرك ، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ؟ إذا رأيت عريانا أن تكسوه ، وأن لا تتغاضى عن لحمك . حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك ، وتنبت صحتك سريعاً ، ويسير برك أمامك ، ومجد الرب يجمع ساقتك . حينئذ تدعو فيجيب الرب . تستغيث فيقول : هأنذا . إن نزعت من وسطك النير والإيماء بالأصبع وكلام الإثم . وأنفقت نفسك للجائع ، وأشبعت النفس الذليلة ، يشرق في الظلمـة نـورك ، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر . ويقودك الرب على الدوام ، ويشبع في الجدوب نفسك ، وينشط عظامك فتصير كجنّة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه " ( إش ٥٨: ١ - ١١ ) . من خلال قراءتنا السابقة يوضح لنا إشعياء النبي مبادئ روحية هامة :- كيف يمثل الصوم ركن أساسي من أركان الحياة الروحية . إن أخطر ما يهدد فضيلة الصوم هو خطية الرياء . فالصوم أو الخطوة الروحية الرابعة هو ممارسة تعبدية ، ولكن يجـب أن تخلو من الرياء . وفي هذا الأصحاح يشـرح لنـا كيـف يمكن أن تتسلل هـذه الخطية إلى حياة الإنسان دون أن يدري . تأمل معي في العـدد الثـاني مـن هـذا الأصحاح إذ يقـول : " وإياي يطلبون يوماً فيوماً ، ... " ، يصلون ... ولكنهـا صـلاة ظاهرة من الشفتين أو من اللسان ، ولا تتعدى ذلك ، ويبقى قلـب الإنسـان كـما هو لا يتغير ، لذلك عندما ينتهـي مـن الصـلاة تجـده يتصـرف تصـرفات غير مقبولة وغير لائقة ولا تتماشى صلاته مطلقاً . ربما تسألني الآن ، كيف للخطية أن تتسلل لحياة الإنسان دون أن يدري ؟ أجيبك : إن لخطية الرياء مظاهر عدة دعنا نسردها سوياً . 1- مظهر من مظاهر الرياء هو إدعاء المعرفة العقلانية : تشعر وأنت جالس مع الشخص أنه موسـوعة ، ولكن ليست موسـوعة اتضاع ، ولكن موسوعة كبرياء ، يفتخر بذاته وبما حصـله مـن معـارف ، ونقـرأ في ( مت ۲۳ : ۱۳ ) : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون " ، وكانت طائفة الكتبـة والفريسيين هم من قمة طوائف اليهود ، فكلمة : " فريسي " معناهـا : " مفـرز " ، بينما كان الكتبة أشخاصاً متميزين جداً ( الكتبة هم الناسخون ) ... وبالرغم مـن كل ذلك كانوا بعيدين عن الطريق الروحي كثيراً ، وقـد وبخهم السيد المسيح مرات عديدة . مظهر آخر وهو إظهار الغيرة ونسميه أحياناً " ناموسي " : ناموسي بمعنى " حرفي " أي يحيا بالحرف ، والحياة المسيحية عندما تتعمق فيها تجدها تعتمد على القلـب والـروح ، ولا تعتمـد عـلى الحرف ، ومـن يحيا بالحرف لا يمكنه أن يدرك المسيح . لذلك قال ربنـا يسوع المسيح : " ما جئت لأنقض بل لأكمل " ( مت ه : ١٧) ، فالمقصود هو أن يكمل الفهـم ، فتقـرأ العهـد القديم بروح العهد الجديد ، وتتحول الوصية في حياتك إلى شهادة عمليـة عـن علاقتك بالله 3- صورة أخرى من صور الرياء ، أن الإنسان يتظاهر أنه قريب من الله : يسر بالتقرب إلى الله " من خلال طقوس وممارسات معينة ... يتظاهر إنه قريب من الله وحقيقته من الداخل غير ذلك ، تصور معي إنسان يقضـي صائـماً ويمارس ممارسات روحية ، ثـم بعـد فترة الصـوم يغضـب بشـدة ويسقط في خطايا عديدة . فماذا استفاد إذن من صومه ؟ فترة الصوم هي فترة تساعد الإنسان في نموه الروحي ، وليست مجرد الامتناع عن الطعام . الآن دعني أسألك : لماذا الصوم الذي تحدث عنه إشعياء النبي في هـذا الأصحاح كان مرفوضاً ؟ هناك ثلاثة أسباب واضحة في الأعداد ( ٣ ، ٤ ، ٥ ) :- 1- أن هذا الصوم كان غير منضبط : هـو صـوم يـسـر صـاحبه لا يسـر اللـه ، فهـو صـوم لا يسير بنظـام بـل يستعرض فيه الإنسان إمكانياته وقدراته . 2- أن هذا الصوم كان بلا صمت : الصوم ليس عن الطعام فقط ، بل أيضاً عن الكلام ، فهـذا الصـوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغير ، وفيه إدانة للآخرين . 3- أيضاً هذا الصوم مرفوض لأنه بلا تذلُل : هو شكل بلا جوهر فهو مجرد منظر داخلي ، لذا تحرص الكنيسة أن ترتّب لنا في الأصوام قداسات لأوقات متأخرة لتساعد الإنسان في ممارساته الروحية . والآن يا عزيزي ، حان لنا أن نفكر سوياً كيف نصوم ، وكيـف ننال بركـات هذا الصوم ؟ في فترة الصوم المقدس ، احرص أن تقدم لنفسك ثلاثة أنواع من الأغذية الروحية : غذاء روحي غذاء ذهني ... وغذاء نسكي ۱۔ الغذاء الروحي : وهو ما تقدمه لنا الكنيسة في كل أشكال العبادة ، وممارسة الأسرار ، جيـد أن تتقابل مع أب اعترافـك قبـل الصـوم ، وتضع خطـة للصـوم ، ولا تتكاسل في تنفيذها . ۲۔ الغذاء الذهني : الذي يعتمد أساساً على القراءات الإنجيلية ، والكنيسة تعلمنا في فترة الصوم المقدس أن نقرأ النبوات . ويمكنك أن تأخـذ سـفراً واحـداً مثـل : إشعياء ، إرميا ، أو تأخذ مجموعة أسفار مثل : أسفار الأنبياء الصغار ، لكن يجب أن تقـرأ يومياً ، وليست قراءة فقط ، بل ادرس .. وافهم .. وعش . وقراءة النبوات مفيدة جداً إذ تكشف مقاصد الله في حياتك . 3- الغذاء النُسكى : تسكياتك هامة جداً في الصوم ، الانقطاع شيء مهم لتقوية الإرادة . أيضـاً الطعام النباتي هو طعام هادئ الطاقة وهو طعام صحي ومفيد للإنسان أيضاً الميطانيات ( سجدات التوبة ) مـن القلـب ولـيس بالجسد ، وهي مرتبطة بالصلوات ؛ فيها الصلاة القصيرة : " يا ربي يسوع المسيح ارحمنـي أنـا الخاطئ " . احرص أثناء سجودك في الميطانيات أن ترشم ذاتك بعلامة الصليب . يمكنك أن تبـدأ بـ ١٢ ميطانية في أول يـوم ، وتزداد تدريجيـاً كـل يـوم مـع الصـوم ، وتقدمها ؛ بروح الصلاة . هذه الميطانيات هي وسيلة مساعدة لتـركـيـز الـذهن ، فيهـا تعـب وبذل ، وهذا التعب يذكرك بأتعاب المسيح من أجلك . أيضاً فترات الاعتكاف هي جزء هام من تسكياتك خلال الصوم ، ويستفاد منها كفترات تأمل وقراءة وصلاة أو ترنيم وتسبيح . فترة الصوم يا إخوتي تحكمها الآية التي تقول : " كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء " ( 1 كو ٩ : ٢٥ ) ، وأيضاً ينطبق عليها الآية : " الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج " ( مز ١٢٦ : 5 ) ، الذين يزرعون بدموع التوبة في فترة الصـوم ، يحصدون بالابتهاج في القيامة . وللصوم بركات كثيرة : 1- استجابة الصلوات :- لأنك عندما تحيا حياة الصـوم ، تشعر بالانسحاق والخشوع وتخـرج صـلواتك مـن داخلـك عميقـة وتدخل فيهـا روح الإيمان ، صلوات مرفوعة من قلب نقي . ٢- بركة أخرى من بركات الصـوم : أن يصير الـرب لـذة للإنسان ، فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحول لذة الطعام في داخلـك إلى لذة للرب ، ويكون المسيح هو لذتك ، وكـمـا يقـول معلمنا داود النبي في أحـد مزاميره : " تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك " ( مز ٣٧ : ٤ ) . ٣- بركـة أخـرى مـن بـركـات الصـوم : أن الإنسـان يشـعر بارتفاعـه وكـمـا يقـول داود النبـي : " ليت لي جناحاً كالحمامة فأطير وأستريح " ( مز ٥٥ : ٦ ) . يرتفـع فـوق الماديـات ، وحتـى فـوق احتياجات الجسـد ، ويشعر أن رباطـات الأرض تصير ضعيفة ، ويشعر أنـه يقترب مـن السماء ويحيا بهذه الروح . ٤- أيضاً من بركات الصوم : أن الإنسان ينال الصحة الجسدية ؛ الطعـام النباتي يمنح الإنسان شكل من الطاقة الهادئة ، فلا يكون الطعام مثير في جسده أو في حياته فيعطيه صحة جسدية ، ويقول إشعياء النبي في هذا الأصحاح : " تنبت صحتك سريعاً " ( إش ٥٨: ٨ ) . 5- أيضاً في الصوم ينال الإنسان استنارة ، ولا أقصد للعين الجسدية ، ولكن العين القلبية ، عنـدمـا يقـرأ الإنجيـل يفهـم أكـثر ، وعنـدما يشارك في التسبيح يعيش أكثر ، وعندما يمارس ميطانيات يتمتّع أكثر . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
01 سبتمبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس ميخا

ميخا "لا ترفع أمة على أمة سيفا، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد"" مى 4: 3 " مقدمة عاش أفلاطون الفيلسوف اليونانى ما بين عامى 428، 348 ق. م.، ومع أنه كان فى الأصل رجلاً غنياً متمتعاً بخيرات كثيرة، لكن قلبه كان ممتلئاً من الألم والأحزان على مآسى الناس حوله، لقد وجد أن الجهل والشر والتعاسة من نصيب جميع الأمم والقبائل، وجلس الرجل يفكر فى عالم أفضل من العالم الذى يراه، وبات يحلم باليوم الذى ينتهى فيه نزاع الناس، وتموت أطماعهم وتنتهى حروبهم ومخاوفهم، ومن أجل ذلك كتب كتابه « الجمهورية » يتخيل فيه العالم السعيد والجمهورية تقسم الناس إلى ثلاث طبقات، الطبقة العالية طبقة الحكام والرؤساء، والطبقة المتوسطة طبقة رجال الجيش، والطبقة السفلى طبقة التجار والزراع والصناع، ويقول أفلاطون إن الموسيقى والألعاب الرياضية والفضيلة ينبغى أن تنتشر فى جمهوريته هذه، وقد حاول أن يطبق هذا النظام فى مدينة سراكوسا بصقلية إذ كان صديقاً لملكها، غير أنه فشل وطرد وكاد يعرض حياته للهلاك،.. وبعد مدة طويلة أدرك أفلاطون نقطة الخطأ فى جمهوريته، إذ أنه فى البداءة لم يتنبه كثيراً إلى اللّه الذى يحفظ هذه الجمهورية، ويحرسها، ولأجل ذلك عندما كتب كتابه « القوانين » صحح هذا الخطأ، ودعا إلى الإيمان باللّه والدين!!... ولو أن أفلاطون قرأ ما كتبه ميخا وإشعياء من قبله بقرنين ونصف من الزمان لاستطاع أن يفهم كيف يتحقق هذا العصر الذهبى للعالم،... إنه لا يمكن أن يتم إلا باللّه، وفى اللّه،... ولسنا نعلم أيهما كان أسبق فى النبوة عن السلام ميخا أو إشعياء، وإن كان البعض يتصور أن ميخا كان أسبق فى النبوة، مع أنه كان أصغر من إشعياء، وأياً كان الأمر، فإن الفارق بين النبيين أن ميخا كان من طبقة الشعب، بينما كان إشعياء من أعلى الطبقات فى عصره، كما أشرنا عند الحديث عن شخصيته،... وقد عاش ميخا يدافع من الطبقات الكادحة والفقيرة، وحقوق الإنسان، وانتظارات اللّه من البشر، وها نحن نتابع قصته فيما يلى: ميخا من هو كان ميخا المورشتى فى مطلع الحياة وربيع العمر، فى الوقت الذى بلغ فيه إشعياء كمال رجولته وقوتها، وقد كان ميخا من طبدقة العامة وأفراد الشعب بينما كان إشعياء من الطبقة الأرستقراطية، وعلى الأغلب من العائلة المالكة، كما سبقت الإشارة عند دراسة شخصيته، وقد نشأ ميخا فى مورشت، القرية الصغيرة الواقعة على بعد خمسة وعشرين ميلا إلى الجنوب الغربى من أورشليم، والبقعة التى ولد فيها وعاش بقعة جميلة خصبة غنية بالمراعى والأشجار وحقول الحنطة، وما من شك أن مخيا قد تأثر بها، فصفت نفسه، وأرهفت أحاسيسه، وقويت عاطفته، واستجابت حياته لما فى الريف، من صدق واستقامة وصراحة ونقاء وغيرة، وحيث أننا لا نعرف شيئاً عن أبيه أو أمه، فمن المعتقد أنه نبت بين أحضان عائلة ريفية فقيرة، ولكن اسمه « ميخا» أو « من مثل الرب » مما يشجع على أن عائلته كانت تقية تعلى مجد اللّه، وتتمنى أن يسير ولدها فى طريق الرب والتشبه به!!.. ومع أن رسالة ميخا كانت ليهوذا وإسرائيل معاً، إلا أنها على وجه أخص كانت موجهة إلى بنى يهوذا، وقد حدث فى يهوذا كما حدث فى أورشليم، أن تباعدت المسافة بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء، وانتشر الجشع والاغتصاب والظلم والسلب، مما دفع ميخا، وهو ابن الشعب، ومن صميم أفراده، إلى أن يهب للدفاع عن الحقوق البشرية الضائعة. لقد أبصر ميخا القسوة والوحشية والفساد وضياع الشعور الإنسانى مستولية على الرؤساء والقضاة والكهنة والأنبياء الكذبة، وأبصرهم جميعاً وقد سحقوا المساكين والبؤساء تحت أقدامهم فامتلأ من روح اللّه والقوة والبأس، وكان النبى العظيم الذى استخدمه اللّه لنصرة المظلومين التعساء!!.. هب ميخا للدفاع عنهم، وتحدث عن الخراب والدمار الذى سيلحق بشعبه وأورشليم نتيجة الخطية والإثم والشر والفساد، وبعد أن أبصر صهيون تفلح كالحقل وجبل بيت الرب يضحى شوامخ وعر، مد بصره إلى الأفق البعيد، فرأى فى أحضان المستقبل عصراً ذهبياً مجيداً، يثبت فيه بيت الرب، وتخرج من صهيون الشريعة، عندما يسود المسيح سيادته الكاملة، وتتخضع كل الشعوب تحت موطئ قدميه، وتزول من البشرية أشباح الحرب والمخاوف والمجاعات والمتاعب والمعاثر، ويختم ميخا سفره وهو يرينا سبيل الإنسان العملى إلى هذا السلام!!... ومع أن أسلوبه لا يرقى، ولا شك، إلى مستوى إشعياء، لكنه اتسم بالجزالة والصفاء والقوة، والمنطق والكناية والمجاز، وشدو التعبير،، ومن المرجح أنه بدأ رسالته حوالى عام 725 ق.م. حتى عام 686 ق.م. ميخا والدفاع عن الحقوق البشرية كان ميخا واحداً من أعظم الأبطال القدامى، الذين وقفوا إلى جانب الفقير والمظلوم والضعيف والمستعبد،.. وقد جاء ذكر دفاعه الباسل الذى هز - ولا شك - الأمة بأكملها، أيام الملك حزقيا، كمثال عظيم، لا لدفاعه فحسب، بل أكثر من ذلك لعظمة الملك الذى قبل هذا الدفاع: « إن ميخا المورشتى تنبأ فى أيام حزقيا ملك يهوذا وكلم كل شعب يهوذا قائلا هكذا قال رب الجنود: إن صهيون تفلح كحقل وتصير أورشليم خرباً وجبل البيت شوامخ وعر. هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا. ألم يخف الرب وطلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذى تكلم به عليهم. فنحن عاملون شراً عظيما ضد أنفسنا » " إر 26: 18 و19، ميخا 3: 12 "... والذى يتابع ميخا وهو يتحدث عن الحقوق البشرية الضائعة، يرى تصويراً دقيقاً لكيفية ضياعها، ويحس قبل كل شئ أن « المال » هو السبب الأكبر لضياعها،... إن محبته حقاً هى « أصل لكل الشرور، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة »... " 1 تى 6: 10 " وهل نشأت كل لوثات التاريخ وشروره وآثامه إلا بسبب المال وما يتبعه من رذائل؟؟ فى ظلمة الليل وعندما يهجع الناس جميعاً فى مضاجعهم، يسهر عبيد المال ليفكروا ماذا يفعلون فى نور الصباح للحصول على المال، وقد قال عنهم ميخا فى مطلع الأصحاح الثانى: « ويل للمفتكرين بالبطل والصناعين الشر على مضاجعهم. فى نور الصباح يفعلونه لأنه فى قدرة يدهم، فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت يأخذونها، ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه »... وهكذا يتطور حب المال بأصحابه من فكرة، إلى شهوة، إلى ظلم، إلى اغتصاب، وما من شك فى أن أى إنسان، يتطور إلى هذه الحال، لا يمكن أن يكون إنساناً بل وحشاً رهيباً جشعاً،.. على أن الأمر الذى يبدو أكثر شناعة وبشاعة هو سقوط الأنبياء والقضاة والكهنة تحت سلطانه،... أما الأنبياء فقد ضللوا الشعب، وخدعوه بنبواتهم الكاذبة، إذ حدثوه بالناعمات، وتكلموا له عن السلام، وأبوا أن يشيروا إلى خطاياه وآثامه، لاستجلاب رضاه، والانتفاع بعطاياه وهباته،... وألا ينطبق هذا على عدد كبير من الخدام الذين يتملقون الأغنياء والسادة والجماهير من أجل المصلحة والمادة والمغنم؟!! كما أن القضاة تفشت بينهم الرشوة، فكرهوا الحق، وعوجوا المستقيم، ورموا بالعدل إلى الأرض... هذا فى الوقت الذى كان فيه الكهنة يعملون بالأجرة، ويخدمون بالثمن!!.. ولكن السؤال: كيف يمكن لميخا وهو رجل فقير أن يقف فى وجه السادة والرؤساء والكهنة والأنبياء؟ وكيف يستطيع أن يندد بآثام المجتمع التى يبصرها دون خوف أو تردد أو تراجع؟!.. لقد كشف ميخا عن السر فى قوله: « لكننى أنا ملآن قوة روح الرب وحقاً وبأساً لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته »... " ميخا 3: 8 " إن ميخا وحده أعجز من أن يرفع صوته فى مواجهة الفساد والطغيان ولكن ميخا وقد امتلأ من روح الرب، أضحى ممتلئاً من القوة والحق والبأس، وإذا كان بطرس قد ضعف أمام الجارية، عندما كان خلواً من هذا الامتلاء، فإنه بعد الامتلاء أضحى القادر على أن يواجه سادة الجارية، مهما كان مركزهم وسلطانهم!!... وهل نستطيع بذلك أن نجد الرجاء العظيم فى أنه «لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود »" زك 4: 6 "؟! … وهل نستطيع أن نتذكر أنه على قدر ما نسمح للروح أن يملأنا، بقدر ما نتحول إلى ميخا آخر أو بطرس أو بولس، أو أبطال الكنيسة الذين صنعوا المعجزات، لأنهم امتلأوا إلى آخر الحدود من روح اللّه القادر على كل شئ؟!.. ومع أن ميخا كان رجلاً وطنياً، لكن وطنيته لم تغط الشر أو تداهن الفساد، ومن ثم نراه يندد بأورشليم أقسى تنديد، فهو لا يرضى لها أن تبنى وتجمل بالدماء والظلم والرذيلة والاعوجاج،... كما أنه لم يعف السادة والرؤساء والكهنة والأنبياء من نتائج سلوكهم الشرير، وإثمهم الفاضح لتوكلهم المزيف على الرب: « قائين أليس الرب فى وطنا لا يأتى علينا شر »... كلا بل سيأتى الشر و« تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً، ووجبل البيت شوامخ وعر » " ميخا 3: 11 و12 " وفى كل مجتمع يقسو فيه الرؤساء، ويتاجر فيه الكهنة، ويحب رجال الدين المال، وتكثر الرشوة، عينيه كانت أو مادية، ويضيع القضاء العادل، لابد أن تحل على هذا المجتمع، بصورة قاسية، كارثة مريعة تأتيه من اللّه المنتقم العادل حارس حقوق الإنسان فى كل الأجيال. ميخا ورؤيا السلام العظيم بعد أن تحدث ميخا عن الخراب والدمار الذى سيلحق بشعبه وأورشليم نتيجة الخطية والإثم والشر والفساد،... وبعد أن أبصر صهيون تفلح كالحقل وجبل بيت الرب يضحى شوامخ وعر، مد بصره إلى الأفق البعيد، فرأى فى أحضان المستقبل، عصراً ذهبياً مجيداً يثبت فيه بيت الرب، وتتخرج من صهيون الشريعة، وتسعى الأمم إلى اللّه، ويسود الدين والسلام والأمن والرخاء والمحبة،... وقد اشترك إشعياء مع ميخا فى التنبؤ عن هذا العصر كما جاء فى إشعياء " 2: 2 - 4، مى 4: 1 - 5 "، ولا يمكن أن نجزم أيهما كان أسبق فى نبوته ورؤياه، فإذا أخذنا بالعمر، فإن إشعياء كان أسبق،... غير أن ميخا ألحق بالنبوة: « لأن جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه، ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد »... وقد شجع هذا البعض على الاعتقاد أن نبوة ميخا كانت أسبق، على اعتبار أنها لم تنس واقع الشعوب المحيطة بشعب اللّه،.. فى بيته بعد أن تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً،... أما إشعياء فقد تجاوز هذه الحقيقة مأخوذاً بالنبوة نفسها، وأثرها، الذى لا يمكن معه الوقوف عند الصورة الجميلة دون النظر إلى الظلال القاتمة!!.. على أية حال إن كليهما دفعا الأجيال إلى التطلع نحو ذلك العالم المجيد المرموق،... وقد اختلف المفسرون، واتجهوا، وجهات مختلفة أشهرها وجهتان، يطلق عليها: ما قبل الألف سنة، و« مابعد الألف سنة »، أما قبل الألف، فتشير إلى مجئ المسيح الثانى حرفياً لمدة ألف عام، أما بعد الألف فتشير إلى المجئ روحياً لمدة ألف سنة، أو مدة طويلة لا يشترط أن تكون حرفياً ألف سنة،... أو فى لغة أخرى أن الخلاف يدور حول جبل الرب، وهل المقصود به الجبل الحرفى، أو أورشليم المدينة التاريخية، التى يعتقد الآخرون بالمعنى الحرفى أنها ستتعود إلى مجدها العظيم التليد، بل إلى مجد لم تعرفه فى تاريخها السابق على الإطلاق،... الأمر الذى لا يقبله أو يأخذ به المؤمنون بالمجئ الروحى، والذين يفسرون الأمر كله تفسيراً روحياً، فأورشليم عندهم، هى أورشليم الروحية التى قال عنها الرسول بولس فى رسالته إلى غلاطية: « وأما أورشليم العليا التى هى أمنا جميعاً فهى حرة »... وكان يفرق فى ذلك بينها وبين: « أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة مع بنيها ».. "غل 4: 25 " وامتدت به التفرقة وهو يتحدث عن الصليب، فكشف عما يعتقده فى معنى « إسرائيل » وهو لا يقصد إسرائيل بحسب الجسد، أو الجنس اليهودى، بل يقصد المؤمنين أبناء اللّه فى القول: « فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام ورحمة وعلى إسرائيل اللّه »... " غل 6: 16 " وهو يقابل ما ذكره الرسول يوحنا فى سفر الرؤيا « ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فى ما بعد. وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند اللّه مهيأة كعروس مزينة لرجلها »... " رؤ 21: 1 و2 " ولا يتصور بداهة عند الرسولين، أن الحديث عن أورشليم هو بالمعنى الحرفى، بل بالمعنى الروحى أو « الكنيسة » وهو ما نعتقد أنه التفسير الصحيح لنبوة ميخا وإشعياء،... إن جبل الرب المرتفع هو ذلك الحجر الذى قطع بغير يدين والذى قال عنه دانيال للملك نبوخذ نصر: « كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر فى الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذى ضرب التمثال فصار جبلا كبيراً وملأ الأرض كلها ».. " دا 2: 34 و35 " وكل هذه إشارة إلى ملك المسيح وكنيسته التى ستملأ الأرض،... والذى لا خلاف عليه - حتى مع الآخذين بالمعنى الحرفى - أنه لا يمكن أن يأتى العصر الذهبى أو يتم السلام فى الأرض دون أن يقبل الجميع من اليهود أو الأمم الرب يسوع المسيح، مخلصاً وفادياً ورباً، كشرط أساسى لإتمام الخلاص وامتداد ملكوت اللّه على الأرض، إذ أن علاقة المسيح بأى إنسان قبل أن ترتبط بمكان أو زمان أو ظرف، هى علاقة روحية شخصية، كما أن خلاصه شامل كامل لم يعد وقفاً على اليهود، بل يتسع ليشمل شعوباً وأمماً كثيرة، إذ أنه خلاص الإنسانية بأكملها، الإنسانية التى جاء المسيح ومات من أجلها ليفتديها ويحررها من اللعنة والخطية والإثم، وهو خلاص أبدى لا يتزعزع أو ينهزم... إن ممالك الأرض تقوم وتسقط... فأين مصر وصور وصيداء، وبابل واشور واليونان وروما!!؟ أين الممالك التى انحنى العالم لسلطانها ومجدها العظيم؟؟... لقد بادت وتلاشت ولم يبق منها إلا قصة تذكر فى التاريخ، وتروى مع الأيام أما خلاص الله فأبدى ثابت إذ: « أن جبل الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه شعوب » " ميخا 4: 1 " أو فى لغة أخرى إن خلاص المسيح سيسمو ويعلو على كل ما شمخت به جبال العالم، ومرتفعات الزمن،... وهو خلاص قوامه حياة البر: « فيعلمنا من طرقه ونسلك فى سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب »... " ميخا 4: 2 " ومن الملاحظ أن هذا الخلاص سيكون عظيما وقوياً ومؤثراً فى حياة الناس إذ سيملأهم بالغيرة المقدسة فيقولون بعضهم لبعض: « هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب »... وهل هذا إلا إعلاناً قوياً عن محبتهم للّه، ومحبتهم بعضهم لبعض؟؟.. قال القديس زافييه لمحدثيه: « أنتم تقولون إنهم سيقتلوننى بالسم وإنه لشرف كبير لخاطئ مثلى لا أجرؤ على الحلم به، ولكنى مستعد أن أموت عشرة آلاف مرة من أجل خلاص نفسى واحدة»... وهذا الخلاص سيكون مصحوباً بالنور: « فيعلمنا من طرقه » وسيادة المسيح وخلاصه لابد أن يصحبهما النور المشرق،.. أليس هو نور العالم ومن يتبعه لا يمشى فى الظلمة؟، ألم يأت ليمنحنا النور الذى به نخلص من الجهل والخرافات والفساد والخطية؟؟.. وخلاص المسيح مرتبط بالسلام: « فيقضى بين شعوب كثيرين. ينصف لأمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل لا ترفع أمة على أمه سيفاً ولا يتعلمون الحرب فى مابعد ».. وهذا الخلاص مرتبط آخر الأمر بالرخاء: « بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب لأن فم رب الجنود تكلم »... " مى 4: 3 و4 ".ومع أن هذا الخلاص فى أحضان المستقبل، ويرتبط بالمسيح، إذ أن آخر الأيام التى ذكرها يعقوب وموسى ودانيال وإشعياء وميخا وغيرهم من الأنبياء تشير إلى عصر المسيا، وقد فرق ميخا على ما يعتقد بعض المفسرين بين هذا العصر، وعصر السبى البابلى الذى قال فيه قبل هذه النبوة مباشرة: « لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً وجبل البيت شوامخ وعر »... ولعل هذا هو السبب الذى جعله يضيف العبارة التى لم ترد فى إشعياء: « لأن جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد » فيرى البعض أنها تتحدث عن سلوك إسرائيل فى السبى، وهم يرفضون العبادة الوثنية التى أحاطت بهم، وكان هذا سر رجائهم وقوتهم وعودتهم من السبى،... ويرى آخرون أنها تشير إلى الكنيسة، وهى تأخذ طريقها إلى الانتصار الكاسح، فى عالم الوثنية والفساد والشر، وهو التصور الأصح فى نظرنا.وقد تحدث ميخا عن هذا الخلاص على أية حال بلهجة الواثق المتأكد: « لأن فم رب الجنود تكلم » " ميخا 4: 4 ".. وهل يتكلم الرب إلا بالصدق، وهل يغفل عن أن يسهر على كلمته ليجربها؟!!.. لئن كان هناك من رجاء أو أمل فى كل التاريخ فى أن نصل إلى الأمن والسلام والاستقرار، والرخاء والمحبة والأخاء، فإن هذا الرجاء أو الأمل يرجع إلى ثقتنا الوطيدة فى كلمة اللّه!!.. وما من شك فى أن الكنيسة المسيحية يقع عليها وحدها الرجاء فى الدفاع عن الحقوق البشرية،... مع أن الإنسان يسير بطيئاً جداً فى الدفاع عن هذه الحقوق،.. وها نحن نرى هيئة الأمم المتحدة وقد أقرت ميثاق « حقوق الإنسان »، وهو ثمرة جهاد طويل منكوب بالحروب والمتاعب والمجازر البشرية، وهو يتكون من اثنتين وعشرين مادة، وهو جزءان: الجزء الأول منه يتكون من أربع مواد، ويسير إلى ضرورة احترام الدولة المشتركة فيه لكل نصوصه وقوانينه، ومساهمتها فى تنفيذ مواده بكل ما تملك من قوة ونفوذ - والجزء الثانى ويتكون من ثمانى عشرة مادة، ويفصل حقوق الإنسان فى الحياة والسلامة والحرية والأمن والملكية والدين والكلام.. غير أن الأمم المتحدة لا تملك قوة تنفيذية تلزم المخالف بهذه الحقوق، وإنما هى أحلام أفلاطون تظهر مرة أخرى على سطح التاريخ كما تمنى فى الجمهورية أو « اليوتوبيا، أى عالم الكمال، الذى كان يحلم به توماس مور أو « المدينة الفاضلة » التى كان يتخيلها فرنسس بيكون!!.. على أن كلمة اللّه، تتجه بنا بكل يقين إلى أورشليم السماوية، إلى مدينة اللّه النازلة من السماء، بمعنى أنها ليست مجرد حلم أو خيال بشرى، أو جهد يقوم به الإنسان فى الأرض، بل هى من صنع اللّه القادر على كل شئ، وبترتيب منه، وعلى الصورة التى قصد أن تكون، أو هى كنيسة المسيح الممجدة السماوية التى جعلت ملتون يقول: " أخرج من غرفتك الملكية يارئيس ملوك الأرض، وألبس ثوب جلالك ومجدك الإمبراطورى المنظور". ميخا والديانة المطلوبة من الإنسان تحدث ميخا عن الخراب الذى جلبته الخطية، والمستقبل اللامع الذى يراود أحلام الإنسان فى كل الأجيال والعصور، وكان لابد أن يتحدث عن السبيل للوصول إلى هذا المستقبل، وأكد ميخا أنه لا يوجد سوى الدين الذى ينقل الإنسان إلى العصر الذهبى اللامع، عصر السلام،... ومن الغريب أن الرئيس « كارتر » وهو يخطو إلى تولى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أكد هذه الحقيقة فى حفل تنصيبه، إذ جعل شعاره ما قاله ميخا فى الأصحاح السادس وهو يعبر تعبيراً عظيماً رائعاً عن مضمون الحياة الدينية: « قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح. وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك » " ميخا 6: 8 " وقد لا يعلم الكثيرون أن هذه الآية قد وضعت فى الغرفة الملحقة بالقسم الدينى فى مكتبة الكونجرس فى واشنطون، ومبنى هذه المكتبة من أفخم المبانى فى العالم، وهو يشمل أقساماً عديدة مستقلة لكل العلوم والمعارف، ولكل فرع غرفة مطالعة خاصة به زينت بما يلائمها، وعندما أرادوا أن يضعوا فى غرفة المطالعة بالقسم الدينى آية مناسبة، إستشاروا بعضاً من كبار رجال الدين وأساتذته، وأخيراً تم الاتفاق على الآية المذكورة فى نبوات ميخا!!.. وقد كشف ميخا بهذه الآية عن خلاصة الدين الصحيح، على أروع ما يمكن أن يكون... فالحياة الدينية أولا وقبل كل شئ علاقة شخصية بين الإنسان وربه أينما يكون وكيفما يكون: « قد أخبرك أيها الإنسان »... وفى الحقيقة أن هناك علاقة بين اللّه والأمة، وقد أسس اللّه علاقته مع شعبه على أجمل أسلوب، وهو حتى فى محاكمته للشعب يذكره بهذه العلاقة العظيمة: « ياشعبى ماذا صنعت بك وبماذا أضجرتك؟ أشهد على. إنى أصعدتك من أرض مصر وفككتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم ياشعبى أذكر بماذا تآمر بالاق ملك موآب وبماذا أجابه بلعام بن بعور - من شطيم إلى الجلجال لكى تعرف إجادة الرب » " ميخا 6: 3 - 5 "..ومن الحقيقة أيضاً أن هناك علاقة بين اللّه والأسرة: « أما أنا وبيتى فنعبد الرب » " يشوع 24: 15 "... لكن هذا كله، يؤسس على العلاقة الشخصية الفردية بين الإنسان وربه... وهذه العلاقة لا يعرفها الإنسان خيالا أو ظناً أو تصوراً أو هماً بل هى ثمرة إعلان اللّه للبشر: « قد أخبرك »... إذ إن اللّه ليس ساكناً أو ساكتاً فى السموات، بل إنه يسعى وراء كل إنسان ليخبره، وقد أكد السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله: «خرافى تسمع صوتى » " يو 10: 27 " إذ أنه يتكلم إلينا بأصوات متعددة، وهو يريد أن ننصت ونسمع، وكلمته فى الكتاب، والضمير، والحوادث، والظروف المحيطة بنا، تتحدث إلينا، وطوبى لمن يصغى لهذه الأصوات،... وهو يؤكد أكثر من ذلك أن هذه الأصوات ملزمة، وليس لى أن أختار قبولها أو رفضها كما يشاء لى الهوى أو الرفض: « وما يطلبه منك الرب »..والديانة المطلوبة فى الواقع ليست شخصية فحسب، بل وروحية أيضاً، إذ أنها ليست مجرد فرائض أو طقوس، ويبدو أن كثيرين تصوروا هذا، وربما سألوا اللّه عن طريق ميخا: « بم أتقدم إلى الرب وأنحنى للإله العلى؟ هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة؟ هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت؟ هل أعطى بكرى عن معصيتى ثمرة جسدى عن خطية نفسى » " ميخا 6: 6 و7 " على أن اللّه أجاب أن الديانة الحقيقية أعمق من ذلك بما لا يقاس، إذ أنها ديانة روحية لبابها السجود للّه بالروح والحق!!.. وفد على مدينة أدنبره، جماعات لا هم لها دينيا إلا إثارة الإنفعالات والعواطف والتغير من مذهب إلى مذهب،.. وقد كتب أحد وعاظهم إعلاناً فى الصحف عن المجئ الثانى للمسيح تحت عنوان: « ملايين الناس لن يروا الموت »... إذ كانوا يعتقدون أن المجئ سيأتى وشيكاً،... وما أن قرأ أحد خدام اللّه هذا الإعلان. حتى كتب إعلاناً عن عظته المزمع أن يلقيها يوم الأحد تحت عنوان: « ملايين الناس مائتون فعلا »... ومن الواجب إنقاذهم، قبل إشباع غرائزهم وفضولهم، وشكراً للسيد الذى أغنانا بذبيحته عن ألوف الكباش وربوات أنهار الزيت!! والديانة المطلوبة: « أن تصنع الحق »... إذ أن الدين ليس مجرد نظريات غيبية أو تخيلية، بل هو حقيقة عملية »... والحق دائماً مثلث، يبدأ بالحق تجاه اللّه الذى هو الحق، وما نحن إزاء اللّه إلا وكلاء فى كل شئ،... فى العهد القديم لم تكن الأرض ملكاً لأصحابها، وكانت تقسم، ولا يجوز لإنسان أن يبيعها أو يتخلى عنها مطلقاً، لأن الأرض ملك اللّه، والإنسان مجرد وكيل وبهذا المعنى نحن جميعاً وكلاء أمام اللّه!!.. والحق تجاه الآخرين ألا نكيل بكيلين ونزن بميزانين،... أخذ مدير الشركة يقرع أحد الموظفين أمامه، لأن الموظف أخبره بأن ابنه فشل فى الامتحان، ونسب إلى الأب الإهمال وسوء التربية، وما هى إلا لحظات حتى وصلت برقية تقول إن ابن المدير قد رسب فى الإمتحان،... فغمغم قائلا: إن الوقت ما يزال أمامه إذ هو صغير،!!... لم يستطع أن يطبق الحق على نفسه كما طبقه على الآخرين!! والحق تجاه النفس، هو مناقشتها ومحاسبتها على الدوام، والتوفيق معها دون تساهل أو تهاون أو كسل!!.. على أن الديانة أكثر من ذلك هى ديانة الرحمة: « وتحب الرحمة »... فإذا كان الإنسان على الدوام يتجه صوب الحق، فإن الأجمل والأعظم أن يحب الرحمة، وأن يمتلئ قلبه بها، وأن يشفق على الآخرين، وأن يتسامح مع خطاياهم وآثامهم، قتل رجل فى حماقته فى الحرب طفلة فى التاسعة من عمرها، ومات هو، وذهب أبواها إلى زوجة الرجل وقالا: لقد سامحناه إذ كنا ننظر إليه كمريض أكثر منه قاتلا!!.. تحدث أحدهم إلى كلارا بارتون مؤسسة الصليب الأحمر الأمريكى، عن إساءة قاسية حدثت فى حياتها، فأجابت: لقد تعودت أن أنسى إساءات الناس!!... والديانة الرحيمة هى التى تجتهد فى أن تقيل عثرة الآخرين.. قال مدير المدرسة لشاب أخطأ: يا ابنى أنا أعلم أنك تعثرت، وسأكتب عثرتك هذه بقلم رصاص، فإذا لم تتكرر سأمحوها!!... وليس أعظم وأجمل من أن نمد أيدينا إلى الضعيف والمنكوب، والمتألم والعاجز لأنه: « طوبى للرحماء لأنهم يرحمون ».. " مت 5: 7 ".ثم هى آخر الأمر ديانة التواضع: « وتسلك متواضعاً مع الهلاك، والتواضع الصحيح هو النضوج بعينه، إذ هو التواضع أمام عظمة إلهنا، ومن نحن التراب والدود والرمة، أمام إله عظيم مجيد سرمدى!!... بل نتواضع إزاء إحسانه: « صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التى صنعت إلى عبدك »... " تك 32: 10 " وأكثر من هذا كله أمام غفرانه العجيب، ولا نملك هنا إلا أن نقف مع ميخا، وهو يختم سفره بأقوال من أروع الأقوال التى سطرت أمام عين الإنسان فى كل التاريخ: « من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه. لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح فى أعماق البحر جميع خطاياهم. تصنع الأمانة ليعقوب والرأفة لإبراهيم اللتين حلفت لآبائنا منذ أيام القدم »..! " ميخا 7: 18 - 20 "..
المزيد
31 أغسطس 2022

أنصاف الحقائق

هناك موضوع معين يتسبب في كثير من المشاكل، وفي كثير من الخصومات ويخلق جوًا من النزاع، ومن سوء التفاهم بين الناس ليتنا نحلل هذا الموضوع لكي نصل إلى حله.. إنه مشكلة أنصاف الحقائق. إن الحقيقة هي كل متكامل، وليست جزءًا قائمًا بذاته. وأنصاف الحقائق ليست كلها حقائق و كثير من الناس يشوهون الحقيقة، ولا يقدمون لها صورة سليمة، بسبب استخدامهم أنصاف الحقائق وفى كل قضية تقدم إلى المحاكم، كل طرف من المتنازعين يقدم نصفًا للحقيقة، يصورها تصويرًا خاصًا، ويقدم الطرف الآخر النصف الآخر، ولا تظهر الحقيقة إلا باجتماع النصفين معًا. لأن الذي يقدم نصف الحقيقة لا يكون منصفًا. فتقديم الأنصاف ليس فيه إنصاف قد تشرح إساءة الناس إليك، دون أن تشرح الأسباب التي دفعتهم إلى هذه الإساءة، وتكون في حديثك عن إساءاتهم، مهما كان كلامك صادقًا، مجرد معبر عن نصف الحقيقة. وعندما تجلس إليهم وتناقشهم في اتهاماتك لهم، ويدافعون عن أنفسهم، حينئذ يقدمون لنا النصف الآخر من الحقيقة الذي لم تذكره أنت ليتك كلما تتهم إنسانًا، تنصفه أيضًا بأن تذكر النصف الآخر من الحقيقة الذي يدافع به هو عن نفسه ففي دفاعك نوع من النبل ومن محبة الحق، ومن الإنصاف.. وليتك تدافع عنه أمام نفسك قبل أن تتهمه، فربما هذا الدفاع يمنعك من الاتهام كثيرًا ما سمعت زوجات وأزواجًا في مشاكل عائلية قد تتطور إلى طلاق، فأسمع أنصاف حقائق. استمع إلى الزوجة فتشعرني بأن زوجها وحش كاسر، قاسى الطبع سيئ المعاملة، واستمع إلى الزوج، فيشعرني بأن الزوجة مستهترة أو مقصرة في واجباتها. ويندر أن يذكر واحد من الطرفين حجج الآخر وبسبب أنصاف الحقائق قد يحدث سوء تفاهم بين الناس. وسنضرب لذلك أمثلة.. قد يشكو ابن من أن والده لا يقوم باحتياجاته ولوازمه ولا يصرف عليه، وربما يكون النصف الآخر من الحقيقة أن الأب لا يملك ما يصرفه على ابنه، ولو كان يملك ما قصر في حقه.. وقد تشكو سيدة من أن صديقة لها أخلفت موعدها معها. وربما يكون النصف الآخر أن هذه الصديقة معذورة، وقد منعها زوجها من الذهاب وهى لا تستطيع أن تصرح بهذا لأسباب خاصة وقد نحكم على طالب بأنه فاشل في دراسته، ونقسو عليه في حكمنا. وربما يكون النصف الآخر من الحقيقة أن ظروفه العائلية قاسية جدًا، لا تساعده إطلاقًا على الاستذكار، أو أن ظروفه المالية لا تساعده على شراء الكتب اللازمة ليتنا نكون مترفقين في أحكامنا، فنحن قد نرى الخطأ فقط، دون أن نرى أسبابه ودوافعه وظروفه.لقد خلق الإنسان محبًا للخير بطبيعته، وما الشر إلا دخيل عليه. وللشر في حياة الإنسان أسباب كثيرة، ربما يكون بعضها خارجًا عن إرادته. وقد يرجع بعضها إلى عوامل بيئية، أو وراثية، أو لأمور ضاغطة يعلمها الله وحده. لذلك كونوا مترفقين بالناس.. وقد يكسر إنسان قانونًا من القوانين، أو نظامًا من الأنظمة. وربما يكون هذا الكسر هو نصف الحقيقة، ويكون النصف الآخر هو خطأ في هذا القانون أو في هذا النظام يحتاج إلى تعديل.. لهذا كانت كثير من الدول تعدل في أنظمتها، وتطور في قوانينها لأن المشرعين ليسوا آلهة. ولهذا أيضًا كان المنصفون ينظرون دائمًا إلى روح القانون وليس إلى حرفيته إن الذين يتمسكون بحرفية القوانين وينسون روحها، لا يكونون عادلين في أحكامهم.. ومن أمثال هؤلاء الذين يتمسكون بحرفية وصية من وصايا الله، دون أن يدخلوا إلى روح الدين وعمقه، ودون أن يتكشفوا الأسباب والأهداف التي من أجلها وضع الله تلك الوصية والذين يتمسكون بأنصاف الحقائق، إما يفعلون ذلك عن جهل أو عن عمد وعن معرفة.. فإن فعلوا ذلك عن معرفة يكونون مدانين، لأنهم أخفوا الحقيقة، وقد يكون وراء الإخفاء خطأ آخر أبشع.. ولذلك تطلب غالبية المحاكم من الشهود أن يقولوا: "الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق" فعبارة: "كل الحق " عبارة لها وزنها ولها عمقها ومشكلة أنصاف الحقائق بدأ النقاد المنصفون يتحاشونها.. كان الناقد قديمًا يكتفي بذكر العيوب والنقائص فقط. وهكذا كان ينقص بدلًا من أن ينقد.. أما الناقد المنصف فهو الذي يحلل الأمر تحليلًا، ويذكر ما فيه من مزايا ومن عيوب، من نواحي قوة ونواحي ضعف. وقد يُرجع كل شيء إلى أسبابه، في صدق، وفي إنصاف وقد يقع الإنسان في أنصاف الحقائق نتيجة لكراهية أو تعصب أو تحيز أو ميل خاص.. مثال ذلك مدير عمل لا يذكر موظفًا معينًا إلا بالإساءة والتجريح، ولا يذكر موظفًا آخر إلا بالتقدير والإطراء، ويكون لكل منهما ما له وما عليه.. ولكنها أنصاف الحقائق وقد تدخل مشكلة أنصاف الحقائق في الرئاسة والإرادة.. فلا يتذكر المدير أو الرئيس إلا سلطته فقط، وكيف أنه صاحب حق في أن يأمر وينهى، ويعين ويعزل، كأنه متسلط في مصائر الناس. وفى ذلك ينسى النصف الآخر من الحقيقة، وهي آن الرئاسة محدودة بقانون وبضمير وبمسئولية أمام الله، وبواجبات من الرعاية الحقة وينبغي أن يحيط بها كل رئيس عمل جميع من تشملهم إدارته ومسئوليته وقد تدخل مشكلة أنصاف الحقائق في حياتنا الروحية، حينما نعمل لدنيانا فقط، وننسى حياتنا الأخرى.. حينما نهتم بكيف نعيش ههنا على الأرض، وننسى النصف الآخر من الحقيقة وهو أننا سنقدم عن حياتنا هذه حسابًا أمام الله في اليوم الأخير، يوم لا يجدي عذر، ولا ينفع شفيع وقد تدخل أنصاف الحقائق هذه في مسائل التربية.. فيظن الأب المسكين أن كل واجبه هو مستقبل أبدى من حيث تعليمه وتوظيفه، وأكله وشربه وصحته وكافة احتياجاته المادية. وينسى النصف الآخر من الحقيقة وهو واجبه حيال أبدية هذا الابن وروحياته وعلاقته بالله ومشكلة أنصاف الحقائق هذه قد تدخل في الحياة الاجتماعية، وتسبب متاعب كثيرة وبخاصة في الفهم الخاطئ للحرية. فقد يقول إنسان: "أنا حر. أفعل ما أشاء" وينسى النصف الآخر من الحقيقة وهو أن عليه أن يمارس حريته بشرط ألا يتعدى على حريات غيره من الناس فالذي يقيم حفلة ويرفع مكبرات الصوت فيها كما يشاء، وينتشر هذا الصوت العالي في كل مكان، مدعيًا بأنه حر. إنما ينسى حريات الآخرين، وكيف أن هذا الصوت قد يزعج نائمًا في فراشه، أو مريضًا محتاجًا إلى الراحة، أو تلميذًا يذاكر دروسه، أو قومًا يتحدثون في موضوع ما أو أي شخص يريد أن يستغل وقته في شيء آخر غير سماع هذا الحفل ليتنا ننظر إلى الحقائق كاملة.. ولا نكتفي بأنصاف الحقائق، لئلا تضللنا.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
30 أغسطس 2022

أقوال بعضِ الاباء القديسين الاوائل في الدينونة

قال القديس دوروثاؤس: إنه لا شيء أردأ من الدينونةِ للإنسان، لأن بسببها يتقدم إلى شرورٍ ويسكن في شرورٍ، فمن دان أخاه في قلبهِ وتحدث في سيرتهِ بلسانهِ، وفحص عن أعمالهِ وتصرفاتهِ، وترك النظرَ فيما يُصلِح ذاتَه، وانشغل عما يلزمه بما لا يلزمه من الأمورِ التي ينشأ عنها الازدراءُ والنميمةُ والملامةُ والتعيير،فحينئذ تتخلى المعونةُ الإلهية عنه، فيسقط فيما دان أخاه عليه. أما النميمةُ فتصدر من ذاك الذي يخبر بما فعله أخوه من خطايا شخصية، فيقول عنه إنه فعل كذا وكذا.وأما الدينونة،فبأن يخبر بما لأخيه من خُلقٍ رديء، فيقول إنه سارقٌ أو كذاب أو ما شابه ذلك، فيحكم عليه بالاستمرار فيها وعدم الإقلاع عنها. وهذا النوع من الدينونة صعبٌ جداً،ولذلك شبَّه ربنا خطية الدينونة بالخشبة، والخطية المدانة بالقذى. من أجل ذلك قَبِلَ توبةَ زكا العشار، وصفح عما فعله من آثامٍ، وشجب الفريسي لكونِه دان غيرَه، مع ما له من صدقةٍ وصومٍ وصلاةٍ وشكرٍ لله على ذلك. فالحكم على خليقةِ الله، يليق بالله لا بنا، فدينونةُ كلِّ واحدٍ وتزكيته هي من قبل الله وحده،لأنه هو وحدَه العارف بسرِّ كلِّ إنسانٍ وعلانيته. وله وحده إصدار الحكم في كلِّ أمرٍ وعلى كلِّ شخصٍ. إذ يتفق أن يعمل إنسانٌ عملاً بسذاجةٍ وبقصدٍ يرضي الله، وتظن أنت غير ذلك، وإن كان قد أخطأ، فمن أين تعلم إن كان تاب وغفر الله له، أو إن كان الله دانه في العالم إزاء ذنوبهِ؟فالذي يريد الخلاص إذن،ليس له أن يتأمل غيرَ نقائص نفسِه،مثل ذلك الذي رأى أخاه قد أخطأ فبكى وقال:"اليوم أخطأ هذا الأخ، وغداً أخطئ أنا، وربما يُفسح الربُ لهذا فيتوب، وقد لا يُفسح لي أنا». فبالحقيقة ويلٌ لمن يدين أخاه فإنه سيُهلك نفسَه بكونِه صار دياناً، ولكونهِ يؤذي الذين يسمعونه.وعنه يقول النبي: "ويلٌ للذي يسقي أخاه كأساً عكرة». وكذلك: «ويلٌ للذي من قِبلهِ تأتي الشكوك». أما أصلُ هذا كلِهِ فهو عدم المحبة، لأن المحبةَ تغطي كلَّ عيبٍ. أما القديسون فإنهم لا يدينون الأخَ، لكنهم يتألمون معه كعضوٍ منهم، ويشفقون عليه ويعضدونه ويتحايلون في سبيلِ خلاصِهِ، حتى ينشلونه كالصيادين الذين يرخون الحبلَ للسمكةِ قليلاً قليلاً حتى لا تخرق الشبكةَ وتضيع، فإذا توقفت سَوْرةُ حركتِها حينئذ يجرونها قليلاً قليلاً، هكذا يفعل القديسون، فإنهم بطول الروح يجتذبون الأخَ الساقطَ حتى يقيموه، كما فعل شيخٌ إذ جلس على الماجورِ الذي كانت تحته المرأة، لكي لا يجدها أولئك الدين نمُّوا على الأخ ... بشفقةٍ ومحبةٍ، لا باستنقاصٍ وتعيير. شيخٍ من الشيوخ القديسين أنه سكن قريباً من الديرِ، وكان ذا نفسٍ راجحةٍ في الصلاح، فجاوره أخٌ راهب.واتفق في غيبة الشيخِ أن طغى الأخُ وفتح قلايتَه، ودخل فأخذ زنابيلَه ومصاحِفَه.فلما رجع الشيخُ وفتح قلايته، لم يجد زنابيلَه ولا باقي حاجاته، فجاء إلى الأخِ ليخبره بما جرى له.وبدخولهِ قلاية الأخ وجد زنابيله ومصاحفه في وسطِها، لأن الأخَ لم يكن بعد قد خبأها. فلمحبةِ الشيخ، رأى ألا يحرجه، أو يوبخه، أو يخجله، فتظاهر بوجود ألم في بطنِهِ، ويحتاج الأمر لزوالهِ إلى قضاء الحاجة، فدخل بيتَ الراحةِ وأبطأ فيه وقتاً طويلاً، حتى إذا تأكَّد أن الأخَ خبأها، خرج الشيخُ وبدأ يكلمه في أمورٍ أخرى ولم يوبخه. وبعد أيامٍ قليلةٍ، عثروا على زنابيل الشيخ عند الأخ، فأخذه قومٌ وطرحوه في الحبسِ، فلما سمع الشيخُ أنه في الحبسِ ولم يكن يعرف العلةَ التي من أجلها حُبس، قام وجاء إلى الرئيس، وقال له: "اصنع محبةً وأعطني بيضاً وخبزاً قليلاً». فقال له ذاك: «من البيِّن أنه يوجد عندك اليوم ضيوفٌ». فقال له: «نعم». فأخذ الشيخُ ما طلبه، ومضى إليه في الحبسِ، ليجد الأخُ غذاءً من الطعام.فلما دخل ليفتقدَه، خرَّ الأخُ على رجليه وقال:"يا معلم، لقد جيء بي إلى ههنا، لأني أنا هو الذي سرقتُ زنابيلك، ومصاحفك تجدها عن فلان، وثوبك تجده أيضاً عند فلان».فقال له الشيخُ: "بالحقيقيةِ يا ولدي، اِعلم تماماً أني لستُ من أجل هذا الأمر دخلتُ إلى الحبس، ولم أعلم بوجهٍ من الوجوه أنك جئتَ من أجلي إلى ههنا، لكني سمعتُ أنك محبوسٌ فاغتممتُ، وجئتُ مصلحاً لك طعاماً تتغذى به، فاقبل الخبزَ والبيضَ وخذه من أجلِ محبتي».ثم إن الشيخَ خرج إلى أكابر البلد، وأعلمهم بأن هذا الأخ بريءٌ، وسألهم ألا يجلبوا على أنفسِهم خطيئةً. ولكونه معروفاً بينهم بالفضلِ والخيرِ، سمعوا لكلامِه، ولوقتهم أطلقوه، فهذا الأخُ بقي تلميذاً عند الشيخ بقية أيام حياتهِ ولم يكلِّمه بكلمةٍ واحدةٍ قط. وأيضاً قال شيخ: لا تدن الفاسقَ أيها العفيف لئلا تصير مثلَه مخالفاً للناموس، لأن الذي قال لا تزنِ، قال أيضاً لا تدِن. والرسول يعقوب يقول: «إن من حفظ الناموسَ كلَّه، وذلَّ في واحدةٍ منه، صار مُطَالباً بالجميعِ». قال يوحنا السينائي: إنه في حالِ جلوسي في البريةِ الجوانية، جاءني أحدُ الإخوة متفقداً مَن بالدير، فسألتُه:"كيف حالُ الإخوة»؟ فأجابني: «بخيرٍ بصلاتِك».فسألتُه أيضاً عن أخٍ واحدٍ كانت سمعتُه قبيحةً، فأجابني: "صدقني يا أبي، إنه لم يتُب بعد منذ ذلك الوقتِ الذي أُشيعت عنه فيه تلك الأخبار». فلما سمعتُ ذلك قلتُ: «أُف». فعند قولي «أف» أخذني سُباتٌ وكأن نفسي قد أُخذت، فرأيتُ أني قائمٌ قدامَ الجمجمة، والمسيحُ مصلوباً بين لصين، فتقدمتُ لأسجدَ له، ولكنه أمر الملائكةَ الواقفين قدامَه بإبعادي خارجاً قائلاً:"إن هذا الإنسان قد اغتصب الدينونةَ مني ودان أخاه قبل أن أدينه أنا». فوليتُ هارباً، فتعلق ثوبي بالباب وأُغلق عليه، فتخليْتُ عن ثوبي هناك.فلما استيقظتُ قلتُ للأخ الذي جاءني: "ما أردأ هذا اليوم عليَّ». فأجابني: «ولِمَ يا أبي»؟ فأخبرتُه بما رأيتُ وقلت: «لقد عدمتُ هذا الثوبَ الذي هو سُترة الله لي».ومن ذلك اليوم،أقام القديسُ هكذا تائهاً سبعَ سنين في البراري، لا يأكل خبزاً ولا يأوي تحت سقفٍ، ولا يبصر إنساناً.وأخيراً رأى في منامِهِ كأن الربَ قد أمر أن يُعطوه ثوباً.فلما انتبه فرح فرحاً عظيماً، وبعد أن أخبرنا بذلك بثلاثة أيامٍ تنيح.فلما سمعنا ذلك تعجبنا قائلين: «إن كان الصديقُ بالجهدِ يخلص، فالمنافق أين يظهر». من خبر لتادرس الرهاوي: كان بتلك النواحي حبيسٌ قديم، فمضى إليه القديس تادرس الأسقف، وسأله أن يعرِّفه بسيرتهِ من أجلِ الرب فتنفس الحبيسُ الصعداء، وتنهد من صميمِ قلبهِ وذرفت دموعُه وقال: "أما سيرتي فأنا أخبرك بها، فقط لا تُشهرها لأحدٍ إلا بعد انتقالي.فاعلم أيها الأب، أني خدمتُ بديرٍ ثلاث سنوات مع أخٍ أكبر مني، وبعد ذلك جئنا إلى البريةِ في بابل القديمة، وسكنَّا مقابرَ لم يبعد بعضُها عن بعضٍ كثيراً. وكنا نتغذى من الحشائش النامية من ذاتِها من سبتٍ إلى سبتٍ، وكنا إذا خرجنا لنجمع الحشائش لغذائنا، يتراءى مع كلِّ واحدٍ منا ملاكٌ يحفظه. ولم يكن أحدُنا يخاطب الآخر ولا يقترب منه.ففي أحدِ الأيامِ رأيتُ أخي من بُعدٍ قد قفز عن موضعٍ طائراً كأنه نجا من فخٍ، ومضى هارباً إلى قلايتهِ.فلما عجبتُ من قفزتِه، مضيْتُ إلى ذلك الموضع لأتحقق الأمرَ. فوجدتُ هناك ذهباً كثيراً،فأخذتُه ثم جئتُ إلى المدينةِ، وابتعتُ موضعاً حسناً محاطاً بسورٍ وبه عينُ ماءٍ صافٍ، فبنيتُ هناك كنيسةً، وعمَّرتُ موضعاً لضيافة الغرباءِ.وابتعتُ برسمهِ مواضعَ كافيةً للإنفاق عليه، وأقمتُ عليه رجلاً خبيراً بتدبيرِهِ. أما باقي المال، فقد تصدَّقتُ به على المساكين حتى لم أُبقِ لي منه ولا ديناراً واحداً.ثم عدتُ طالباً قلايتي، وفكري يوسوسُ لي قائلاً: "إن أخي من فشلِهِ ما استطاع تدبير ما وجده من المال، أما أنا فقد دبرتُه حسناً».في حال تفكري بهذا، وجدتُ نفسي وقد وصلتُ بقرب قلايتي، ورأيتُ ذلك الملاك الذي كان قبلاً يُفرِّحني، وإذا به ينظر إليِّ نظرةً مفزعةً، قائلاً لي: "لماذا تتعجرف باطلاً؟إن جميعَ تعبك الذي شَغَلْتَ نفسَك فيه كلَّ هذه الأيام، لا يساوي تلك القفزةَ الواحدة التي قفزها أخوك، لأنه ما جاز عن حفرةِ الذهبِ فحسب، بل عبَرَ أيضاً تلك الهوةَ الفاصلةَ بين الغني ولعازر، واستحق لذلك السُكنى في أحضان إبراهيم،من أجل ذلك فقد أصبح حالُك ليس شيئاً بالنسبةِ لحالِه بما لا يقاس، وها هو قد فاتك كثيراً جداً، ولهذا صرتَ غيرَ أهلٍ لأن ترى وجهَه، كما لن تحظى برؤياي معك بعدُ». وإذ قال لي الملاكُ ذلك غاب عن عيني.ثم إني جئتُ إلى مغارةِ أخي فلم أجده فيها، فرفعتُ صوتي باكياً حتى لم يبقَ فيَّ قوةٌ للبكاءِ. وهكذا أقمت سبعةَ أيام أطوفُ تلك البريةَ باكياً، فما وجدتُ أخي، ولا وجدتُ عزاءً، فتركتُ ذلك الموضع نادباً، وجئتُ إلى هنا، فأقمتُ في هذا العمودِ تسعاً وأربعين سنةً محارِباً أفكاراً كثيرة، وشياطين ليست بقليلةٍ، وكان على قلبي غَمامٌ مظلمٌ وحزنٌ لا يمازجه عزاء. وفي السنة الخمسين، في صبيحة الأحد، أشرق على قلبي نورٌ حلو، قشع عني غَمامَ الآلام، وبقيتُ مبتهلاً بقلبٍ خاشعٍ مُنَدَّى بدموعٍ ذاتِ عزاءٍ، فلما جازت الساعة الثالثة من النهار، وأنا ملازمٌ للصلاةِ قال لي الملاكُ: السلامُ لك من الربِّ، والخلاص. فتعزَّى قلبي».قيل:أخطأ أحدُ الإخوةِ فطُرد،فقام الأب بيساريون وخرج معه قائلاً: «وأنا أيضاً خاطئٌ».وحدث مرةً أن هفا أخٌ بالإسقيط، وانعقد مجلسٌ بسببهِ،فقام الأب بيئور، وأخذ خُرجاً وملأه رملاً وحمله على ظهرهِ،كما أخذ كيساً صغيراً ووضع فيه قليلاً من الرملِ وجعله قدامه. فسألوه:"ما هذا الخُرج المملوء كثيراً»؟ فقال: "إنه خطاياي قد طرحتُها وراءَ ظهري حتى لا أنظرها ولا أتعب لأجلِها، أما الرملُ القليل الموجود قدامي، فهو خطايا أخي، وقد جعلتُها قدامي لأدينه عليها».فلما سمع الإخوةُ ذلك انتفعوا، وغفروا للأخِر.
المزيد
29 أغسطس 2022

قوة الإيمان

لا شك أن الإيمان قوة تنقل الجبال كما قال الكتاب: «فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ» (مت17: 20)، وهو الإيمان العملي الموضوعي والشخصي في المواقف التي نتعرض لها. وهذا الإيمان هبة «لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ» (في1: 29). والإيمان يهب لمن يقتنيه قوة إبصار للطريق الروحي إذ يشعر بملكية الله على قلبه، فيعيش حياة حقيقية مع المسيح وشركة السمائيين وصداقة القديسين فيصل للحب الحقيقي. + فالإيمان فوق المعرفة: إذ يصل بالمؤمن إلى حب الله كما ورد في (1كو8: 3) «إن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا عن الله فإنه لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يعرف، ولكن إن كان يحب الله فالله معروف عنده». وإذا بدأنا بالإيمان، نصل إلى المحبة كما ورد في (2بط1: 5-8) «قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة.. لمعرفة ربنا يسوع المسيح». + الإيمان الفطري: هو ذلك الذي يربط بين النفس البشرية والله بعمق طبيعي في القلب، لأنه يكشف عن كيان أعظم من كيانه البشري المحدود، فيعطي رجاءً بلا حدود نحيا داخله. + والإيمان هو أساس البرّ: لذلك يقول «أما البار فبالإيمان يحيا» (رو1: 17)، لأن الإيمان فيه اعتراف بقدرة الله الفائقة، إذ هو قادر على كل شيء لأنه خالق كل الأشياء، فيعتمد عليه بطريقة تفوق حدود المحسوس والملموس والمعقول، بمعنى أن العقل يعطي للإنسان أقصى مجد بشري، أمّا بالإيمان فيرى مجد الله «إن آمنتِ ترين مجد الله» (يو11: 4). وكما قيل عن أبينا إبراهيم: «ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الله، بل تقوّى بالإيمان مُعطيًا مجدًا لله» (رو4: 20). من هنا كان الإيمان فائقًا للعقل، لأنه ليس مجرد استجابة منطقية لمطالب الله بل هو قبول أمر من الله يستحيل عمله بواسطة الإنسان. إذًا فالإيمان لا يتوقف على قدرات الإنسان العادية ولكنه يتعداها، فالإيمان يُزكّي الإنسان لما هو فوق الطبيعة العادية بعمل إلهي عجيب. هكذا تكون الحياة الروحية تفوق الطبيعة، فتحرّر النفس من الخطية، والانعتاق من سلطانها من خلال الإيمان بعمل دم المسيح وفاعليته في حياتنا. من هنا نستطيع أن نقول أن الصلاة تفتح مجالًا بالإيمان للشركة مع الفادي الحبيب، لبناء النفس وعمارها بعد تخريبها بالخطية، لذلك قال الرب: «إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم» (يو8: 24)، وهذا واضح أيضًا في عبور الملاك المهلك على بيوت العبرانيين بدون موت أحدهم لإيمانهم وتصديقهم بالفداء وذبح خروف الفصح عنهم. وما أقوى ما قاله القديس بولس: «فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وسَلّمَ نفسه لأجلي» (غلا2: 20)، وبناء على ذلك صار السيد المسيح ليس مجرد شخصية تاريخية وإنما قوة حياة لا تزول تعمل فينا بفدائه وبدمه، يطهرنا بتوبتنا واعترافنا، فيحوِّل ما فينا من موت إلى حياة. لذلك فنحن ضعفاء كبشر ولكن أقوياء بإيماننا، إذ نتقدم إلى الله ونطرح أنفسنا بثقة أمامه فننال مراحمه ونتمسك بصدق مواعيده ووعوده الإلهية، وهذا ما اختبره موسى الأسود ومريم المصرية وأغسطينوس وغيرهم كتائبين عبر الدهور وإلى نهاية الدهور. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل